جفاف غير مسبوق يضرب تونس ويهدد بموسم حبوب «كارثي»

شح المياه الأشد خلال 3 عقود

صورة تظهر تراجع معدل المياه في سد سيدي سالم أكبر سدود تونس (أ.ف.ب)
صورة تظهر تراجع معدل المياه في سد سيدي سالم أكبر سدود تونس (أ.ف.ب)
TT
20

جفاف غير مسبوق يضرب تونس ويهدد بموسم حبوب «كارثي»

صورة تظهر تراجع معدل المياه في سد سيدي سالم أكبر سدود تونس (أ.ف.ب)
صورة تظهر تراجع معدل المياه في سد سيدي سالم أكبر سدود تونس (أ.ف.ب)

يردد التونسيون المثل الشعبي «مطر مارس ذهب خالص»، لكن انحباس الأمطار هذا العام ينذر بموسم إنتاج حبوب «كارثي» في تونس التي تمر بأزمة جفاف وشح غير مسبوق في المياه.
يمشي المزارع والمستثمر الطاهر الشواشي 65 عاماً متثاقل الخطى في أحد حقوله البالغة مساحته 31 هكتاراً في منطقة مجاز الباب في شمال غرب البلاد، بينما شرع العمّال في حرثه ذهاباً وإياباً وقطيع الأغنام يرعى بعض السنابل التي تمكنت من النمو سنتيمترات قليلة.

ويقول لوكالة الصحافة الفرنسية بينما يقطف سنبلة خالية من الحبوب: «لم نشهد جفافاً بهذه الحدة من قبل، خلال السنوات الأربع السابقة كان هناك جفاف وانتظرنا أن تنزل الأمطار هذا الموسم، لكن فوجئنا بجفاف أشد لم نشهد هذا منذ ثلاثين عاماً»، ويضيف: «بذور القمح ظلت تحت التراب وهلكت بسبب الجفاف».
وتشهد تونس ذات المناخ شبه الجاف تراجعاً كبيراً في تساقطات الأمطار وشحاً في الموارد المائية، ما أثر بشكل مباشر على الزراعة، خصوصاً قطاع الحبوب.
زرع الشواشي نحو 600 هكتار قمحاً وشعيراً وبقوليات وكان يعول على الأمطار لريها، لكن بسبب شح المياه، سيعطي 70 هكتاراً فقط بعض الحبوب تصلح خصوصاً علفاً للمواشي.

لم يتجاوز معدل المتساقطات في منطقته خلال فصل الخريف والشتاء مائة مليمتر، لذلك قرّر كما العشرات من المزارعين في منطقته حرث ما نبت من المحصول أو تخصيصه مرعى لقطعان الأبقار والأغنام.
وتعد منطقة مجاز الباب وكامل محافظة باجة «مطموراً» (مزوداً) أساسياً لكامل محافظات البلاد بالقمح والحبوب.

تمكن الشواشي الموسم الماضي من حصد أكثر من 10 آلاف قنطار من الحبوب (ألف طن)، لكن آماله ضعيفة في «أن يجمع ما يكفي من البذور للموسم المقبل» لأن «الإنتاج صفر».
وتكبّد هذا المزارع خسائر مالية كبيرة تناهز 600 ألف دينار (نحو 181 ألف يورو) و«أصبح الوضع لا يحتمل خسائر في كل ما أنفقناه من بذور وأسمدة وأدوية ورواتب عمّال لا نعرف إلى ما ستؤول الأمور».
على بُعد نحو 20 كيلومتراً عن أرض الشواشي، يقع سد سيدي سالم الأكبر لتجميع المياه، إلا أن معدل الامتلاء لم يتجاوز 16 في المائة.
أمام هذا الوضع غير المسبوق، أقرت السلطات الزراعية إجراءات مستعجلة نهاية مارس (آذار) من أجل التحكم في الموارد المائية، وأقرت نظام حصص لتزويد المياه الصالحة للشرب، كما منعت استعمال المياه في الزراعة وري الحدائق وغسل السيارات حتى سبتمبر (أيلول) المقبل.
تحتاج السوق الاستهلاكية التونسية إلى 30 مليون قنطار من القمح والشعير سنوياً وتستورد في غالب الأحيان 60 إلى 70 في المائة من حاجياتها من الأسواق الخارجية، خصوصاً أوكرانيا وروسيا.
لكن هذا العام «محصول الحبوب كارثي، لن يتعدى الإنتاج 2.5 مليون قنطار سنجمع منها 1.5 مليون قنطار فقط، مقارنة بالسنة الماضية 7 ملايين قنطار»، على ما يوضح المتحدث الرسمي باسم «الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري» أنيس خرباش لـ«الوكالة الفرنسية».
ونتيجة لذلك «لن نستطيع جمع حتى البذور للموسم المقبل والبلاد ستضطر لتوريد كل حاجياتها للاستهلاك الداخلي من قمح لين وصلب وشعير من الخارج»، حيث قفزت الأسعار منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية ولحق توزيعها اضطرابات كبيرة.
ويدعو الاتحاد، وهو أكبر نقابة مزارعين، السلطات إلى «الإعلان عن حالة الطوارئ المائية وحالة الجفاف في القريب العاجل».
وتسهم الزراعة بـ12 في المائة في إجمالي الناتج المحلي للبلاد، لكنها تواجه مشكلات كبيرة أخرى من أهمها أن 2 إلى 3 في المائة من الفلاحين يغادرون القطاع سنوياً من مجموع 500 ألف مزارع، أكثر من 80 في المائة منهم يملكون أراضي صغيرة تقل عن 5 هكتارات.

وتشهد تونس كما باقي دول منطقة المغرب العربي تغيرات مناخية لافتة. وخلال السنوات العشر الأخيرة تساقطت أمطار منتظمة وكثيرة في سنتي 2015 و2019، أمّا بقية السنوات فكانت جافة. وفي ديسمبر (كانون الأول) الفائت وخلال موسم البذر كانت الحرارة أعلى بـ3 درجات عن المعدلات العادية.
تعتبر الخبيرة في الموارد المائية والتغيرات المناخية روضة قفراج أن التغيرات المناخية و«انحراف المناخ» سبب رئيسي في نقص المياه.
وتوضح لـ«الوكالة الفرنسية» أنه «مع تغير المناخ، من الضروري للغاية إعادة التفكير في طرق الزراعة. لم يعد من المنطقي تخصيص 80 في المائة من الموارد المائية لـ8 في المائة من الأراضي الزراعية السقوية وترك الزراعة البعلية من دون ماء».

تطرح الخبيرة حلولاً تعتمد أساساً على توظيف التكنولوجيا لتوجيه المياه النادرة بطريقة تضمن الحصول على نتائج بأقل كميات من المياه.
ووفق الخبيرة، «نتحدث اليوم عما يسمى الزراعة الذكية أو الدقيقة، التي تعتمد على الذكاء الصناعي وعلى بيانات الأقمار الصناعية. من أجل توزيع عادل للمياه في ري الحقل».
وتقول: «يمكن أن تكون التكنولوجيا في خدمة الزراعة وتضمن بالتالي الأمن الغذائي».
كذلك تدعو إلى الحد من تصدير المواد الزراعية إلى الخارج كالتمور التي تُسقى في واحات بالجنوب التونسي من مصادر مياه جوفية بشكل غير قانوني.



ارتفاع «أسعار الجملة» الأميركية يضعف توقعات خفض الفائدة

عمال يعبئون الطرود خلال «الاثنين السيبراني» بمركز «أمازون» في نيوجيرسي (رويترز)
عمال يعبئون الطرود خلال «الاثنين السيبراني» بمركز «أمازون» في نيوجيرسي (رويترز)
TT
20

ارتفاع «أسعار الجملة» الأميركية يضعف توقعات خفض الفائدة

عمال يعبئون الطرود خلال «الاثنين السيبراني» بمركز «أمازون» في نيوجيرسي (رويترز)
عمال يعبئون الطرود خلال «الاثنين السيبراني» بمركز «أمازون» في نيوجيرسي (رويترز)

جاءت «أسعار الجملة» في الولايات المتحدة الأميركية أعلى من المتوقع الشهر الماضي، مما يشير إلى توقف التقدم في مكافحة التضخم، وبالتالي إضعاف توقعات خفض أسعار الفائدة هذا العام.

وأفادت وزارة العمل، يوم الخميس، بأن مؤشر أسعار المنتجين، الذي يقيس التضخم قبل وصوله إلى المستهلكين، ارتفع بنسبة 0.4 في المائة خلال يناير (كانون الثاني) الماضي مقارنة مع ديسمبر (كانون الأول) الذي سبقه، وبنسبة 3.5 في المائة مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي. وكان الخبراء يتوقعون زيادة بنسبة 0.2 في المائة على أساس شهري، و3.2 في المائة على أساس سنوي، وفق «وكالة أسوشييتد برس».

وجاء تقرير «أسعار الجملة» بعد يوم من إعلان وزارة العمل بعض الأخبار السلبية بشأن التضخم على مستوى المستهلك، فقد ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 3 في المائة خلال يناير مقارنة بالعام الماضي، بزيادة طفيفة على 2.9 في المائة خلال ديسمبر.

وتوفر «أسعار الجملة» رؤية مبكرة لاتجاه التضخم الاستهلاكي، ويراقب خبراء الاقتصاد أيضاً بعض مكوناته، لا سيما في قطاعات مثل الرعاية الصحية والخدمات المالية، التي تؤثر على مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي؛ المقياس المفضل لدى «بنك الاحتياطي الفيدرالي».

وتصاعد التضخم في أوائل عام 2021 مع الانتعاش غير المتوقع للاقتصاد بعد عمليات الإغلاق بسبب جائحة «كوفيد19»؛ مما أدى إلى إرهاق المصانع والموانئ وساحات الشحن، وبالتالي نشوء نقص وتأخيرات وارتفاع الأسعار.

واستجابة لذلك، رفع «بنك الاحتياطي الفيدرالي» سعر الفائدة القياسي (سعر الأموال الفيدرالية) 11 مرة خلال عامي 2022 و2023. ومع ذلك، بدأ التضخم الانخفاض من ذروته عند 9.1 في المائة خلال يونيو (حزيران) 2022، إلى أدنى مستوى له عند 2.4 في المائة خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وهو قريب من هدف «البنك المركزي» البالغ اثنين في المائة. وبعد ذلك، خفض «البنك الفيدرالي» سعر الفائدة 3 مرات خلال الأشهر الأربعة الأخيرة من عام 2024.

لكن التحسن في التضخم توقف، فقد استمر تضخم أسعار المستهلك في الارتفاع على أساس سنوي لمدة 4 أشهر متتالية.

وتثير الأسواق المالية ومحللو الاقتصاد مخاوف من أن سياسات الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، قد تدفع بالتضخم إلى الارتفاع. فالتعريفات الجمركية المفروضة على السلع الأجنبية، وخططه لترحيل ملايين العمال غير المسجلين، قد تؤديان إلى زيادة الأسعار.

واستجابةً لهذا التضخم المستمر، قد يتردد «بنك الاحتياطي الفيدرالي» في خفض أسعار الفائدة بشكل أكبر. ففي ديسمبر الماضي أشار «البنك» إلى أنه يتوقع خفض أسعار الفائدة مرتين إضافيتين في عام 2025، ولكن يبدو أن هذا الاحتمال أصبح أقل الآن. ويتوقع مستثمرو «وول ستريت» خفضاً للفائدة هذا العام فقط، ولا يتوقعون أن يحدث ذلك إلا في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.