«داعش» يختطف عشرات المسيحيين من مدينة القريتين بحمص ويتحضر للهجوم على صدد

مئات العائلات تنزح باتجاه دمشق وحمص

عنصر من جبهة النصرة في قرية الصفصافة بريف حماه بعد مشاركته في اشتباكات مع قوات النظام (رويترز)
عنصر من جبهة النصرة في قرية الصفصافة بريف حماه بعد مشاركته في اشتباكات مع قوات النظام (رويترز)
TT

«داعش» يختطف عشرات المسيحيين من مدينة القريتين بحمص ويتحضر للهجوم على صدد

عنصر من جبهة النصرة في قرية الصفصافة بريف حماه بعد مشاركته في اشتباكات مع قوات النظام (رويترز)
عنصر من جبهة النصرة في قرية الصفصافة بريف حماه بعد مشاركته في اشتباكات مع قوات النظام (رويترز)

اختطف تنظيم داعش أكثر من 220 من أبناء مدينة القريتين الواقعة في محافظة حمص معظمهم من المسيحيين، بحسب ناشطين متابعين لنشاط التنظيم المتطرف، أفادوا أيضًا بنزوح المئات من العائلات المسيحية باتجاه بلدات صدد وفيروزة وزيدل وباتجاه مدينتي حمص ودمشق.
وقال الناشط أبو محمد المتابع لنشاط «داعش» لـ«الشرق الأوسط»، إن التنظيم اختطف 220 شخصًا من القريتين معظمهم من المسيحيين، لافتًا إلى أن المعلومات تفيد بنقلهم إلى مدينة تدمر التي سقطت بأيدي عناصره في مايو (أيار) الماضي.
وأوضح أبو محمد، أن التهمة الأبرز التي وجهت للمختطفين هي التعامل مع النظام، لافتًا إلى أن «الهدف الأول لعملية الاختطاف استخدامهم كورقة ضغط». وقال: «حاليًا تعيش نحو 30 عائلة مسيحية في مدينة الرقة، لكنّها تدفع جزية مقابل بقائها في منازلها، كما يتم إلزام أفراد هذه العائلات نسوة ورجالاً باللباس الشرعي».
وبالتزامن، أفادت «الشبكة الآشورية لحقوق الإنسان» نقلاً عن مراقبين محليين في ريف مدينة حمص أن تنظيم داعش يستعد لشن هجوم واسع على بلدة صدد السورية القريبة من القريتين والمتاخمة لمطار الشعيرات والتي تحوي آبارًا للغاز.
وأكد مراقبو الشبكة الآشورية لحقوق الإنسان أن عائلات في صدد بدأت بالفعل بالنزوح إلى مناطق أكثر أمنًا، وخصوصًا باتجاه حمص ودمشق، وأن هناك مناشدات من الأهالي ورجال الدين قد وجهت للتدخل الفوري لـ«وقف العدوان المحتمل على البلدة المسيحية السريانية في أي لحظة».
وأشارت الشبكة إلى أن «أهالي بلدة صدد التي يقيم فيها ما يقارب من 5000 عائلة مسيحية من السريان الآشوريين يشعرون بقلق كبير خصوصًا بعد سيطرة التنظيم على بلدات الحدث وحوارين ومهين التي تبعد فقط عشرة كيلومترات عن المدينة، وهي القرى والبلدات الواقعة على خط المسير الذي يسلكه (داعش) للوصول إلى مطار الشعيرات».
وكان تنظيم داعش قد شن هجومًا واسعًا على بلدة القريتين (20 كم عن صدد) صباح الأربعاء الماضي، ما أدى إلى نزوح عدد كبير من أبنائها مسلمين ومسيحيين من بينهم نحو 1400 عائلة من السريان الآشوريين المقيمين في بلدة القريتين. وقد نزحت هذه العائلات نحو بلدتي زيدل وصدد فيما توجهت عائلات أخرى نحو بلدة الفرقلس ومدينتي حمص ودمشق.
وتحدثت الشبكة عن احتجاز «داعش» عقب هجومه على بلدة القريتين عشرات العائلات من أبناء البلدة بينهم مسيحيون «وسط أنباء غير مؤكدة عن قيامه بتنفيذ حكم الإعدام ببعض هؤلاء المحتجزين بينهم محام مسيحي».
من جهته، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن تنظيم داعش اختطف نحو 230 مدنيًا بينهم ستون مسيحيًا على الأقل غداة سيطرته على مدينة القريتين. وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «(داعش) اختطف 170 سنيًا وأكثر من ستين مسيحيًا الخميس بتهمة التخابر مع النظام خلال عملية مداهمة نفذها عناصره داخل مدينة القريتين» التي سيطر عليها بالكامل ليل الأربعاء بعد اشتباكات عنيفة ضد قوات النظام.
وأوضح عبد الرحمن أنه كان بحوزة عناصر التنظيم لائحة تضم أسماء أشخاص مطلوبين، لكنهم قاموا باعتقال عائلات بأكملها كانت تنوي الفرار.
وقال المطران متى الخوري سكرتير بطريركية السريان الأرثوذوكس في دمشق، إنه «لا معلومات أكيدة لدينا عن حادثة الخطف لأن الاتصالات صعبة مع سكان المدينة، لكننا علمنا من أشخاص على اتصال مع المقيمين فيها أن التنظيم احتجز المواطنين في أماكن إقامتهم وفرض عليهم الإقامة الجبرية».
وأضاف: «قد يكون الهدف من ذلك استخدامهم كدروع بشرية» لمنع قوات النظام من قصف المدينة. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسيحيين يتحدرون من مدينة القريتين ويسكنون في دمشق، أن 18 ألف سني وألفي مسيحي من الطائفة السريانية، كاثوليك وأرثوذكس، كانوا يقطنون في القريتين قبل اندلاع الأزمة السورية في عام 2011 إلا أنه لم يبق منهم سوى 300 مسيحي قبل هجوم تنظيم داعش عليها.
وأشار الخوري إلى أن 180 مسيحيًا كانوا حتى مساء الخميس في المدينة التي تقطنها غالبية مسلمة على خلاف المدن والقرى المحيطة بها، وناشد الخاطفين السماح لمن يرغب من السكان بالخروج من المدينة.
وأكد المرصد الآشوري لحقوق الإنسان من جهته وجود نحو مائة عائلة سريانية محتجزة من قبل التنظيم داخل المدينة. وكان ثلاثة مقنعين اختطفوا في مايو الماضي الأب جاك مراد رئيس دير مار إليان بعد سيطرة «داعش» على مدينة تدمر الأثرية، ولا يزال مصيره مجهولاً تمامًا كمصير 227 مسيحيًا آشوريًا اختطفهم التنظيم من محافظة الحسكة في أبريل (نيسان) الماضي.
وقال وكيل رئيس الطائفة الآشورية في لبنان الأسقف يترون كوليانا لـ«الشرق الأوسط»، إن المختطفين الـ227 لا يزالون أحياء، لافتًا إلى أنّهم «محتجزون على الأرجح في منطقة الشدادة، حيث يستخدمون كدروع بشرية».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.