قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في يناير (كانون الثاني) الماضي: «شبه جزيرة القرم أرضنا وبحارنا وجبالنا»، مؤكداً إصرار أوكرانيا على إنهاء استيلاء روسيا غير المشروع عليها.
ويقول الدكتور سكوت سافيتس، الباحث وأحد كبار المهندسين بمؤسسة «راند» الأميركية، والدبلوماسي السابق ويليام هاريسون كورتني، في تقرير نشره موقع «راند» على الإنترنت إن أوكرانيا في الوقت الحالي ربما تفتقر إلى القدرة العسكرية لاستعادة شبه جزيرة القرم، ولكن ربما لا يزال بإمكان كييف تحقيق بعض أهدافها الرئيسية من خلال محاصرتها. وقد تسهل التكنولوجيا الحديثة ذلك.
ويشير سافيتس وكورتني إلى أن شبه جزيرة القرم جزء من أوكرانيا قانونياً، رغم أنها خاضعة لسيطرة روسيا منذ عام 2014 وتستغلها موسكو كقاعدة مهمة للدعم اللوجيستي للقوات الروسية في المناطق المحتلة من أوكرانيا، وكذلك من أجل العمليات الجوية والبحرية.
ويؤكد سافيتس، الذي قاد دراسات عديدة لصالح البحرية وحرس الحدود في الولايات المتحدة تتعلق بموضوعات من بينها حرب الألغام البحرية، والباحث كورتني، أحد كبار الزملاء بمؤسسة «راند»، الذي كان سفيراً للولايات المتحدة في كازاحستان وجورجيا، أن استعادة شبه جزيرة القرم بالطرق العسكرية يمكن أن يكون صعباً، حيث إن شبه الجزيرة متصلة بباقي أوكرانيا بمجرد برزخ ضيق. ويمكن للقوات الروسية تحصينه إذا أرادت. وبالإضافة إلى ذلك، تفتقر أوكرانيا إلى الإمكانيات البرمائية الأساسية.
ويساور بعض داعمي أوكرانيا القلق من أنه من الممكن أن ترد روسيا على أي هجوم أوكراني على شبه جزيرة القرم بهجوم نووي. وصرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد عام من الاستيلاء على القرم بأنه مستعد لوضع الأسلحة النووية الروسية على أهبة الاستعداد. وفي مطلع هذا العام، تباهى الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف بأن أي هجوم على شبه جزيرة القرم سيؤدي إلى «هجمات انتقامية».
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن أعرب عن مخاوفه من أن الاستخدام النووي في أوكرانيا يمكن أن يؤدي إلى كارثة. وربما يكون الخوف من حدوث تصعيد نووي جزءاً من أسباب استمرار رفض الولايات المتحدة تزويد أوكرانيا بأنظمة صواريخ تكتيكية، ومدفعية صاروخية أطول مدى، إذ إن ذلك يمكن أن يجعل أوكرانيا قادرة على مهاجمة أهداف عسكرية عبر شبه جزيرة القرم.
ويرى سافيتس وكورتني أن أوكرانيا ليست بحاجة لطرد القوات المحتلة من شبه جزيرة القرم لجعلها أقل فائدة لأغراض روسيا، إذ من الممكن لتشكيلة من التكنولوجيات الحديثة أن تجعل أوكرانيا قادرة على محاصرة عمليات روسيا ومنعها. ويؤكد القائد العسكري الأميركي السابق في أوروبا الليفتنانت جنرال بن هودجز أن القوات الأوكرانية تستطيع بالإمكانيات الهجومية طويلة المدى «جعل شبه جزيرة القرم مكاناً لا يطاق بالنسبة للقوات الروسية»، بحلول نهاية فصل الصيف.
وبوسع أوكرانيا استخدام إمكانيات إضافية لتحييد معظم القوة العسكرية الروسية في شبه جزيرة القرم. فقد استعرضت كييف استخدام السفن السطحية المتفجرة غير المأهولة في هجمات ضد السفن الحربية الروسية في ميناء سيفاستوبول. والفكرة بسيطة، ومفادها أنه يتم بصورة خفية توجيه سفن سطحية غير مأهولة محملة بالمتفجرات، ومزودة بكاميرات نحو الأهداف. ويمكن لهذه التكنولوجيا الناشئة إغراق السفن الحربية الروسية، وتدمير البنية التحتية البحرية.
وأوضح الباحثان الأميركيان أن السفن السطحية غير المأهولة مناسبة تماماً للهجمات الجماعية الشبكية، وأقل تكلفة نسبياً. ويمكن تعديل النسخ الجديدة منها لجعلها أكثر قدرة على الاختفاء، بالمقارنة بالسفن المأهولة. ويمكن لهجمات واسعة النطاق باستخدام عشرات من السفن السطحية غير المأهولة أن تتسبب في أضرار كبيرة للغاية. ويمكن أن يتسبب إغراق سفينة حربية في قناة محصورة في حدوث عراقيل تحتاج لأسابيع للتخلص منها، وقد تحتاج لوقت أطول إذا كان هناك إطلاق نار.
وذكر الباحثان أن أي تحركات روسية برية سوف تواجه صعوبات، وأن أوكرانيا تستطيع أيضاً استهداف الملاحة البحرية بالسفن السطحية المتفجرة غير المأهولة، وربما أيضاً من خلال تلغيم السفن غير المأهولة لمداخل الموانئ. وتكاليف تلك السفن والألغام تعتبر ضئيلة، بالمقارنة بما سوف تسببه من تداعيات. ومن الممكن إمطار منشآت الموانئ وشبكات النقل البرية بوابل من النيران طويلة المدى.
ومن المتوقع أن تواصل روسيا إعادة تزويد شبه جزيرة القرم بالإمدادات جواً، لكن ليس بإمكان الطائرات نقل سوى قدر ضئيل مما يمكن أن تنقله المركبات البرية أو السفن. وتستطيع أوكرانيا، باستخدام النيران الأطول مدى، إضعاف هذا التدفق باستهداف مدارج الطائرات ومنشآت الوقود في شبه جزيرة القرم. ورغم إمكانية إصلاح ذلك، فإنه يكلف وقتاً ومالاً. ويمكن استهداف الطائرات على الأرض، رغم أن هذا سوف يتطلب معلومات استخباراتية حساسة.
وأكد سافيتس وكورتني أن السفن السطحية غير المأهولة يمكن أن تجعل القوات الأوكرانية قادرة على حصار شبه جزيرة القرم. فبوسع القوات الأوكرانية، بمساعدة أسلحة أخرى، منع القوات الروسية من استخدامها كملاذ آمن تهاجم منه أوكرانيا أو تهدد منه الملاحة في البحر الأسود. ومن الممكن أن تصبح القوات الروسية في شبه جزيرة القرم أقل قدرة في ظل تعرضها للهجمات، ومعاناتها من نقص الإمدادات، وعزلتها إلى حد ما. ومن ثم، بإمكان القوات الأوكرانية وضع القوات الروسية في مأزق وتحييدها في شبه جزيرة القرم، بينما تعمل على اقتلاعها من أجزاء أخرى من بلادها.
تحليل: محاصرة شبه جزيرة القرم وليس استعادتها أفضل خيار لكييف
تحليل: محاصرة شبه جزيرة القرم وليس استعادتها أفضل خيار لكييف
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة