سنوات السينما: ثلاثة أبرياء يُعدمون خطأ

هنري فوندا في «حادثة إكسبو» (تونتييث سنتشري فوكس)
هنري فوندا في «حادثة إكسبو» (تونتييث سنتشري فوكس)
TT

سنوات السينما: ثلاثة أبرياء يُعدمون خطأ

هنري فوندا في «حادثة إكسبو» (تونتييث سنتشري فوكس)
هنري فوندا في «حادثة إكسبو» (تونتييث سنتشري فوكس)

ثلاثة أبرياء يُعدمون خطأ
‫ The Ex - bow Incident
‬(ممتاز)
(1943)
في فيلم ويليام أ. ولمان المأخوذ عن رواية وولتر فان تلبورغ كلارك، ثلاثة أبرياء كانوا نائمين ليلاً في العراء عندما أحاطت بهم مجموعة من الرجال الباحثين عمن قتل صاحب مزرعة وسرق ماله. أيقظوهم من سباتهم واتهموهم بأنهم القتلة. عبثاً حاول هؤلاء الدفاع عن أنفسهم. نعم. توجهوا إلى صاحب المزرعة واشتروا منه المواشي لكنهم لم يقتلوه. لكن رئيس العصابة الضابط السابق تتلي (فرانك كونروي) يرفض الإنصات كما كان رفض نصيحة بعض رجاله خلال الحرب الأهلية مما أدّى لمقتلهم جميعاً إلا هو.
يحاول البعض في تلك المجموعة إثناء الآخرين عن القيام بإعدام الثلاثة والعودة بهم إلى البلدة ليواجهوا القاضي والمحكمة، لكن الضابط كان مندفعاً في إثبات صوابه ومعه عدد لا بأس به من المحيطين به (بينهم امرأة ذات سطوة تؤديها جين داروَل). هؤلاء قرروا شنق الثلاثة حيث وجدوهم. يستعطف المتهمون الثلاثة الحشد المتعصّب لكن هؤلاء، رغم شكوك الشريف (ميلارد روبرتسون) ومعارضة رجلين هما كارتر (هنري فوندا) وآرت (هاري مورغن) قرروا الإعدام ونفّذوه بقسوة بالغة.
بعد ساعات قليلة يتبيّن للجميع بأنهم شنقوا ثلاثة أبرياء لأن صاحب المزرعة ما زال حياً لم يُقتل وإنه باع الماشية بالفعل للأبرياء الموتى.
هذا فيلم فريد بين أفلام الوسترن من حيث حكايته ومن حيث موضوعه الناقد لمفهوم الغوغائية وتطبيق القانون خارج وصاياه وشروطه، أو كما كتب أحد الأبرياء (دانا أندروز) في رسالة قرأها لاحقاً كارتر، أمام العصبة ذاتها (أطرق الجميع رؤوسهم أرضاً شاعرين بذنب ما ارتكبوه): «القانون هو أكثر بكثير من كلمات في كتاب أو من قضاة ومحامين ورجال أمن. القانون هو كل العدالة والفرق بين الخطأ والصواب. إنه ضمير الإنسانية».
لم يكن سهلاً إنجاز هذا الفيلم المُدين في سياق نقده لمجتمع ينساق تحت سطوة فاشية ممثلة بقائد عسكري يطلق الأحكام ويفرض تنفيذها على مجموعة مشبعة بالشر والرغبة في القتل. لكن شركة الإنتاج (تونتييث سنتشري فوكس) دافعت عن المشروع ضد رقابة هايز (حينها) وأنجزته.
يؤدي هنري فوندا دور الرجل الذي عارض الشنق لكنه لم يستطع فعل شيء. وحين يقرأ تلك الرسالة على المذنبين (وعلينا) نحس بعمق كلماته كما نحس بعمق أداء دانا أندروز ونصدّق براءته من مكاننا البعيد زمناً ومكاناً.
هناك نسخة تلفزيونية الإنتاج في 60 دقيقة تم تحقيقها سنة 1955 لعب فيها روبرت واغنر الدور الذي أدّاه هنري فوندا وقام كاميرون ميتشل بدور دانا أندروز وأخرجه جيرد أوزوولد. حافظت النسخة على تلك المبادئ بالفعالية ذاتها.



«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
TT

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)

LES TEMPÊTES

(جيد)

* إخراج: دانيا ريمون-بوغنو

* فرنسا/ بلجيكا (2024)

الفيلم الثاني الذي يتعاطى حكاية موتى- أحياء، في فيلم تدور أحداثه في بلدٍ عربي من بعد «أغورا» للتونسي علاء الدين سليم («شاشة الناقد» في 23-8-2024). مثله هو ليس فيلم رعب، ومثله أيضاً الحالة المرتسمة على الشاشة هي في جانب كبير منها، حالة ميتافيزيقية حيث العائدون إلى الحياة في كِلا الفيلمين يمثّلون فكرةً أكثر ممّا يجسّدون منوالاً أو حدثاً فعلياً.

«العواصف» إنتاج فرنسي- بلجيكي للجزائرية الأصل بوغنو التي قدّمت 3 أفلام قصيرة قبل هذا الفيلم. النقلة إلى الروائي يتميّز بحسُن تشكيلٍ لعناصر الصورة (التأطير، والإضاءة، والحجم، والتصوير نفسه). لكن الفيلم يمرّ على بعض التفاصيل المكوّنة من أسئلة لا يتوقف للإجابة عليها، أبرزها أن بطل الفيلم ناصر (خالد بن عيسى)، يحفر في التراب لدفن مسدسٍ بعد أن أطلق النار على من قتل زوجته قبل 10 سنوات. لاحقاً نُدرك أنه لم يُطلق النار على ذلك الرجل بل تحاشى قتله. إذن، إن لم يقتل ناصر أحداً لماذا يحاول دفن المسدس؟

الفيلم عن الموت. 3 شخصيات تعود للحياة بعد موتها: امرأتان ورجل. لا أحد يعرف الآخر، وربما يوحي الفيلم، أنّ هناك رابعاً متمثّلاً بشخصية ياسين (مهدي رمضاني) شقيق ناصر.

ناصر هو محور الفيلم وكان فقد زوجته «فجر» (كاميليا جردانة)، عندما رفضت اعتلاء حافلة بعدما طلب منها حاجز إرهابي ذلك. منذ ذلك الحين يعيش قسوة الفراق. في ليلة ماطرة تعود «فجر» إليه. لا يصدّق أنها ما زالت حيّة. هذا يؤرقها فتتركه، ومن ثَمّ تعود إليه إذ يُحسن استقبالها هذه المرّة. الآخران امرأة ورجل عجوزان لا قرابة أو معرفة بينهما. بذا الموت الحاصد لأرواح تعود إلى الحياة من دون تفسير. الحالة نفسها تقع في نطاق اللا معقول. الفصل الأخير من الفيلم يقع في عاصفة من التراب الأصفر، اختارته المخرجة ليُلائم تصاعد الأحداث الدرامية بين البشر. تنجح في إدارة الجانبين (تصوير العاصفة ووضعها في قلب الأحداث)، كما في إدارة ممثليها على نحوٍ عام.

ما يؤذي العمل بأسره ناحيةٌ مهمّةٌ وقعت فيها أفلام سابقة. تدور الأحداث في الجزائر، وبين جزائريين، لكن المنوال الغالب للحوار هو فرنسي. النسبة تصل إلى أكثر من 70 في المائة من الحوار بينما، كما أكّد لي صديق من هناك، أن عامّة الناس، فقراء وأغنياء وبين بين، يتحدّثون اللهجة الجزائرية. هذا تبعاً لرغبة تشويق هذا الإنتاج الفرنسي- البلجيكي، لكن ما يؤدي إليه ليس مريحاً أو طبيعياً إذ يحول دون التلقائية، ويثير أسئلة حول غياب التبرير من ناحية، وغياب الواقع من ناحية أخرى.

* عروض مهرجان مراكش.

«احتفال» (كرواتيا إودڤيحوال سنتر)

CELEBRATION

(ممتاز)

* إخراج: برونو أنكوڤيتش

* كرواتيا/ قطر (2024)

«احتفال» فيلم رائع لمخرجه برونو أنكوڤيتش الذي أمضى قرابة 10 سنوات في تحقيق أفلام قصيرة. هذا هو فيلمه الطويل الأول، وهو مأخوذ عن رواية وضعها سنة 2019 دامير كاراكاش، وتدور حول رجل اسمه مِيّو (برنار توميتش)، نَطّلع على تاريخ حياته في 4 فصول. الفصل الأول يقع في خريف 1945، والثاني في صيف 1933، والثالث في شتاء 1926، والرابع في ربيع 1941. كلّ فصل فيها يؤرّخ لمرحلة من حياة بطله مع ممثلٍ مختلف في كل مرّة.

نتعرّف على مِيو في بداية الفيلم يُراقب من فوق هضبة مشرفة على الجيش النظامي، الذي يبحث عنه في قريته. يمضي مِيو يومين فوق الجبل وتحت المطر قبل أن يعود الفيلم به عندما كان لا يزال فتى صغيراً عليه أن يتخلّى عن كلبه بسبب أوامر رسمية. في مشهد لا يمكن نسيانه، يربط كلبه بجذع شجرة في الغابة ويركض بعيداً يلاحقه نباح كلب خائف، هذا قبل أن ينهار مِيو ويبكي. ينتقل الفيلم إلى شتاء 1926. هذه المرّة الحالة المعيشية لا تسمح لوالده بالاختيار، فيحمل جدُّ مِيو فوق ظهره لأعلى الجبل ليتركه ليموت هناك (نحو غير بعيد عمّا ورد في فيلم شوهاي إمامورا «موّال ناراياما» The Ballad of Narayama سنة 1988). وينتهي الفيلم بالانتقال إلى عام 1941 حيث الاحتفال الوارد في العنوان: أهالي القرى يسيرون في استعراضٍ ويرفعون أيديهم أمامهم في تحية للنازية.

«احتفال» معني أكثر بمراحل نمو بطله وعلاقاته مع الآخرين، وسط منطقة ليكا الجبلية الصعبة كما نصّت الرواية. ما يعنيه هو ما يُعانيه مِيو وعائلته وعائلة الفتاة التي يُحب من فقر مدقع. هذا على صعيد الحكاية وشخصياتها، كذلك وَضعُ مِيو وما يمرّ به من أحداث وسط تلك الطبيعة القاسية التي تُشبه قسوة وضعه. ينقل تصوير ألكسندر باڤلوڤيتش تلك الطبيعة وأجواءها الممطرة على نحوٍ فعّال. تمثيلٌ جيدٌ وناضجٌ من مجموعة ممثلين بعضُهم لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا، ومن بينهم كلارا فيوليتش التي تؤدي دور حبيبة مِيو، ولاحقاً، زوجته.

* عروض مهرجان زغرب (كرواتيا).