قناة السويس الجديدة في الإعلام.. المياه تكذب الغطاس

إجراءات لمواجهة مروجي الشائعات وسط مخاوف على حرية النشر

الرئيس عبد الفتاح السيسي في جولة له مع ضيوفه داخل المجرى الملاحي الجديد لقناة السويس (الرئاسة المصرية)
الرئيس عبد الفتاح السيسي في جولة له مع ضيوفه داخل المجرى الملاحي الجديد لقناة السويس (الرئاسة المصرية)
TT

قناة السويس الجديدة في الإعلام.. المياه تكذب الغطاس

الرئيس عبد الفتاح السيسي في جولة له مع ضيوفه داخل المجرى الملاحي الجديد لقناة السويس (الرئاسة المصرية)
الرئيس عبد الفتاح السيسي في جولة له مع ضيوفه داخل المجرى الملاحي الجديد لقناة السويس (الرئاسة المصرية)

يدقق المعد التلفزيوني المصري، خالد حسنين، في الأخبار التي تتدفق من الإنترنت قبل التعامل معها للتأكد من مصداقيتها. وبالنسبة لكثير من الإعلاميين والمعدين الآخرين أصبحت مسألة التحري عن الأحداث تزداد صعوبة في بلد غارق في «الشائعات الإلكترونية»، وهو يحارب عدة تنظيمات متطرفة في عموم البلاد، خاصة في شبه جزيرة سيناء.
أبرز وآخر مثال على معضلة الشائعات تلك التي تخص قناة السويس الجديدة، كانت مع ظهور تقارير، يستند معظمها إلى مصادر مجهولة، تقلل من جدوى مشروع المجرى الملاحي. ويقف خلفها عادة خصوم النظام المصري. وما بين وسائل الإعلام التي تتحدث عن مزايا المشروع القومي الكبير، والأخرى التي تصفه بـ«الطشت (حوض غسل الملابس)» أو «الترعة (مجرى نهري صغير)»، انتظر الرأي العام ليرى بنفسه الحقيقة على أرض الواقع، ولسان حاله يقول إن المياه تكذّب الغطاس.
وبينما كان الرئيس عبد الفتاح السيسي يلقي كلمة الافتتاح للمشروع الذي تكلف نحو ثمانية مليارات دولار، مرت من خلفه، في المجرى الملاحي، سفن عملاقة في أول عبور لها في قناة السويس الجديدة. كانت لحظة فارقة أظهرت إلى حد كبير مشكلة ترديد الشائعات التي انجرفت فيها كثير من الصحف والمواقع الإخبارية ليس بشأن قناة السويس الجديدة فقط، ولكن في قضية أخرى لا تقل خطورة وهي قضية الإرهاب. وبدأت السلطات في اتخاذ إجراءات لمواجهة مروجي الشائعات وسط مخاوف على حرية الصحافة.
يقول حسنين الذي يُعدُ برامج حوارية وسياسية في قناة للتلفزيون الرسمي، وهي «قناة النيل للأخبار»، إن أصول الإعلام معروفة، وهي تحري الدقة.. «خاصة في الأخبار التي تتعلق بالأمن القومي والقوات المسلحة، ويمكن أن تؤثر على استقرار المؤسسة العسكرية». وهو لا ينسى الحدث الذي أربك ملايين المصريين والعرب وحتى الأجانب، وذلك حين سارعت وسائل الإعلام في تصوير وقائع بدا منها أن الإرهابيين استولوا على سيناء قبل نحو شهر من الآن.
فجأة، ومع ساعات الصباح الأولى، امتلأت صفحات الوكالات والمواقع الإخبارية، المفترض أنها رصينة، بأنباء عن قتل «داعش» سبعين من أفراد الجيش المصري، واحتلال التنظيم المتطرف لمدينة الشيخ زويد في شبه جزيرة سيناء. ومع نهاية النهار ثبت لدى غالبية المتابعين أن هذه المعلومات لم تكن صحيحة، وسط حالة من الذهول والتعجب.
وتسعى الحكومة لاتخاذ إجراءات تحد من تدفق «الأخبار المضروبة» التي يصفها البعض بأنها أصبحت مثل «شبح يطارد وسائل الإعلام المصرية»، فحتى مشروع قناة السويس، الذي أطلقه السيسي في أغسطس (آب) 2014 وافتتحه قبل أيام، لم يسلم من التشكيك فيه، رغم وقوف ألوف العمال تحت الحر والشمس لشق قناة بطول عشرات الكيلومترات، من أجل تيسير حركة الملاحة في القناة والتأسيس لمشروعات كبرى في هذه المنطقة.
ومن بين الإجراءات الحكومية المزمعة تغليظ العقوبة على مروجي الشائعات التي تضر بالأمن القومي. إلا أن أوساطا إعلامية وسياسية أخذت تعرب عن مخاوفها على حرية الصحافة وحرية التعبير. لكن البعض يرى أن الجدية في العمل الإعلامي والتزام معايير المهنة، كفيلة بحل المشكلة بين السلطة التنفيذية والصحافة، وأن الرغبة في تحقيق السبق الصحافي لا ينبغي لها أن تضرب القواعد المتعارف عليها في العمل الإعلامي، كما يقول حسنين.
ويضيف أنه من المعتاد التعامل مع الأخبار التي تتعلق بنجوم الرياضة والفن والسياسة، وغيرها من الأخبار الأخرى، ومن المحتم، بطبيعة الحال، تحقيق سبق صحافي، لكن في القضايا التي تتعلق بالأمن القومي لا بد من الحرص قبل النشر. والمشكلة التي يعاني منها الإعلامي حسنين، مثل كثير من الإعلاميين الآخرين، تتعلق بتيار الشائعات والأخبار المنقوصة التي تبثها مواقع لا أول لها ولا آخر على الإنترنت.
ونقلت قنوات التلفزيون صورا من كاميرات محمولة على الطائرات وأخرى متحركة فوق مراكب وثالثة مثبتة على الأرض، مشاهد من زوايا مختلفة للمشروع أثناء افتتاحه بمشاركة المئات من ممثلي حكومات ووسائل إعلام من دول العالم. ومنذ الصباح الباكر كان من يراقب يضع يده على قلبه لكسب الرهان. وكما خسر أصحاب مواقع الشائعات المصداقية بسبب «الأخبار المضروبة» عن «داعش سيناء»، تكبدوا خسارة جديدة حين شاهد ملايين المصريين السفن العملاقة وهي تضرب المياه على جانبي القناة الجديدة. أو كما قال أحد الصحافيين مازحًا: هذه سفن ضخمة.. هذا ليس طشت. إنه مشروع كبير.
وحظي افتتاح القناة بتغطية إعلامية عربية ودولية واسعة. واستمرت وقائع بث الحفل على القنوات المحلية أكثر من خمس عشرة ساعة في يوم واحد. يقول سعيد عبد الله المعد في إحدى القنوات التلفزيونية الخاصة، إن عملية بث وقائع افتتاح مشروع قناة السويس، يوم الخميس الماضي، ومشاهدة السفن وهي تعبر في المجرى الجديد، كان بمثابة رد عملي على كل من شكك في المشروع.. «في كل لحظة كنت أشاهد فيها وقائع الافتتاح، ونحن في الاستوديو، أتذكر حملة التشويه التي كان يروجها البعض ومنها قول أحد الدعاة الهاربين ومن المعادين للحكومة في تسجيل جرى نشره على «يوتيوب» وقنوات موالية لجماعة الإخوان المسلمين تبث من خارج البلاد، إن القناة مجرد «طشت» أو «ترعة».
تجول الرئيس السيسي في المجرى الملاحي، وتأمين السلطات للضيوف، كان ردا عمليا آخر على أن مصر ليست كما يصورها البعض. وسبق للرئيس القيام بخطوة مماثلة عقب أحداث الشيخ زويد بعدة أيام. فقد توجه بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، لتفقد مسرح الأحداث. وفي مثل هذه الزيارات الخطرة يبقى وزير الدفاع، وهو الفريق أول صدقي صبحي، في مكان آخر لمتابعة تأمين زيارة الرئيس، تحسبا لوقوع أي طارئ، كما يقول مصدر أمني.
لكن ظهرت في نفس وسائل الإعلام تقارير تزعم وجود خلافات بين الرجلين، اعتمادا على «تكهنات». ويضيف أن عدة مواقع إعلامية على الإنترنت تعاملت، للأسف، مع هذه الشائعة باعتبارها حقيقة، مشيرًا إلى أن الصفحات والمواقع المحسوبة على المتطرفين روجت لهذا النبأ الوهمي. كما انتقل سريعا لصفحات المواقع الصحافية الكبيرة.
يقول أحد الإعلاميين ممن بثوا هذا الحدث كخبر إنه اضطر للإشارة إلى الموضوع على موقع صحيفته الإلكتروني، بعد أن انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي. وقام بنسبته إلى حسابات على «تويتر» و«فيسبوك». ويضيف أنه حاول الحصول على تعليق من الجهات الرسمية، لكن لم يتلق أي رد. وفي نهاية المطاف، وبحثا عن السبق الصحافي، كتب «تردد على مواقع التواصل كذا وكذا». وجرى حذف الخبر بعد أن تدخل رئيس التحرير. لم يكن من المناسب التعامل مع «كلام» و«تكهنات» لمجهولين في الفضاء الإلكتروني، في قضية تشكك في استقرار سلطة الحكم في دولة تخوض حربا على الإرهاب وتحاول أن تثبت للعالم أن كل شيء على ما يرام. ويضيف أن الحدث الخاص بالشيخ زويد وما كان فيه من ملابسات خطيرة، جعله يتعامل بحرص مع المصادر الإخبارية التي تقلل من أهمية مشروع في حجم المجرى الملاحي الجديد.
يقول مسؤول أمني يشرف في القاهرة على جهاز لمراقبة الإنترنت، إن المصادر الأساسية لكل ما جرى بثه من شائعات تقلل من أهمية مشروع قناة السويس الذي وضع فيه المصريون أكثر من ستين مليار جنيه من مدخراتهم، وعن حوادث الشيخ زويد الإرهابية في ذلك اليوم، كانت مصادر غير موجودة لا في القاهرة ولا في قناة السويس ولا في الشيخ زويد ولا في سيناء.
ويضيف: «مثلا، وفيما يتعلق بسيناء، وببساطة، كانت اتصالات الهواتف والإنترنت مقطوعة هناك بشكل كامل طيلة النهار. كنا نرى مواقع لوكالات وصحفًا كبرى تبث عن مصادر في المدينة وتقول إنه جرى الاتصال بها عبر الهاتف. كان هذا مثيرا للسخرية بالنسبة لنا. حتى الاتصال بالهواتف المربوطة بالأقمار الصناعية ليس متاحا بذلك الشكل الواسع في سيناء».
ولم تتوقف الشائعات لكن وقعها أصبح أقل من السابق. مثلا.. نشرت إحدى صفحات التواصل على «فيسبوك» أن «داعش يهدد باحتلال الساحل الشمالي خلال أسابيع». ومعروف أن هذه المنطقة الواقعة شمال غربي القاهرة على البحر المتوسط تعد مصيفا لملايين المصريين. وانتشر الخبر «الشائعة» في الصحف الكبرى سريعا وفي محطات تلفزيون أيضا. لكن الرد العملي جاء من الساحل الشمالي نفسه حين امتلأ بالمصطافين عقب عيد الفطر حتى وصل متوسط تأجير شقة مصيفية لليلة واحدة إلى نحو 500 دولار.
لكن مقاومة الشائعات ليست بالأمر الهين كما يقول خالد عبد البر المشرف على موقع إخباري متخصص في الشؤون النيابية. ففي بلدان يصعب فيها التواصل مع المسؤولين على مدار الساعة وتعاني من حالة تشبه التربص في مسألة تدفق المعلومات، يعتمد كثير من المراسلين والمحررين والمعدين على ما تحت أيديهم من بيانات غير مكتملة التفاصيل، أو على «أخبار تبثها صفحات وحسابات مجهولة وغامضة»، كما يقول.
ومن جانبه، يوضح المعد حسنين: «لو قلت إن الإرهابيين استطاعوا الاستيلاء على ثكنة عسكرية، فهذا يمكن أن يؤدي إلى انخفاض الروح المعنوية للجنود الآخرين، فما بالك إذا كان الموضوع برمته لم يكن صحيحا. أو لم يكن على ذلك النحو المبالغ فيه. يوجد نوعان من الأخبار، كما يرى حسنين.. الأخبار التي يمكن أن يكون فيها مساحة من التكهنات، مثل تغطية الانتخابات البرلمانية والرئاسية وترجيحات من يمكن أن يفوز فيها، من خلال تقارير من المندوبين، حتى قبل أن يصدر بيان رسمي بنتيجة هذه الانتخابات.. وهناك نوع آخر يتعلق بالأمن القومي وهذا لا مجال فيه للتكهنات أو التأويل».
الرئيس السيسي، وخلال مشاركته في حفل حضره عدد من أسر شهداء الجيش والشرطة وقطاع من الشباب ومن أطياف المجتمع أيضا، تحدث عن مساع وإجراءات من أجل «تحصين الدولة والحفاظ على كيانها ومؤسساتها، والحيلولة دون نجاح المخططات التي تستهدف تثبيط عزيمة المواطنين وزعزعة أمن واستقرار البلاد». كما دعا الرئيس وسائل الإعلام إلى «الالتزام بالموضوعية وتحري الدقة في نقل ونشر المعلومات، حفاظًا على الروح المعنوية لأبناء الشعب ورجال القوات المسلحة والشرطة في مواجهة حروب الجيل الرابع التي تستغل وسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة في شن حرب نفسية تستهدف تحطيم معنويات الشعوب وبث الإحباط في نفوس مواطنيها».
العقبة التي تواجه خطط ملاحقة الشائعات التي تنطلق من الإنترنت، تكمن في وجود إمكانية لإخفاء هوية المستخدم الإلكتروني، وبالتالي لا يخشى من العقاب أو من احتمال الوصول إليه إلا عبر إجراءات طويلة ومعقدة. كما أنه في كثير من الأحيان يكون موجودا في دولة أخرى. والأمر لا يتعلق بمصر فقط، كما يقول مسؤول أمني في القاهرة، ولكن هناك الكثير من الحكومات الأخرى، من الصين إلى أوروبا، تشكو من ظاهرة «الأخبار المكذوبة»، وبدأت كثير من الدول في البحث عن إجراءات لمواجهة هذه المشكلة، مشيرا إلى أن الحكومة المصرية تعتزم اعتماد سياسة تواجه بها «هذه الحرب الإعلامية».
وفي المقابل اعترض إعلاميون ونشطاء على مثل هذه التدابير الحكومية المزمعة. ويبدو أن العشرات من الأحزاب والمنظمات الحقوقية والشخصيات العامة رأت أنه يمكن الوصول لحل وسط، خاصة فيما يتعلق بالشائعات التي تهدد الأمن القومي وتشجع المتطرفين، فقامت بإصدار بيان يحمل عنوانا مزدوجا لإرضاء الطرفين، وهو «ضد الإرهاب.. وضد تقييد الحريات». وقع على البيان سبعة أحزاب و23 منظمة حقوقية و26 شخصية عامة.
لا يوجد تعمد لعرقلة العمل الإعلامي من جانب الحكومة كما يزعم البعض وسط الجدل الدائر هنا. الموضوع، في النهاية، يتعلق بمدى الالتزام بالمعايير المهنية. يقول حسنين: «مسألة تحري الحقيقة لا يقف ضدها أحد، لكن لا بد من مراعاة تحقيق المصالح العليا للدولة، خاصة ونحن في معركة مع الإرهاب». ويضيف أن «التواصل مع المصادر الرئيسية للخبر يؤدي إلى أمرين.. أولا تقوية الخبر نفسه بنسبته إلى مصادره، وثانيا الحصول على تفاصيل إضافية تخدم القارئ».



«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)
TT

«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)

مرة أخرى يتجدَّد الصراع بين عملاقَي التكنولوجيا «أبل»، و«ميتا»، مثيراً تساؤلات بشأن مدى «حماية خصوصية بيانات المستخدمين». وبينما رأى خبراء التقتهم «الشرق الأوسط» أن المعركة الأخيرة جزء من نزاع مستمر بين «أبل»، و«ميتا» يتيح لهما البقاء على عرش التكنولوجيا الرقمية، فإنهم أشاروا إلى أن تأثير الصراع بشأن الخصوصية قد يمتد إلى مواقع الأخبار.

المعركة الأخيرة بدأت منتصف الشهر الحالي، مع تحذير وجَّهته شركة «أبل» بشأن تقديم منافستها «ميتا» مالكة «فيسبوك» و«إنستغرام» نحو «15 طلباً للوصول العميق إلى البيانات، في إطار قانون الأسواق الرقمية الجديد بالاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يضعف حماية بيانات المستخدمين».

ووفق «أبل»، فإنه «إذا حصلت طلبات (ميتا) على الموافقة، فسيكون باستطاعتها من خلال تطبيقاتها: (فيسبوك)، و(إنستغرام)، و(واتساب)، رؤية كل الرسائل القصيرة ورسائل البريد الإلكتروني والصور والمواعيد، وكل بيانات مكالمات المستخدمين». ونبَّهت «أبل»، في بيانها، إلى أن «مجموعة من الشركات تستخدم قانون الأسواق الرقمية الأوروبي؛ للوصول إلى بيانات المستخدمين». ولكن في المقابل، نفت «ميتا» هذه الاتهامات، وعدَّتها «حججاً تستخدمها (أبل) في إطار ممارساتها المضادة لحرية المنافسة». وقالت، في بيان لها، إن «(أبل) لا تعتقد بالتوافق بين الأجهزة الأخرى».

تعليقاً على ما هو حاصل، قال أنس بنضريف، الصحافي المغربي المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، إن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) هو امتداد لمعارك سابقة متكررة ومتجددة بين عملاقَي التكنولوجيا». وأردف: «هناك قانونان يحكمان السوق الرقمية في أوروبا: الأول هو قانون الخدمات الرقمية الذي يستهدف منع الاحتكار وحماية بيانات المستخدمين. والثاني هو قانون الأسواق الرقمية الذي يجبر الشركات على إتاحة معلوماتها للمطوّرين».

وأوضح بنضريف أن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) مرتبط بقانون التسويق الرقمي، إذ تعدّ (ميتا) من المطوّرين المتاحة تطبيقاتهم، مثل (إنستغرام) و(فيسبوك) على هواتف (أبل)». وتوقّع أن تنتهي المعركة لصالح «ميتا»، مبرراً ذلك بأن «حجة (أبل) ضعيفة وغير كافية، وخصوصية بيانات المستخدمين محمية قانوناً في أوروبا، إلا أن مخالفة (ميتا) لقوانين حماية الخصوصية تُعرِّضها لغرامات كبيرة... وفي أي حال الصراع هو جزء من معركة تستهدف الضغط على (أبل) لفتح خدماتها وإتاحتها على منتجات تابعة لشركات أخرى».

للعلم، حسب قانون الأسواق الرقمية الأوروبي، لا يسمح للشركات المشغّلة للمنصّات الحصول على امتيازات خاصة. وتطالب المفوضية الأوروبية شركة «أبل» بأن تغدو أجهزتها متوافقة مع التكنولوجيا التي تنتجها شركات أخرى.

وبموجب إجراءات المفوضية الأوروبية يتوجب على «أبل» تقديم وصف واضح للمراحل والمواعيد النهائية المختلفة والمعايير والاعتبارات التي ستطبقها أو تأخذها في الاعتبار عند تقييم طلبات التشغيل البيني من مطوري التطبيقات، مع تزويد المطورين بتحديثات منتظمة، وتقديم التعليقات وتلقيها فيما يتعلق بفاعلية حل التشغيل البيني المقترح. ومن المتوقع صدور قرار من المفوضية بشأن ما إذا كانت «أبل» تلتزم بشرط قابلية التشغيل البيني، بحلول مارس (آذار) المقبل، وفق ما نقلته «رويترز».

من جهة ثانية، صرَّح محمد الصاوي، الصحافي المصري المتخصص في الرصد والتحليل الإعلامي، لـ«الشرق الأوسط» شارحاً أن «التوترات المستمرة بين (أبل) و(ميتا)، إلى جانب قانون الأسواق الرقمية في الاتحاد الأوروبي، تسلط الضوء على الأهمية المتزايدة لتنظيم شركات التكنولوجيا الكبرى، خصوصاً فيما يتعلق بالخصوصية والمنافسة». وأضاف أن «التحذير الذي أطلقته (أبل) بشأن (ميتا) أثار ذلك جدلاً حول ما إذا كانت مثل هذه الممارسات قد تضعف حماية البيانات للمستخدمين، والتركيز المتجدد على قانون الأسواق الرقمية يعد جزءاً من جهود الاتحاد الأوروبي لمنع شركات التكنولوجيا الكبرى من استغلال هيمنتها، حيث يهدف القانون إلى ضمان المنافسة العادلة عن طريق تقييد الشركات من منح نفسها مزايا خاصة، أو الوصول إلى بيانات المستخدمين بشكل مفرط دون موافقة».

وأشار الصاوي إلى أن «تأثير قانون الأسواق الرقمية يمتد إلى ما هو أبعد من شركات التكنولوجيا الكبرى، حيث قد يؤثر أيضاً على المواقع الإخبارية، لا سيما تلك التي تعتمد على منصات مثل (فيسبوك) في توزيع منتجاتها». وأوضح أن «القانون قد يجبر المنصات على معاملة أكثر عدلاً، ما يضمن ألا تتضرر المواقع الإخبارية من الخوارزميات أو ممارسات البيانات المتحيزة، كما يفرض إعادة التفكير في كيفية جمع البيانات الشخصية ومشاركتها وحمايتها عبر المنصات، مما يشير إلى تحول نحو أنظمة رقمية أكثر شفافية».

وعدّ الصاوي «قانون الأسواق الرقمية محاولةً لإعادة التوازن في ديناميكيات القوة في السوق الرقمية، ما قد يؤثر بشكل كبير على المبدعين في مجال المحتوى، بما في ذلك المواقع الإخبارية، في كيفية تفاعلهم مع المنصات... في حين يضمن استمرار الصراع بين (أبل) و(ميتا) بقاءهما متربعتين على عرش المنافسة الرقمية».

وحقاً، يأتي الصراع الأخير بين «أبل» و«ميتا» في وقت قرَّرت فيه هيئة حماية البيانات الآيرلندية فرض غرامة قيمتها 251 مليون يورو على شركة «ميتا»؛ بسبب عملية اختراق واسعة لبيانات نحو 29 مليون مستخدم على مستوى العالم في عام 2018.