رحيل مارلين مونرو قبل 53 سنة.. مازال لغزا

بدأت صغيرة وماتت شابة ولا تزال نجمة إلى اليوم

مارلين مونرو،  كما بدت في «الهامشيون»
مارلين مونرو، كما بدت في «الهامشيون»
TT

رحيل مارلين مونرو قبل 53 سنة.. مازال لغزا

مارلين مونرو،  كما بدت في «الهامشيون»
مارلين مونرو، كما بدت في «الهامشيون»

قبل يومين، في الخامس من هذا الشهر، مرّت مناسبة حفرها الزمن من غير أن يتوقع أحد: ففي اليوم ذاته من سنة 1962 وجدت الممثلة مارلين مونرو ميتة. قيل إنه انتحار، وقيل إنه موت غير مقصود حدث من جراء ابتلاع كمية كبيرة من الحبوب الموصوفة طبيا، وقيل إن موتها تم قتلاً. في الحصيلة، فإن الأقاويل التي انطلقت منذ ذلك اليوم عندما وجدت ميتة في شقّتها وحتى اليوم، وعبر مئات المقالات وعشرات الكتب، توزعت بين أن موتها كان انتحارا أو نتيجة حادثة أو جريمة قتل.

* تهديد بالقتل

السؤال ما زال بلا جواب. صحيح أنها كانت، في أشهر حياتها الأخيرة، محبطة. مصدومة ومفتقرة إلى الشغف والحماس للحياة وبها، إلا أن الموت بدا طبيعيًا إلى حد إثارته الشكوك. لا يمكن أن يكون الإحباط الذي كانت تمر به من القوّة بحيث تترك المستقبل بأسره، وكانت لا تزال شابة في السادسة والثلاثين من العمر، يتسرّب من بين يديها. ولا يمكن ألا تكون علاقاتها الغرامية ببعض السياسيين في مراكز قوى (آل كندي) أو أعدائهم (رئيس الإف بي آي ج. هوفر) لعبت دورًا في مصيرها.
ثم هناك حكاية سبايروس سكوراس. شخصية غير معروفة على الإطلاق (النقيض الكامل من الشهرة التي تمتعت بها مارلين مونرو) الذي اكتشف الجثّة وهرب.
سكوراس كان رئيس شركة تونتييث سنتشري فوكس من عام 1942 إلى عام 1962 عندما استقال من منصبه ساعد نورما جين دورتي (المعروفة لاحقًا بمارلين مونرو) في مطلع عهدها عندما قررت الانتقال من عرض الأزياء إلى التمثيل. أسند إليها كل تلك الأدوار الأولى (بدءًا من ظهورها الصغير جدًا في كوميديا بعنوان «سكودا هو! سكودا هاي!» وما بعدها حتى الفيلم الأخير الذي بدأته ولم تكمله («شيء عليه أن يتنازل» Something Got to Give) وذلك سنة 1962 العام الذي ماتت فيه.
حسب كتاب صدر عنه بعد خمس سنوات من موتها وضعه كارلو كورتي بعنوان «سكوراس»، فإن سبايروس كان يرتاب أن هناك من يريد قتلها: «لقد سمعت بذلك على مدى بضعة أشهر، لكني سمعته من مارلين نفسها في الليلة السابقة لموتها».
حسب سكوراس، فإن شخصًا بالغ الثراء هددها بالقتل إذا ما كشفت سرًّا (وعلى الأرجح أنه بقي سرًّا). مارلين قالت لسكوراس: «لدى هذا الشخص حارسان شخصيان قويان. قال لي إن أحدهما قد يفتك بي إذا ما أفصحت عما أرادني أن أبقيه سرًا».
حسب ما قاله سكوراس فإن الجريمة تمّت بوجوده. كان هناك معها في الغرفة عندما دقّت خادمتها الباب وأخبرته أنه مطلوب على الهاتف. حين غادر الغرفة لكي يرد على الهاتف لم يجد أحدًا. لم يستطع العودة من الغرفة الأخرى لأن الباب أوصد عليه. خرج من نافذة غرفته ودخل نافذة غرفتها ووجدها مقتولة:
«ذعرت وهربت من النافذة ذاتها». في العام ذاته استقال من إدارة فوكس وبعد سنوات قليلة مات في ظروف أخرى لا تدعو إلى الريبة.

* على القمة

ليس من الضروري تصديق الحكاية أو نكرانها، لكنها واحدة من تلك الروايات التي شاعت آنذاك وما بعد وتناول بعضها دورًا للكاتب المعروف آرثر ميلر وآخر لروبرت كندي. وثالث لأشخاص آخرين. لو تابعنا كل ما كتب لخرجنا بقناعة أن هناك من رصدها لتدميرها منذ البداية وأن إدمانها على الحبوب المهدئة أو على سواها ودخولها المصحة للعلاج ثم شعورها باللاقيمة بعد حين لم يكن سوى نتيجة من حاول وضع حد لحياتها.
كل شيء ممكن وكل شيء يمكن نفيه أيضًا. ما لا يمكن نفيه حقيقة أنها كانت ممثلة موهوبة. اكتشفها سكوراس ذاك وقدّمها في أدوار صغيرة من عام 1947. هي غير مذكورة في بطاقة فيلم «أنت لي» من بطولة جين كرين و«العشب الأخضر في وايومنغ» (واحدة من المجاميع). ودورها صغير جدًا في الكوميديا التي مثلها الأخوة ماركس سنة 1949 بعنوان «حب سعادة» (Love Happy).
ثم دورها صغير لكنه لافت جدًّا في فيلم جون هيوستون الأول «الغابة الأسفلتية» حيث هي عشيقة الثري المفلس (لويس كالرن) التي لا تعرف شيئا عن تورطه في جريمة سرقة. دورها المهم الأول ورد لحساب شركة أخرى، اسمها RKO التي ترأسها المليونير هوارد هيوز (زوج جين مانسفيلد التي ستعيش منافسة حامية على لقب نجمة أميركا الأولى مع مونرو بعد سنوات) في فيلم عنوانه «صدام في الليل» (لفريتز لانغ، 1952). لم يكن هذا الفيلم العاطفي من بطولتها، بل من بطولة نجمة أخرى هي باربرا ستانويك، لكن دور مارلين كان الأكثر سطوعًا.
كانت لعبت دورًا ثانويًا في فيلم تنازعت بطولته كل من بيتي ديفيز وآن باكستر قبل عامين من «صدام في الليل»، عنوانه «كل شيء عن حواء»، لكن المفيد هنا كان أنه بدأ يضعها أمام ممثلين محترفين.
في عام 1952 عادت لشركة فوكس، وقامت ببطولة أول فيلم لها وهو «لا تكترث أن تدق» Don‪›‬t Bother to Knock أمام رتشارد ويدمارك وآن بانكروفت. في هذا الفيلم وضعت بصمتها كممثلة إغراء ولو أن دورها نص على أنها، في نهاية المطاف، أنثى خطيرة قد تقدم على القتل.

* مارني

بعد هذا التاريخ باتت الطريق ممهدة: «نياغرا» أمام جوزف كوتون و«الرجال يفضلونها شقراء» مع جين راسل وتشارلز كوبرن ومن إخراج هوارد هوكس. في العام ذاته (1953) شاهدناه في «كيف تتزوجين مليونيرا» مع بيتي غرابل ولورين باكول، وفي العام التالي في بطولة «نهر بلا عودة» أمام روبرت ميتشوم ينقذها وتنقذه من الهنود الحمر، وببلوغها بعد بضعة أفلام أخرى، لفيلم «البعض يفضلها ساخنة» (أمام توني كيرتس وجاك ليمون، سنة 1955) كانت أصبحت النجمة الأميركية رقم واحد وأمًا لجيل من الممثلات اللواتي حاولن تقليدها في أوروبا مثل بريجيت باردو وصوفيا لورن وجينالولو بريجيدا.
الفيلم الأخير لها هو «الهامشيون» (The Misfits) لهيوستون (1961) الذي كان الفيلم الأخير لها ولشريكها في البطولة كلارك غايبل (توفي بعد أسابيع من انتهاء التصوير) وأحد الأفلام الأخيرة للشريك الثاني مونتغمري كليفت الذي توفي بعد فيلمين آخرين فقط.
كان من المفترض بمارلين مونرو دخول تصوير «شيء عليه أن يتنازل» سنة 1962 أمام إليزابيث تايلور. لكنها تخلّفت عن الحضور للتصوير أكثر من مرّة. كذلك كانت تايلور مصدر مشاكل أخرى. لكن مونرو هي من تم استبعاده وقامت دوريس داي بالبطولة عوضًا عنها.
بعده، عندما شعرت مارلين بأنها تود الوقوف مجددًا أمام الكاميرا تهاتفت مع ألفرد هيتشكوك. كان هذا عرض بطولة «مارني» على غريس كيلي، لكن هذه كانت أصبحت أميرة موناكو ورفضت. مارلين أعربت عن رغبتها الحلول مكانها لكن هيتشكوك اعتذر. لاحقًا قال: «لو أنني قبلت لاختلف الفيلم».



«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
TT

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)

LES TEMPÊTES

(جيد)

* إخراج: دانيا ريمون-بوغنو

* فرنسا/ بلجيكا (2024)

الفيلم الثاني الذي يتعاطى حكاية موتى- أحياء، في فيلم تدور أحداثه في بلدٍ عربي من بعد «أغورا» للتونسي علاء الدين سليم («شاشة الناقد» في 23-8-2024). مثله هو ليس فيلم رعب، ومثله أيضاً الحالة المرتسمة على الشاشة هي في جانب كبير منها، حالة ميتافيزيقية حيث العائدون إلى الحياة في كِلا الفيلمين يمثّلون فكرةً أكثر ممّا يجسّدون منوالاً أو حدثاً فعلياً.

«العواصف» إنتاج فرنسي- بلجيكي للجزائرية الأصل بوغنو التي قدّمت 3 أفلام قصيرة قبل هذا الفيلم. النقلة إلى الروائي يتميّز بحسُن تشكيلٍ لعناصر الصورة (التأطير، والإضاءة، والحجم، والتصوير نفسه). لكن الفيلم يمرّ على بعض التفاصيل المكوّنة من أسئلة لا يتوقف للإجابة عليها، أبرزها أن بطل الفيلم ناصر (خالد بن عيسى)، يحفر في التراب لدفن مسدسٍ بعد أن أطلق النار على من قتل زوجته قبل 10 سنوات. لاحقاً نُدرك أنه لم يُطلق النار على ذلك الرجل بل تحاشى قتله. إذن، إن لم يقتل ناصر أحداً لماذا يحاول دفن المسدس؟

الفيلم عن الموت. 3 شخصيات تعود للحياة بعد موتها: امرأتان ورجل. لا أحد يعرف الآخر، وربما يوحي الفيلم، أنّ هناك رابعاً متمثّلاً بشخصية ياسين (مهدي رمضاني) شقيق ناصر.

ناصر هو محور الفيلم وكان فقد زوجته «فجر» (كاميليا جردانة)، عندما رفضت اعتلاء حافلة بعدما طلب منها حاجز إرهابي ذلك. منذ ذلك الحين يعيش قسوة الفراق. في ليلة ماطرة تعود «فجر» إليه. لا يصدّق أنها ما زالت حيّة. هذا يؤرقها فتتركه، ومن ثَمّ تعود إليه إذ يُحسن استقبالها هذه المرّة. الآخران امرأة ورجل عجوزان لا قرابة أو معرفة بينهما. بذا الموت الحاصد لأرواح تعود إلى الحياة من دون تفسير. الحالة نفسها تقع في نطاق اللا معقول. الفصل الأخير من الفيلم يقع في عاصفة من التراب الأصفر، اختارته المخرجة ليُلائم تصاعد الأحداث الدرامية بين البشر. تنجح في إدارة الجانبين (تصوير العاصفة ووضعها في قلب الأحداث)، كما في إدارة ممثليها على نحوٍ عام.

ما يؤذي العمل بأسره ناحيةٌ مهمّةٌ وقعت فيها أفلام سابقة. تدور الأحداث في الجزائر، وبين جزائريين، لكن المنوال الغالب للحوار هو فرنسي. النسبة تصل إلى أكثر من 70 في المائة من الحوار بينما، كما أكّد لي صديق من هناك، أن عامّة الناس، فقراء وأغنياء وبين بين، يتحدّثون اللهجة الجزائرية. هذا تبعاً لرغبة تشويق هذا الإنتاج الفرنسي- البلجيكي، لكن ما يؤدي إليه ليس مريحاً أو طبيعياً إذ يحول دون التلقائية، ويثير أسئلة حول غياب التبرير من ناحية، وغياب الواقع من ناحية أخرى.

* عروض مهرجان مراكش.

«احتفال» (كرواتيا إودڤيحوال سنتر)

CELEBRATION

(ممتاز)

* إخراج: برونو أنكوڤيتش

* كرواتيا/ قطر (2024)

«احتفال» فيلم رائع لمخرجه برونو أنكوڤيتش الذي أمضى قرابة 10 سنوات في تحقيق أفلام قصيرة. هذا هو فيلمه الطويل الأول، وهو مأخوذ عن رواية وضعها سنة 2019 دامير كاراكاش، وتدور حول رجل اسمه مِيّو (برنار توميتش)، نَطّلع على تاريخ حياته في 4 فصول. الفصل الأول يقع في خريف 1945، والثاني في صيف 1933، والثالث في شتاء 1926، والرابع في ربيع 1941. كلّ فصل فيها يؤرّخ لمرحلة من حياة بطله مع ممثلٍ مختلف في كل مرّة.

نتعرّف على مِيو في بداية الفيلم يُراقب من فوق هضبة مشرفة على الجيش النظامي، الذي يبحث عنه في قريته. يمضي مِيو يومين فوق الجبل وتحت المطر قبل أن يعود الفيلم به عندما كان لا يزال فتى صغيراً عليه أن يتخلّى عن كلبه بسبب أوامر رسمية. في مشهد لا يمكن نسيانه، يربط كلبه بجذع شجرة في الغابة ويركض بعيداً يلاحقه نباح كلب خائف، هذا قبل أن ينهار مِيو ويبكي. ينتقل الفيلم إلى شتاء 1926. هذه المرّة الحالة المعيشية لا تسمح لوالده بالاختيار، فيحمل جدُّ مِيو فوق ظهره لأعلى الجبل ليتركه ليموت هناك (نحو غير بعيد عمّا ورد في فيلم شوهاي إمامورا «موّال ناراياما» The Ballad of Narayama سنة 1988). وينتهي الفيلم بالانتقال إلى عام 1941 حيث الاحتفال الوارد في العنوان: أهالي القرى يسيرون في استعراضٍ ويرفعون أيديهم أمامهم في تحية للنازية.

«احتفال» معني أكثر بمراحل نمو بطله وعلاقاته مع الآخرين، وسط منطقة ليكا الجبلية الصعبة كما نصّت الرواية. ما يعنيه هو ما يُعانيه مِيو وعائلته وعائلة الفتاة التي يُحب من فقر مدقع. هذا على صعيد الحكاية وشخصياتها، كذلك وَضعُ مِيو وما يمرّ به من أحداث وسط تلك الطبيعة القاسية التي تُشبه قسوة وضعه. ينقل تصوير ألكسندر باڤلوڤيتش تلك الطبيعة وأجواءها الممطرة على نحوٍ فعّال. تمثيلٌ جيدٌ وناضجٌ من مجموعة ممثلين بعضُهم لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا، ومن بينهم كلارا فيوليتش التي تؤدي دور حبيبة مِيو، ولاحقاً، زوجته.

* عروض مهرجان زغرب (كرواتيا).