تشارك 6 أفلام من أصل 7 لمخرجين عرب أو ذوي أصول عربية في دورة مهرجان «كان» الـ76 التي ستقام ما بين 16 و27 مايو (أيار) المقبل؛ هي من إنتاج غربي وليس عربياً.
الفيلم الاستثنائي هو إنتاج سوداني بعنوان «وداعاً جوليا» (Goodbye Julia)، إخراج محمد كردفاني. باقي الأفلام نبعت من مخيلات عربية قبل توجّهها إلى شركات فرنسية بحثاً عن تمويل. الصورة المستخلصة من هذا الوضع مؤسفة، لكون السينما العربية تخلو من القدرة على صنع أعمالها وإنتاجاتها وقراراتها بنفسها. لكن، وعلى الجانب الآخر، فإنّ وجود 7 أفلام لسبعة مخرجين عرب في هذه الدورة الجديدة من المهرجان، هو تقدّم مهني ينجزه كل فرد من هؤلاء. وهي المرة الأولى التي تجتمع فيها سبع مواهب عربية تتوزع داخل المسابقة وخارجها.
- مسافة بعيدة
قبل البحث في هذه الأفلام، لا بد من القول إنّ كل عروض مهرجان «كان»، كما أُعلنت قبل يومين، تبدو من الخارج موجّهة لتعزيز المكانة الخاصة لأكبر مهرجان سينمائي في العالم. تعلم إدارته أنّ سبيل البقاء على قمة المهرجانات السينمائية حول العالم والحفاظ على مسافة كافية بينه وبين المهرجان التالي، يمرّان عبر أنابيب عمل مكثّفة ومختلفة ومنظّمة. أحدها جذب الأسماء الكبيرة في عالم الفن السابع قبل التوجّه إلى مهرجان «فينيسيا» الذي بات شوكة في خاصرة المهرجان الفرنسي منذ أن دفع باتجاه التميّز بأفلامه وفتح الباب عريضاً لجذب الأعمال الفنية، سواء تلك التي يتصدّرها نجوم تخدم الإعلام أو لا.
هذا التنافس بين المهرجانين يترك مهرجان برلين (ثالث أكبر مهرجانات العالم) في العراء. دوراته الأخيرة لا تستطيع جذب أسماء كتلك التي تتوجّه إلى «كان» أو «برلين». مسابقة الدورة الأخيرة التي أُقيمت في فبراير (شباط) الماضي حشدت لمجموعة كبيرة من الأسماء غير المعروفة، ليس من باب التشجيع، بل لأن تلك المنتمية إلى الصف الأول تفضّل التوجّه إلى «كان» أو «فينيسيا». الاستثناء الوحيد بين أفلام المسابقة كان من نصيب الألمانية مرغريتا فون تروتا التي قدّمت «إنغبورغ باكمان- رحلة في الصحراء». بذلك كانت أكبر الموجودين بين أترابها المشاركين (من مواليد 1942)، ولم ينل فيلمها أي تقدير خاص.
- زبائن دائمون
نظرة شاملة للأفلام المشاركة في مسابقة الدورة المقبلة من «كان» تكشف عن حضور كبير للمخرجين من ذوي الأسماء الرنّانة: الفنلندي آكي كوريسماكي، والياباني هيوكازو كوري-إيدا، والإيطالي ناني موريتي ومواطنه ماركو بيلوكيو، والفرنسية كاثرين بريّا، والبريطاني كين لوتش، والمخرج التركي نوري جيلان، والألماني فيم فيندرز، والأميركيان ويس أندرسون وتود هاينز.
هذه نخبة يتمنى كل مهرجان أن يحتضن نصف مَن فيها، وهي تنضم بلا تردد لعدد من المخرجين الجدد أو الذين قطعوا نصف المسافة بينهم وبين الشهرة. من هؤلاء التونسية كوثر بن هنية، التي تعرض فيلمها الجديد «بنات ألفة» أو «أربع بنات» وفق عنوانه الإنجليزي، والفرنسية جوستين ترييه «تشريح سقوط»، وأليس رورواشر «لا شيميرا»، وراماتا تولاي سي «بانل وأداما»، ووانغ بينغ «شباب».
الكثير من المذكورين، جدداً أو مخضرمين، من زبائن المهرجان ولا عتاب إذا ما رغب «كان» في تشكيل فريقه من المخرجين الذين يؤمّونه كلما كان لديهم جديد.
وإذا أضفنا إلى من سبق وجود مارتن سكورسيزي بفيلمه «قتلة فلاور مون»، وستيف ماكوين عبر «مدينة محتلة»، وجيمس مانغولد بجزء خامس من مسلسل «إنديانا جونز»، كما الياباني تاكيشي كيتانو بفيلم «Kubi»، فإن ثروة هذه الدورة الجديدة لا تقدّر بثمن.
لم ينجُ المهرجان خلال السنوات القليلة الماضية من تهمة اهتمامه بالزبائن التقليديين على حساب الانفتاح على التجارب الجديدة. ولا من تهمة تحديد العنصر النسائي بحفنة من الأسماء التي تبدو رفع عتب.
في الحالة الأولى، كانت الشكوى في محلّها، لكن الداعي إلى تشكيل فريق من المخرجين الذين يعودون إليه كلما أنجزوا فيلماً جديداً كان أقوى. هذا العام، توسّع أكثر من السابق في ضم الأسماء الجديدة سواء الآتية من أفريقيا أو آسيا أو أوروبا.
بالنسبة إلى التهمة الثانية، أقرّ مدير المرجان تييري فريمو، بأنه يمكن للحدث أن يستوعب أكثر من العدد المحدود السابق من صانعات الأفلام. هذا العام، نجد أنه ضمّ خمس مخرجات (عِوَضَ ثلاث كما الحال سابقاً) داخل المسابقة، وواحدة خارجها هي الفرنسية مايوَن التي سيفتتح فيلمها «جين دو باري» الدورة في السادس عشر من الشهر المقبل.
- شريط النجوم
في مؤتمره الصحافي المعتاد لإعلان أفلام المهرجان، ذكر فريمو أنه وفريقه شاهدوا أكثر من 2000 فيلم. وعدَّ، عن حق، أن العدد الكبير يعكس «الوضع الصحي» للسينما العالمية و«الطموح لصنع الأفلام حول العالم».
الحضور الفرنسي (تلك الأفلام المنتجة فرنسياً بالكامل) يتقلّص داخل المسابقة هذه السنة. هناك «اشزيخ سقرط» لجوستين ترييه، و«الصيف الأخير» لكاثرين بريّا، و«شغف دودان بوفا» لترا آن هونغ .
في المقابل، لا يزال الحضور الأميركي يشكّل نقطة ارتكاز أساسية للمهرجان، لجهة أنه الاستعراض الإعلامي الكبير المنتظر. كل مخرج يحضر هذه السنة (كما الحال في السنوات السابقة) هو اسم مهم لدى الصحافة والإعلام عموماً، بالإضافة إلى من يستقل الطائرة معه ليحطّ في قلب العاصمة السينمائية الفرنسية.
مثال على ذلك، سيصل ويس أندرسن (أحد المخلصين للمهرجان ويعرض فيه معظم أعماله)، ومعه بطلته المفضلة تيلدا سوينتن وبصحبتهما توم هانكس ومارغوت روبي وسكارلت جوهانسن، وهم أبطال فيلمه الجديد «أسترويد سيتي».
تود هاينز سيعرض «ماي ديسمبر» (May December) وفي حوزته كل من نتالي بورتمن وجوليان مور.
أما الصحبة التي ستواكب المخرج مارتن سكورسيزي حين يعرض «قتلة فلاور مون»، فستتألف من ليوناردو دي كابريو وروبرت دينيرو وبراندن فريزر (الفائز بـ«أوسكار» أفضل تمثيل أول عن «الحوت»).
جوني ديب سيؤمّ المهرجان لكونه الممثل الرجالي الأول في فيلم الافتتاح «جين دو باري»، وجيمس مانغولد سيصل مع هاريسون فورد وأنطوني بانديراس وربما ماس ميكلسن تمهيداً لعرض «إنديانا جونز والقدر» (Indiana Jones and the Dial of Destiny).
- المشاركة العربية
بالعودة إلى المشاركة العربية، نجد فيلم محمد كردفاني «وداعاً جوليا»، يمثّل السودان في قسم «نظرة ما»، وهو الحضور الأول للسودان في تاريخ المهرجان. الأمر طبيعي، نظراً لأنّ صناعة الأفلام في ذلك البلد العربي، مثل زرع نباتات صحراوية في ألاسكا. هو أيضاً ثاني فيلم أفريقي مشترك في المهرجان هذه السنة إلى جانب الفيلم المالي- السنغالي «بانل وأداما» لراماتا-لولاي سي الذي سيعرض داخل المسابقة.
فيلمان لمخرجين عربيين أو من أصول عربية، تضمهما المسابقة الرسمية هما «بنات ألفة» للتونسية كوثر بن هنية، و«فايربيرد» لكريم عينوز. الأول بمساهمة فرنسية أساسية، والثاني بمساهمة بريطانية كاملة.
خارج المسابقة، نجد إلياس بلقدور وراء فيلم فرنسي بعنوان «عمر الفريز» (Omar La Fraise). من كندا، تطل المخرجة منيا شكري في فيلم «بسيط مثل سيلفان»، في حين اتجهت المغربية أسماء المدير إلى إنتاج فرنسي (بمساهمة مغربية) لفيلمها الجديد «كذب أبيض». وفي فرنسا أيضاً، وجد كمال الأزرق تمويله لفيلم «قطعان» المعروض، كحال أفلام كردفاني، والمدير، وشكري، في مسابقة «نظرة ما».