يصل الرئيس الفرنسي اليوم، إلى هولندا في «زيارة دولة» لمدة يومين، تعقب تلك التي قام بها الأسبوع الماضي إلى الصين، ويرافقه فيها 7 وزراء رئيسيين من حكومته. ورغم أن هذه الزيارة هي الأولى من نوعها منذ أكثر من 20 عاماً، ولا ترتدي الأهمية نفسها التي لسابقتها، فإنها تحل بعد الجدل الذي أثارته تصريحات إيمانويل ماكرون بخصوص العلاقة مع الولايات المتحدة، ودعوته الدول الأوروبية لعدم الانجرار وراء واشنطن في سياستها المعادية للصين، خصوصاً بشأن مستقبل تايوان، إلى جانب تركيزه على ضرورة بلوغ الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية.
وقالت مصادر قصر الإليزيه، في معرض تقديمها للزيارة، إنها «انعكاس للتقارب الفرنسي - الهولندي ونتيجة للهزات العميقة التي ضربت الاتحاد الأوروبي»، والمتمثلة بخروج بريطانيا منه، وحاجة هولندا اليوم لحلفاء بديلين «بعد خسارتها بريطانيا، حليفها الرئيسي السابق» داخل الاتحاد. أما من الجانب الفرنسي، فإن باريس ترى فيها ثمرة من ثمار ما يدعو إليه الرئيس ماكرون منذ وصوله إلى قصر الإليزيه في ربيع عام 2017، أي «السيادة الأوروبية، تحديداً في بعديها الاقتصادي والصناعي».
يضاف إلى ما سبق، أن المواقف الفرنسية - الهولندية قد تقاربت بشأن هذا الملف منذ انطلاق الحرب الروسية على أوكرانيا، فضلاً عن تغير الرؤية المتبادلة لكل طرف للآخر، حيث كانت تعد هولندا «أكثر ليبرالية وتقشفاً»، فيما كان ينظر لفرنسا على أنها «أكثر تضامناً وحمائية». وترصد المصادر الرئاسية بُعدين للزيارة: أولهما تاريخي نظراً للعلاقات القديمة القائمة بين الطرفين، وسيكون التعبير عنها بمناسبة العشاء الرسمي الذي يقدمه ملك هولندا مساء اليوم الأول في القصر الملكي بأمستردام بدعوة من الملك فيليم-ألكسندر وزوجته ماكسيما. وقبل ذلك، يلقي ماكرون خطاباً رئيسياً في «معهد نيكسوس» للأبحاث المعروف في أمستردام، حيث من المنتظر، بحسب مصادر الإليزيه، أن يطرح بشكل مفصل رؤيته لـ«السيادة الأوروبية في بعديها الاقتصادي والصناعي»، وحول «الأمن الاقتصادي الأوروبي» في مواجهة القوتين المهيمنتين؛ الصين والولايات المتحدة الأميركية. ومن المنتظر أن يعرض ماكرون رؤيته لـ«الأمن الاقتصادي» الذي برزت أوجه ضعفه في الأعوام الثلاثة الأخيرة، خصوصاً مع اندلاع الحرب الأوكرانية وانكشاف أوروبا على صعيد توفير الطاقة.
وستكون الحرب في أوكرانيا الملف السياسي الأول الذي سيناقشه البلدان. وقالت مصادر الإليزيه إن الطرفين كانا بصدد الإعداد للبيان الختامي لمسائل السياسة الخارجية والدفاع، وسيتضمن التعاون في ميدان الطاقة النووية المدنية. وسيعمل وزيرا الدفاع على الانتهاء من تحضير آفاق دفاعي يفترض أن يكون جاهزاً العام المقبل. وبالتوازي، فإن شركة «نافال غروب» الفرنسية الناشطة في الصناعات الدفاعية البحرية تتنافس مع مثيلتيها الألمانية «تيسن غروب» والسويدية «كوكومس» لتزويد هولندا بـ4 غواصات كلاسيكية. وستكون هذه المنافسة أحد مواضيع النقاش بين ماكرون ورئيس الوزراء الهولندي.
وأفادت مصادر أخرى في باريس بأن ماكرون سيعمد إلى الدعوة لـ«هجوم معاكس» في بعض القطاعات الاستراتيجية التي تحتاجها الصناعة الأوروبية؛ مثل إنتاج الرقائق الإلكترونية الضرورية في الصناعات المتقدمة، مثل صناعة السيارات والطائرات وكل الصناعات الإلكترونية. وتضيف المصادر المشار إليها أن الدول الأوروبية الـ27 «أخذت تعي الحاجة للتحرك، وأن توفر بنفسها ما تحتاج إليه صناعاتها». وسيوفر يوم غد الفرصة لبحث كل هذه المواضيع بمناسبة الاجتماع الحكومي المشترك للبلدين بحضور 7 وزراء من كل جانب.
ويريد الطرفان التركيز على العمل المشترك في ميدان التجديد. وفي هذا السياق، كما قالت مصادر الرئاسة، سيتم غداً توقيع اتفاق حول «التجديد والنمو المستدام». وبهذه المناسبة، سيتم الإعلان عن مجموعة من مشاريع التعاون في قطاعات الطاقة والرقائق الإلكترونية والفيزياء الكمية (الكونتية).
وللتشديد على أهمية كل ذلك، سيزور ماكرون مختبرات الفيزياء الكمية في جامعة أمستردام قبل التقاء رئيس الوزراء الهولندي مارك روته ووزرائه. وتفيد الأوساط الصناعية في باريس بأن الأزمة الصحية «كوفيد - 19» وتبعاتها بينت التبعية الأوروبية إزاء آسيا والولايات المتحدة. وتبين الإحصاءات المتوافرة أن حصة أوروبا من الرقائق الإلكترونية تبلغ 7.5 بالمائة، وهي تعد زهيدة قياساً بما تنتجه تايوان أو اليابان وكوريا الجنوبية، فضلاً عن الولايات المتحدة.
ويشدد الأوروبيون على ما يسمونه «العشرية الرقمية» (حتى عام 2030)، التي يتعين أن تعيدهم إلى الواجهة وألا تبقيهم مهمشين وتابعين في هذا القطاع. وقد انعكس نقص الرقائق المذكورة على صناعة السيارات الأوروبية التي تراجعت بنسبة 23 بالمائة في عام 2021. وبحسب الأوساط الصناعية، فإن ما هو حاصل «لا يعني فقط المنافسة، بل يتناول مسألة السيادة الصناعية الأوروبية».
الرئيس الفرنسي اليوم في «زيارة دولة ثلاثية الأبعاد» إلى هولندا
ماكرون سيدافع مجدداً عن رؤيته لـ«السيادة الاقتصادية والتكنولوجية» الأوروبية
الرئيس الفرنسي اليوم في «زيارة دولة ثلاثية الأبعاد» إلى هولندا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة