في ذكرى رحيله السابعة.. فلسطينية تحلل شخصية محمود درويش من خطوطه!

شخصيته مستقلة وعنيدة وكان يعرف تمامًا ما يريد

درويش .. حضور دائم رغم الغياب
درويش .. حضور دائم رغم الغياب
TT

في ذكرى رحيله السابعة.. فلسطينية تحلل شخصية محمود درويش من خطوطه!

درويش .. حضور دائم رغم الغياب
درويش .. حضور دائم رغم الغياب

متخخصة فلسطينية في «الجرافولوجي» تحلل شخصية محمود درويش من خطوطه!
لعل المقربين من شخص الشاعر الكبير الغائب الحاضر محمود درويش، الذي صادفت أمس الأحد ذكرى غيابه الجسدي السابعة، يعرفون شيئًا من شخصيته، أو لعل كلا منهم يعرف أشياء ويجهل أشياء، في حين أن العامة التي تعنى بشعره الذي جعله أيقونة عالمية، علاوة على كونه رمز فلسطين الثقافي، لا تعرف الكثير عنه.
ولعله كان من الصعب البحث عميقًا في شخصية درويش من خلال المحيطين به، فكان أن اتجهت إلى رنا الريماوي، المتخصصة الفلسطينية الشابة في علم «الجرافولوجي» (علم تحليل الشخصية من خلال خط اليد)، والحاصلة على شهادة من الأكاديمية الدولية لقراءة الخطوط في فرنسا، حيث زودتها قبل أيام بنصوص مكتوبة بخط اليد لـ«لاعب النرد»، من بينها «على هذه الأرض ما يستحق الحياة»، ونصوص أخرى.
وبعد أيام خرجت الريماوي بأن درويش شخص يملك قدرة فائقة على إنجاز الأعمال التي يخطط لها ويقتنع بها، وأنه دقيق جدا في كلامه، حتى إنه يعي ما يقوله تمامًا مع الآخرين حتى لو كان مازحًا، كما أنه كان يدرك أنه لم يصل لما وصل إليه عبثًا أو مصادفة، بل بطريق محدد سار عليه بنهج ومنهج لا يفهمه سواه، وأن شخصيته مستقلة إلى أبعد الحدود، فمن الصعب جدًا أن ينقاد لأوامر الآخرين، كما أنه كان يمتلك قدرة هائلة على كتمان السر، بل إنه عنيد إذا ما تعلق الأمر بقناعاته ومواقفه، ولديه عزة نفس كبيرة وفخار أيضًا.
وعلى الصعيد الشخصي، أشارت الريماوي، إلى أن درويش شخصية غامضة نسبيًا، وكان لديه قدرة على أن يظهر في الكثير من الأحيان عكس ما يبطن، خاصة في حالات الشعور بالتوتر الداخلي، وأنه كان يرى في نفسه الصديق والأخ والحبيب، ولذا يتضح من خلال تحليل خطوطه أن الخجل كان يتملكه عند التعبير عن مشاعره، أو في المواجهات العاطفية، وأنه لم يكن يبادر إلى نسج العلاقات مع من حوله.
ومن بين صفات درويش، كما أظهر تحليل شخصيته من خلال خطه، أنه كان يعيش حالة من التناقض في مشاعره وعواطفه حين يتعامل مع شخص مقرب منه، فتارة يكون عاطفيًا جدًا، وتارة يبتعد عن كل ما يتربط بالعاطفة، وينتصر للعقل، و«كأنه كان يرى أن العواطف قد تؤثر سلبًا على إبداعاته ونجاحاته وتميزه».
ولكن من جانب آخر، أظهر خط درويش، وفق الريماوي، أنه «كان إذا تعلق بشيء ما أو شخص ما، فإنه يتملكه بكل جوارحه، ولكن كم كانت من الصعب أن يصل إلى هذا النوع من التعلق، إلا إذا اقتنع به قناعة تامة وقاطعة، لدرجة التوحد معه، حتى يبيت لا يرى العالم إلا فيه ومن خلاله».
وختمت الريماوي: «الخطوط الدرويشية أظهرت أن علاقته بالآخرين كانت ترتبط بالكتابة والإبداع أولاً»، وكأنه يؤكد «أفكاري ستصلك من كتاباتي، لذا لا تحاول الاقتراب مني أكثر»، مع أن هذا لا ينطبق على الجميع بل على الغالبية، واصفة إياه بالشخصية الغامضة والمثيرة للفضول في آن.
و«الجرافولوجي»، وفق موسوعة «ويكيبيديا» الإلكترونية، هو علم تحليل الشخصية من خلال خط اليد، وهو علم يستطيع أن يكشف معظم السمات الجسمية والصفات النفسية للكاتب من خلال خط يده.
ويعتبر خبراء «الجرافولوجي» أن الكتابة التي يقوم بها الكاتب هي عبارة عن قراءة لما يدور بمخ الكاتب وما يسلكه جهازه العصبي، ليس هذا فحسب، بل يعتبر خبراء «الجرافولوجي» أن الكتابة أيضا تطبع هيئة الجسم وقدرات أجهزته المختلفة، إذا نستطيع أن نقول إن خط الكاتب يعبر عن مكونات جسمه ونفسه، أي هي مقياس دقيق، بل شديد الدقة، لشخصية الإنسان التي تعتبر، أي الشخصية، ناتج عن تفاعل الجسم مع النفس.
والممارس لهذا العلم يسمى «جرافولوجيست»، ويسمى أحيانا خبير خطوط، أو خبير تحليل الخطوط، وفي أغلب دول العالم تستعين به جهات البحث الأمني والجنائي، كذلك شهادته أمام القضاء من الأمور المعتد بها دوليا.



حين طلب مني الأمن أن أرسم صورة «المعلم»

عتاب حريب
عتاب حريب
TT

حين طلب مني الأمن أن أرسم صورة «المعلم»

عتاب حريب
عتاب حريب

في عام 2011 كنت على موعد للحصول على فيزا لإقامة معرض في نورث كارولينا بدعوة من جامعة دافيدسون وحصلت على الفيزا في آخر يوم قبل إغلاق السفارة بدمشق.

سافرت عام 2012 ورجعت إلى دمشق، وكانت المظاهرات والاحتجاجات تعم المدن السورية والقرى وأنا أعيش في دمشق أحاول أن أساعد بجهد شخصي أبناء الريف المتضرر والمحاصر، فهناك الكثير من المهنيين والمعارف الذين تضرروا وبحاجة لكثير من الطعام والمستلزمات. كنت أحملها بسيارتي وأحمل معها روحي وأمضي وفي رأسي سيناريوهات العالم كلها. أحضر أجوبة على كل احتمالات الحواجز والشبيحة وعناصر الأمن، عما كنت أكتب بحس ساخر على فيس بوك وأناهض الفساد والقتل. أنا امرأة متمردة بطبعي على الظلم وأمشي عكس التيار، أعشق الحرية والسفر لأعود إلى بلدي بشوق أكثر. هناك تحديات كثيرة كانت أمامنا في بلد كل زاوية فيها حاجز أمني وشبيحة. كانت رعاية ملائكية تنقذني دوماً من رش للرصاص على سيارتي في حاجز حرستا ووضع عبوة ناسفة قرب سيارتي أمام بيتي بعد أن نزلت منها، وتصويب البندقية عليَّ في تأبين باسل شحادة. هربت بأعجوبة. هذه ليست بطولات أرويها ولكن كان حماساً وواجباً علي. ويوماً كنت على حدود لبنان للسفر إلى المغرب لإقامة معرض. أخذوني من الحدود وبدأت التحقيقات معي عن كتاباتي على صفحتي بفيسبوك. وانتهى التحقيق بالتوقيع على ورقة بعدم كتابة أي شيء. وفي اليوم التالي أُلغي منع السفر. وعندما عدت استدعوني مرة أخرى. قلت للمحقق ضاحكة لم أكتب شي مثل ماوعدتكم، فقال لي: رسمتِ. لقد شاهد لوحة فيها قطعة ممزقة من كلمة الثورة التي على الجريدة، فأجبته باستغباء: هذه الجريدة الوطنية ليش ممنوع نحطها، فقال لي: أعرف ما تريدين أن تقولي مع هذه الشخبرة. يصف لوحاتي بـ«الشخابير».

ثم قال لي: نريدك أن ترسمي لنا صورة المعلم، فقلت له: أنا أرسم مناظر وزهوراً لا أرسم حيوانات ولا بشراً واسأل عني مرة باسل الأسد فقد طلب مني ومن مجموعة من الفنانين رسم أحصنته فرفضت لأني لا أعرف، فأجابني: لا أنت فنانة قديرة رح ترسميها فقلت له سأحاول سأطلب من أحد يجيد رسم البورتريه، فقال لي: لا أنت يجب أن ترسميها وتوقعي عليها اسمك.

بقيت أشهراً أماطل ويسألني دائماً على الهاتف: ما خلصتِ، ألاقي الأعذار كل مرة بالكهرباء والتدفئة وعدم جفاف الألوان بالبرد. كنت أنام وأصحو في رعب وسخرية أيضاً. أحياناً أفكر أن أرسم حماراً وفوقه أرسم صورته بألوان تزال بالماء وأرسلها بعد أن أخرج من البلد مع رسالة «امسح الصورة تجد المعلم». المهم كان هذا مسلياً لي في أوقات القلق والتوتر إلى أن قدمت استقالتي من عملي وطلبت من الأمن موافقة أمنية للسفر لمرة واحدة قبل انتهاء الفيزا، وحصلت عليها.

قبل يومين من تحرير حلب كنت في حالة شوق مكبوت لسوريا، وأتمنى بشدةٍ العودة. وكنت أحاول أن أقنع نفسي بأن وضعي في أميركا جيد وصرت مواطنة أميركية وعندي جواز سفر مثل جناحين أطير به بين البلدان بكل سلاسة. وأقنعت نفسي من أول يوم أتيت إلى شيكاغو أنني سأبدأ حياة جديدة وتناسيت بيتي بالشام ومرسمي ولوحاتي وذكرياتي وأصدقائي الذين لم يبق منهم إلا القليل في دمشق. أخوتي قاطعتهم لاختلافي معهم في المبدأ فقد كانوا يقفون مع النظام.

وزاد فقداني لابني الذي قُتل عام 2014 كرهاً لتلك البلاد التي لفظتنا ولم تقدم لنا إلا العنف والنبذ والقتل والتهميش. أنا قدمت الكثير لسوريا، وكنت أقوم بأعمال تطوعية مع الأطفال والشباب لتأجيج روح الفن والحب والحياة والحرية. كنت أعيش مع أجيال متتابعة في عملي معلمة فنون في مدارس سوريا ومعاهدها وجامعاتها.

تحرير حلب كان فرحاً مشوباً بالخوف... أتابع ليل نهار كل وسائل التواصل. لم أعد أنام. عاد الأدرنالين للصعود مثل بدايات الثورة عام 2011 والترقب والحماس، وكنت أقول لنفسي إن لم يصلوا إلى دمشق لن أفرح. كنت ذلك اليوم أبكي، ولم أخرج إلى الشارع لأن دموعي كانت لا تتوقف.

فجأة الحلم عاد، واليأس اختفى، وصار عنا مستقبل مختلف. صار عندي وطن أعود إليه مع أبنائي وأحفادي. صار عندي أمل أعود لأعرف أين قتل ابني وأين رفاته، أعود لأقبل بناته حفيداتي اللاتي لم أرهن منذ سافرت.

* فنانة تشكيلية