العلاج بالطبخ… طَحن وعَجن وخَبز وحُب

علم النفس يعترف بأهميته في التخفيف من القلق والاكتئاب

إزداد العلاج النفسي بالطبخ رواجاً منذ فترة الحَجر المنزلي (الشرق الأوسط)
إزداد العلاج النفسي بالطبخ رواجاً منذ فترة الحَجر المنزلي (الشرق الأوسط)
TT

العلاج بالطبخ… طَحن وعَجن وخَبز وحُب

إزداد العلاج النفسي بالطبخ رواجاً منذ فترة الحَجر المنزلي (الشرق الأوسط)
إزداد العلاج النفسي بالطبخ رواجاً منذ فترة الحَجر المنزلي (الشرق الأوسط)

من بين كل المهام المنزلية، الطبخ هو الأقرب إلى قلب ريما. تجد ربة المنزل، وهي والدة لطفلين، في المطبخ ملجأ لها، خصوصاً عندما تكون الواجبات الأخرى متراكمة. «غالباً ما أهرب إلى المطبخ لأتسلّى وأخترع وأجرّب وصفات جديدة»، تقول ريما لـ«الشرق الأوسط». لكنها توضح أن السعادة تختفي عندما تحضّر أطباقاً «روتينية»، إذ تشعر وكأنها تقوم بفرض.
أثبتت أبحاثٌ أُجريت في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية خلال السنوات القليلة الماضية، أن العلاقة وثيقة بين الطبخ والصحة النفسية. وقد لجأ بعض الاختصاصيين النفسيين إلى العلاج بالطبخ (cooking therapy). ترسّخت تلك القناعة خلال فترة الحَجر المنزلي بالتزامن مع تفشّي وباء «كورونا»، حيث فجّر كثيرون مواهبهم في الطهو والخَبز وتحضير الحلويات.
تتذكّر لينا تلك الفترة قائلةً: «رائحة الخَبز في البيت تمنح شعوراً بالأمان. وفي مرحلةٍ كان هذا الأمر مفقوداً، كنا نبحث في اللاوعي عن رائحة أمان، لذلك لجأنا إلى تحضير الحلوى والمخبوزات». يتلاقى تحليل لينا مع رأي المعالجة النفسية سهير هاشم التي تقول ﻟـ«الشرق الأوسط»، إن «كثيرين يشعرون بالسعادة والارتياح النفسي عندما يخبزون ويصنعون الحلويات، فالتحكّم بالعجينة يجعل الشخص يشعر بأنه قادر على التحكّم بحياته وعلى اختيار إيقاعه وخطواته. كما أن الرائحة الزكيّة التي يوفّرها الخَبز مريحة على المستوى النفسي».


"التحكّم بالعجينة يُشعر الشخص بأنه قادر على التحكّم بحياته" (رويترز)
الطبخ يطرد الأفكار السلبية
إلى جانب السعادة والاسترخاء، يمنح الطبخ ثقةً بالنفس وشعوراً بالاستقلالية والاكتفاء الذاتي ويعزّز حس الإنجاز. كما أن ما يتطلّبه تحضير الحلويات والأطباق من تركيز على تفاصيل الوصفة والمقادير والوقت، يقف سداً منيعاً في وجه الأفكار السلبية ومصادر القلق والتوتر.
يستغرب المحيطون بريما كيف أنها تمضي ساعات طويلة قبل العيد، وهي تزيّن «المعمول» وتنقشه، كما لو كانت كل قطعة من حلوى التمر والجوز والفستق تحفة فنية بحدّ ذاتها. يسألونها مستغربين: «من أين تأتين بكل هذا الصبر والجلَد؟»، فتجيب من دون أن تدرك الخلفيات النفسية لرَدّها: «هذا علاج بالنسبة لي، مثلما التلوين أو الرياضة أو الحياكة علاجٌ لآخرين». لم تفكّر ريما يوماً بالطبخ من الزاوية النفسية، لكن ما تعرفه هو أنها تختبر سعادة لا توصف عندما «تنجح» قوالب الحلوى التي تصنعها، أو عندما تسمع تعليقات إيجابية ممن يتذوّقون أطباقها.


يستغرب المحيطون بريما إمضاءها ساعات طويلة في نقش "المعمول" (الشرق الأوسط)
حسب المعالجة النفسية سهير هاشم، فإنّ عدداً من زملائها بات يستعين بالعلاج بالطبخ مؤخراً وهم ينصحون به مرضاهم لِما له من فوائد. تعدّد من بينها النشاط الذي يحفّزه الطبخ، لأنه يشغّل الحواس من خلال لمس المكوّنات وشمّها والاستمتاع بألوانها. وتضيف هاشم: «الطبخ هو فعل مشارَكة ونشاط اجتماعي يجعل الناس يجتمعون حول طاولة واحدة للأكل. كما أنه يشغّل الطاقة الإبداعية، ويساعد في تنظيم الوقت». ولعلّ أهم ما في الفوائد أن بعض بديهيات الطهو تساعد بشكل كبير على التخفيف من التوتّر، من بينها تقطيع الخضراوات، وطحن المكوّنات، وعَجنها، وتحريكها، لا سيّما أن الحركة المتكرّرة تمنح الارتياح وتقلّص القلق.
القليل من الإبداع في المطبخ يُفرح قلب الإنسان، على ما تؤكد الدراسات. من خفق البيض، إلى تكثيف الكريمة، مروراً بتغميس اليدين في العجينة، كلها خطوات علاجيّة. وليس عبثاً أن ينصح المعالجون النفسيون بحضور صفوف الطبخ لمعالجة القلق والاكتئاب، إضافة إلى اضطرابات الطعام، وحتى حالات الإدمان.
أما معاينة نتيجة الطبخ بحدّ ذاتها، من الألوان إلى النكهات، فتمنح متعةً لا تُضاهى لمَن أعد الطبق. وتشير الأبحاث العيادية إلى أن إنجاز وصفة بشكل ممتاز، يزيد بشكل ملحوظ نسبة الثقة بالذات وتقديرها. ويتضاعف ذلك الشعور عندما يمنح متذوّقو الطبق لصانعه آراءً إيجابية بالنكهة.


معاينة نتيجة الطبخ تمنح متعةً لا تُضاهى لمَن أعدّ الطبق (الشرق الأوسط)
الطبخ كنشاطٍ جماعي
لا يكون الطبخ دائماً نشاطاً فردياً، بل هو غالباً ما يرتبط بالعلاقات العائلية، أو تلك التي تجمع ما بين الأصدقاء. الاجتماع في المطبخ لتحضير طبقٍ ما ثم الجلوس حول مائدة واحدة لتناوله، قد يساعد في توطيد تلك العلاقات. وللأطفال حصتهم كذلك من فوائد الطبخ، فدخولهم المطبخ مع ذويهم بين الحين والآخر لتحضير قالب حلوى أو بيتزا مثلاً، يلعب دوراً مهماً في نموّهم الذهني ومهاراتهم الحركيّة. كما أن نشاطاً من هذا النوع يساعد في تعزيز قدرتهم على التواصل والعمل ضمن فريق، وفي تنمية حس المسؤولية لديهم، وفي نموّهم العاطفي والإبداعيّ.
وبما أن الطبخ ضمن جماعة أثبت نجاعته، فإنّ صفوف الطبخ لاقت رواجاً مؤخراً، حيث تلتقي مجموعة من الأشخاص لتعلّم وصفات جديدة وتنفيذها جماعياً. يساعد هذا الأمر في التخفيف من الشعور بالعزلة، كما أن الطهو للآخرين ومعهم يوطّد العلاقات مع المجتمع المحيط ويُشعر المرء بأنه مفيد على المستوى الاجتماعي.


للأطفال حصتهم من الفوائد النفسية الطبخ (أ ف ب)
ليس من الضروري أن يكون المرء بارعاً في الطهو حتى يستفيد من الآثار النفسية الإيجابية للطبخ. يمكن البدء بشكل سهل وتحضير طبق بسيط للاستهلاك الشخصي. وينصح الخبراء النفسيون بالاهتمام بالتفاصيل المرافقة لعملية التحضير، كترتيب الأواني وقياس المقادير، إذ إن ذلك يساعد في التأمّل والاسترخاء. من المجدي كذلك الاستعانة بالأصدقاء والأقرباء للاستماع إلى نصائحهم وتعليماتهم فيما يتعلق بتحضير طبق معيّن، الأمر الذي يعزز التواصل الاجتماعي.
ربما لم تعرف الجدّات والأمهات أنّ الذي، لطالما اعتبرنه واجباً منزلياً، سيتحوّل إلى علاجٍ يمنح الطمأنينة والاسترخاء للملتجئين إليه. تلفت المعالجة سهير هاشم تعليقاً إلى أن «الحالة النفسية التي نعيشها تؤثّر على الطبخ وقد تختلف النكهة حسب الأحاسيس». فكم من ربة منزل تقول إن الطبق يفقد الكثير من لذّته عندما تكون غاضبة أو حزينة خلال طبخه؟ ربما لم تدرك الجدّات والأمهات أن الطبخ علاج، لكنهن حتماً شعرن بالارتياح عندما طهَين وأطعمنَ عائلاتهن، وليس عبثاً إذن أن يكون قد جرى توارث كل تلك الوصفات اللذيذة، أماً عن جدة.



مؤتمر النقد السينمائي يطلق رحلة استكشافية بالرياض لفن «الصوت في السينما»

المؤتمر في نسخته الثانية تناول الصوت في السينما (الشرق الأوسط)
المؤتمر في نسخته الثانية تناول الصوت في السينما (الشرق الأوسط)
TT

مؤتمر النقد السينمائي يطلق رحلة استكشافية بالرياض لفن «الصوت في السينما»

المؤتمر في نسخته الثانية تناول الصوت في السينما (الشرق الأوسط)
المؤتمر في نسخته الثانية تناول الصوت في السينما (الشرق الأوسط)

انطلقت في الرياض جلسات مؤتمر النقد السينمائي الذي تنظمه هيئة الأفلام في نسخته الثانية، لينقل حضوره إلى الجانب الآخر من الشاشة الكبيرة، ومستكشفاً المسار الفكري والمهني الثري الذي تمر به الأفكار قبل تشكّلها أفلاماً.

وشهد افتتاح المؤتمر، الأربعاء، الاحتفاء بالرائد والمخرج السعودي عبد الله المحيسن، المولود عام 1947، أحد رواد صناعة السينما السعودية، وأول متخصص سعودي في السينما وضع اللبنات الأولى لمفهوم صناعة السينما في المملكة.

ورحب رئيس هيئة الأفلام عبد الله آل عياف، بضيوف المؤتمر، وقال: «مرحباً بكم في مدينة الرياض، المدينة الممزوجة بعبق الماضي وألق المستقبل، مدينة تستمد عظمتها من إرثها الخالد، وتبني مجدها بيدين إحداهما تنغرس عميقاً في جذور التراث والتاريخ، وأخرى تمتد عالياً لتعانق المستقبل».

وأكد آل عياف خلال كلمته الافتتاحية للمؤتمر، أن مدينة الرياض تعد المكان المثالي لملتقى فريد من نوعه مثل هذا، فهي من جهة قلب مستقبل صناعة السينما في المنطقة بسوقها الأكبر الذي يبشر باقتصاد قوي، ومن جهة أخرى حضن الثقافة ومستقبل الفكر، مشيراً إلى أن قطاع الأفلام في السعودية أضحى واعداً ومؤثراً على الصعيد الإقليمي والدولي.

عبد الله آل عياف رئيس هيئة الأفلام في افتتاح المؤتمر (الشرق الأوسط)

وأضاف: «انطلاقاً من (رؤية السعودية 2030) تولي هيئة الأفلام اهتماماً كبيراً بتأسيس وتطوير واستدامة قطاع أفلام قوي وحيوي، وانطلاقاً من أهمية تمكين النقد كأداة فكرية وفنية تنير الطريق للسينما وتفتح نوافذ جديدة لها، يأتي هذا المؤتمر بوصفه منصة تجمع بين النقاد والمبدعين، تتيح لهم فرصة لتبادل الأفكار والخبرات، وصولاً إلى تشكيل وعي سينمائي عربي أعمق ينقلها نحو آفاق عالمية دون التخلي عن الأصالة والهوية».

وأشار آل عياف إلى أن موضوع المؤتمر لهذا العام، «الصوت في السينما»، اختير لأن «الصوت هو نصف التجربة السينمائية الذي يحكي ما لا تستطيع أن تحكيه الصورة، سواء كان الصوت موسيقى تصل مباشرة إلى الروح، أو حواراً يظهر الحقيقة، أو صمتاً هو أقوى من كل صوت، فإن الصوت هو صنو الصورة في حمل الفيلم والسينما إلى تحقيق التأثير المطلوب».

من جهته، رحب مشاري الخياط، المشرف العام على مؤتمر النقد السينمائي الدولي، بضيوف المؤتمر الذي يجمع نخبة من صناع الأفلام والمثقفين والإعلاميين للاحتفاء بمسيرة النقد السينمائي، الذي بدأ بوصفه أداة للتعبير عن الذات واستكشاف التحديات المجتمعية، وقد تطور مع مرور الزمن ليصبح منارة تضيء دروب الفنانين وتلهم الأجيال الجديدة من المبدعين.

وقال الخياط: «اليوم ونحن نواصل رحلة السينما السعودية، نعتزّ بما تحقق من إنجازات، حيث نجحت السينما السعودية في الوصول إلى أفق العالمية، وأصبح النقد جزءاً لا يتجزأ من هذا التطور، يسهم في تعزيز جودة الأعمال السينمائية وإبراز روحها».

ندوة افتتاحية عن تجربة ومسيرة المخرج السعودي عبد الله المحيسن (الشرق الأوسط)

وأبدى الخياط سعادته وسروره باستضافة مؤتمر هذا العام، للرائد والمخرج السعودي عبد الله المحسين، أحد أهم رموز السينما السعودية والعربية، الذي أثرت أعماله الرائدة في مسيرة السينما، ولدى كثير من صناع الفيلم ومبدعيه.

وأضاف: «كان ولا يزال المحيسن أحد أبرز رواد السينما السعودية، وأحد أعمدتها في توثيق تاريخنا وعكس قصصنا، وجاءت أفلامه مثقلة بتطلعاته وأفكاره بصفته مثقفاً سعودياً وعربياً، تطرح قضايا عميقة تعكس تحولات المجتمع السعودي والعربي، واستحق نظيرها نيل جوائز محلية وإقليمية، بوصفه من أوائل السعوديين الذي شقوا طريق السينما السعودية نحو الساحة العربية والدولية، وأصبح مثالاً في الإبداع والإصرار لدى عدد من الأجيال».

وتستمر أعمال مؤتمر النقد السينمائي⁩ الدولي في نسخته الثانية بمدينة الرياض لأربعة أيام، حيث يلتقي الخبراء وصناع الأفلام والمبدعون في رحلة استكشافية لفن «الصوت في السينما» الذي اختير موضوعاً لمؤتمر هذا العام، ‏ويمثل حدثاً شاملاً لكل محبي السينما لاستكشاف خفاياها ولقاء صنّاعها وروّادها ونقادها في حدث متكامل يضم عشاق الشاشة الكبيرة بكل مجالاتها.