«جنبا الأطلسي» لا يأمنان «فزاعة» التضخم

لا يزال مقلقاً رغم تباطئه في أميركا وأوروبا

سيدة تعاين عرضاً للتخفيض بأحد فروع «كارفور» في باريس (أ.ف.ب)
سيدة تعاين عرضاً للتخفيض بأحد فروع «كارفور» في باريس (أ.ف.ب)
TT

«جنبا الأطلسي» لا يأمنان «فزاعة» التضخم

سيدة تعاين عرضاً للتخفيض بأحد فروع «كارفور» في باريس (أ.ف.ب)
سيدة تعاين عرضاً للتخفيض بأحد فروع «كارفور» في باريس (أ.ف.ب)

رغم التراجع المتواصل للتضخم في كل من الولايات المتحدة وأوروبا وفقاً لأحدث البيانات، فإن «جنبي الأطلسي» لا يكادان يأمنان عودة التضخم إلى التوحش مجدداً، وتصر الهيئات المالية الناظمة في كليهما على مواجهته حتى النهاية.
وفي الولايات المتحدة، ارتفع إنفاق المستهلكين بشكل معتدل في فبراير (شباط) الماضي، بعدما قفز في الشهر السابق. وعلى الرغم من مؤشرات على تراجع التضخم، يظل معدله مرتفعاً، وهو ما قد يدفع المجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) إلى رفع أسعار الفائدة مرة أخرى هذا العام.
وقالت وزارة التجارة يوم الجمعة، إن إنفاق المستهلكين، الذي يمثل أكثر من ثلثي النشاط الاقتصادي الأميركي، زاد 0.2 بالمائة الشهر الماضي. وجرى تعديل بيانات يناير (كانون الثاني) لتظهر ارتفاع الإنفاق 2 بالمائة، بدلاً من 1.8 بالمائة كما ورد سابقاً. وكان خبراء اقتصاد استطلعت «رويترز» آراءهم توقعوا ارتفاع إنفاق المستهلكين 0.3 بالمائة.
وتباطأ إنفاق المستهلكين أيضاً بسبب تراجع زيادات الدخل. ومع تعديل بيانات يناير والزيادة في شهر فبراير الماضي، يتجه إنفاق المستهلكين لتسجيل نمو أعلى في الربع الأول، وذلك بعدما ارتفع بأبطأ وتيرة له في عامين ونصف العام في الربع من أكتوبر (تشرين الأول) إلى ديسمبر (كانون الأول)، ويساعد هذا في توسع الاقتصاد.
وزاد مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي 0.3 بالمائة الشهر الماضي بعدما ارتفع 0.6 بالمائة في يناير. وارتفع المؤشر 5 بالمائة في 12 شهراً حتى فبراير، بعدما حقق زيادة بلغت 5.3 بالمائة في يناير. وصعد مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي، الذي يستثني أسعار الأغذية والطاقة المتقلبة، 0.3 بالمائة بعد زيادة 0.5 بالمائة في يناير. وارتفع المؤشر المسمى بالأساسي 4.6 بالمائة على أساس سنوي في فبراير، بعدما صعد 4.7 بالمائة في يناير. والمؤشر الأساسي هو مقياس التضخم المفضل لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، ويستهدف الوصول به إلى 2 بالمائة.
وعلى الجانب الآخر من الأطلسي، يواصل التضخم انخفاضه في أوروبا بسبب استقرار أسعار الطاقة، لكن ببلوغه نسبة 6.9 بالمائة في مارس (آذار) الماضي تبقى الأسعار مرتفعة وتتسارع زيادتها بالنسبة للمواد الغذائية.
وما زالت معركة إعادة التضخم إلى ما دون المستوى المستهدف البالغ 2 بالمائة، تبدو طويلة بالنسبة للبنك المركزي الأوروبي الذي يتوقع أن يواصل رفع أسعار الفائدة. ويكمن الخطر في إمكانية أن يؤدي ذلك إلى كبح الاقتصاد بقوة مع الحد من الإقراض، وإلى زعزعة استقرار القطاع المصرفي بعد إفلاس البنك الأميركي «إس في بي» وإنقاذ «كريدي سويس».
وانخفض التضخم السنوي في منطقة اليورو في مارس للشهر الخامس على التوالي، بنسبة أكبر مما كان يتوقعه خبراء استطلعت آراءهم وكالتا «فاكتست» و«بلومبرغ»، وقدروا ذلك بـ7.1 بالمائة في المتوسط بعد 8.5 بالمائة في فبراير. وكان ارتفاع أسعار الاستهلاك الذي نشره المكتب الأوروبي للإحصاء (يوروستات) بلغ مستوى قياسياً في أكتوبر يتمثل في 10.6 بالمائة بعد عام ونصف العام من الارتفاع المتواصل الذي تسارع بسبب الحرب في أوكرانيا.
وجاء التحسن في مارس مدفوعاً بشكل أساسي بانخفاض طفيف في أسعار الطاقة عن المستويات المرتفعة جداً التي وصلت إليها قبل عام بعد غزو روسيا لأوكرانيا. وانخفضت أسعار الطاقة (الوقود والكهرباء والغاز وغيرها) بنسبة 0.9 في المائة خلال عام واحد، في أول تراجع لها منذ عام. واستمر ارتفاعها بنسبة 13.7 بالمائة في فبراير. وبلغت الزيادة في هذا القطاع ذروتها في أكتوبر مع قفزة بنسبة 41.5 بالمائة، لكن الأخبار السيئة تأتي من أسعار المواد الغذائية التي تسارع ارتفاعها إلى 15.4 بالمائة في مارس، مقابل 15 بالمائة في فبراير. وبعد تصحيحه حسب تقلب أسعار الطاقة والغذاء، ارتفع ما يسمى بالتضخم «الأساسي» الأكثر تمثيلاً للاتجاهات الطويلة الأجل، مرة أخرى إلى 5.7 بالمائة في فبراير، وهو مستوى قياسي أعلى بكثير من سقف التضخم البالغ 2 بالمائة الذي حدده البنك المركزي الأوروبي. وتباطأ التضخم في السلع الصناعية ليبلغ 6.6 بالمائة (-0.2 نقطة مقارنة بالشهر السابق)، لكن أسعار الخدمات زادت بنسبة 5 بالمائة، أو 0.2 نقطة أكثر من فبراير.
وقال بيرت كولين، الاقتصادي في بنك «آي إن جي»، إن «التضخم الأساسي يبقى مصدر قلق للبنك المركزي الأوروبي (الذي) سيستمر في رفع أسعار الفائدة على الأمد القصير». وهو يتوقع زيادة قدرها 25 نقطة أساس في مايو (أيار)، ثم مرة أخرى في يونيو (حزيران).
وعبر جاك ألين-رينولدز، خبير الاقتصاد في مجموعة «كابيتال إيكونوميكس»، عن الرأي نفسه. وقال إن «صانعي السياسة في البنك المركزي الأوروبي لن يركزوا كثيراً على الانخفاض في التضخم الرئيسي في مارس، وسيكونون أكثر قلقاً من بلوغ السعر الأساسي مستوى قياسياً جديداً».
ويتوقع هذا الخبير استمرار انخفاض أسعار الطاقة في الأشهر المقبلة، فضلاً عن تباطؤ ارتفاع أسعار المواد الغذائية والتضخم العام في منطقة اليورو، لكنه قلق من زيادات محتملة في الأجور يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع أسعار الخدمات في أجواء سوق العمل السيئة.
وأعلن مكتب الإحصاء الأوروبي، الجمعة، استقرار معدل البطالة في فبراير عند 6.6 في المائة من السكان العاملين، وهو أدنى مستوى تاريخي له في الدول العشرين التي تتبنى العملة الواحدة.
رفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة الرئيسية بمقدار 3.5 نقطة مئوية منذ يوليو (تموز) ولا ينوي التوقف عند هذا الحد على الرغم من الاضطرابات الأخيرة التي أثرت على القطاع المصرفي وتوقعات النمو الضعيفة جداً لهذا العام.


مقالات ذات صلة

تراجع تدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة... والصين الأكبر تضرراً

الاقتصاد امرأة على دراجتها الهوائية أمام «بورصة بكين»... (رويترز)

تراجع تدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة... والصين الأكبر تضرراً

من المتوقع أن يشهد النمو العالمي تباطؤاً في عام 2025، في حين سيتجه المستثمرون الأجانب إلى تقليص حجم الأموال التي يوجهونها إلى الأسواق الناشئة.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد برج المقر الرئيس لبنك التسويات الدولية في بازل (رويترز)

بنك التسويات الدولية يحذر من تهديد الديون الحكومية للأسواق المالية

حذّر بنك التسويات الدولية من أن تهديد الزيادة المستمرة في إمدادات الديون الحكومية قد يؤدي إلى اضطرابات بالأسواق المالية

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد متداولون في كوريا الجنوبية يعملون أمام شاشات الكومبيوتر في بنك هانا في سيول (وكالة حماية البيئة)

الأسواق الآسيوية تنخفض في ظل قلق سياسي عالمي

انخفضت الأسهم في آسيا في الغالب يوم الاثنين، مع انخفاض المؤشر الرئيسي في كوريا الجنوبية بنسبة 2.3 في المائة.

«الشرق الأوسط» (هونغ كونغ )
الاقتصاد لافتة إلكترونية وملصق يعرضان الدين القومي الأميركي الحالي للفرد بالدولار في واشنطن (رويترز)

غوتيريش يعيّن مجموعة من الخبراء لوضع حلول لأزمة الديون

عيّن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مجموعة من الخبراء البارزين لإيجاد حلول لأزمة الديون المتفاقمة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد الاجتماع السنوي الرابع والخمسون للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس (رويترز)

المنتدى الاقتصادي العالمي: قادة الأعمال يخشون من الركود وارتفاع التضخم

أظهر استطلاع للرأي أجراه المنتدى الاقتصادي العالمي يوم الخميس أن قادة الأعمال على مستوى العالم يشعرون بالقلق من مخاطر الركود ونقص العمالة وارتفاع التضخم.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«السيادي» السعودي يُكمل الاستحواذ على 15 % من مطار هيثرو

صندوق الاستثمارات العامة السعودي يهدف لدعم تحقيق النمو المستدام في مطار هيثرو (أ.ب)
صندوق الاستثمارات العامة السعودي يهدف لدعم تحقيق النمو المستدام في مطار هيثرو (أ.ب)
TT

«السيادي» السعودي يُكمل الاستحواذ على 15 % من مطار هيثرو

صندوق الاستثمارات العامة السعودي يهدف لدعم تحقيق النمو المستدام في مطار هيثرو (أ.ب)
صندوق الاستثمارات العامة السعودي يهدف لدعم تحقيق النمو المستدام في مطار هيثرو (أ.ب)

أعلن صندوق الاستثمارات العامة السعودي، الخميس، اكتمال الاستحواذ على حصة تُقارب 15 في المائة في «إف جي بي توبكو»، الشركة القابضة لمطار هيثرو بالعاصمة البريطانية لندن من «فيروفيال إس إي»، ومساهمين آخرين في «توبكو».

وبالتزامن، استحوذت شركة «أرديان» الاستثمارية الخاصة على قرابة 22.6 في المائة من «إف جي بي توبكو» من المساهمين ذاتهم عبر عملية استثمارية منفصلة.

من جانبه، عدّ تركي النويصر، نائب المحافظ ومدير الإدارة العامة للاستثمارات الدولية في الصندوق، مطار هيثرو «أحد الأصول المهمة في المملكة المتحدة ومطاراً عالمي المستوى»، مؤكداً ثقتهم بأهمية قطاع البنية التحتية، ودوره في تمكين التحول نحو الحياد الصفري.

وأكد النويصر تطلعهم إلى دعم إدارة «هيثرو»، الذي يُعدّ بوابة عالمية متميزة، في جهودها لتعزيز النمو المستدام للمطار، والحفاظ على مكانته الرائدة بين مراكز النقل الجوي الدولية.

ويتماشى استثمار «السيادي» السعودي في المطار مع استراتيجيته لتمكين القطاعات والشركات المهمة عبر الشراكة الطويلة المدى، ضمن محفظة الصندوق من الاستثمارات الدولية.