شاشة الناقد: نساء متمرّدات بلا قضية {ملكات}

مشهد من ملكات  (بتيت فيلم)
مشهد من ملكات (بتيت فيلم)
TT

شاشة الناقد: نساء متمرّدات بلا قضية {ملكات}

مشهد من ملكات  (بتيت فيلم)
مشهد من ملكات (بتيت فيلم)

نساء متمرّدات بلا قضية
{ملكات}
(وسط)
لا تهاب المخرجة المغربية ياسمين بنكيران المواقف الصعبة في فيلمها الروائي الطويل الأول هذا. ومن بينها قيام طفلة في الثانية عشرة أو نحوها بتوجيه مسدسها صوب رجل وإطلاق النار عليه. المناسبة مهمّة بدورها. هذا الرجل، ابن حاكم المنطقة، نهرها عدّة مرّات وأخذ يغازل أمها علناً في إحدى الحانات ويقبّلها ويحاول الكشف عن صدرها داعياً إياها للذهاب معه إلى بيته. تقلب الفتاة طاولة الطعام. ينهرها الشاب مجدداً. تحتج والدتها وتصفعه. يصفعها. تنسل الفتاة إلى الشاحنة التي تقلهما وأنثى ثالثة وتعود بمسدس أمها وتطلق النار.
إنها حكاية متداخلة ومشحونة بالمواقف التي توجه الفيلم إلى منطقة ما بين الدراما الاجتماعية والفيلم التشويقي وأفلام الطريق. الأم هي زينب (نسرين عراضي) ذات السوابق، تخطف ابنتها إيناس (ريحان غوران) من المدرسة وتجبر امرأة لا تعرفها اسمها أسماء (نسرين بنشارة) على قيادة شاحنة متوسطة الحجم للهرب من مدينة مراكش باتجاه الغرب. إيناس مجبرة في البداية ثم متعاونة. سريعاً ما تحاول محققة في سلك البوليس اسمها بتول (جليلة تلمسي) مطاردتها مع محقق أكبر سناً (حميد نادر)، اللذين يخفقان في إيقاف الشاحنة المنطلقة في سهوب وبراري المغرب.
جرأة المخرجة متعددة الأوجه تبدأ باختيارها للحكاية التي تؤمّن لها نافذة أخرى على موضوع المرأة في سياق سينما التشويق والجريمة. بعض النقاد الغربيين كتب: «عندما شهد الفيلم عرضه الأول في (أسبوع النقاد الدوليين) في مهرجان فينيسيا (قبل انخراطه كواحد من الأفلام المتسابقة للفوز بـ«جائزة النقاد الأجانب») أن الفيلم ينتمي إلى سلسلة الأفلام العربية الحديثة التي تطرح موضوع (حرية المرأة)»، لكن إذا كان هذا ما قصدته المخرجة بنكيران فإن هذا يلعب ضد ما يقصده، فالنساء هنا مجرمات على نحو أو آخر تتقدّمهن في ذلك زينب وابنتها.
انعتاق زينب وابنتها ليس من عالم الرجل كحال «ثلما ولويز» (ريدلي سكوت، 1991) الذي يطل من الذاكرة حين مشاهدة هذا الفيلم، بل من حاضر وسوء حظ. ليست هناك إدانة اجتماعية أو نقد أعلى من سقف الشاحنة التي تقودهما. بالنسبة لأسماء، فإن نزاعها مع زوجها هو الاستثناء لكنه غير كاف بدوره لاعتبار الفيلم عن حرية المرأة وأي قضية لها.
تضيف بنكيران عنصراً من مخيّلة الابنة إيناس، فهي مسكونة بالرغبة في معاينة أقدام الأخريات، في المدرسة وخارجها، للتأكد من أنهن لسن جنيّات، مستذكرة أسطورة تقول إن ملكة الجنيات فوق كوكب آخر هبطت الأرض. ندرك أن إحدى هذه الشخصيات (لن أقول من هي) هي جنيّة في الأصل وتأتي نهاية الفيلم لتؤكد ذلك.
هناك خيوط فالتة في السيناريو (كتبته المخرجة) لكنها لا تؤثر في سياق العمل. إنها من نوع استسهال المخارج التي تقدم عليها المطاردَات من البوليس وفي سهولة خطف الفتاة من المدرسة وسهولة قبول أسماء بقيادة الشاحنة ولو تحت تهديد السلاح. لكنها في المجموع لا تخرج عن الطريقة الناجحة لفيلم حكاية مع شخصيات ومواقف تدعو للاهتمام ومنفّذة بجدّية وجودة.



شاشة الناقد: أفلام على اختلافها لم تأتِ جيدة جداً

«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
TT

شاشة الناقد: أفلام على اختلافها لم تأتِ جيدة جداً

«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)

معطراً بالنعناع ★★☆

رسائل شفهية في عتمة الأماكن

فيلم محمد حمدي الأول مختلف جداً عن أي فيلم مصري (أو عربي) حٌقّق في تاريخ السينما العربية. الاختلاف بحد ذاته لا يمنح الفيلم درجة التقييم. من الممكن أن يكون مختلفاً وبديعاً أو مختلفاً ورديئاً وهو أقرب إلى التصنيف الثاني. فيلم داكن في الصورة وفي الذوات البشرية التي تسكنه. يجد المخرج لها مبررات مناسبة. هذا لأن أبطاله يتقدمهم دكتور محبط (علاء الدين حمادة)، يعيشون حالات من الكآبة المطلقة تزداد عبثاً مع تناولهم الحشيشة طوال الوقت. أي نحو 90 دقيقة من مدة عرض الفيلم (التي تبلغ 113 دقيقة). وعوض استمتاعهم بهذه «السلطنة» تبقى أدمغتهم واعية وقادرة على الحديث في مسائل وجودية وسياسية (على الخفيف) مع قليل من الشّعر وكثير من الذكريات التي تتشابك بحيث لا تتضح لها زاوية فعلية تنطلق منها أو تعود إليها.

في دقائقه الـ10 الأولى يؤسّس أسلوب عمله من حالات شخصية وتصوير (قام به بنفسه) وإيقاع. هذا الإيقاع خافت باستمرار والمُشاهد عليه أن يفتح أذنيه جيداً ليتمكّن من التقاط الكلمات المتبادلة. هذا لأن الإيقاع الخافت يشمل كذلك الأداء والتلقين وتشخيص الحالات. الدكتور وأصحابه (من ثلاثة لأربعة حسب المشاهد) يركضون في الظلمة مثل جرذان هاربة من مطاردين (لا نعرفهم) ويأوون دوماً إلى خرابات تضمّهم بعتمتها أو إلى شِقق هي بدورها تبدو كخرابات كلّ شيء فيها قديم وباهت. حتى في ساعات النهار فإن النور مبتسر تأكيداً أو ترميزاً للحالة التي يمر بها أشخاص الفيلم.

الصورة، على الرغم من سوداويتها، هي أهم وأفضل من الموضوع المطروح. صحيح أن رجال الفيلم يتعاطون، لجانب الحشيش، مسائل تهمّهم، لكن ليس كل ما يهم شخصية ما في فيلم ما يهم المشاهدين. بالضرورة. لذا تنحصر الحسنات في الصورة. بينما تمرّ المَشاهد بإيقاع خافت ورتيب، مما يحدّ كثيراً من قدرة الفيلم على التواصل مع مشاهديه.

* عروض حالياً في مهرجان مراكش

Maria ★★★

العمق العاطفي لماريا كالاس

«ماريا» هو ثالث فيلم بيوغرافي ينجزه المخرج التشيلي بابلو لاراين (حسب اللفظ الأسباني) بعد (Jackie) «جاكي»، 2016 و(Spencer) «سبنسر»2021. مثل سابقيه هو فيلم عن امرأة ومثلهما هو عن شخصية حقيقية هي مغنية الأوبرا ماريا كالاس (هناك حفنة أفلام عنها أهمها «Maria By Callas» لتوم وولف، 2017) إلى جانب فيلم إيطالي آخر في التحضير بعنوان «Maria‪/‬Callas» لروبرت دورنهلم.

«ماريا» (ذِ أبارتمنت)

معالجة لاراين تختلف كونها متّصلة بالكيفية التي يحاول فيها تقديم رؤيته لشخصياته فهو يسعى دائماً إلى التقاط العمق العاطفي أكثر مما يهتم لسرد السيرة حكائياً. على ذلك، «ماريا» كما يقدّمه هنا يبقى على السطح أكثر من الدخول في عمق شخصيّته. ما يشغله في سرد الأيام الأخيرة من حياة بطلته هو التصاميم الفنية والديكوراتية وتحريك الكاميرا عبرها وهذا جيد لولا إنه يأتي على حساب تحديدٍ أفضل لمن هي ماريا كالاس.

يسرد الفيلم أحداثها الأخيرة وبعض مواقفها الشخصية والفنية لكن الحكاية يمكن لها أن تكون عن أي شخصية لمغنية وإن كانت خيالية. بطبيعة الحال، وكما بات مألوفاً، يعمد المخرج إلى مشاهد استرجاعية (الفلاشباك) بالأبيض والأسود لكن أهم عنصر في هذه الدراما هي محاولة ماريا التغلّب على ذكرياتها مع أرسطو أوناسيس (الذي تركها للزواج من جاكي كينيدي، شخصية فيلم لوراين السابق).

* عروض حالياً في مهرجان البحر الأحمر

TROIS AMIES ★⭐︎

حوارات ومشاهد تُراوح مكانها

لا يبتعد المخرج موريه في فيلمه «ثلاث صديقات» عن التيمة التي اختارها سابقاً لمعظم ما حقّقه من أفلام مثل «تغيير عنوان» (Changement d'adresse) 2007، و«هل نُقبّل» (Shall We Kiss) 2007، و«الأشياء التي نقولها، الأشياء التي نفعلها» (Les Choses qu'on dit, les Choses qu'on fait) 2020. التيمة المذكورة لا تخرج عن نطاق تداول وتناول العلاقات المتأرجحة ما بين الحب والجنس، أو الحب من دون جنس أو العكس.

«ثلاث صديقات» (موبي دَك فيلمز)

القصّة في عنوانها: 3 صديقات جوان (إنديا هير)، ريبيكا (سارا فورستييه) وأليس (كامل كوتان) والعديد من الحكايات السابقة (تشعر جوان إنها مسؤولة عن موت حبيبها السابق إريك لأنها تركته)، وفي الحكايات الحاضرة يتداولن التجارب التي مررن بها مع آخرين. لا الأحداث مهمّة ولا الحوار (يمتد بلا نهاية) يعني كثيراً. كل ذلك يَرِد مثل قراءة صفحة واحدة من مجلة إشاعات ومن دون لمسات فنية تذكر. بدورها كل لقطة تشبه، تأسيساً وإدارة. ما يسبقها وما يليها.

* عروض: حالياً في صالات فرنسية

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز