عائشة السيفي: حاولت أن أجد صكّاً للقبول بي شاعرة داخل القبيلة

«أميرة الشعراء» تقول لمن هاجمها: الناس مقامات في التلقي

عائشة السيفي أول امرأة تحرز لقب «أميرة الشعراء»
عائشة السيفي أول امرأة تحرز لقب «أميرة الشعراء»
TT

عائشة السيفي: حاولت أن أجد صكّاً للقبول بي شاعرة داخل القبيلة

عائشة السيفي أول امرأة تحرز لقب «أميرة الشعراء»
عائشة السيفي أول امرأة تحرز لقب «أميرة الشعراء»

منذ اللحظة التي أعلن فيها فوز الشاعرة العُمانية عائشة السيفي بلقب «أميرة الشعراء» في الموسم العاشر، كأول امرأة شاعرة تحقق هذا اللقب، انهالت الانتقادات والاتهامات والتعليقات المتنمرة على الشاعرة وعلى برنامج «أمير الشعراء» ولجنة الجائزة، ومثلما بدا بعض المعلقين كأنهم ينساقون بخفّة خلف مقاطع مبتسرة من قصيدة الشاعرة في المسابقة، أظهر بعض الهجوم أيضاً «البنية الفولاذية لفريق يعتبر نفسه حارساً على بنية القصيدة التقليدية ومدافعاً شرساً أمام أشكال التحديث ومظاهر الحداثة».
أصدرت عائشة السيفي 4 مجموعات شعرية هي: «البحر يبدّل قمصانه» 2014، و«أحلام البنت العاشرة» 2016، و«لا أحبّ أبي» 2017، و«في الثلاثين من نخلها» 2022، وبالإضافة إلى الشعر، تنشر عائشة السيفي مقالات عبر مدونتها الإلكترونية «حريّة بثمن الخبز».
عن مسيرتها الشعرية، وكيف تقرأ تجربتها في برنامج «أمير الشعراء» حتى حصولها على لقب «أميرة الشعراء» ورؤيتها للقصيدة الحديثة... كان هذا الحوار معها:
> متى اكتشفتِ موهبتكِ كشاعرة، خصوصاً أننا نعلم أن دراستك وتخصصك في الهندسة المدنية والتنمية الدولية؟
- موهبتي بدأت عندما كنت في عمر العاشرة تقريباً، كنتُ أحبّ إلقاء الشعر منذ الصف الأول الابتدائي، وبدأت محاولاتي الشعرية واضحة في المراحل الأولى من دراستي، ولكني في بدايتها حاولت أن أجد صكّاً للقبول داخل العائلة بأن أكتب الشعر، فكتبتُ أول قصيدة وكان اسمها «الوردة البيضاء» وحاولتُ بعدها أن أكتب قصائد في القبيلة من أجل أن أحرز صكّ القبول العائلي.
قضيتُ حياتي وأنا أكتب الشعر وكنتُ أحرز الدرجات العالية في اللغة العربية تماماً مثلما أحرز الدرجات العالية في المواد العلمية مثل الرياضيات والفيزياء، وكانت ميولي علمية مثلما كانت ميولي أدبية أيضاً فدخلت المسار العلمي وتخصصت في المواد العلمية، وتخرجت بنسبة عالية، 99.7 بالمائة في الثانوية العامة، وكانت الخيارات أمامي مفتوحة، فاتخذتُ قرار الانخراط في كلية الهندسة، وكان خياراً - نوعاً ما - غير مقبولٍ على مستوى القبيلة وعلى مستوى المدينة، فالهندسة لم تكن اتجاهاً تتجه إليه النساء، ولكني رغبتُ في تجربته لرغبتي في استكشافه بعيداً عن التفكير النمطي.
> ما الذي يجمع بين الهندسة والشعر؟
- اكتشفتُ أن الهندسة تجتمع مع الشعر في جوانب كثيرة؛ فهي من الإنسان وإلى الإنسان، والهندسة نابعة من حاجات الإنسان في العيش، وهي تشهد محاولات الإنسان دائماً في تشكيل الأفكار الجديدة.
> لكنك ذهبتِ بعيداً في هذا المجال...
- نعم، بعد تخرجي من الجامعة التحقت بشركة هولندية متخصصة في الموانئ، ومنها تخصصت في هندسة الموانئ، تحديداً في تصميمها، وذرعتُ العالم بدءاً من هولندا ثم بريطانيا ثم في دول أخرى بأفريقيا وآسيا، وعدتُ إلى عُمان في 2019 لأتجه إلى القطاع اللوجيستي، ومؤخراً صرتُ أعملُ في جهاز البرنامج الوطني للاستثمار نائبة للرئيس.
> لكنك بدأتِ كشاعرة متأخرة نسبياً، بعد التخرج من الجامعة 2005...
- لم أبدأ متأخرة، ولكني احتجتُ لكثير من المراحل من أجل أن أخرج علانية، لأنني جئت من عائلة محافظة لا تخرج فيها النساء علناً ولا يفصحن في المنابر العامة عن الشعر. فبدأت بالتدريج لأنني أردت أن أحصل على صكّ القبول من العائلة، ثم من الدوائر الأوسع في مدينتي، وعمان تحديداً. فأخذت وقتي، وكانت هنالك مراحل استقلاليتي المادية وزواجي الذي قيضّ لي مساحة حرية أكبر في أن أتخذ قرارات الخروج بالمنابر العلنية، بالإضافة إلى أن عملي في الهندسة وسفري الكثير في السنوات الماضية أثّر على حضوري في المشاركات الشعرية العامة وفي حضور المؤتمرات والملتقيات الثقافية وكذلك في الأمسيات الشعرية.
> نشأتِ في نزوى، ماذا منحكِ المكان والبيئة والتراث... خصوصاً أننا نلحظ في نصوصكِ روحاً حديثة تنهل من التراث؟
- أنا متشبعة كثيراً بمدينتي نزوى، ببساطة شديدة قضيتُ أول 18 سنة من حياتي في نزوى، لم أغادرها سوى بضع مرات، وأجد في نزوى مساحة كثيرة تثير فضولي للكتابة عنها ككاتبة؛ ففي نزوى المكان، والقرية، والشجر، وفي نزوى الإنسان العميق، والتاريخ، وأجدُ فيها تفاصيل شعرية كثيرة لقصائدي، وأحسب أن نزوى كانت مادة خصبة لنصوصي، وهي أيضاً نابعة من بحثي عن النصّ وعن أصالة النصّ، وحديثي عن نزوى نابع من أن أكون مخلصة لجذوري التي سقت ينابيعي الشعرية الأولى، والتي من خلالها خرجت للعالم. أنا زرتُ العالم وعايشت حضارات مختلفة، ولم تزدني تلك الحضارات يقيناً إلا باعتزازي الكبير بجذوري التي خرجتُ منها إلى العالم.
«أميرة الشعراء»
> ماذا يعني لكِ الفوز بلقب أول شاعرة «امرأة» تفوز بلقب أمير الشعراء؟
- أنا دخلت المسابقة وعيني على الفوز... فمن اللحظة الأولى التي كان الجميع يسألني فيها، كنتُ أقول لهم: أنا دخلت البرنامج لأفوز! أردتُ أن أجعل من الفوز أمراً عادياً، أنا أتمنى أن أعيش حياة أجد فيها أن الفوز لامرأة أمر عادي بين الناس، أردتُ أن أعبّد الطريق لنساء أخريات، وأن أكون امتداداً لنساء أخريات سبقنني ولم يحظين بالفوز، لأنهنّ لم يجدن الإيمان الكافي بتجرتهنّ مثلما وجدتُ الإيمان الكافي بتجربتي، وأردتُ أن أصعد على المنبر لترى النساء وجوههن فيّ... بأن يجدن امرأة قادمة من قبيلة وقادمة من مجتمع محافظ ومتدين، وامرأة قادمة من دولة تعدادها السكاني قليل، وامرأة قادمة من دولة لا تسوّق كثيراً لتجاربها، وأتت من ظروف فيها كثير من التحديات، لكنها وقفت هناك لأنها تشعر بالجدارة. ما يعني لي أن هناك إرثاً أحمله أريد أن يستمر ويواصل بعد فوزي.
> صِفي لنا اللحظات الأولى لإعلان فوزكِ... كيف تلقيتِ الإعلان؟
- قبل اللحظات الأولى للفوز، كنتُ أشعر بأن السباق انتهى، وكنتُ أشعر تلك اللحظة بالسعادة الغامرة التي تدفعني (ربما) لأذرف الدموع لو لا أن قوتي كانت أكبر من أن أبكي علانية! وكنتُ أريد أن أستمتع باللحظة، وأكون مغمورة بها، فلم تكن الرحلة سهلة، فالرحلة كانت متعبة وصعبة. بالإضافة إلى صعوبة صناعة النصوص وتجويدها، كان عليّ أن أستثير الكثيرين لكي أجتذبهم للتصويت، ففي عُمان عموماً لا يتفاعل الناس كثيراً مع البرامج الجماهيرية، وتكون الصعوبة أكبر عندما يتعلق الأمر بالشعر، وتتضاعف الصعوبة عندما يتعلق الأمر بالتصويت لامرأة، فوضعتُ كل ثقلي التسويقي والجماهيري من أجل إقناع الناس بالتصويت ومن أجل حثهم على أهمية هذه المشاركة، وعلى طول التمثيل، وضرورة الإيمان بأن الفوز لا يتعلق فقط بهذه المرأة الشاعرة، ولكن بأجيال عليها أن تؤمن بأنها جديرة بالفوز، وأن هذا الفوز يفتح أبواباً كثيرة أبعد من مسألة حمل اللقب.
> كانت أمامك منافسة من شاعرة أخرى من الإمارات، هل تُغّير المرأة طعم المنافسة؟
- نعم تُغيّر المرأة طعم المنافسة، بطريقة ما، كنتُ ونجاة الظاهري من الإمارات، قريبتين طوال الرحلة، ولم تتسم المنافسة بطعم الغيرة، على العكس، كنا نحب لبعضنا ما نحبّ لأنفسنا، وعندما خرجت نجاة لمرحلة التصويت صوّتُ لها، وهكذا فعلت هي عندما خرجت لمرحلة التصويت صوتت لي، كنا ندعم بعضنا، ونفتخر بتجارب بعض، وكنا نمنح بعضنا ملاحظاتنا. لم أجد من نجاة إلا المساندة، والفرحة الكبيرة بفوزي، وحتى هذه اللحظة أنا على تواصل مستمر معها، وأجد أن أحد مكاسب المسابقة هذه؛ فوزي بصحبتها ورفقتها في هذه الرحلة.
> هناك من قال إن المزاج العام كان يتجه لفوز امرأة بهذا اللقب هذا العام، هل هذا صحيح؟
- عندما شاركتُ لم أكن أفكر إطلاقاً في المزاج العام، أعرف أن المزاج العام كان في يفكر في فوز امرأة منذ المواسم السابقة، وهنالك كثير من الآراء يشير إلى أنه آن الأوان لأن تفوز امرأة. بالنسبة لي، اشتغلتُ على نصوصي كثيراً واجتهدت، وواجهت تحديات، فقد خرجتُ لمرحلة التصويت في البرنامج، وكان هنالك احتمال كبير أن أغادر، كنتُ أقف مقابل التصويت لمنافسي الموريتاني، وأخرجتني لجنة التصويت، وبالتالي لو كان هنالك مزاج عام للفوز لكنتُ حصلت على بطاقة اللجنة خلال كل المراحل، في بعض المراحل كنت أقول إنني على وشك أن أخرج من السباق، وكانت الدرجات التي تفصلني عن الشاعر الموريتاني قليلة جداً، فنحنُ وضعنا في الاختبارات في كل مراحل البرنامج وكنت أجتهد من البداية إلى النهاية، وأحسب أن المزاج العام لفوز امرأة لن يقنع الناس بالتصويت، بل على العكس الناس سوف تصوت للنصّ الجدير، وهذا ما حدث، وأنا أعتبر أن هذا التبرير الذي يقوله الكثيرون انتقاص من جدارة التجربة الشعرية التي قدمناها نحنُ باستخدام أعذار من أجل التقليل من أهمية فوز امرأة بلقب هذا الموسم.
> يعتمد اختيار الفائز على التصويت، ونعلم أن حملة تصويت هائلة صُبّتْ لصالحك خصوصاً من سلطنة عُمان... كيف تقيمين هذا الإقبال الواسع للتصويت لك من الجمهور العماني؟
- نعم أردتُ منذ بداية اشتراكي في هذا البرنامج أن أدخل بكل الأدوات، وهذا هو الجانب الإداري داخلي، فأنا بمقدار ما أنا شاعرة، فأنا إدارية، اشتغلت بشكل مكثف على الأصوات كأنها حملة انتخابية، لأنني أردتُ أن أرفع الوعي داخل المجتمع العماني بأهمية المشاركة، وأردت أن أجعل من حملتي في هذا البرنامج مثل مرجع لحملات مقبلة في المستقبل. ومن النصائح التي أوصلتني والتي أثمنها كثيراً نصيحة من (الشاعر السعودي) الأستاذ جاسم الصحيح، عندما طلبتُ نصحه وأنا على وشك المشاركة في البرنامج، فقال لي: «عائشة النصّ الجميل ثم التصويت فالتصويت فالتصويت»، وبالتالي بقدر ما نؤمن بنصّ جميل يحوز على رضا لجنة التحكيم، وهذا ما اشتغلتُ عليه طوال فترة البرنامج، فأنا أيضاً مؤمنة بأن الجمهور عليه أن يقول كلمته.
> هل يفقد اللقب، أو تفقد الجائزة، مضمونها الأدبي بسبب اعتمادها على تصويت الجمهور؟
- أنا مؤمنة بأنه لو لم يكن هنالك جانب تصويت لبرنامج أمير الشعراء، لانتهى البرنامج وماتت جماهيريته، التصويت هو جزء أساسي من جماهيرية البرنامج، إذا أردنا أن نشرك الناس في اختيار الشاعر الذي يريدونه؛ فعليهم أن يكونوا جزءاً من عملية الاختيار هذه، وبالتالي فأن يوضع 60 في المائة من النقاط لاختيار لجنة التحكيم، و40 في المائة للجمهور، فإن ذلك يحث الناس على التفاعل مع الشعراء ويحثهم على أن يكونوا جزءاً أساسياً من عملية انتخاب الشاعر الذي تجمع الغالبية عليه.
> مثلما رحب عشرات الأدباء بفوزك باللقب، حظي هذا الفوز باعتراضات من نقاد ومثقفين... رغم أن بعضهم سحب رأيه بدعوى أنهم لم يقرأوا النصّ كاملاً... بالنسبة إليك، أين تضعين آراء المؤيدين والمعترضين على فوزك؟
- أنا أستشهد هنا بمثل يقول «bad publicity is good publicity»، ويعني أن «الجماهيرية السيئة هي جماهيرية جيدة»، فلم يحظَ نصّ شعري حديث بالتحليل والتفكيك مثلما حظي نص «أسئلة سقف الليل» (الذي ألقته الشاعرة في المسابقة) بسبب ما حظي به بداية بكثير من الذم، ثم لاحقاً تلقفه جمهور النقاد، وللأمانة لم أجد أي مقال نقدي وصل إلي إلا ما جعلني أبتسم كثيراً، لأن ما يعنيني هو رأي النقاد، أما الجمهور فلهم أن يقولوا ما يشاءون. أنا أتفق أنه ليس كل أحد يستمع بشكل جيد، ويتلقى النصوص الشعرية بحداثيتها كما كتبتها، وأؤمن بما قاله ابن خلدون: «الناس مقامات في التلقي»، والناس مقامات في تلقيهم لهذه النصوص، وربما كانت هذه المعضلة الكبرى التي كنا نواجهها عند تقديم النصوص: هل هي موجهة للجنة التحكيم أم هي للجمهور؟ وفي كثير من الأحيان عندما كنت أستشير زملائي الشعراء الذين شاركوا في مواسم سابقة بالبرنامج، كانوا يقولون لي هذا نصّ نخبوي جداً قد تفوزين فيه بأصوات لجنة التحكيم ولكنك ستخسرين الجمهور، وبالتالي كانت المعضلة كيف أقدّم نصاً غير مغرق في الجماهيرية، ولكن أيضاً غير مغرق في الرمزية وغير نخبوي... كيف أقدّم نصاً يمسك العصا من المنتصف؟
> بعض المعترضين، يرون أن شعركِ «حداثي» وهم لا يرون الشعر الحديث شعراً، وقالوا إن شعركِ «حداثي حتى لو صبّ في قوالب عمودية»، ما رأيك؟
- أنا ابنة عصري، ولدتُ في ثمانينات القرن الماضي، وأنا امرأة في الثلاثينات أعيش يومي، وأبني على ما قاله أجدادي، ثم أخرج منه ما يشبهني. فإذا كانت الحداثة أن أحدث ما ورثناه ونَبْنِي عليه فإنني أعتز بهذه الحداثة. أريد أن أقول إن العالم يتحرك بشكل كبير جداً، وعلى الشعر أن يواكب هذه الحركة الثقافية الكبيرة، وإلا لاتسعت الثغرة بيننا وبين العصر الحديث.
أنا ابنة عصري، وأكتب شعراً يشبه عصري، وأكتب شعراً يشبهني قبل كل شيء، وإن صُبَّ في قوالب عمودية، فإنه لا يهم القالب بقدر ما تهم الفكرة، وما يهم هو العمق الذي يتخذه النصّ، أما الأشكال فهي زائلة، فما تبقى في النهاية هو الفكرة والمجازات والصور الشعرية المتضمنة في النصّ.
> الناقد السعودي محمد العباس وصف المعترضين بأنهم «أنصار الشعر التقليدي» الذين عادوا إلى المشهد، «واستنهضوا قواهم التقليدية، ليعلنوا موت أي مظهر من مظاهر الحداثة الشعرية»، «فالشعراء التقليديون يعتبرون تقليديتهم سلطة بمعناها القمعي (...) ولذلك يمكن النظر إلى شراسة هجومهم»، ما رأيك؟
- أنا شاعرة تكتب الشعر فقط، أنا لستُ ناقدة، ولا أدعي ذلك، وأكتب الشعر بكل قوانينه، وعلى العكس لديّ نصوص يعدّها الحداثيون تقليدية جداً، كما أنّ لديّ نصوصاً أخرى يعدّها التقليديون حداثية جداً، ما أريد أن أقوله أن الجمال لا يتخذ شكلاً ولا لوناً، فالجمال يخاطب كل شرائح المجتمع وكل شرائح المتلقين، وأرى أنّ النصّ الذي كتبته كان نصاً لا يفكر في لقب أو اسم معين، سواء كان حداثياً أو تقليدياً، كان نصّاً كتبته في لحظته الشعرية، ولا أريد أن أحمله أي نوع من الألقاب، هو نصٌّ كتبتهُ وألقيته وأترك لجمهور النقاد أن يسموه كيفما شاءوا.
> كيف ترين أهمية الشعر الحديث في التجربتين الشعرية والإنسانية؟
- علينا أن نُلبس حياتنا ما يشبه محيطنا، على النصوص الشعرية اليوم ألا تتحدث عن البيد والقوافل والجِمال وبيوت الشعر وغيره، بل على النصوص الشعرية اليوم أن تلمس اليومي من حياة الناس، أن تشبه القهوة المختصة، أن تشبه الموسيقى، أن تشبه المعمار الحديث، وأن تشبه الإنسان الجديد بتحولاته... وإلا لكتبنا ونحن نقبع في قصور مشيّدة، لا يفهم المتلقي ما نريد أن نقوله، على الشعر أن يكون مطحوناً طحناً في تفاصيل الحياة اليومية للإنسان، وعلينا ألا ننفكّ من الكتابة عن كل قسوة الحياة وجمالها، وعن الحياة الإنسانية المعاصرة بكل تفاصيلها. وعلينا أن نقاتل لكي يكون الشعر حاضراً حضوراً عميقاً في حياة الناس، لأن الشعر اليوم لا تنافسه قوالبه التقليدية أو الحداثية، الشعر تنافسه بقية الفنون الإبداعية الأخرى السمعية والبصرية والأدوات الجديدة في وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي علينا أن نغرس الشعر الحديث غرساً فيها، وأن نكيّف قصائدنا لتكون حاضرة في كل هذه المشاهد وتكون حاضرة في كل الأدوات التي توصل الشعر إلى كل إنسان يقف وراء الشاشات.

من نصوصها الشعرية

حفنةٌ من ترابِ دمي
خُذوا حفنَةً من تُرابِ دَمِي
وارحَلوا كالغُبارِ الخَفيفِ الذي يُحرِجُ الأرضَ في ليلَةِ العاصِفَةْ
واتْرُكوا لي الكمَنجَاتِ
كيْ أستَعينَ بها في ليَالي البُكاءِ التيْ تتفجَّرُ فيهَا القصَائدُ بالعاطِفَة ْ
لهذي البلادِ
سأترك قلبيْ يغنّي وحيداً...
كذئبٍ حزينٍ
لمَوتىً يُصيخُونَ خلفَ الأعَاليْ
لأصوَاتنَا... وضجِيجِ شِجَاراتنَا
واللّهاثِ السّريعِ
ولهفَتنَا للحيَاةِ
وأقدامنا الضّارباتِ على الأرصِفةْ

لهذي البلاد التماثيلُ
والجثث المستفزَّة بالموتِ
صوتُ النساءِ المصاباتِ بالليلِ
والشّرفاتُ التي لا تطلُ على البحرِ
والأغنياتُ التي لا تحبّ الموسِيقا
ولا صَوت فيروزَ
هذيْ البلادُ
لهَا حُزنُ أمطار سبتمبرَ الصائفَةْ

تريد البلادُ لقلبِي خَريفَاً عجُوزاً بلا حلمٍ
وَأمَّا أنَا فَأريدُ لقلبِي شتاءً يحِبُّ الشّتاءَ
ومدخَنةً
وهَواءً خفيفاً يجيءُ من البَحرِ نحوِي
يُداعبُ حُزنِي
ويُؤنسُ
وَحشَةَ أحلامي الخَائفَة ْ

تحبُّ البلادُ لهُ أن يعيشَ كبُندقةٍ
وأما أنا فأحبّ له أن يعيشَ كعصفورةٍ
سَارحاً في السمّاء البعيدةِ
منتشياً بالسّحابِ
تقول البلادُ وقد فردتْ لي يَديهَا: أحبَّ لقلبكَ ما لا تحبّ لعينيكَ أما أنَا فأقولُ أحبَّ لقلبكَ ما تشتهِي لصغيرٍ يربّي أغانيهِ في داخلكْ
أحبّ لهُ
جوعَكَ الشتويَّ/
البكاءَ الذيْ يتبعُ النشوةَ الأنثويّة/
حضناً بدفءِ ثمانين أمٍ/
حنينَاً يواسيْ أبوَّةَ قلبكَ/
جوقَة أوجاعِكَ النازفَةْ

[للبلادِ القصائدُ لي حُزنُها
للبلاد المواويلُ لي لحنُها
لبلاديْ النّخيلُ ولي طينُها
لبلادِي العيُون التي لا تنامُ
ولي رمشُ أعينها الواجفَةْ]

لبلادِي الحنينُ الطفُوليُّ
ليْ الدّمعَة الخائفَةْ

خذوا حفنةً من تُرَابِ دَمِيْ
وانثروهُ على أرضِ هذيْ البلادْ
وشطآنهَا
والتلالِ
وسكّانهَا
والرّمال التي لا تجفّ
ومرجانهَا
وحوَاري القرى النائياتِ
وغلمَانها
وحكايَات جدّاتنا الطّيباتِ
وقهوَة أيامنا المترفةْ

خُذوا حفنةً من ترابِ دميْ
لأقُولَ لهَا
اعبُرِي يا كَمنجَاتُ نَحوِي
لأبكِي عَليكِ
اعبُريْ نَحوَ قلبِي... وواسِيهِ
ضُمّيه بينَ فراغاتكِ الخشبيّة
ميليْ عليهِ بأوتاركِ الذهبيّة
ضمّيه كالطفلِ
يرقدُ مستسلماً
فيْ ذرَاعِ البلادِ
التيْ تركتْ حُلمهُ
مشرعاً
ليلَة العاصفَةْ

سيَبكِيْ قليلاً ولكِنْ سيَنسَى
إذا أبصرَ الله في روحهِ
وهيَ تطعَنُ
عتمَةَ ليلِ البلادِ
بوردَةِ أحلامِهِ الوارفَةْ


مقالات ذات صلة

مباحثات عمانية ـ إيرانية بشأن المستجدات الإقليمية

الخليج مباحثات عمانية ـ إيرانية بشأن المستجدات الإقليمية

مباحثات عمانية ـ إيرانية بشأن المستجدات الإقليمية

أجرى وزير الخارجية الإيراني حسين أميرعبداللهيان مشاورات مع نظيره العماني بدر البوسعيدي في مسقط، قبل أن يتوجه إلى بيروت لعقد محادثات سياسية. ووصل عبد اللهيان أمس إلى السلطنة في زيارة رسمية بدعوة من نظيره العماني لمتابعة المشاورات الإقليمية والمحادثات الثنائية، حسبما ذكرت وزارة الخارجية الإيرانية. وذكرت الخارجية الإيرانية أن عبداللهيان وصل إلى مسقط في زيارة رسمية بدعوة من نظيره العماني.

«الشرق الأوسط» (مسقط)
سلطان عُمان هيثم بن طارق مستقبلاً الأسد في مسقط أمس (رويترز)

زيارة خاطفة للرئيس السوري إلى مسقط

اختتم الرئيس السوري بشار الأسد، مساء أمس، زيارة قصيرة إلى مسقط، بحث خلالها مع السلطان هيثم بن طارق، سلطان عمان، العلاقات الثنائية والتعاون المشترك. وقالت وزارة الخارجية العمانية إن السلطان هيثم عقد مع الرئيس السوري جلسة مباحثات رسمية بقصر البركة جدد خلالها تعازيه في ضحايا الزلزال المدمِّر الذي ضرب بلاده وتركيا.

ميرزا الخويلدي (مسقط)
الخليج سلطان عُمان هيثم بن طارق التقى الرئيس السوري بشار الأسد في مسقط أمس (رويترز)

اختتام زيارة قصيرة للرئيس السوري إلى مسقط

اختتم الرئيس السوري بشار الأسد، مساء أمس، زيارة قصيرة إلى مسقط، بعد أن عقد لقاءات مع السلطان هيثم بن طارق؛ سلطان عُمان، في إطار زيارة العمل التي قام بها الرئيس السوري إلى السلطنة. وقالت وزارة الخارجية العمانية إن السلطان هيثم عقد مع الرئيس السوري جلسة مباحثات رسمية في «قصر البركة»؛ «جدد خلالها جلالته تعازيه ومواساته الصادقة لفخامة الرئيس الضيف وللشعب السوري الشقيق في ضحايا الزلزال المدمر الذي ضرب بلاده وجمهورية تركيا».

ميرزا الخويلدي (مسقط)
الخليج وزيرا خارجية السعودية وعمان لدى اجتماعهما في مسقط أمس (وكالة الأنباء العمانية)

السعودية وعُمان لاستمرار تنسيق المواقف في القضايا الإقليمية ومعالجة تحديات المنطقة

أكدت السعودية وسلطنة عُمان‬ عزمهما عقد الاجتماع الأول لمجلس التنسيق العُماني السعودي خلال العام الجاري، وأكد وزيرا خارجية البلدين خلال اجتماع تشاوريّ عُقد في مسقط‬ أمس استمرار تنسيق المواقف بشأن القضايا الإقليمية والتعاون البنّاء في معالجة التحديات التي تواجه المنطقة بجميع السبل والوسائل السلمية. وأجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله في مسقط، أمس مباحثات مع وزير الخارجية العماني بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي. وفي تصريح له، نقلته وكالة الأنباء العمانية أكدّ وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود أن «تفعيل مجلس التنسيق السعودي العُماني يمثل آلية مهمّة لتعزيز ال

ميرزا الخويلدي (الدمام)
الخليج «كبار العلماء» السعودية تُدين بشدة إقدام أحد المتطرفين في هولندا على تمزيق نسخة من المصحف

«كبار العلماء» السعودية تُدين تمزيق نسخة من المصحف في هولندا

أدانت الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء بالسعودية، بشدة إقدام أحد المتطرفين في هولندا على تمزيق نسخة من المصحف الشريف في مدينة لاهاي الهولندية. وقالت الأمانة إن هذا التصرف الهمجي مدان، وهو إساءة إلى المسلمين كافة، داعيةً العالم أجمع إلى إدانة هذه التصرفات المتكررة، وسن الأنظمة والتشريعات التي تجرّمها، خدمةً للسلم والتسامح والتعايش. كما أدانت سلطنة عمان إقدام أحد المتطرفين في هولندا على تمزيق نسخة من المصحف الشريف في مدينة لاهاي الهولندية. وأعربت وزارة الخارجية العُمانية في بيان، اليوم، عن استنكارها وإدانتها لإقدام أحد المتطرفين في مدينة لاهاي على تمزيق نسخة من المصحف الشريف، وما يمثله ذلك من ا

«الشرق الأوسط» (مسقط)

ليلى العثمان تقتحم باسمها الصريح عالم روايتها

ليلى العثمان تقتحم باسمها الصريح عالم روايتها
TT

ليلى العثمان تقتحم باسمها الصريح عالم روايتها

ليلى العثمان تقتحم باسمها الصريح عالم روايتها

رواية «حكاية صفية» للروائية الكويتية ليلى العثمان الصادرة عام 2023، رواية جريئة بشكل استثنائي، فهي، من خلال بطلة الرواية «صفية»، تنحاز بشكل صريح إلى هموم المرأة العربية وأشواقها وحريتها، وتصلح أن تكون أنموذجاً للرواية النسوية الواعية التي ترفض هيمنة النزعة الذكورية على الحياة بشكل عام، وعلى حق المرأة في الاختيار وممارسة الاستقلال بشكل خاص.

بطلة الرواية صفية، ربما مثل (إيما بوفاري) بطلة رواية «مدام بوفاري» للروائي الفرنسي فلوبير، تتمرد بوعي وإصرار على كل التابوهات والأعراف الاجتماعية والأسرية، تتحول تدريجياً إلى رواية شخصية Personality Novel، تتحكم البطلة فيها بالحدث، بل تصنعه، وليس العكس.

لكن سلوك البطلة المتمرد والمتحرر لا يمر بسلام؛ إذ تصطدم بقوانين العرف الاجتماعي التي تمثلها سلطة الأب القاسية المتشددة. فعندما يكتشف الأب عيسى أن ابنته صفية تخرج خارج البيت، وتلعب مع الأولاد يغضب ويعاقبها، لكنه عندما يكتشف علاقتها بابن الجيران حسين يعرضها إلى صنوف التعذيب، ويخضعها إلى مختلف أشكال العقاب والعنف الجسدي والنفسي، بل يتمادى في قسوته إلى تدبير المكائد العديدة لقتلها والتخلص منها. لكنها كانت دائماً تنجو منها بأعجوبة، حتى قال عنها أبوها مرةً إنها «بسبعة أرواح مثل القطط»، ولذا يقرر أن يودعها السجن طيلة حياتها عقاباً لها على تماديها. وهكذا تمضي صفية ثلاثين عاماً من عمرها داخل السجن الذي تتعرف فيه إلى عدد كبير من السجينات اللائي يروين لها حكاياتهن الخاصة المؤلمة. ولا تخرج من السجن إلا بعد وفاة أبيها. وتسلم أخوها الأصغر (هلال) الوصاية عليها، حيث يقدم طلباً، بوصفه وصياً عليها بعد وفاة أبيه من أجل إطلاق سراحها. لكنها تكون، آنذاك، مثقلة بالأحزان والمكابدات، وقد تسربت إليها الشيخوخة، وذَوَى جمالها، وترهل جسدها. والرواية لا تنتهي عند هذا الحد، فهناك جزءٌ ثانٍ، يشكل لعبة سردية ذكية تقتحم فيها المؤلفة ليلى العثمان باسمها الصريح عالم البطلة، وتعرض عليها أن تكتب سيرتها وحكايتها، التي تتحدث فيها عن السنوات الثلاثين التي أمضتها داخل السجن.

تتردد صفية في البداية؛ لأنها سبق وأن وعدت أخاها (هلال) بأن تحكي له حكايتها تلك داخل السجن، لكنها تقنعها بأنها ستتيح الفرصة لأخيها هلال بالاطلاع على كافة التفاصيل، بعد أن أخبرتها أنها في الحقيقة هي التي كتبت حكايتها حتى لحظة دخولها السجن، وترغب الآن في استكمال سرد الحكاية بناء على رغبات قرائها الذين اطلعوا على الجزء الأول من سيرتها، وهو ما يؤكد الطبيعة الميتا سردية للرواية:

«ما يصير يا صفية كل قرائي لحكايتك الأولى التي طلبت مني أن أكتبها يلحّون ويطالبونني بأن أكتب جزأها الثاني عن حياتك في السجن». (ص 166)

وتكشف البطلة بشجاعة عن موقفها وحقها في ممارسة حريتها، وتخبرها بأنها لم تخجل من أخيها، وقالت له إنها أعطت جسدها حقه». (ص 167)

وهكذا تبدأ صفية بسرد حكايتها داخل السجن إلى المؤلفة. وهنا تلعب البطلة دور الراوية «شهرزاد» في سفر «ألف ليلة وليلة» التي تروي سلسلة حكايات عن طريق التنضيد، تماماً مثل «ألف ليلة وليلة» التي تتحول إلى نص غائب، كما تلعب المؤلفة ليلى العثمان دور المروي له «شهريار»، ويتحول السجن في هذا الجزء إلى بنية إطارية مولدة Frame Structure تنبثق منها، ومن عوالمها أسرار السجينات وتجاربهن المدهشة. فالسجن هو البنية المكانية التي اختزنت كل هذه العذابات والأشواق والأحلام والانكسارات.

واقتحام المؤلفة ليلى العثمان، باسمها الصريح، عالم الرواية في جزئها الثاني، يثير قضية المؤلف الضمني Implied Author أو الذات الثانية للمؤلف. فمن المعروف أننا لا نعدّ المؤلف الحقيقي، الذي هو من لحم ودم، مؤلفاً للسرد الروائي، بل تنوب عنه ذاته الثانية، التي هي ذات ورقية افتراضية. وهذا ما وجدناه في الجزء الأول من الرواية. فالمؤلفة غائبة لا تتدخل في سرد الأحداث، بل تترك ذلك لذاتها الثانية أو للمؤلف الضمني، حيث وجدنا تناوباً في السرد بين هلال الأخ الأصغر، وصفية، فضلاً عن أصوات سردية أخرى جعلت الرواية ذات طبيعة بوليفونية متعددة الأصوات.

ولذا، فإن ظهور صوت المؤلفة الحقيقية (ليلى العثمان) ينطوي على لعبة سردية جريئة، مغايرة لنمط السرد في الجزء الأول. ومع ذلك يمكن حل هذا الإشكال عن طريق الافتراض بأن اسم المؤلفة الحقيقي ليلى العثمان هو اسم افتراضي أيضاً، بوصفه الذات الثانية للمؤلفة.

والرواية بعد ذلك هي متحف للموروثات الشعبية والأنثربولوجية في المجتمع العربي عموماً، والمجتمع الخليجي بشكل أخص، حيث نجد فيها الكثير من أجواء الطفولة والحياة الأسرية الداخلية، والمفردات والإشارات التي تكشف عن الحياة الاجتماعية الشعبية في المجتمع، فضلاً عن تصوير الروائية الجريء لحياة السجون والتجاوزات التي تحدث فيها بما يتعارض ومبادئ حقوق الإنسان.

ونجحت المؤلفة إلى حد كبير في تصوير عوالم الطفولة والمراهقة والنضج، وتحديداً من خلال ما تسمى بطقوس العبور Rites of Passage، حيث الانتقال من عالم الطفولة بطقوسه إلى عالم المراهقة والنضج، من خلال ملاحقة نمو شخصية البطلة (صفية) التي كانت منذ طفولتها تميل إلى اللعب مع الصبيان، وانتقالها إلى مرحلة الوعي بحاجات الجسد ونداءاته السرية.

يسرد لنا (هلال)، الأخ الأصغر لصفية، كيف أن أباها القاسي عاقب أخته، عندما اكتشف أنها خرجت من البيت لتلعب مع الصبيان:

«يومها كان عمري خمس سنوات، مقرفصاً بجانب أمي الجالسة أمام النار، حين اندفعت صفية من الدهليز لاهثة... وأبي يركض على إثرها مسعوراً بصراخه وزبد فمه المتطاير». (ص 9)

وربما كانت قسوة الأب المفرطة هذه أحد أسباب تمرد صفية وعنفوانها وإصرارها على مواقفها الجريئة. ومن هنا تشكلت شخصية (صفية)، قويةً ومتحديةً ومتماسكةً، أهّلتها لأن تواجه كل الصعوبات والعقوبات ومنها سنوات السجن الثلاثين.

تعتمد البنية السردية في الرواية أساساً على سرد متناوب من قبل الأخ الأصغر (هلال) وأخته (صفية) في مرويات ومونولوغات متعددة، فضلاً عن ظهور أصوات فردية متفرقة وتوظيف سرد «الراوي العليم» في بعض الفقرات:

«في أحد الأحياء الفقيرة عاشت العائلة الصغيرة: الأب عيسى بن نايف، رجل نحيل قصير القامة حنطي اللون، له عينان مستديرتان غير حنونتين». (ص 13)

كما يعتمد السرد إلى حد كبير، وخاصة في نهاية بعض الفصول، على تقنية الاستباق السردي Ellipsis لاستشراف ما سيحدث في المستقبل، كما نجد ذلك في نهاية المقطع الأول من الجزء الأول:

«كان الحال مستوراً، والسمعة طيبة، لكن شيئاً كالسوسة بدأ ينخر في أساسات حياتهم الهادئة ويفسدها». (ص 15)، ويسهم مثل هذا السرد في الاستباق الاستشرافي، لما سيحدث في الرواية مستقبلاً، مما يثير فضول القارئ ويشده إلى ما يسميه الناقد الألماني آيزر بـ«استشراف أفق التوقع»، إنذاراً وتمهيداً لكارثة مقبلة:

«أرادت لهذا الإنس أن يستمر، وأحست أن شهده سيصير علقماً ترتشف مرارته طيلة السنوات المقبلة». (ص 54)

وتمهد كلمات صفية لأخيها هلال، للجزء الثاني من الرواية عندما تقول: «للسجن حكاية قد أحكيها لك ذات يوم». (ص 161)

كما اعتمدت المؤلفة على تقنية «الملخص» لاختصار فترة زمنية طويلة، Summary وهي واحدة من تقنيات السرد التي شخصها الناقد الفرنسي جيرار جنيت، كما نجد ذلك في المقطع التالي:

«كلما كبرت صفية سنة، صارت أكثر تمرداً، أمي تحتملها بينما غضب أبي يكبر». (ص2)

كما يختزل الملخص التالي حركة الزمن أفقياً:

«بعد ثلاث سنوات من دخول صفية إلى السجن بدأت أمي تلح عليّ أن أتزوج لتعوض غيابها بأولادي». (ص 135)

وتلخص (صفية) حياتها داخل السجن عبر هذا التلخيص:

«شهور بليدة الأقدام، ثقيلة الظل، والحال هو الحال». (ص251)

وتجسد صفية في سردها مرور سنوات سجنها المريرة:

«بمرور السنوات اعتدت على السجن». (ص 253)

تلعب البطلة دور الراوية «شهرزاد» في «ألف ليلة وليلة» كما تلعب المؤلفة ليلى العثمان دور «شهريار»

ولا يسعنا إلا التوقف أمام العتبات النصية القليلة في الرواية، ومنها مقطع شعري من ديوان الشاعر دخيل الخليفة:

«من جناح الموت الرابع

حاولت أن تقلد العصافير

في رقصتها الأخيرة

فخانها الهواء».

وهي تختزل جوهر معاناة (صفية) في محنتها وأحلامها. كما نجد عتبة نصية أخيرة ذيلت بها المؤلفة روايتها عن تاريخ السجون في الكويت، وكانت وظيفتها إخبارية وتاريخية، عن أماكن السجون وطبيعتها، لكنها كانت تفتقد إلى إشارة محددة إلى مكان السجن الذي أودعت فيه صفية، لتكون هذه العتبة النصية جزءاً عضوياً من السرد الروائي مثل القول: «بعد الستينات نقلوا السجن إلى الفروانية، حيث أمضت صفية سنوات سجنها الثلاثين».

هذا، ويجدر الذكر بأن المؤلفة ليلى العثمان سبق لها وأن صرحت في لقاء صحافي، بأن (صفية) امرأة حقيقية التقت بها في السجن عام 1976، ودونت حكايتها، لكنها قررت أن تنشر ما كتبته بعد وفاتها، فكانت هذه الرواية التي ستحتل مكانة خاصة ومضيئة في سجل الرواية العربية عموماً، و«الرواية النسوية» بشكل خاص.