مسؤولون في الأنبار: الحكومة أرادت معاقبة «داعش» فتضررنا

محافظ المدينة بحث مع رئيس الوزراء فتح معبر طريبيل الحدودي مع الأردن

مسؤولون في الأنبار: الحكومة أرادت معاقبة «داعش» فتضررنا
TT

مسؤولون في الأنبار: الحكومة أرادت معاقبة «داعش» فتضررنا

مسؤولون في الأنبار: الحكومة أرادت معاقبة «داعش» فتضررنا

تسعى حكومة الأنبار المحلية لوضع آلية وخطة مرسومة من أجل إعادة افتتاح منفذ طريبيل الحدودي مع الأردن الذي أغلق منتصف الماضي بسبب سيطرة مسلحي تنظيم داعش على مساحات واسعة من الأنبار التي يمر فيها الطريق الدولي البري الرابط بين عمان وبغداد، بينما أكد مسؤول محلي في محافظة الأنبار أن المنفذ سيفتتح بعد موافقة مجلس الوزراء على هذه الآلية.
وقال المستشار السياسي لمحافظ الأنبار، حكمت سليمان، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «صهيب الراوي، محافظ الأنبار، التقى قبل أيام رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في العاصمة بغداد، حيث بحثا كيفية إيجاد آلية لفتح منفذ طريبيل مقابل منع وصول الأموال والإتاوات لعناصر تنظيم داعش من خلال منع مرور الشاحنات المحملة بالبضائع في الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم غربي الأنبار».
وأضاف سليمان أن «حكومة الأنبار المحلية لديها آلية ستطبقها على أرض الواقع من أجل تفادي ذهاب الأموال إلى (داعش)، وأن رئيس الوزراء اقترح على محافظ الأنبار تقديم هذه الآلية، وفي حال الموافقة عليها سيتم فتح منفذ طريبيل قريبًا».
وكان مصدر رسمي أردني قد كشف الشهر الماضي أن السلطات العراقية أغلقت المعابر الحدودية مع الأردن حتى إشعار آخر، بينما أكدت وزارة الداخلية العراقية أن إغلاق منفذ طريبيل مع الأردن سيكون مؤقتًا، عازية ذلك إلى منع استفادة تنظيم داعش من المنفذ.
وفي السياق ذاته، أكد الخبير الاقتصادي وعضو مجلس قضاء الرمادي، الدكتور إبراهيم العوسج، أن قرار إغلاق منفذ طريبيل فيه ضرر كبير على الأنبار وأهلها واقتصادها، داعيًا القائد العام للقوات المسلحة إلى ضرورة معالجة الأهداف على الخط السريع وإعادة فتح المنفذ.
وقال العوسج في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «منفذ طريبيل الحدودي مع الأردن قبل إغلاقه، كانت فيه منافع كثيرة لأهالي الأنبار من حيث الموارد المادية عن طريق التبادل التجاري ونقل البضائع وحركة المسافرين برًا، وهذه الأموال كانت تساهم بشكل كبير في زيادة الواردات المالية للمحافظة بعد إضافتها إلى الميزانية المخصصة من الحكومة، فضلاً عن إمكانية تحريك الاقتصاد في البلاد عمومًا والأنبار خصوصًا عن طريق هذا المنفذ الحيوي». وأضاف أن «الحكومة المركزية ركزت على أن المنفذ قد أصبح أحد أهم موارد (داعش) من خلال قيامهم بأخذ الإتاوات من سائقي الشاحنات التي كانت تقوم بإدخال المواد الغذائية والسلع لعموم العراق، وأن قرار إغلاق منفذ طريبيل قرار خاطئ وفيه غبن كبير على أبناء الأنبار وعلى اقتصادها أيضًا، وكان الأجدر بالقوات الأمنية والطيران القيام بضرب أي سيطرة لـ(داعش) على الخط السريع وهذه السيطرات واضحة لهم، لكن الدولة بدل أن تساعد أهل المحافظة على تطوير أرزاقهم عمدت إلى قطعها دون سبب».
ودعا العوسج، القائد العام للقوات المسلحة، حيدر العبادي، إلى «ضرورة معالجة الأهداف على الخط البري الدولي السريع وإعادة فتح المنفذ لتأثيره الإيجابي في تحريك الاقتصاد وأيضًا إيقاف عجلة الفقر والعوز التي ضربت عوائل الأنبار بسبب الأعمال العسكرية والإرهابية وعمليات النزوح».
من جانب آخر، أعلن نائب رئيس مجلس محافظة الأنبار، فالح العيساوي، أن القوات العراقية بدأت المرحلة الثالثة لتحرير المحافظة من سيطرة تنظيم داعش، بما فيها اقتحام مركز مدينة الرمادي الذي يضم المبنى الحكومي لمحافظة الأنبار.
وقال العيساوي في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «القطاعات العسكرية انتهت من تنفيذ المرحلة الثانية لتحرير مدن الأنبار، وطردت مسلحي تنظيم داعش وقطعت خطوط إمدادهم من مناطق واسعة وصولاً إلى أحياء داخل مدينة الرمادي». وأضاف أن «لحظة استعادة السيطرة على مركز مدينة الرمادي باتت، قريبة جدًا، وأن لا وجود لأي تأخير في سير المعارك الدائرة لتطهير مدن الأنبار، بعد التقهقر الواضح لعناصر التنظيم الإرهابي أمام التقدم الكبير لقواتنا الأمنية المشتركة».
من جانبه، أعلن قائد عمليات الأنبار، اللواء الركن قاسم المحمدي، مقتل 35 عنصرًا من تنظيم داعش الإرهابي خلال معارك تطهير محيط الرمادي الشرقي والغربي مع تدمير عدد من العجلات التي يستقلها عناصر التنظيم، في حين أكد قيادي في الحشد الشعبي أن موعد تطهير كرمة الفلوجة اقترب.
وقال المحمدي في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «القوات الأمنية من الجيش والشرطة ومقاتلي العشائر، تمكنوا من تنفيذ عمليات عسكرية واسعة النطاق استهدفت معاقل تنظيم داعش الإرهابي في محيط الرمادي الشرقي بمنطقة جزيرة الخالدية وحصيبة الشرقية والطوك وفي محيطها الغربي في حي التأميم ومنطقة المخازن والاشتباك مع مسلحي التنظيم الإرهابي؛ مما أسفر عن مقتل 35 عنصرًا من (داعش)».
وأكد قائد شرطة الأنبار، اللواء هادي رزيج، من جانبه لـ«الشرق الأوسط»، أن «القطعات البرية في الأنبار وبجميع محاور العمليات الحالية في مدينة الرمادي، هدفها العسكري الرئيسي الآن، هو تدمير الخطوط الدفاعية لمسلحي تنظيم داعش والتقدم إلى عمق المناطق التي يسيطر عليها التنظيم مع ضمان سلامة المدنيين الأبرياء».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.