رحيل السيد إمام... مترجم روائع الفكر والأدب الغربي

عن عمر يناهز 78 عاماً

المترجم والناقد السيد إمام (أرشيفية)
المترجم والناقد السيد إمام (أرشيفية)
TT

رحيل السيد إمام... مترجم روائع الفكر والأدب الغربي

المترجم والناقد السيد إمام (أرشيفية)
المترجم والناقد السيد إمام (أرشيفية)

غيّب الموت في وقت مبكر من صباح اليوم (الأربعاء)، المترجم والناقد المصري السيد إمام عن عمر ناهز (78 عاماً) بعد مسيرة حافلة في نقل أحدث روائع الفكر والأدب في الغرب إلى اللغة العربية.
ووصف متابعون الراحل بأنه «أحد رموز تيار الاستنارة والتجديد في الثقافة المصرية»، كما اشتهر بدعمه وتشجيعه للأجيال الجديدة من النقاد والمبدعين والباحثين.
ومن أبرز الأعمال الفكرية التي ترجمها السيد إمام «تحولات الخطاب النقدي لما بعد الحداثة»، و«نار بروميثوس» للمفكر الأميركي من أصل مصري إيهاب حسن، و«الميتافكشن» للناقدة الأميركية باتريشيا ووه، و«ألف ليلة وليلة أو الليالي العربية» للكاتبين البريطانيين ورليش مارزوف وريتشارد فان ليفن، و«أقنعة بارت» للناقد البريطاني جوناثان كلر، و«قاموس السرديات» للمؤرخ الأدبي الأميركي جيرالد برنس، و«العولمة... نص أساس» للباحث الأميركي جورج ريتزر.
ويعد كتاب «براءة جذرية: دراسات في الرواية الأميركية المعاصرة» لإيهاب حسن آخر ما صدر للراحل من أعمال مترجمة عن المركز القومي للترجمة بالقاهرة.
ونعى مثقفون الراحل، من بينهم الناقد الأدبي والأكاديمي د.محمد عبد الباسط عيد، الذي كتب عبر صفحته على «فيسبوك» أن «الراحل لم يكن مثقفاً كبيراً فحسب، وإنما كان عيناً عربية على الثقافة العالمية، يترجم لنا ثمار حكمتها ونزعات جنونها فنقرأ ونفهم ونرى».
ووصفه الشاعر والباحث في التراث الشعبي مسعود شومان بأنه «جزء كبير من تاريخنا الثقافي». وقال الناقد د.محمد بدوي إن «الحياة في مصر تقفر بغياب أنجب أبنائها». فيما رأى الروائي محمد سمير ندا أن «الفكر التنويري يصارع وحيداً جيوش الرجعية وخفافيش الظلام بعد رحيله». وأكد الناقد د.هيثم الحاج، الرئيس السابق للهيئة المصرية العامة للكتاب، أن «2023 هو عام الحزن لرحيل هذا المثقف».
ومن خارج مصر، قال الناقد والأكاديمي العراقي د.علاء جواد كاظم عبر صفحته على «فيسبوك» إن «السيد إمام، المفكر العربي، يغادر العالم شجاعاً، وكبيراً، وعظيماً. لم يتوقف يوماً عن الكتابة ولا الترجمة، ولا الحب، ولا الثورة، ولا النقد. حتى في أحلك الظروف لم يتوقف».
السيد إمام المولود في 19 مارس (آذار) 1945 بمحافظة البحيرة (دلتا مصر)، التحق بكلية الآداب، قسم اللغة الإنجليزية، بجامعة الإسكندرية. واتسمت ترجماته بالعذوبة والسلاسة اللغوية والقدرة على تبسيط أعقد المفاهيم النقدية العالمية. كرمته إمارة الشارقة بدولة الإمارات قبل عامين ضمن مبادرة «تكريم الشخصيات الأكثر إسهاماً في الثقافة العربية».
وأكد الشاعر والناقد محمود خير الله أن «المساحة العريضة من الحرية التي تمتع بها وعي مترجمنا الراحل السيد إمام، كونه لا يعمل ضمن مؤسسة رسمية ويدير ترجماته بذائقته الفردية وهواه الخاص، سمحت له بأن يقدم للثقافة العربية كتباً نوعية فارقة مثل (موسوعة الليالي العربية) التي ترجمها وصدرت قبل أعوام عن المركز القومي للترجمة في مجلدين عظيمين، وفيها يقدم باحثان أوروبيان إطلالة واسعة جداً على عوالم (ألف ليلة وليلة) شملت تاريخها وأهم نسخها وأبرز حكاياتها وأهم سماتها وأبرز الأدباء الذين استلهموها في الثقافة العالمية».
وأوضح في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «(ألف ليلة) كانت مجهولة بالنسبة لي في الدرس النقدي العربي الذي لم ينتبه إليها إلا منذ نحو قرن فقط، بينما البحث النقدي في الغرب عرف (ألف ليلة وليلة) قبلنا بقرون طويلة، لذا أصبحت (الليالي العربية) بعد ترجمة هذه الموسوعة شيئاً قابلاً للفهم والإدراك ضمن سياقات ثقافية أوسع».
ويضيف الكاتب سمير الفيل قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «السيد إمام نموذج للمثقف الموسوعي الذي تمرد على مركزية العاصمة ولم يعش بالقاهرة ولازم مدينته دمنهور وظل بها ليقوم بدور مهم ومؤثر في احتضان المواهب الجديدة، وتعبيد الطرق أمامها وكان يمثل وجهاً مضيئاً للثقافة الجادة؛ فهو صاحب مشروع ثري وممتد».



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.