بغداد وأربيل تستأنفان مفاوضاتهما النفطية

بعد تحكيم دولي لمصلحة الحكومة الاتحادية

دبكة كردية بإطار احتفالات «النوروز» في السليمانية (أ.ب)
دبكة كردية بإطار احتفالات «النوروز» في السليمانية (أ.ب)
TT

بغداد وأربيل تستأنفان مفاوضاتهما النفطية

دبكة كردية بإطار احتفالات «النوروز» في السليمانية (أ.ب)
دبكة كردية بإطار احتفالات «النوروز» في السليمانية (أ.ب)

بدأت في بغداد المباحثات النفطية بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان بشأن الخلافات النفطية؛ لا سيما بعد صدور قرار تحكيم دولي لمصلحة بغداد بشأن تصدير النفط من الإقليم عبر تركيا.
ووصل إلى بغداد وفد كردي رفيع المستوى برئاسة وزير المالية والاقتصاد، آوات شيخ جناب، ويضم في عضويته كمال محمد وزير الثروات الطبيعية بالوكالة، وأوميد صباح رئيس ديوان مجلس وزراء إقليم كردستان. وقال بيان من حكومة إقليم كردستان إن الوفد سيناقش مع المسؤولين العراقيين، قضية النفط في بغداد، وإنهم سيواصلون المفاوضات الرامية إلى حل الخلافات، وإنه من المقرر عقد اجتماعات مهمة رفيعة المستوى». وكانت وزارة النفط الاتحادية أعلنت السبت الماضي عن كسب دعوى التحكيم الدولي المرفوعة من قبل العراق ضد تركيا بشأن تصدير النفط الخام من إقليم كردستان عبر ميناء «جيهان» التركي. لكن بغداد أعلنت في الوقت نفسه أنها ستقوم ببحث آلية التصدير عبر الميناء نفسه مع الجهات المعنية في الإقليم والسلطات في أنقرة وفقاً للمعطيات الجديدة.
وكان رئيس حكومة إقليم كردستان، مسرور بارزاني، أعلن فور صدور الحكم لمصلحة بغداد أنه سوف يرسل وفداً حكومياً إلى بغداد للتباحث حول ملف النفط بعد قرار التحكيم بعدم قانونية تصدير نفط الإقليم إلى تركيا دون موافقة الحكومة الاتحادية. ورغم زيارة وفد مصغر من حكومة الإقليم الأحد الماضي العاصمة بغداد واجتماعه مع وفد من وزارة النفط الاتحادية برئاسة نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة وزير النفط، حيان عبد الغني، حيث بحث الجانبان الآليات والمعطيات الجديدة لصادرات نفط الإقليم، بعد القرار الذي صدر عن هيئة التحكيم التابعة لـ«غرفة التجارة الدولية» في باريس، فإن الوفد الموسع الذي أرسلته حكومة الإقليم وبدأ مباحثاته مع كبار المسؤولين في بغداد سيبحث مختلف الجوانب السياسية والفنية التي تتصل بهذا الملف المعقد والمؤجل منذ سنوات.
وكانت صادرات نفط كردستان العراق قد توقفت إلى ميناء «جيهان» التركي في البحر المتوسط، نهاية الأسبوع الماضي، بعد انتهاء قضية التحكيم الدولي طويلة الأمد بين أنقرة وبغداد.
في السياق نفسه، أكدت وزارة الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كردستان العراق أن قرار محكمة التحكيم التجاري الدولية في باريس «لن يعوق علاقاتنا» مع الحكومة الاتحادية في بغداد. وقالت الوزارة في بيان لها إن «حكومة إقليم كردستان أجرت في الأشهر الأخيرة حوارات ومفاوضات متواصلة مع الحكومة الاتحادية؛ آخرها بشأن ملفي الموازنة، والنفط والغاز». وأشار البيان إلى أن «الجانبين توصلا حينها إلى اتفاق مبدئي وتفاهم جيد تحت مظلة الدستور والحقوق والمستحقات الدستورية لإقليم كردستان». البيان أكد أيضاً أن «رئيس حكومة إقليم كردستان على تواصل دائم مع رئيس الوزراء الاتحادي، وبعد زيارته الأخيرة إلى إقليم كردستان جرى التأكيد على أهمية حل المشاكل استناداً إلى الدستور». وشدد البيان على أن «حكومة إقليم كردستان على موقفها الثابت بعدم التنازل عن الحقوق الدستورية للشعب الكردستاني».
وكان العراق رفع دعوى قضائية ضد تركيا لمخالفتها أحكام اتفاقية خط الأنابيب العراقية - التركية الموقعة في عام 1973 والتي تنص على وجوب امتثال الحكومة التركية لتعليمات الجانب العراقي فيما يتعلق بحركة النفط الخام المصدر إلى جميع مراكز التخزين والتصريف والمحطة النهائية. وتزامن صدور قرار التحكيم لمصلحة العراق ضد تركيا مع الزيارة التي قام بها الأسبوع الماضي إلى تركيا رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الذي أجرى، كما قال مكتبه الإعلامي، مباحثات ناجحة مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان. وكان إردوغان استجاب لطلب السوداني إطلاق كميات إضافية من مياه نهر دجلة لمدة شهر لتجاوز أزمة الملوحة؛ لا سيما في محافظات الوسط والجنوب.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.