هل يمثل الذكاء الصناعي خطراً على الفن؟

صورة «الفتاة ذات الأقراط اللامعة» التي صنعها المصور و«المبدع الرقمي» يوليان فان ديكين باستخدام الذكاء الصناعي (إنستغرام)
صورة «الفتاة ذات الأقراط اللامعة» التي صنعها المصور و«المبدع الرقمي» يوليان فان ديكين باستخدام الذكاء الصناعي (إنستغرام)
TT
20

هل يمثل الذكاء الصناعي خطراً على الفن؟

صورة «الفتاة ذات الأقراط اللامعة» التي صنعها المصور و«المبدع الرقمي» يوليان فان ديكين باستخدام الذكاء الصناعي (إنستغرام)
صورة «الفتاة ذات الأقراط اللامعة» التي صنعها المصور و«المبدع الرقمي» يوليان فان ديكين باستخدام الذكاء الصناعي (إنستغرام)

تقوم أجهزة الكومبيوتر بالرسم وتأليف الموسيقى، وصارت حالياً تكتب أيضاً نصوصاً لها معنى واضح. وعادة ما تكون الكتابة من صنع تقنية الذكاء الصناعي ذات الشعبية الواسعة، «شات جي بي تي»، وهي عبارة عن روبوت يمكن لمستخدمي الإنترنت أن يطلبوا منه عمل نصوص بشأن كل شيء يمكن تخيله. كما أنها ليست سيئة للغاية.
ولا يمكن للمرء أن يعرف أن تلك الأعمال ليست من صنع الإنسان، أو على الأقل ليس للوهلة الأولى، على أي حال.
وكان الذكاء الصناعي تمكن قبل فترة من الوقت، من إكمال السيمفونية العاشرة للموسيقار الراحل، لودفيج فان بيتهوفن، من خلال نموذج «دال - إي»، وهو برنامج يبتكر فنوناً طورته شركة «أوبن إيه آي» الأميركية، تماماً مثلما قامت بتطوير «شات جي بي تي».
ومن الممكن الآن لأي شخص لديه اتصال بالإنترنت، استخدام الروبوت لإعداد نص أدبي، مع إمكانية أن تقوم التقنية الأحدث بإرفاق صور مع النص.
ويعد مثل هذا الذكاء الصناعي التوليدي مخيفاً جداً بالنسبة لبعض الأشخاص الذين يخشون من أن يكون الفن محاصراً من جانب الروبوتات.
يشار إلى أن الذكاء الصناعي هو سلاح ذو حدين، له نتائج مختلطة. فمن الممكن أن يمثل الذكاء الصناعي «تهديداً، ولكنه يمكن أن يمثل أيضاً فرصة للفنون، بناء على الطريقة التي يتم استخدامه بها».
ويقوم الأفراد الذين ينتمون للقطاعات الإبداعية أيضاً بموازنة المشهد المتغير، من بينهم كونراد تسير، وهو أستاذ في التسويق وأبحاث السوق وأبحاث الاتصالات في فورتسهايم بألمانيا. ويقول: «أعتقد أن الذكاء الصناعي له إمكانات هائلة».
وكلف تسير طلابه بصنع عمل فني باستخدام الذكاء الصناعي. فطلبوا من «تشات جي بي تي» تأليف قصيدة شعرية بأسلوب الشاعر الألماني، هاينريش هاينه، تصف شخصين يذهبان إلى سوق خاصة ببيع منتجات عيد الميلاد (الكريسماس)، ثم يتعاركان.
وقد كانت النتائج مسلية. وكانت وجهة نظر الطلاب أنفسهم أن «إمكانية رؤية الشاعر العظيم في قصائدنا التي تم صنعها من خلال تقنية الذكاء الصناعي، أمر مشكوك فيه بهذه المرحلة».
وهذه النصوص لا تتسم بإحساس أدبي. وإذا طلب المرء من «تشات جي بي تي» كتابة قصيدة بشأن قطة بأسلوب الكاتب التشيكي الراحل فرانتس كافكا، على سبيل المثال، فإنه سيحصل على عمل غير ملهم إلى حد ما عن «كيكي»، وهو قط يستيقظ يوماً ما ويلاحظ شيئاً غريباً، بأسلوب «التحول الشكلي».
ولكن هناك أمثلة أخرى أكثر إثارة للإعجاب، مثل صورة «الفتاة ذات الأقراط اللامعة» التي صنعها المصور و«المبدع الرقمي»، يوليان فان ديكين، باستخدام الذكاء الصناعي. ويعد العمل مقتبساً من لوحة أخرى أصلية تحمل اسم «الفتاة ذات القرط اللؤلؤي»، للرسام الهولندي يان فيرمير، وهي معروضة حالياً في متحف «ماورتشهاوس» للفنون في لاهاي بهولندا.

وقد تسبب ذلك في إثارة استياء بعض مشاهدي اللوحات، حيث تساءلوا عن سبب اختيار المتحف لهذا العمل تحديداً لعرضه. ويقول متحدث باسم المتحف: «لأنه وبكل بساطة، أعجبنا».
والسؤال هو: هل يمثل الذكاء الصناعي خطراً على الفن؟ وهل يمكن أن تسيطر الروبوتات على عالم الفن؟ والإجابة: ليس تماماً، بحسب ما يقوله المراقبون. وتقول المحاضرة يسيكا هيسن من جامعة توبنغن، التي تركز على القضايا الأخلاقية والفلسفية المتعلقة بالإعلام والعالم الرقمي: «يعد الفن دائماً تجربة تفاعلية، يقوم فيها الأفراد بالتفكير في ردود أفعالهم تجاه الواقع».
وتقول هيسن إن ما يقوم به الذكاء الصناعي هو التركيز على الأنماط والاحتمالات. ولكن ما ينقصه هو «الفنان كشخص، وهالة الحس الأصلي، وروح التحدي أيضاً. من تخاطب، لتشتكي بشأن عمل فني ما؟».
لذلك، عندما يتم طرح سؤال بشأن ما إذا كانت الروبوتات تشكل خطراً على الفن، فإن ذلك يعتمد كلياً على فكرة الفن الموجود لدى المرء، بحسب هيسن، مضيفة: «من المؤكد أنه سيكون هناك كثير من الأعمال التي سيتم صنعها من خلال الذكاء الصناعي في المستقبل، والتي ستقدم أعمالاً زخرفية، يمكن وضعها في المطبخ أو غرفة المعيشة، على سبيل المثال».
ولكن بحسب تسير وهيسن، فإنه يمكن للذكاء الصناعي أن يساعد في ابتكار الفن. ويقول هيسن: «يمكن للفنان أن يضع إطاراً للعمل وأن يضعه في سياقه ويقدمه». ثم يعمل الذكاء الصناعي مساعداً، بحسب تسير. «ومن الممكن أيضاً أن يسهل تقديم أشكال فنية جديدة».


مقالات ذات صلة

«دِل» تعزز التحول الرقمي في السعودية عبر 3 عقود من الابتكار والشراكة

خاص تلتزم شركة «دِل» بدعم التحول الرقمي للمملكة وتشكيل مستقبل الاقتصاد الرقمي في المنطقة (شاترستوك)

«دِل» تعزز التحول الرقمي في السعودية عبر 3 عقود من الابتكار والشراكة

«دِل» تدعم تحول المملكة الرقمي عبر استثمارات جديدة تشمل مركزاً لوجيستياً في الدمام وبرامج تدريبية تعزز الكفاءات المحلية وتدفع نحو اقتصاد رقمي متقدم.

نسيم رمضان (الرياض)
تكنولوجيا يبين التقرير أن 86% من الحوادث الإلكترونية الكبرى في 2024 أدت إلى توقف تشغيلي أو تلف سمعة أو خسائر مالية (شاترستوك)

الهجمات الإلكترونية في 2024... أسرع وأذكى وأكثر تدميراً

يظهر التقرير أن الهجمات المدعومة بالذكاء الاصطناعي يمكنها سرقة البيانات في 25 دقيقة فقط؛ ما يجعل الاكتشاف أصعب.

نسيم رمضان (لندن)
الاقتصاد رقائق أشباه الموصلات على لوحة الدوائر المطبوعة في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)

صادرات تايوان تقفز بشكل غير متوقع في فبراير

ارتفعت صادرات تايوان بشكل غير متوقَّع، في فبراير، مدفوعة بزيادة الطلب على تقنيات الذكاء الاصطناعي، مع اندفاع المشترين للتحرك قبل الرسوم الجمركية الجديدة.

«الشرق الأوسط» (تايبيه )
آسيا شعار «إنفيديا» و«ديب سيك» (رويترز)

بكين: «ديب سيك» دليل على «القدرة الابتكارية» لدى الصين

يُشكل نجاح نموذج الذكاء الاصطناعي الذي طوَّرته شركة «ديب سيك» الناشئة دليلاً على قدرات «الابتكار» لدى المجموعات الصينية.

«الشرق الأوسط» (بكين)
خاص تساعد أدوات الذكاء الاصطناعي في الكشف المبكر عن الأمراض ما يحسن نتائج العلاج ويقلل التكاليف (شاترستوك)

خاص كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل مستقبل الرعاية الصحية الرقمية في السعودية؟

يجعل الذكاء الاصطناعي الرعاية الصحية أكثر تخصيصاً وإتاحة وكفاءة بدءاً من التشخيص والعلاج وصولاً إلى تفاعل المرضى وتحسين العمليات التشغيلية.

نسيم رمضان (لندن)

مصطفى الرزاز يستحضر الذكريات والفولكلور المصري عبر «رزق البحر»

جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
TT
20

مصطفى الرزاز يستحضر الذكريات والفولكلور المصري عبر «رزق البحر»

جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)

استحضر الفنان المصري مصطفى الرزاز عناصر ورموزاً من الأساطير والفولكلور الشعبي المصري، واستدعى مَشاهد وذكريات مرَّ بها لسنوات طويلة، ثم مزج ذلك كله بفرشاته وخطوطه وخاماته المختلفة على مسطح أعماله؛ ليقدم مجموعة جديدة من اللوحات، والمنحوتات تنبض بالحياة، وتدعو إلى الاستمتاع بها.

في معرضه «رزق البحر» المُقام في «قاعة الزمالك للفن»، يترك الرزاز للمتلقي الفرصة للانغماس مع عالمه الذي جسَّده في أعماله، متنقلاً ما بين البحر والصيد والمرأة والأسماك؛ وخلال ذلك تتشبَّع عين الزائر بجماليات أعماله، ويتزوَّد وجدانه بدفء حكاياته.

الصياد وشِباك السمك (إدارة الغاليري)
الصياد وشِباك السمك (إدارة الغاليري)

يضمّ المعرض نحو 60 لوحة كبيرة، و64 لوحة صغيرة، فضلاً عن 45 قطعة نحتية، تتميّز بأنَّ «البطولة المطلقة» فيها للأسماك في المقام الأول؛ فهي ليست مجرّد عنصر رمزي، أو مفردة من البيئة تزدان بها الأعمال، لكنها ذات حضور طاغٍ، فتلتقيها على مسطّح اللوحات محمولة بعناية بين الأيدي، أو عروس للبحر، أو في صورة فرس البحر الذي يبدو صديقاً حميماً للإنسان، ورمزاً لحمايته، كما جاء في الحضارة المصرية القديمة، وغير ذلك من مَشاهد تُعزّز مكانتها.

عمل نحتي برونزي يُبرز احتفاء الإنسان بالسمك (إدارة الغاليري)
عمل نحتي برونزي يُبرز احتفاء الإنسان بالسمك (إدارة الغاليري)

اللافت أنَّ الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بعناصر العصفورة والهدهد والنبات في أعماله؛ في رمز للسلام والنماء، والتماهي مع البيئة المصرية. وبدا واضحاً أنّ لإقامته طويلاً في حي المنيل المطلّ على النيل بالقاهرة بالغ الأثر في أعماله بالمعرض؛ فقد قدَّم مَشاهد حياتية يومية عن قرب لمناظر الصيد والمراكب. يقول الفنان لـ«الشرق الأوسط»: «عندما تُشرق الشمس في صباح كل يوم، أحبُّ النظر إلى نهر النيل حيث جمال المنظر والحضارة والتاريخ».

ومن أكثر المَشاهد التي استوقفته في الصباح الباكر، حركة المراكب والاستعداد للصيد. لذلك استخدم «النظارة المُعظمة» ليتأمّلها عن قرب، فإذا به يكتشف أنَّ مَن يقُمن بالصيد في هذه المنطقة نساء.

لوحة المرأة الفلسطينية ترمز إلى نضال غزة (إدارة الغاليري)
لوحة المرأة الفلسطينية ترمز إلى نضال غزة (إدارة الغاليري)

يواصل الفنان المصري حديثه: «وجدتُ أنهن قبل الصيد يُحضّرن الفطور، ويتناولنه مع أطفالهن وجاراتهن بشكل جماعي يومياً قبل التوجه إلى العمل».

أثار ذلك اهتمام الرزاز، فتوجَّه إلى نقطة تجمعهن، والتقى معهن، ومن خلال حديثه معهن، اكتشف أنّ الرجال لا يشاركونهن الصيد في هذا المكان؛ فيقتصر الأمر عليهن لانشغال أزواجهن بالعمل في مجالات أخرى.

كما اكتشف الفنان أنّ المراكب التي يخرجن للصيد بها هي بيوتهن الدائمة؛ حيث يقمن بها، ولا مكان آخر يؤوي هذه الأسر.

«عروس البحر»... حلم قد يراود الصياد (إدارة الغاليري)
«عروس البحر»... حلم قد يراود الصياد (إدارة الغاليري)

استهوته هذه الحكايات الإنسانية، وفجَّرت داخله الرغبة في تجسيد هذا العالم بفرشاته. يقول: «كانت تجربة غنية ومفيدة جداً بالنسبة إليّ؛ مثلت منبعاً للإلهام. من هنا جاء اهتمامي بتناول البحر والأسماك والصيد في عدد من معارضي؛ منها هذا المعرض الجديد، ولا أعني هنا البحر والصيد فيه وحده، إنما نهر النيل كذلك؛ إذ إنَّ كلمة البحر في اللغة المصرية الدارجة تشير إليهما معاً».

واتخذ الرزاز قراراً بتخصيص المعرض كله للصيد، من دون الاقتصار على تجربة الصيادات الإنسانية؛ فثمة قصص أخرى للصيد في الوجه القبلي، وفي المناطق الساحلية حيث يقتصر الصيد على الرجال.

من أعمال الفنان في المعرض (إدارة الغاليري)
من أعمال الفنان في المعرض (إدارة الغاليري)

ويتابع: «سافرت إلى الإسكندرية (شمال مصر) وشاركتهم رحلة للصيد، وتأثّرت جداً بعملهم، فتشرَّبت تفاصيل حياتهم، وطريقة عملهم، وصوَّرتهم فوتوغرافياً، إلا أنني تركتها جانباً، ورسمت التكوينات من خيالي، حتى تختلف عن الرؤية المباشرة أو التسجيل».

لقطة من معرض «رزق البحر» (إدارة الغاليري)
لقطة من معرض «رزق البحر» (إدارة الغاليري)

ويرى الرزاز أنه عندما يرسم الفنان الواقع كما هو، يُفقده جمالياته وحرّيته في التعبير. لكن لماذا يمثّل البحر والصيد كل هذا الاهتمام من جانب الدكتور مصطفى الرزاز؟ يجيب: «البحر بالمفهوم الذي أشرت إليه هو نصف الدنيا، وهو مختلف تماماً عن اليابسة، وأكثر غموضاً، وسحراً، بالإضافة إلى اختلاف الكائنات التي تعيش فيه عن الأرض».

ويؤكد الفنان المصري أنّ «لمهنة الصيد خصوصيتها؛ ونموذج حقيقي لسعي الإنسان؛ فالصياد يتوجَّه إلى البحر على وجه الكريم، من دون أن يحظى براتب، ولا يمكن أن يعرف حجم أرباحه التي سيجنيها، ويرمي نفسه في البحر طوال النهار، وربما لأيام، وقد يعود بما يرضيه، وقد لا يرجع بشيء على الإطلاق».

علاقة الإنسان بالبحر تشغل الفنان (إدارة الغاليري)
علاقة الإنسان بالبحر تشغل الفنان (إدارة الغاليري)

ومن هنا، فإن حلم الصياد أن يجني سمكة ضخمة، أو سمكة تُكلّمه، أو تكون في صورة امرأة جميلة، أو داخلها «خاتم سليمان) يحقّق له كل ما يتمناه. لذلك أيضاً، كان للسمك نصيب كبير في الأساطير والحكايات الشعبية؛ فكانت هناك «أم الشعور»، و«عروسة البحر»، وغيرهما مما يُعدّ فانتازيا علاقة الإنسان بالسمك، وفق الرزاز الذي يرى أن هذه العلاقة هي مصدر إلهام للفنان، ومنبع حكايات تحفّز أي شخص على الانطلاق والسعي في الحياة.

الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بالمرأة والعصفورة رمزاً للجمال والسلام (إدارة الغاليري)
الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بالمرأة والعصفورة رمزاً للجمال والسلام (إدارة الغاليري)

وربما لم تُنافس الأسماك في أعمال المعرض -المستمر حتى 15 مارس (آذار) الحالي- سوى المرأة الجميلة بعيونها الواسعة وملابسها المزدانة بالموتيفات والنقوش الشعبية؛ انعكاساً لاهتمام الفنان بمكانتها والفولكلور المصري في أعماله من جهة، ومن جهة أخرى تعبيراً عن قوة الوطن.

فتأتي على سبيل المثال لوحة المرأة الفلسطينية التي تطلّ علينا بزيها التقليدي، حاملة صينية الأسماك الطازجة فوق رأسها، كأنها جاءت للتوّ من رحلة للصيد، تضامناً مع أهل غزة. يقول الرزاز: «يرمز هذا العمل إلى أنّ أهل القطاع المعروفين بالصيد سيستمرّون في مهنتهم، وسيبقون في مدينتهم، ولن يستطع أحد أن يغيّر شيئاً من هذا الواقع».