توتر في السنغال على خلفية محاكمة معارض سياسي

دعوات لاستمرار الاحتجاجات رغم قرار حكومي بحظرها

أنصار سونكو في مظاهرة عام 2021 (أرشيفية - أ.ب)
أنصار سونكو في مظاهرة عام 2021 (أرشيفية - أ.ب)
TT

توتر في السنغال على خلفية محاكمة معارض سياسي

أنصار سونكو في مظاهرة عام 2021 (أرشيفية - أ.ب)
أنصار سونكو في مظاهرة عام 2021 (أرشيفية - أ.ب)

تشهد السنغال توتراً سياسياً وأمنياً بسبب محاكمة زعيم المعارضة عثمان سونكو (المقرر لها الخميس)، وهو ما تسبب في احتجاجات بدأت أمس (الأربعاء) واستمرت إلى اليوم (الخميس)، وأنه حال إدانته يمكن للسلطات منع سونكو من خوض الانتخابات الرئاسية عام 2024.
ورغم حظر السلطات الأمنية الاحتجاجات، جددت المعارضة، أمس، دعوتها للتظاهر غداً، خلال محاكمة زعيم المعارضة ورئيس ديوان المراجعة السنغالي السابق بتهم «التشهير والاغتصاب». وشهدت مظاهرات أمس إطلاق قوات الأمن الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية لتفريق أنصار المعارضة، الذين حاولوا التجمع في العاصمة دكار. ويتهم سونكو وأنصاره الحكومة بـ«تلفيق تهم عديدة له لمنعه من خوض الانتخابات».
وخلال الشهر الحالي، خرجت احتجاجات، إثر استدعاء سونكو للمحكمة على خلفية اتهامه بـ«اغتصاب عاملة في صالون تجميل في عام 2021»، إضافة إلى قضية أخرى المدعي فيها هو وزير السياحة السنغالي أليون سار (وهو أحد قيادات الحزب الحاكم) بتهمة «التشهير والسب والتزوير»، بعد أن اتهمه سونكو بالاختلاس. وداهمت الأجهزة الأمنية منزل سونكو، وتم اقتياده إلى المحكمة، قبل أن تُفرج عنه، لتتم محاكمته، اليوم (الخميس). وشهدت الاحتجاجات التي تلت اعتقاله مواجهات بين مؤيدي سونكو والأجهزة الأمنية، واستهدف المتظاهرون الممتلكات العامة، وبعض المؤسسات الفرنسية.
واستمر سونكو بعد الإفراج المؤقت عنه في دعوة الشباب لمزيد من الاحتجاج، وهو ما أدى إلى قيام الحكومة بـ«تعزيزات أمنية، مع الإعلان عن المظاهرات المتزامنة مع المحاكمة». واتسعت الاضطرابات إلى خارج العاصمة، بعد أن اتخذت السلطات قراراً بـ«حظر ومنع عدد من لقاءاته الجماهيرية»، وقامت الحكومة برفع الحصانة عن سونكو تمهيداً لمحاكمته.
وعثمان سونكو سياسي سنغالي ومؤسس حزب الوطنيين (باستيف) المعارض. وكان سونكو أصغر مرشح للرئاسة في 2019، وحصل على المركز الثالث، كما كان نائباً برلمانياً في الفترة ما بين عامي 2017 و2022، وتتزايد شعبيته، لا سيما في أوساط الشباب الذين يمثلون ما يزيد على 50 في المائة من سكان البلاد.
ويروج سونكو لنفسه على أنه «ضد الفساد»، ويتبنى مشروعاً سياسياً يتمحور حول التوجه إلى «الاستقلال الوطني ومناهضة فرنسا، الحليف التقليدي للسنغال، وهو ما يجد صدى لدى الأوساط المدنية والشبابية والطلابية على نطاق واسع، إلا أن النخب الحاكمة ترى أن ذلك لا يخدم مصلحة البلاد».
ويدعو سونكو إلى تحرر الاقتصاد السنغالي، عبر الدعوة إلى الخروج من النظام المالي الإقليمي الذي تديره باريس ضمن مجموعة 7 دول في غرب أفريقيا، وتستخدم عملة تُعرف بـ«سيفا فرانك».
وتُعرَف السنغال بكونها نموذجاً للاستقرار والتداول السلمي للسلطة في أفريقيا طيلة 60 عاماً أعقبت استقلالها. ولم تشهد البلاد نزاعات إلا نادراً، وهو ما ساهم في تحقيق استقرار دستوري وسياسي واقتصادي. وتغير الأمر منذ أن جرت الانتخابات التشريعية في السنغال، في يوليو (تموز) 2022، حيث بدأت الأوساط السياسية بمناقشة سباق الانتخابات الرئاسية في 2024، بعدما تسربت أنباء عن نية الرئيس ماكي سال الترشح لولاية ثالثة، وبعدها أعلن سونكو نيته الترشح للرئاسة.
وشهدت الانتخابات التشريعية السابقة التي جرت في أغسطس (آب) الماضي، إعلان فوز الحزب الحاكم، لكن بأغلبية ضئيلة جداً، في اقتراع ادعت قوى المعارضة، ومن بينها ائتلاف قاده سونكو، أنها «فازت به، وأن النتائج الرسمية تم تزويرها».
ويرى المحلل المتخصص في شؤون الساحل، محمد الأمين ولد الداه، لـ«الشرق الأوسط»، أن «تحرك الحكومة ضد سونكو ومحاولة إدانته بهذا الشكل يعكسان خوفاً من شعبيته ومشروعه السياسي الذي يلقى قبولاً كبيراً لدى الشباب»، مضيفاً: «يجتذب سونكو قطاعات كبيرة من الشباب من خارج المؤسسة السياسية والحزبية التقليدية».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟