القطاع المصرفي العالمي ما زال عرضة للأزمات بسبب تطورات الاقتصاد الكلي

خبيران: الإجراءات الوقائية وحدها لا تكفي

لافتة تعرض اسم وشعار بنك «كريدي سويس» في بورصة نيويورك (أ.ب)
لافتة تعرض اسم وشعار بنك «كريدي سويس» في بورصة نيويورك (أ.ب)
TT

القطاع المصرفي العالمي ما زال عرضة للأزمات بسبب تطورات الاقتصاد الكلي

لافتة تعرض اسم وشعار بنك «كريدي سويس» في بورصة نيويورك (أ.ب)
لافتة تعرض اسم وشعار بنك «كريدي سويس» في بورصة نيويورك (أ.ب)

بعد أن استعادت الأسواق المالية في العالم قدراً من الهدوء وتجاوزت تداعيات أزمة بنوك «سيليكون فالي» و«سيغنتشر» في الولايات المتحدة، و«كريدي سويس غروب» في سويسرا، قال جامي ديمون الرئيس التنفيذي لبنك الاستثمار الأميركي «جي.بي مورغان تشيس»، إن الأزمة المصرفية قاربت على النهاية حتى لو انهارت بنوك أخرى.
لكن ألتو أوكومين، استشاري إدارة الأصول والاستثمارات المقيم في جنيف، وجيري هار، أستاذ إدارة الأعمال الدولية في جامعة فلوريدا الدولية، والباحث في مركز ويدرو ويلسون بواشنطن، يريان أن القطاع المصرفي في العالم يظل عرضة للأزمات في المستقبل بسبب التطورات المفاجئة للاقتصاد الكلي أو الأوضاع الجيوسياسية.
وعلى مدى السنوات العشر الماضية، سيطرت سحابة ثقيلة من التشاؤم سياسياً واقتصادياً وثقافياً على الولايات المتحدة، حيث ظلت أغلبية الأميركيين تفتقر إلى النظرة الإيجابية للحياة بشكل عام، بغض النظر عن اختلاف الطبقة الاجتماعية أو العرق أو الجنس أو المنطقة الجغرافية.
وفي 16 مارس (آذار) من العام الماضي، أعلنت لجنة السوق المفتوحة المعنية بإدارة السياسة النقدية في مجلس الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي) الأميركي الزيادة الأولى، التي تلتها 7 زيادات متتالية لأسعار الفائدة الرئيسية، فكانت النتيجة مؤلمة لكل من أسواق المال والمستهلكين العاديين. وكان النموذج الأبرز لتداعيات زيادة الفائدة انهيار بنكي «سيليكون فالي» (إس.في.بي) و«سيغنتشر بنك» الأميركيين الشهر الماضي، مع ضرورة الإشارة إلى أن الولايات المتحدة ظلت طوال العقدين الماضيين تشهد انهيار بنكين تقريباً كل شهر، لكن لم تكن بضخامة «إس.في.بي» و«سيغنتشر».
وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنترست» الأميركية، قال الاقتصاديان أوكومين وهار، إن الأزمة المصرفية الحالية ليست من ذلك النوع الذي يحدث في يوم وليلة، وإنما تشكلت عبر سنوات. وفرض قواعد جديدة لمنع أنواع معينة من الأزمات يمكن أن يحمل بذرة لأشكال أخرى من الأزمات.
وكانت قروض التمويل العقاري عالية المخاطر فجرت في عام 2008، أزمة ائتمان وموجة إفلاسات واسعة النطاق وركوداً اقتصادياً عالمياً. واحتاجت مواجهة هذه الأزمة ضخ كميات هائلة من السيولة النقدية بشكل منسق، وتنفيذ عملية إعادة هيكلة كبرى للقطاع المصرفي. وتم منع المخاطر الكبرى التي تهدد النظام المصرفي من خلال استخدام كل أشكال السيطرة على الإقراض عالي المخاطر وتعزيز ميزانيات البنوك.
لكن جاء انهيار بنك «إس.في.بي» بعيداً عن كل المخاطر والأخطاء التي كانت معروفة. فميزانيته تبدو جيدة واستثماراته مركزة في سندات الخزانة، وهو ما يتناسب مع طبيعة قاعدة عملائه وأغلبهم من قطاع التكنولوجيا. فمع انحسار جائحة فيروس كورونا المستجد، تراجع الطلب العالمي على خدمات ومنتجات شركات التكنولوجيا، فبدأت الأخيرة عمليات تسريح واسعة للعمال، واضطر عملاء البنك لسحب مدخراتهم بمعدلات أعلى من المعتاد.
في الوقت نفسه، تراجع معدل نمو الحسابات الجديدة، مما اضطر البنك لبيع محفظته من السندات بخسارة كبيرة، خصوصاً مع زيادة أسعار الفائدة، مما يقلل جاذبية السندات في السوق. وقد تبع ذلك حالة ذعر بين المودعين، فتعثر البنك في تلبية طلبات المودعين، مما استلزم تدخل الحكومة لمنع انتقال العدوى إلى بنوك أخرى.
ومع ذلك، انهار عدد من البنوك الأميركية الأصغر مثل «سيغنتشر»، لكن الصدمة الحقيقية ظهرت مع المشكلات المستمرة التي واجهها بنك «كريدي سويس» السويسري العريق البالغ عمره 167 عاماً والذي يعد من المؤسسات المالية «الأكبر من أن يتم السماح بانهيارها». ووصلت حالة الفزع إلى ذروتها، مما أجبر الحكومة السويسرية على التدخل لمنع انهيار البنك وسهلت استحواذ منافسه «يو.بي.إس غروب» عليه مقابل نحو 3 مليارات دولار.
لكن هذه الأحداث كشفت عن أوجه قصور جديدة في النظام المصرفي، وعن فكرة مثيرة للقلق تقول إنه حتى البنوك ذات الميزانية الجيدة والوضع المالي القوي والكبيرة، ليست محصنة ضد اندفاعات العملاء الغوغائيين غير العقلانيين عند ظهور بوادر أي أزمة.
ويرى أوكومين وهار أن الاقتصاد العالمي يمر بمرحلة انتقالية في ظل مؤشرات متباينة تشير إلى استمرار الضغوط التضخمية مع احتمالات ركود وشيك. ويتعين الآن على مجلس الاحتياط الاتحادي الأميركي الذي ركز على كبح جماح التضخم، التعامل مع تداعيات تشديده القوي للسياسة النقدية، مما أدى إلى الركود في أسواق السندات والعملة. وتواجه الولايات المتحدة عدة تحديات؛ منها تباطؤ الاقتصاد والعجز القياسي في الميزانية، والانتخابات الرئاسية عام 2024. كما يمكن أن يؤدي تزايد الخلافات مع كل من روسيا والصين إلى احتكاكات اقتصادية، مع حتمية فك الارتباط الجزئي مع اقتصادات الدولتين.
وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، تواجه أوروبا تحديات عديدة؛ منها صراع يستنزف الموارد وتزايد الاضطرابات الاجتماعية وأزمة مصرفية مستمرة.
وعلى المدى الطويل، على أوروبا تأمين احتياجاتها من الطاقة والتعامل مع الخلافات الآيديولوجية بين الشرق والغرب. فمحاولات إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لتقليل الاعتماد على قطاع التصنيع في الصين من خلال دعم الصناعات الأميركية تثير خلافاً أميركياً أوروبياً.
كل هذه العوامل والتحديات تدق أجراس الخطر من نشوب أزمة مصرفية جديدة، ليصبح السؤال الطبيعي: ما دور الحكومة الواجب عليها لتخفيف حدة الأزمات المصرفية ومنع نشوبها في المستقبل؟
يقول البعض إنه يجب تشديد القواعد التنظيمية، في حين يقول البعض الآخر: «اتركوا السوق تصحح أوضاعها وتعالج مشكلاتها». والحقيقة أنه لا يوجد دواء سحري للأزمات، ولا توجد طريق أمام المؤسسات المالية لعزل نفسها عن التطورات السلبية المفاجئة للاقتصاد الكلي أو الأوضاع الجيوسياسية. والملاذ الوحيد المتاح أمام المؤسسات المالية لتجنب الأزمات المستقبلية هو التأكد من قوة وضعها الرأسمالي وتنويع محافظ استثماراته وإجادة إدارة المخاطر واستخدام أحدث التكنولوجيا، والاستعانة بأفضل الموظفين، بما في ذلك الرؤساء التنفيذيون.


مقالات ذات صلة

«كوب 29» في ساعاته الأخيرة... مقترح يظهر استمرار الفجوة الواسعة بشأن تمويل المناخ

الاقتصاد مفوض الاتحاد الأوروبي للعمل المناخي فوبكي هوكسترا في مؤتمر صحافي على هامش «كوب 29» (رويترز)

«كوب 29» في ساعاته الأخيرة... مقترح يظهر استمرار الفجوة الواسعة بشأن تمويل المناخ

تتواصل المفاوضات بشكل مكثّف في الكواليس للتوصل إلى تسوية نهائية بين الدول الغنية والنامية رغم تباعد المواقف في مؤتمر المناخ الخميس.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد أشخاص يقومون بتعديل لافتة خارج مكان انعقاد قمة المناخ التابعة للأمم المتحدة (أ.ب)

أذربيجان تحذر: «كوب 29» لن ينجح دون دعم «مجموعة العشرين»

استؤنفت محادثات المناخ التابعة للأمم المتحدة (كوب 29)، يوم الاثنين، مع حث المفاوضين على إحراز تقدم بشأن الاتفاق المتعثر.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد سفينة شحن في نهر ماين أمام أفق مدينة فرنكفورت الألمانية (رويترز)

«المركزي الألماني»: خطط ترمب الجمركية نقطة تحول في التجارة العالمية

أعرب رئيس البنك المركزي الألماني عن خشيته من حدوث اضطرابات في التجارة العالمية إذا نفّذ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خططه الخاصة بالتعريفات الجمركية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد لافتة للبنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)

ناغل من «المركزي الأوروبي»: تفكك الاقتصاد العالمي يهدد بتحديات تضخمية جديدة

قال عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، يواخيم ناغل، إن هناك تهديداً متزايداً بتفكك الاقتصاد العالمي، وهو ما قد يضع البنوك المركزية أمام تحديات تضخمية جديدة.

«الشرق الأوسط» (فرنكفورت)
الاقتصاد يقف المشاركون وموظفو الأمن خارج مكان انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في باكو (إ.ب.أ)

الدول في «كوب 29» لا تزال بعيدة عن هدفها بشأن التمويل المناخي

كانت عوامل التشتيت أكبر من الصفقات في الأسبوع الأول من محادثات المناخ التابعة للأمم المتحدة (كوب 29)، الأمر الذي ترك الكثير مما يتعين القيام به.

«الشرق الأوسط» (باكو)

مصر: أعمال البحث عن الغاز الطبيعي بالبحر المتوسط «مبشرة للغاية»

وزير البترول المصري كريم بدوي خلال حديثه في مؤتمر مؤسسة «إيجيبت أويل آند غاز» (وزارة البترول المصرية)
وزير البترول المصري كريم بدوي خلال حديثه في مؤتمر مؤسسة «إيجيبت أويل آند غاز» (وزارة البترول المصرية)
TT

مصر: أعمال البحث عن الغاز الطبيعي بالبحر المتوسط «مبشرة للغاية»

وزير البترول المصري كريم بدوي خلال حديثه في مؤتمر مؤسسة «إيجيبت أويل آند غاز» (وزارة البترول المصرية)
وزير البترول المصري كريم بدوي خلال حديثه في مؤتمر مؤسسة «إيجيبت أويل آند غاز» (وزارة البترول المصرية)

قال وزير البترول المصري، كريم بدوي، إن أعمال البحث والاستكشاف للغاز الطبيعي في البحر المتوسط مع الشركات العالمية «مبشرة للغاية»، وإنه تابع ميدانياً أعمال حفر البئر الاستكشافية الجديدة (خنجر) لشركة شيفرون العالمية.

وأكد الوزير خلال المؤتمر السنوي العاشر لمؤسسة «إيجيبت أويل آند غاز»، الأحد، على أهمية «الجهود الجارية مع شركاء الاستثمار في قطاع النفط والغاز للعمل على ضخ المزيد من الاستثمارات لزيادة الإنتاج من البترول والغاز والكشف عن المزيد من الموارد البترولية بطرق اقتصادية وأقل تكلفة، ومستدامة بيئياً، مع اتباع قواعد الحفاظ على السلام».

وأشار إلى أن «العمل مستمر على تنفيذ أولويات العمل البترولي التي تشمل توفير احتياجات المواطنين من المنتجات البترولية والغاز، من خلال التركيز على تعظيم البحث والاستكشاف والإنتاج وكفاءة إدارة الخزانات، والاستفادة الكاملة من البنية التحتية لتكرير البترول وإنتاج البتروكيماويات، واستخدامها بأفضل وسيلة لتحقيق قيمة مضافة وأقصى عائد من موارد البترول والغاز، فضلاً عن استغلال الإمكانيات والخبرات في تطوير قطاع التعدين المصري ورفع مساهمته في الناتج القومي من واحد في المائة حالياً إلى ما يتراوح بين 5 و6 في المائة في السنوات المقبلة».

وأكد بدوي على أن جذب رؤوس الأموال للاستثمار في قطاع النفط والغاز، «من أهم الأولويات التي تعمل عليها الوزارة، والتي أطلقت مبادرة في هذا الصدد في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي حققت نتائج إيجابية بجذب استثمارات مصرية للقطاع الخاص في مجال الاستكشاف والإنتاج».

وشدد في هذا الصدد، على أهمية التعاون الإقليمي لتحويل الطموحات إلى حقيقة ودعم دور مصر بصفتها مركزاً إقليمياً للطاقة، وهو ما «تدعم تحقيقه البنية التحتية في مصر والتعاون مع قبرص وشركائنا من الشركات العالمية لاستغلال الاكتشافات الحالية والمستقبلية للغاز في قبرص بواسطة البنية التحتية المصرية، لاستغلال الغاز لإعادة التصدير أو كقيمة مضافة للسوق المحلية».

وأضاف الوزير: «نعمل مثل فريق واحد مع وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة على تشكيل مزيج الطاقة الأمثل لمصر»، لافتاً إلى «التزام الحكومة بهدف زيادة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة إلى 42 في المائة بحلول عام 2030، مما يتيح الاستفادة من موارد الوقود التقليدي التي تتوفر في التصدير أو صناعات القيمة المضافة».