الوثائق المسربة: الدفاع الجوي الأوكراني مجهد ويواجه خطراً كبيراً

الجيش الأوكراني يُطلق صاروخاً مضاداً للطائرات (أرشيف - رويترز)
الجيش الأوكراني يُطلق صاروخاً مضاداً للطائرات (أرشيف - رويترز)
TT

الوثائق المسربة: الدفاع الجوي الأوكراني مجهد ويواجه خطراً كبيراً

الجيش الأوكراني يُطلق صاروخاً مضاداً للطائرات (أرشيف - رويترز)
الجيش الأوكراني يُطلق صاروخاً مضاداً للطائرات (أرشيف - رويترز)

كشفت الوثائق الأميركية التي تم تسريبها مؤخراً أن أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية تواجه خطراً كبيراً، وأنها بحاجة إلى تعزيزات وتدفق ضخم للذخائر لمنع القوات الجوية الروسية من تغيير مسار الحرب.
ووفقاً لصحيفة «نيويورك تايمز»، فلأكثر من عام أبقت الدفاعات الجوية الأوكرانية، معززة بالأسلحة الغربية، الطائرات الروسية في مأزق.
ففي الأيام الأولى من الغزو، حاولت الطائرات الروسية مئات المرات قصف أهداف في أوكرانيا. لكن التفكير السريع من قبل القادة الأوكرانيين وسوء التقدير من قبل الطيارين الروس، نجحا في إبقاء العديد من الطائرات الحربية والدفاعات الجوية الأوكرانية سليمة، مما منع موسكو من السيطرة على السماء فوق ساحة المعركة.
لكن من دون تدفق هائل للذخيرة، فإن شبكة الدفاع الجوي الأوكرانية بأكملها، التي أضعفتها مؤخراً القذائف المتكررة من الطائرات من دون طيار والصواريخ الروسية، يمكن أن تنكسر، وفقاً لمسؤولين أميركيين والوثائق المسربة حديثاً للبنتاغون، مما قد يسمح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتحقيق تقدم ملحوظ في ساحة المعركة. ويشعر مسؤولو البنتاغون الآن بالقلق من تسبب وابل الهجمات التي تشنها موسكو في استنزاف مخزون أوكرانيا من الصواريخ التي تستخدمها للدفاع عن نفسها.
ويرسم تقييم البنتاغون في أواخر فبراير (شباط) والموجود في مجموعة الوثائق المسربة التي تم تداولها عبر الإنترنت الأسبوع الماضي صورة أكثر قتامة. فقد أظهر التقييم أنه من المحتمل أن يتم استنفاد أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية «إس - 300» و«بوك»، التي تشكل 89 في المائة من شبكة الدفاع الأوكرانية ضد الطائرات المقاتلة والقاذفات الروسية، بحلول شهر مايو (أيار) وفقاً لمعدل استخدامها الحالي.

وتوقعت الوثائق نفسها أن الدفاعات الجوية الأوكرانية المصممة لحماية القوات على خط المواجهة، حيث تتركز الكثير من القوة الجوية الروسية، سيتم «تخفيضها بالكامل» بحلول 23 مايو، مما يؤدي إلى إجهاد شبكة الدفاع الجوي في عمق الأراضي الأوكرانية. ويقول مسؤولون كبار في البنتاغون إن مثل هذه الخطوة ستكون تحدياً كبيراً لأوكرانيا، حيث إنها ستمنح الطائرات المقاتلة والقاذفات الروسية حرية أكبر لمهاجمة مواقع القوات الأوكرانية وأهداف المدفعية الأساسية على الأرض.
وفي خطوة لتعزيز الدفاعات الجوية الأوكرانية، أعلنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الأسبوع الماضي أنها سترسل صواريخ اعتراضية وذخائر إضافية للدفاع الجوي كجزء من حزمة مساعدات بقيمة 2.6 مليار دولار، وسيتم استخدام جزء منها لمساعدة كييف في الاستعداد لهجوم الربيع المخطط له ضد القوات الروسية. ويقول المسؤولون إن تحديد ما إذا كانت هذه الحزمة من المساعدات كافية يعتمد على عدد من العوامل، بما في ذلك ما إذا كان حلفاء الناتو يقومون بتسليم المساعدات الخاصة بهم في موعدها، وما إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يواصل رفض المخاطرة بطائراته الحربية القيمة.
وأدى إسقاط طائرة أميركية من دون طيار من قبل مقاتلة روسية فوق البحر الأسود الشهر الماضي إلى تفاقم المخاوف من أن الكرملين يبحث عن طرق لاستخدام قوته الجوية في الحرب. ولا يزال لدى روسيا قدرات جوية كبيرة، حيث تمتلك نحو 900 طائرة مقاتلة ونحو 120 قاذفة، وفقاً للدليل العالمي للطائرات العسكرية الحديثة.
وقال رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي، في مقابلة مع برنامج «مورنينغ جو» على قناة MSNBC في فبراير (شباط): «الجيش الروسي تكبد خسائر فادحة. لكن هذا الأمر لم يحدث مع القوات الجوية الروسية». ويشير تقييم في وثيقة أخرى للبنتاغون تم تسريبها إلى أن عدد الطائرات المقاتلة الروسية المنتشرة حالياً في أوكرانيا يبلغ 485 مقارنة بـ85 طائرة أوكرانية.
ولم ينف يوري إحنات، المتحدث باسم قيادة القوات الجوية الأوكرانية، أن كييف تعاني من نفاد مخزونات ذخائر الدفاع الجوي، لكنه قال إن الأنظمة الجديدة التي قدمها شركاء غربيون يمكن أن تحل محل ما تم استخدامه بالكامل.
ومن جهته، قال مسؤول دفاعي أميركي إن البنتاغون يشعر بالقلق من تدهور الدفاع الجوي الأوكراني الحالي، مؤكداً أن هذا القلق بدأ في الواقع منذ عدة أشهر. وأكد مسؤول عسكري أميركي كبير آخر أن تعزيز أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية سيكون أمراً حاسماً لمساعدة أوكرانيا على استعادة أراضيها في الربيع.



محاور العالم... بين صديق مؤقت وعدو دائم

صاروخ باليستي لحظة إطلاقه من مكان غير معلوم في كوريا الشمالية يوم 20 فبراير 2023 (أ.ب)
صاروخ باليستي لحظة إطلاقه من مكان غير معلوم في كوريا الشمالية يوم 20 فبراير 2023 (أ.ب)
TT

محاور العالم... بين صديق مؤقت وعدو دائم

صاروخ باليستي لحظة إطلاقه من مكان غير معلوم في كوريا الشمالية يوم 20 فبراير 2023 (أ.ب)
صاروخ باليستي لحظة إطلاقه من مكان غير معلوم في كوريا الشمالية يوم 20 فبراير 2023 (أ.ب)

توجد اليوم في النظام العالميّ على الساحة الكونيّة قوى متعدّدة؛ منها ما يُصنّف من القوى العظمى، كالولايات المتحدة الأميركيّة والصين، ومنها ما هو على مستوى «القوّة العظمى»، مثل فرنسا وبريطانيا وروسيا والهند... وغيرها. أما الجديد اليوم في اللعبة الجيوسياسية الكبرى، فهو تلك الدول المُصنّفة قوى إقليميّة عظمى، مثل تركيا وإسرائيل وإيران والسعوديّة والبرازيل. والجديد في دور هذه القوى الإقليميّة هو أنها قادرة على التأثير في مجريات الصراع العالميّ، وليس كما كانت عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، فهي أصبحت بيضة القبان في الصراع الكونيّ على التحالفات (Swing States)، كما أصبح لديها كثير من المرونة وحريّة القرار والخيارات في سياساتها الخارجيّة.

هناك دول تريد الحفاظ على النظام العالميّ (Status Quo Powers) القديم. وهناك دول تريد تغيير هذا النظام؛ لأن التغيير قد يُحسّن وضعها الجيوسياسيّ وموقعها على الرقعة الكبرى. وعليه؛ تتظّهر هشاشة المؤسسات الدوليّة، التي يفترض أن تتعهدّ الحفاظ على الأمن والسلام العالميين، وفي طليعتها مجلس الأمن. لكن هذه المؤسسات هي التي صنعت المهيمنين على النظام العالميّ. وهي من إنتاجهم، وهم من يموّل عملها. وهي تعكس موازين القوى في تركيبة النظام العالميّ. وإذا ما اختل التوازن بين القوى المهيمنة، تصدّعت هذه المؤسسات.

أحد اجتماعات مجلس الأمن (أرشيفية - إ.ب.أ)

الصديق المؤقت والعدو الدائم

تندرج بريطانيا في علاقتها بالعم سام على أنها «الصديق الدائم والعدو المؤقّت». وتندرج كل من روسيا والصين على أنهما «العدوان الدائمان للغرب»، وقد يكونان «صديقين مؤقّتين» في بعض الأحيان. تعدّ إيران العدو الدائم لروسيا، لكنها الصديق المؤقت، فهما تقاتلتا في المساحة الجغرافيّة الفاصلة بينهما في القوقاز. ويجب ألا ننسى كيف قسّم الزعيم السوفياتي الراحل جوزيف ستالين إيران، بالتعاون مع الإنجليز. حالياً، تمدّ إيران روسيا بالمسيّرات والصواريخ الباليستية في حربها على أوكرانيا. ويعيدنا هذا الأمر إلى أهميّة الدور العالمي الذي تلعبه حالياً القوى الكبرى الإقليمية. إذن لدى إيران مشروع إقليمي، وهي تلعب دوراً دولياً عقب تورطها في الحرب الأوكرانية. ألا يمكن القول هنا إن إيران تلعب لعبة الكبار؛ بوسائل محدودة؟ لكن العدو المشترك لها حالياً مع روسيا هو العم سام.

تعدّ الصين العدو الدائم لفيتنام، لكنها قد تكون الصديق المؤقت. في عام 1979، اجتاح الزعيم الصيني، دينغ تشاو بينغ، شمال فيتنام بعملية محدودة. كان هدف هذه العملية تأديب فيتنام، وإفهام الاتحاد السوفياتي أنه لا يمكن احتواء الصين. بعدها، انفتحت الصين على أميركا وتغيّر العالم إلى غير رجعة. حالياً، يدور صراع بين فيتنام والصين على الحدود البحريّة في جنوب بحر الصين.

صورة جماعية للقادة المشاركين بقمة «منظمة شنغهاي» في آستانة (أرشيفية - د.ب.أ)

تعدّ كوريا التاريخيّة عدو الصين الدائم، لكنها الصديق المؤقت حالياً، خصوصاً كوريا الشمالية. فخريطة كوريا التاريخيّة تمتد إلى عمق أراضي الصين الحالية. وعندما تدخّلت الصين في الحرب الكورية عام 1950 ضدّ القوات الأميركية، كانت فقط لرسم حدود القوّة الأميركية، حتى ولو كانت أميركا قوّة نوويّة آنذاك عكس الصين. ويقول بعض المحلّلين إن السلاح النووي لكوريا الشمالية يهدف إلى ردع كل من أميركا والصين معاً؟

تساعد كوريا الشمالية روسيا اليوم عبر مدّها بالذخيرة؛ من صواريخ وغيرها، كأنها تردّ الجميل لروسيا لأنها ساعدتها إبان الحرب الباردة. فهناك حدود مشتركة بينهما بطول 19 كيلومتراً. والعدو المشترك حالياً هو العم سام.

تعدّ روسيا الصديق المؤقت للصين، لكنها العدو الدائم، فقد تقاتلتا مرات عدّة، ووقّعتا كثيراً من المعاهدات كانت كلها تصب في مصلحة روسيا القيصريّة (معاهدة «آيغون» عام 1858). وفي بنود بعض هذه المعاهدات تخلّت الصين عن بعض الأراضي لروسيا. ألَم يتحدَّ مؤخراً رئيس تايوان الصين بأن تسترد أراضيها من روسيا إذا كانت تريد استرداد جزيرة تايوان؟ في مكان آخر، قد يمكن القول إن الصراع على مناطق النفوذ في آسيا الوسطى بين الصين وروسيا قد يأخذ منحى آخر في المستقبل القريب، فهذه المناطق تعدّ من المُسلّمات الجيوسياسية الحيويّة لروسيا عبر التاريخ. لكنها تحوّلت ومنذ صعود الصين إلى مُسلّمات جيوسياسيّة حيويّة أيضاً للصين. فكيف ستكون ديناميكيّة الصراع مستقبلاً؟ هذا مع التذكير بأن الصراع بين الكبار يفتح للاعبين الصغار خيارات استراتيجيّة متعدّدة. تساعد الصين روسيا سراً في حربها على أوكرانيا، وفق ما يقول الغرب، لكن الهمّ الصيني الأساسي ليس في مستوى العلاقة مع روسيا، لكن في نوعيّة العلاقة بالغرب، خصوصاً أميركا. فروسيا بالنسبة إلى الصين وسيلة لأهداف أكبر بكثير. وهي، أي الصين، تعي تماماً أن خيارات روسيا في علاقاتها بالغرب أصبحت جدّ محدودة، أو حتى معدومة. فلا ضير إذن في أخذ الدب الروسي تحت عباءة التنين الصيني لاستغلاله والاستفادة منه جيوسياسياً في ظلّ التحولات الكبرى.

ترتيب المحور

تبدو مؤشرات تشكّل محاور جيوسياسيّة متعدّدة واضحة وجليّة على المسرح الدوليّ، وأغلبها لضرب هيمنة الغرب؛ وبالتحديد العم سام. لكن هذا لا يعني أن العم سام بدوره لا يؤسس لمحاور جديدة تتأقلم مع المستجدّات. لذلك، وبعد نظرة من فوق على الكتلة الأوراسيّة، قد يمكن القول ما يلي:

هناك تشكّل واضح لمحور أساسي يضمّ كلاً من الصين وروسيا وكوريا الشماليّة وإيران. لهذا المحور دور جيوسياسيّ، يتظّهر أكثر ما يتظّهر في «منظّمة شنغهاي» للتعاون على المستوى المؤسساتيّ، لكنها تتعاون بطرق سريّة مختلفة؛ أهمها في الحرب الأوكرانية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون يتبادلان الوثائق خلال حفل توقيع الشراكة الجديدة في بيونغ يانغ بكوريا الشمالية يوم 19 يونيو 2024 (أ.ب)

ما يجمع هذا المحور هو العداء المشترك للولايات المتحدة الأميركية. أما ما يفرّق دول المحور بعضها عن بعض فيتمحور حول البُعد الجغرافيّ؛ إنْ كان في القرب أو الترابط، خصوصاً مناطق النفوذ وتوزّع الثروات في السهل الأوراسيّ.

لهذا المحور ترتيب هرميّ لا يمكن الهروب منه، خصوصاً أن الترتيب يعتمد على قدرات دول المحور؛ العسكريّة منها والاقتصاديّة، وذلك دون إهمال البُعد الديموغرافي. في هذا المجال، قد يمكن القول إن الاقتصاد الصيني يساوي 8 مرات الاقتصاد الروسيّ، ويساوى 43 مرة الاقتصاد الإيراني، ويساوي 560 مرّة الاقتصاد الكوري الشماليّ. يُضاف إلى ذلك أن الصين هي المنافس الوحيد والأهم للولايات المتحدة الأميركية في مجال «تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين».

وإذا قلنا إن ثلاث دول من هذه المجموعة دول نوويّة، بينما تسعى إيران إلى «النوويّ»، فهل حمى السلاح النوويّ روسيا من الهجوم على مقاطعة كورسك من قبل أوكرانيا؟ ألا يمكن القول إن فائض القوّة في بعض الأحيان قد يتحوّل إلى عبء؟