رسالة زيارة ماكرون... الصين الجديدة طرف «لا يمكن تجاوزه»

ماكرون في بكين اليوم (أ.ف.ب)
ماكرون في بكين اليوم (أ.ف.ب)
TT

رسالة زيارة ماكرون... الصين الجديدة طرف «لا يمكن تجاوزه»

ماكرون في بكين اليوم (أ.ف.ب)
ماكرون في بكين اليوم (أ.ف.ب)

قبل وصوله إلى بكين حرص الرئيس إيمانويل ماكرون على الاعتراف بحقيقة جديدة في المشهد الدولي مفادها أن الصين طرف «لا يمكن تجاوزه» أمام التحديات الكثيرة التي يشهدها العالم بدءاً بالحرب في أوكرانيا.
لا مبالغة في كلام الرئيس الفرنسي، فمن يلتفت إلى الصين في هذه الأيام يكتشف أنها لم تعد بلداً بعيداً يراقب الأزمات ويكتفي بعبارات مقتضبة في بيانات محبوكة بلغة المراقب المتحفظ.
مشهدان صينيان يعبران عن الواقع الجديد. زيارة ماكرون وبرفقته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين. واجتماع وزيري خارجية السعودية وإيران برعاية صينية تنفيذاً لما جاء في بيان بكين الثلاثي الشهير.

حقائق أوروبية صعبة

واضح أن ماكرون يزور الصين باسم أوروبا لا باسم فرنسا وحدها. أوروبا التي ذكرتها الحرب الروسية في أوكرانيا بحقائق كانت تتمنى تناسيها.
أول هذه الحقائق أن «القارة القديمة» عاجزة عن مواجهة أزمة بحجم الأزمة الأوكرانية من دون الاتكاء تماماً على حلف «الناتو» وعموده الفقري الولايات المتحدة. ولا يحتاج ماكرون إلى من يذكره أن أوروبا لا تملك حلاً في أوكرانيا. لا تستطيع إلحاق هزيمة بروسيا ولا تستطيع في الوقت نفسه التسليم بتغيير الخرائط عن طريق القوة.
الحقيقة الثانية هي أن أوروبا تحتل موقعاً بارزاً في لائحة المتضررين من الحرب بسبب ارتفاع فواتير الطاقة ومعدل التضخم واضطرارها إلى رفع إنفاقها الدفاعي في وقت تواجه الدول الأساسية فيها إضرابات واضطرابات.

يدرك ماكرون في الوقت نفسه أن أميركا لا تملك حلاً في أوكرانيا. إخراج القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية بالقوة متعذر. خيار أميركا المتاح هو جعل الغزو مكلفاً لروسيا. وإذا كانت أميركا قادرة على خوض حرب استنزاف طويلة، فإن أوروبا لا تمتلك قدرة التعايش مع هذا الاستنزاف الطويل.

هدفان لزيارة ماكرون إلى الصين

في ضوء هذه الحقائق تبدو زيارة ماكرون وكأنها ترمي إلى تحقيق هدفين. الأول إقناع الصين بعدم الانجرار إلى دعم عسكري لروسيا سيؤدي بالضرورة إلى إحياء شبح عالم المعسكرين وإلحاق أضرار فادحة بالاقتصاد العالمي.
أما الهدف الثاني، فهو تشجيع الصين على التعامل بواقعية مع الملف الأوكراني على رغم أن «صداقة بلا حدود» تربطها بنظام فلاديمير بوتين. ولعل ما يسهل لماكرون السعي إلى وساطة صينية هو حرص الرئيس فولوديمير زيلينسكي في تصريحاته الأخيرة على فتح نافذة الحوار مع العملاق الصيني.
ليس من السهل إطفاء الحريق الأوكراني. ليس من مصلحة الصين أن يخرج بوتين خاسراً من رحلته الأوكرانية لأن ذلك يبعث برسالة قاسية إلى الصين نفسها التي لا تخفي أن استعادة تايوان مدرجة على جدول شي جينبينغ. ولا مصلحة للصين في الوقت نفسه في الذهاب مع بوتين إلى حد يحرم الاقتصاد الصيني من قدرته على النمو خصوصاً أن علاقات الصين التجارية مع أوروبا وأميركا ليست متواضعة.

ليس من عادة الصين التسرع. تنتظر إنضاج الظروف. هذا ما حدث في ملف العلاقات السعودية-الإيرانية والذي شكل أول إطلالة دولية للصين في صورة راعٍ لمفاوضات وصانع للحلول أو مساهم فيها. وإذا كان واضحاً أن الضمانة الصينية هي التي سهّلت ولادة بيان بكين الثلاثي، فإن الثقل الصيني وحده وباعتراف ماكرون، يمكن أن يغير اتجاه الأحداث على الأرض الأوكرانية.
ها هو العالم يشهد تغييرات في صورة اللاعبين في نادي الكبار. أصيبت صورة روسيا بعطب كبير نتيجة القطيعة مع الغرب. أميركا خائفة وضعيفة وأميركا تراقب أوكرانيا وعينها على تايوان. وحدها الصين تبدو هادئة وواثقة ولعلها ترفض التقدم نحو الوساطة في أوكرانيا قبل أن تشتد الحاجة إليها ويسلم الطرفان هناك بالحاجة إلى تقديم التنازلات.



كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

TT

كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)
ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)

أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو (53 عاماً) استقالته من منصبه، الاثنين، في مواجهة ازدياد الاستياء من قيادته، وبعدما كشفت الاستقالة المفاجئة لوزيرة ماليته عن ازدياد الاضطرابات داخل حكومته.

وقال ترودو إنه أصبح من الواضح له أنه لا يستطيع «أن يكون الزعيم خلال الانتخابات المقبلة بسبب المعارك الداخلية». وأشار إلى أنه يعتزم البقاء في منصب رئيس الوزراء حتى يتم اختيار زعيم جديد للحزب الليبرالي.

وأضاف ترودو: «أنا لا أتراجع بسهولة في مواجهة أي معركة، خاصة إذا كانت معركة مهمة للغاية لحزبنا وبلدنا. لكنني أقوم بهذا العمل لأن مصالح الكنديين وسلامة الديمقراطية أشياء مهمة بالنسبة لي».

ترودو يعلن استقالته من أمام مسكنه في أوتاوا الاثنين (رويترز)

وقال مسؤول، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن البرلمان، الذي كان من المقرر أن يستأنف عمله في 27 يناير (كانون الثاني) سيتم تعليقه حتى 24 مارس، وسيسمح التوقيت بإجراء انتخابات على قيادة الحزب الليبرالي.

وقال ترودو: «الحزب الليبرالي الكندي مؤسسة مهمة في تاريخ بلدنا العظيم وديمقراطيتنا... سيحمل رئيس وزراء جديد وزعيم جديد للحزب الليبرالي قيمه ومثله العليا في الانتخابات المقبلة... أنا متحمّس لرؤية هذه العملية تتضح في الأشهر المقبلة».

وفي ظل الوضع الراهن، يتخلف رئيس الوزراء الذي كان قد أعلن نيته الترشح بفارق 20 نقطة عن خصمه المحافظ بيار بوالييفر في استطلاعات الرأي.

ويواجه ترودو أزمة سياسية غير مسبوقة مدفوعة بالاستياء المتزايد داخل حزبه وتخلّي حليفه اليساري في البرلمان عنه.

انهيار الشعبية

تراجعت شعبية ترودو في الأشهر الأخيرة ونجت خلالها حكومته بفارق ضئيل من محاولات عدة لحجب الثقة عنها، ودعا معارضوه إلى استقالته.

ترودو وترمب خلال قمة مجموعة العشرين في هامبورغ 8 يوليو 2017 (رويترز)

وأثارت الاستقالة المفاجئة لنائبته في منتصف ديسمبر (كانون الأول) البلبلة في أوتاوا، على خلفية خلاف حول كيفية مواجهة الحرب التجارية التي تلوح في الأفق مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

وهدّد ترمب، الذي يتولى منصبه رسمياً في 20 يناير، بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25 في المائة على السلع الكندية والمكسيكية، مبرراً ذلك بالأزمات المرتبطة بالأفيونيات ولا سيما الفنتانيل والهجرة.

وزار ترودو فلوريدا في نوفمبر (تشرين الثاني) واجتمع مع ترمب لتجنب حرب تجارية.

ويواجه ترودو الذي يتولى السلطة منذ 9 سنوات، تراجعاً في شعبيته، فهو يعد مسؤولاً عن ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، بالإضافة إلى أزمة الإسكان والخدمات العامة.

ترودو خلال حملة انتخابية في فانكوفر 11 سبتمبر 2019 (رويترز)

وترودو، الذي كان يواجه باستهتار وحتى بالسخرية من قبل خصومه قبل تحقيقه فوزاً مفاجئاً ليصبح رئيساً للحكومة الكندية على خطى والده عام 2015، قاد الليبراليين إلى انتصارين آخرين في انتخابات عامي 2019 و2021.

واتبع نجل رئيس الوزراء الأسبق بيار إليوت ترودو (1968 - 1979 و1980 - 1984) مسارات عدة قبل دخوله المعترك السياسي، فبعد حصوله على دبلوم في الأدب الإنجليزي والتربية عمل دليلاً في رياضة الرافتينغ (التجديف في المنحدرات المائية) ثم مدرباً للتزلج على الثلج بالألواح ونادلاً في مطعم قبل أن يسافر حول العالم.

وأخيراً دخل معترك السياسة في 2007، وسعى للترشح عن دائرة في مونتريال، لكن الحزب رفض طلبه. واختاره الناشطون في بابينو المجاورة وتعد من الأفقر والأكثر تنوعاً إثنياً في كندا وانتُخب نائباً عنها في 2008 ثم أُعيد انتخابه منذ ذلك الحين.

وفي أبريل (نيسان) 2013، أصبح زعيم حزب هزمه المحافظون قبل سنتين ليحوله إلى آلة انتخابية.

وخلال فترة حكمه، جعل كندا ثاني دولة في العالم تقوم بتشريع الحشيش وفرض ضريبة على الكربون والسماح بالموت الرحيم، وأطلق تحقيقاً عاماً حول نساء السكان الأصليين اللاتي فُقدن أو قُتلن، ووقع اتفاقات تبادل حرّ مع أوروبا والولايات المتحدة والمكسيك.