هل تنجح مساعي إثيوبيا لدمج قوات الأقاليم في «جيش مركزي»؟

تسود حالة من القلق الحذر في إثيوبيا عقب إعلان الحكومة عزمها تفكيك قوات الأقاليم، في وقت أثيرت فيه تساؤلات حول مدى نجاح إثيوبيا في دمج قوات الأقاليم في «جيش مركزي». ويرى خبراء أن «التوجه الجديد للحكومة الإثيوبية يواجه العديد من التحديات، ومن المبكر الحكم على نجاح تنفيذه، حيث يكتنف الموقف حسابات متجذرة ومعقدة».
وأعلنت الحكومة الإثيوبية، (الخميس)، أنها تعتزم دمج جميع القوات الخاصة الإقليمية، إما في الجيش الوطني وإما في الشرطة الاتحادية أو الإقليمية. وقالت في بيان: «حددت الحكومة اتجاهاً لبناء جيش واحد قوي ومركزي، وبدأت الحكومة خطوات عملية تسمح بدمج القوات الخاصة من كل إقليم في كيانات أمنية مختلفة».
وقبل ساعات من الإعلان، أفادت وسائل إعلام محلية في إقليم أمهرة، ثاني أكبر أقاليم إثيوبيا، بوقوع اشتباكات بين قوات وطنية وإقليمية بعد رفض وحدات قوات أمهرة الخاصة «تسليم الأسلحة في إطار عملية الاندماج». وأكدت الحكومة في بيانها أن التوتر بدأ في أمهرة، لكنها ألقت باللوم فيه على «سوء فهم السياسة وعلى مجموعات (هامشية) داخل القوة الإقليمية.
ودعمت قوات أمهرة القوات الاتحادية بقيادة رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، في مواجهة القوات المتمردة في إقليم تيغراي الشمالي، عندما اندلع الصراع هناك عام 2020. وليست هذه هي المرة الأولى التي تندلع فيها الاضطرابات في المنطقة. ففي مايو (أيار) 2022، ألقي القبض على القائد السابق لقوات أمهرة، وهو منتقد بارز لآبي، وصحافيين محليين. وفي 2019 أدت انتفاضة بقيادة جنرال منشق آخر إلى مقتل رئيس الإقليم ورئيس أركان الجيش.
وكانت الحكومة الإثيوبية قد تعهدت، الشهر الماضي، بالالتزام بإعادة دمج مقاتلي «الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي»، وفقاً لما نص عليه اتفاق السلام.
وأتى الإعلان الأخير عن تفكيك الجيوش الإقليمية، في أعقاب إعلان تشكيل حكومة جديدة في إقليم تيغراي برئاسة أحمد غيتاتشو رضا، المسؤول الكبير في جبهة «تحرير شعب تيغراي»، وهو ما تلى شطب الجبهة من القائمة الرسمية للمنظمات الإرهابية، في خطوة وصفتها الحكومة المركزية بأنها «ستساهم في تعزيز اتفاق السلام».
وخلال الأشهر الماضية بدأت الحكومة في استعادة ثقة عديد القوى الدولية، على وقع جهودها لإرساء حالة استقرار سياسي وأمني داخل البلاد. وتتألف إثيوبيا من عشرة أقاليم تتمتع بدرجة من الحكم الذاتي، بدءاً من وجود قوات أمنية خاصة لكل إقليم، وانتهاء إلى الحق في استخدام لغتها الخاصة.
وقال المحلل الإثيوبي، أنور إبراهيم، إنه طبقاً للدستور الإثيوبي القائم فإن كل ولاية كانت تملك «قوات شرطية» و(ليست جيوشاً) لحفظ الأمن، لكن قبل أربعة سنوات «تطورت قدرات قوات الأقاليم وعلى رأسها قوات إقليم أمهرة إلى ما يشبه جيوشاً موازية، تمثل قوى منافسة للجيش الوطني وتتصرف في كثير من الأحيان وفق مصالح وأغراض خاصة بالإقليم، من دون النظر إلى مصالح الدولة».
واعتقد إبراهيم أن إعلان التوجه لدمج تلك القوات «خطوة جيدة»، في ظل «محاولة الدولة الإثيوبية السيطرة على تنامي عسكرة الأقاليم، والتي قد تنشئ صراعات دموية مستقبلية بين الأقاليم وبعضها بسبب الخلافات القائمة طوال الوقت على نزاعات إثنية وحدودية، أو نزاعات على الثروة والسلطة وغيرها، وهو ما حدث بالفعل في عدد من الوقائع».
ورأى إبراهيم أن «إقليم أمهرة يُمثل العقبة الكبرى أمام التنفيذ، حيث يشهد الإقليم منذ الإعلان تصاعداً لرفضه، لا سيما من السياسيين والناشطين والمثقفين الذين لا يرغبون في فقدان قوتهم الإقليمية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «بدأ ذلك يظهر شعبياً بوضوح على (السوشيال ميديا)، ووصل الأمر إلى إطلاق دعوات للتمرد ضد الحكومة المركزية». وحذر إبراهيم من «أنه إذا لم تحتوِ الحكومة هذا الرفض سريعاً، قد ينتقل الرفض إلى أقاليم أخرى»، لكنه يعتقد أن «الخطوة أُعلنت بعد تفاهمات مع الأقاليم، وأنه لو حدث الدمج بشكل جيد وكامل من دون الانزلاق لنزاعات وحروب جديدة، فسيكون ذلك إنجازاً مهماً وكبيراً لمستقبل الدولة».
بدورها، رأت أماني الطويل، الخبيرة في الشؤون الأفريقية، أن «التحديات التي تواجه هذا المسلك من الحكومة المركزية، تتمثل في أنه لم يتم عقد اتفاقات سياسية تستبق الدمج المزمع مع الأقاليم الأخرى التي تضم أعراقاً لها وزن مثل الأمهرة والأورومو، على غرار اتفاق تيغراي»؛ لذا فإن الإعلان قد يبدو بالنسبة لهم «سياسة قسرية»، وهو ما يفسر ما حدث في إقليم أمهرة من مظاهر أولية رافضة للدمج وتسليم السلاح.
واعتقدت الطويل لـ«الشرق الأوسط» أنه «من المُبكر الحكم على قدرة الحكومة الفيدرالية على القيام بهذه الخطوة التي تأتي في سياق مشروع آبي أحمد نحو دولة أكثر مركزية». ورجحت أن «يلقى التوجه دعماً من القوى الدولية، لكن تنفيذه سيبقى مرهوناً برد فعل كل إقليم تجاهه على الأرض».