هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

سهَّل عمليات البحث بموازاة التشجيع على «الغش»

«تشات جي بي تي» أقرب نموذج ذكاء صناعي للمخ البشري (adobe stock)
«تشات جي بي تي» أقرب نموذج ذكاء صناعي للمخ البشري (adobe stock)
TT

هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

«تشات جي بي تي» أقرب نموذج ذكاء صناعي للمخ البشري (adobe stock)
«تشات جي بي تي» أقرب نموذج ذكاء صناعي للمخ البشري (adobe stock)

رغم ما يتمتع به «تشات جي بي تي» من إمكانيات تمكنه من جمع المعلومات من مصادر مختلفة، بسرعة كبيرة، توفر وقتاً ومجهوداً للباحث، وتمنحه أرضية معلوماتية يستطيع أن ينطلق منها لإنجاز عمله، فإن للتقنية سلبيات كونها قد تدفع آخرين للاستسهال، وربما الاعتماد عليها بشكل كامل في إنتاج موادهم البحثية، محولين «تشات جي بي تي» إلى أداة لـ«الغش» العلمي. الأمر الذي يثير تساؤلات بشأن استخدام الذكاء الصناعي في التعليم والبحث العلمي، أم لا؟
من بين 20 طالباً في أحد الفصول الدراسية بمدرسة تابعة لنظام «البكالوريا الدولية» بدولة أستراليا، قدم خمسة طلاب محتوى متشابهاً، عند كتابة أحد الأبحاث التي تم تكليف الفصل الدراسي بها؛ وهو ما ساعد مدرس اللغة الإنجليزية مارتن فنسنت، على اكتشاف استخدام الطلاب الخمسة برنامج «تشات جي بي تي» في الكتابة.
هذه هي إحدى الطرق البسيطة التي نصح بها فنسنت زملاءه، حتى يتمكنوا من اكتشاف النصوص المكتوبة بآلية الذكاء الصناعي التي يتيحها «تشات جي بي تي»، وذلك خلال نقاش بموقع «رديت»، الذي يستخدمه مدرسو وطلاب «البكالوريا الدولية» في التواصل.
لكن المدرس نفسه قال لـ«الشرق الأوسط»، عندما طلبت منه التعليق على استخدام الطلاب لهذه الأداة، إنه «لا يمانع استخدامها، كأداة توجيهية للطالب ترشده إلى مصادر يمكن أن يستغرق وقتاً طويلاً في البحث عنها».

يوفر «تشات جي بي تي» طريقة للتفاعل مع الذكاء الصناعي عن طريق المحادثة (غيتي)

هذا الحد الفاصل بين أن يكون «تشات جي بي تي» داعماً للتعليم، يُسهل عمليات البحث، وبين مهدد للعملية التعليمية، إذا ما عمد مستخدموه إلى «الغش». أشار إليه فنسنت في تعليقه، وأكدت عليه دراسات في مجالات مختلفة، رأت في هذا البرنامج «نعمة كبيرة»، يجب حمايتها من سوء الاستخدام الذي يحولها إلى «نقمة»، تهدد ما يعرف بـ«النزاهة الأكاديمية».
ويستطيع هذا البرنامج الذي طورته شركة أبحاث الذكاء الصناعي «أوبن إيه آي» بمدينة سان فرانسيسكو، استخدام كميات هائلة من المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت وغيرها من المصادر العامة، بما في ذلك حوارات ومحادثات بين البشر، لإنتاج محتوى أشبه بذلك الذي ينتجه البشر، من خلال «خوارزميات» تقوم بتحليل عدد هائل من البيانات، وتعمل بصورة تشبه الدماغ البشري. ولا يكون النص الذي يوفره البرنامج «سرقة أدبية» بالمعنى التقليدي، لأن البرنامج «لم ينسخ عملاً سابقاً»، ما يعني أنه لا يمكن لبرامج كشف الانتحال التي تستخدمها المدارس والجامعات، اكتشافه.

تشخيص أمراض العيون

ويدعم مايكل بالاس، الباحث بكلية الطب بجامعة تورونتو بكندا، والذي قاد فريقاً لدراسة استخدام البرنامج في تشخيص أمراض العيون، استخدام «تشات جي بي تي». ويقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «يمكن أن تكون نماذج لغة الذكاء الصناعي أداة قوية للمساعدة في مختلف جوانب كتابة البحث، ولكن لا ينبغي أن تحل محل الخبرة والتفكير النقدي للباحثين، الذين يجب عليهم استخدام المحتوى الذي تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الصناعي كنقطة انطلاق، ومراجعة المحتوى وتعديله بعناية لضمان دقته وجودته».
ووجّه النصيحة نفسها للمرضى الذين قد يلجأون إلى «دكتور تشات جي بي تي»، الذي حقق دقة عالية في التشخيص، كما كشفت دراسة منشورة في عدد مارس (آذار) الحالي بدورية «طب العيون».
وحدد «تشات جي بي تي» التشخيص الصحيح في 9 من 10 حالات تم عرضها عليه، وهو ما يفوق «دكتور غوغل»، كما يؤكد بالاس؛ لأن «البرنامج مصمم لفهم وتحليل استفسارات اللغة الطبيعية، وتقديم معلومات أكثر دقة، كما يمكنه أيضاً مراعاة التاريخ الطبي الفريد للمريض، وعوامل نمط الحياة، والمعلومات الأخرى ذات الصلة، لتقديم توصيات أكثر دقة».
ورغم ذلك، ينصح بالاس المرضى بالنصيحة التي وجهها للباحثين، وهي أن يكون البرنامج «أداة مساعدة وليس بديلاً للطبيب». ويقول إنه «لا ينبغي استخدام نماذج لغة الذكاء الصناعي بديلاً للاستشارة الطبية عند اختصاصي رعاية صحية مرخص».
تشديد بالاس على هذه النصيحة، رغم اعتراف الدراسة التي قادها بدقة تشخيص «تشات جي بي تي»، يشير بوضوح إلى وجود نسبة من الخطأ في إجابات البرنامج، وهذه النسبة، تظهر عند استخدام البرنامج في إعداد الأبحاث والواجبات المدرسية، ويستطيع المدرس المحترف اكتشافها، وتكون دليلاً على الاستخدام «غير الأمين» للبرنامج، حال لم تجد الطريقة التي أوضحها، مدرس اللغة الإنجليزية مارتن فنسنت، في البداية.

الأخطاء الأسلوبية

واعتمدت الطريقة التي أوضحها فنسنت على قيام أكثر من طالب في الفصل الدراسي باستخدام البرنامج لإعداد نفس البحث. ولكن، إذا استخدمه طالب واحد فقط، تكون الطريقة المثلى التي يوضحها ويل هيوز، وهو مدرس للغة الإنجليزية في أحد مدارس «البكالوريا الدولية» في بريطانيا، هي الأخطاء الأسلوبية.
وقال هيوز على موقع التواصل الاجتماعي «رديت»، الذي يستخدمه مدرسو وطلاب «البكالوريا الدولية»، إنه «تمكن من اكتشاف نصوص مكتوبة ببرنامج (تشات جي بي تي)؛ لأن ما يكتبه البرنامج يكون مليئاً بالأخطاء الأسلوبية».
والأخطاء الأسلوبية سمة مميزة لبرامج الكتابة بالذكاء الصناعي، وقد أشارت تجربة عملية قام بها موقع المعلومات التعليمية «EduRef» إلى هذه السمة، التي يمكن أن تكون أداة لاكتشاف النصوص المكتوبة بهذه البرامج.
وفي التجربة، التي نشر تفاصيلها موقع «نيتشر إنديكس» في 17 أغسطس (آب) 2021، تم تكليف مجموعة من الخريجين الجدد والطلاب الجامعيين المهام نفسها التي تم تكليف «جي بي تي 3» بها، وهو برنامج أنتجته الشركة المنتجة لـ«تشات جي بي تي».
وتم تقييم المهام من قِبل مدرسين لا يعرفون الأعمال المكتوبة من قِبل الخريجين والطلاب، وتلك المكتوبة بالذكاء الصناعي، فتمت الإشادة بالبرنامج لكتابته افتتاحية وتحولات ممتازة، ولكن تم انتقاده لاستخدامه لغة مربكة، ولإخفاقه في صياغة سرد قوي.
وكانت الميزة الواضحة للذكاء الصناعي، هي «عامل الوقت»، فبينما استغرق ما بين ثلاث إلى 20 دقيقة لكتابة ورقة، احتاج الطلاب إلى ثلاثة أيام.

عابد حليم الأستاذ بقسم الهندسة الميكانيكية بالجامعة الإسلامية في نيودلهي بالهند (الجامعة الإسلامية)

وقبل تلك التجربة بشهر واحد، نشر باحثون متخصصون في علوم الكمبيوتر بالمعهد الجامعي الفرنسي، دراسة على موقع ما قبل طباعة الأبحاث (أركايف)، تشير إلى اكتشافهم العديد من الدراسات في مجال تخصصهم تمت كتابتها باستخدام الذكاء الصناعي؛ وذلك لوقوع أصحابها في أخطاء أسلوبية، تمثلت في استخدام «عبارات غريبة».
وقال غيوم كاباناك، الباحث الرئيسي بالدراسة، في تقرير نشره موقع «نيتشر» في 5 أغسطس 2021، إنه «في أبريل (نيسان) 2021، لفتت انتباهه سلسلة من العبارات الغريبة في مقالات المجلات الخاصة بعلوم الكمبيوتر»، ولم يستطع فهم سبب استخدام الباحثين مصطلحات «الوعي المزيف»، و«التنظيم العصبي العميق» و«المعلومات الهائلة»، بدلاً من المصطلحات المعروفة على نطاق واسع مثل «الذكاء الصناعي»، و«الشبكة العصبية العميقة»، و«البيانات الضخمة».
وكشفت المزيد من التحقيقات، عن أن هذه المصطلحات الغريبة، التي أطلق عليها ورفاقه في البحث «عبارات مشوهة»، تنتشر في أوراق علوم الكمبيوتر، حيث وجدوا أكثر من 860 بحثاً تضمنت واحدة على الأقل من العبارات، وتم نشر 31 منها في مجلة واحدة، وهي «ميكروبروسيسور آند ميكروسيستمز».
والعبارات «المشوهة»، كما عرفها كاباناك، هي «ما يحدث للكلمات التي تُترجم من الإنجليزية إلى لغة أجنبية أخرى، ثم تعود إلى اللغة الإنجليزية، ربما بواسطة جهاز كمبيوتر يحاول إنشاء منشور علمي لمجموعة من المؤلفين عديمي الضمير».

تفادي الأخطاء

ويعتقد عابد حليم، الأستاذ بقسم الهندسة الميكانيكية بالجامعة الإسلامية في نيودلهي بالهند، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «(شات جي بي تي)، سيعمل على تفادي الأخطاء الأسلوبية في نسخته المحدثة، التي تفهم التفاصيل الدقيقة للغة الطبيعية التي ينتجها الإنسان، باستخدام كميات هائلة من البيانات من الإنترنت».
ويقول حليم، الذي قاد دراسة نُشرت في أكتوبر (تشرين الأول) عن البرنامج بدورية (TBench)، إنه «إذا لم يكن المدرس أو البروفسور المشرف على الباحث الجامعي، مدركاً للمستوى الحقيقي للطالب، فقد ينجح في خداعه بأوراق بحثية كتبها الذكاء الصناعي، ما لم توجد برامج أخرى تستخدم أيضاً الذكاء الصناعي لاكتشاف الأوراق البحثية المكتوبة به».
وتبشر الشركة المسؤولة عن موقع «تيرن إت إن Turnitin»، وهو موقع أميركي يستخدمه طلاب «البكالوريا الدولية» والباحثون في الجامعات والمشرفون عليهم، للتأكد من أصالة البحث، ومنع السرقات العلمية، بما طالب به حليم.
ويقول إريك وانج، نائب رئيس الذكاء الصناعي في الشركة، لـ«الشرق الأوسط»، إنه «بينما تتطور أدوات الكتابة بالذكاء الصناعي مثل (تشات جي بي تي)، يتطور (تيرن إت إن) بسرعة معها، وتوجد الآن تقنية لاكتشاف أشكال متعددة من الكتابة بالذكاء الصناعي، سواء تلك المكتوبة باستخدام (جي بي تي 3)، و(تشات جي بي تي)».
ويشرح وانج، الآلية المستخدمة في (تيرن إت إن) لاكتشاف النصوص المكتوبة بالذكاء الصناعي، ويقول: إن «(تشات جي بي تي)، و(جي بي تي 3)، يقومان بإنشاء نص عن طريق وضع الكلمة الأكثر احتمالاً في المكان الأكثر احتمالية، ويؤدي هذا إلى إنشاء توقيع إحصائي يمكن اكتشافه، لأن هذا التوقيع الإحصائي، يبدو مختلفاً تماماً عن الكتابة البشرية، حيث تميل الكتابة البشرية إلى أن تكون شخصية وغير متسقة، وتم تدريب التقنية على اكتشاف هذه الاختلافات في احتمالية الكلمات».

إريك وانج نائب رئيس الذكاء الصناعي في شركة «تيرن إت إن» (تيرن إت إن)

ويرفض وانج «شيطنة أدوات الذكاء الصناعي»، ويقول «من المهم إدراك أن وجود قدرات الكتابة بالذكاء الصناعي، لا يشير إلى نهاية الفكر الأصلي أو التعبير الأصلي، إذا تم تحديد المعايير الصحيحة لاستخدامها». ودعا المدرسين إلى الحديث مع طلابهم بشأن معايير استخدام برامج الذكاء الصناعي، والاستخدام المقبول له.
وما أشار إليه وانج في حديثه عن «الاستخدام المقبول» للذكاء الصناعي، هو ما أكدت عليه أيضاً دراسة نشرت في 25 فبراير (شباط) الماضي بدورية «كريتيكال كير»، تحت عنوان «هل يمكن للذكاء الصناعي أن يساعد في الكتابة العلمية؟».

حوار مع «تشات جي بي تي»

وذهب الباحثون في تلك الدراسة التي قادها ميشيل سالفانو، من قسم العناية المركزة بمستشفى «إيراسمي» بجامعة بروكسل، إلى أن «تشات جي بي تي»، هو برنامج ذكاء صناعي قادر على المساعدة في عملية كتابة ورقة علمية، ويمكن أن يساعد في مراجعة الأدبيات، وتحديد أسئلة البحث، وتقديم نظرة عامة على الحالة الحالية في مجال طب الرعاية الحرجة، والمساعدة في المهام، مثل التنسيق والمراجعة الإملائية، لكنه لا يجب أن يصبح كاتباً للمحتوى».
وأجرى الباحثون تجربة «ساخرة» تم تضمينها في دراستهم لتوصيل هذه الرسالة، حيث طلبوا من برنامج «تشات جي بي تي»، مراجعة ورقتهم البحثية، وسألوه «إذا كان مؤلفاً مشاركاً بها، هل يوافق على إرسالها إلى دورية (كريتيكال كير)؟» فجاء الرد من البرنامج، كالآتي «بصفتي نموذجاً للذكاء الصناعي، لا يمكنني مراجعة أو إرسال الأوراق إلى المجلات، لأنني لست باحثاً أو مؤلفاً، ومع ذلك، يمكنني أن أقدم لك بعض التعليقات على الورقة التي قدمتها، حيث تقدم الورقة لمحة عامة واضحة وشاملة عن الاستخدامات المحتملة لـ(تشات جي بي تي) في الكتابة العلمية، وتحديداً في مجال طب الرعاية الحرجة، وتوفر المقدمة خلفية جيدة عن (تشات جي بي تي) وكيف يمكن استخدامه في مهام مختلفة، وتستمر الورقة في مناقشة الاستخدامات المحتملة لـ(تشات جي بي تي) في الكتابة العلمية، مثل إنشاء المسودة والبحث الأدبي ومراجعة اللغة، وتتطرق الورقة أيضاً إلى الاهتمامات الأخلاقية وقيود استخدام (تشات جي بي تي) في الكتابة العلمية، وأوصي بمراجعة الورقة مرة أخرى، والتحقق من الأخطاء النحوية والإملائية، والتأكد من تنسيق الاستشهادات والمراجع بشكل صحيح، وسيكون من المهم أيضاً الحصول على استنتاج مناسب يلخص الأفكار الرئيسية للورقة ووجهات النظر المستقبلية، ومن المهم أن تضع في اعتبارك أنه يجب دائماً استخدام (تشات جي بي تي) جنباً إلى جنب مع خبرة الخبراء البشريين وحكمهم، ويجب التحقق من مخرجاتها قبل استخدامها في الممارسة السريرية».

الاستخدام بشروط

هذه الإجابة التي أوردها «تشات جي بي تي»، تشير إلى الحدود المسموح بها لاستخدام البرنامج، والتي تلخصها عبارة «نوافق على استخدامه في دعم صناعة المحتوى، وليس تقليد المحتوى»، والتي جاءت في تعليق استقبلته «الشرق الأوسط»، من ماثيو جلانفيل، رئيس مبادئ وممارسات التقييم بمنظمة «البكالوريا الدولية»، والناطق الرسمي باسم المنظمة. ويقول جلانفيل، إنه «أثناء تطوير البرامج التي يمكن أن تكتشف النص المكتوب بواسطة الذكاء الصناعي، يمكن أن تتحسن تقنيات الذكاء الصناعي، وتصبح أكثر تعقيداً، بحيث لا يمكن التعرف على إنتاجها بشكل موثوق».
ويضيف «التركيز في البكالوريا الدولية هو على التطلع إلى المستقبل؛ ما يعني أن تطبيع استخدام الذكاء الصناعي في الأعمال وفي العديد من الأماكن الأخرى، يجب أن يستتبعه تصميم التعليم المناسب للطلاب الذين سيعيشون في هذا العالم».
وانطلاقاً من تلك الرؤية للمنظمة، يؤكد الناطق الرسمي باسم المنظمة، أن «البكالوريا الدولية لا تمانع من استخدام (تشات جي بي تي) أو أي أداة أخرى للذكاء الصناعي، طالما يتماشى الاستخدام مع سياسة النزاهة الأكاديمية للمنظمة».
والنزاهة الأكاديمية، كما يوضح جلانفيل، جانب أساسي من جوانب التدريس والتعلم في برامج البكالوريا الدولية، ويقول إنه «منذ الصغر، تتم مساعدة طلاب البكالوريا الدولية على تعلم القدرة على التمييز بين التصرف بنزاهة (القيام بعملهم الخاص) وعدم النزاهة (تقليد الآخرين)؛ ولهذا السبب، يُتوقع من جميع الطلاب المشاركين في برامج البكالوريا الدولية أن يختاروا التصرف بأمانة وشفافية ومسؤولية وأخلاقية».

إيكل بالاس الباحث بكلية الطب بجامعة تورونتو بكندا (جامعة تورونتو)

وبالإضافة إلى الاعتماد على استيعاب الطلاب لسياسة المنظمة، يشير جلانفيل أيضاً، إلى أن «لدى البكالوريا الدولية مجموعة متنوعة من العمليات، والسياسات الصارمة التي تقلل من مخاطر انتحال الطالب، أو سوء السلوك المدرسي، وتتحقق من صحة عمل الطلاب، حيث تعمل المنظمة بشكل وثيق مع مدارس البكالوريا الدّوليّة والمدرّسين، حتى يتمكنوا من التأكد أن الطالب أنتج عملاً كاملاً من لا شيء».
ويضيف «على سبيل المثال، تركز جميع دورات البكالوريا الدولية مع المعلمين على ضرورة مقابلة الطلاب بانتظام، أثناء مرحلة البحث والكتابة لمنع الممارسات الخاطئة، ويوفر ذلك للمعلمين الفرصة لسؤال الطلاب عن أفكارهم وحججهم للتأكد من أن عمل الطالب هو انعكاس حقيقي لما يفهمه، وأنه متسق مع العمل أو أسلوب الكتابة السابق».
وطالما أن المدرس والطالب يدركان سياسة المنظمة، فلا يوجد مشكلة في رأي جلانفيل من استخدام «تشات جي بي تي» أو أي برنامج من برامج الذكاء الصناعي، ولكن في إطار كونه أداة مساعدة أشبه بالتحدث مع زملائه الطلاب، والمناقشات مع المعلمين، وفي هذه الحالة فهو «لا يضر بأي حال من الأحوال بعملية التعلم».
ويوضح، أنه «لا يجب أن يتعدى استخدام (تشات جي بي تي)؛ كونه مصدراً، تماماً مثل استخدام الأفكار المأخوذة من أشخاص آخرين أو الإنترنت، وكما هو الحال مع أي اقتباس من مصدر آخر، يجب أن يكون ذلك واضحاً في متن النص، ويُشار إليه بشكل مناسب في الببليوغرافيا، الخاصة بالبحث».
ويتوقع جلانفيل، أن «يكون توظيف الطلاب للبرنامج بهدف دعم صناعة المحتوى، وليس تقليد المحتوى، وذلك لإنتاج أعمال أصيلة وأصلية تعبر عن قدراتهم الخاصة».


مقالات ذات صلة

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

الولايات المتحدة​ دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

أظهر بحث جديد أن مدى جودة مدرستك الثانوية قد يؤثر على مستوى مهاراتك المعرفية في وقت لاحق في الحياة. وجدت دراسة أجريت على أكثر من 2200 من البالغين الأميركيين الذين التحقوا بالمدرسة الثانوية في الستينات أن أولئك الذين ذهبوا إلى مدارس عالية الجودة يتمتعون بوظيفة إدراكية أفضل بعد 60 عاماً، وفقاً لشبكة «سكاي نيوز». وجد الباحثون أن الالتحاق بمدرسة مع المزيد من المعلمين الحاصلين على تدريب مهني كان أوضح مؤشر على الإدراك اللاحق للحياة. كانت جودة المدرسة مهمة بشكل خاص للمهارات اللغوية في وقت لاحق من الحياة. استخدم البحث دراسة استقصائية أجريت عام 1960 لطلاب المدارس الثانوية في جميع أنحاء الولايات المتحدة

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم العربي مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

نفت الحكومة المصرية، أمس السبت، عزمها «إلغاء مجانية التعليم الجامعي»، مؤكدة التزامها بتطوير قطاع التعليم العالي. وتواترت أنباء خلال الساعات الماضية حول نية الحكومة المصرية «إلغاء مجانية التعليم في الجامعات الحكومية»، وأكد مجلس الوزراء المصري، في إفادة رسمية، أنه «لا مساس» بمجانية التعليم بكل الجامعات المصرية، باعتباره «حقاً يكفله الدستور والقانون لكل المصريين».

إيمان مبروك (القاهرة)
«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

لا يزال برنامج «تشات جي بي تي» يُربك مستخدميه في كل قطاع؛ وما بين إعجاب الطلاب والباحثين عن معلومة دقيقة ساعدهم «الصديق (جي بي تي)» في الوصول إليها، وصدمةِ المعلمين والمدققين عندما يكتشفون لجوء طلابهم إلى «الخصم الجديد» بهدف تلفيق تأدية تكليفاتهم، لا يزال الفريقان مشتتين بشأن الموقف منه. ويستطيع «تشات جي بي تي» الذي طوَّرته شركة الذكاء الصناعي «أوبن إيه آي»، استخدامَ كميات هائلة من المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت وغيرها من المصادر، بما في ذلك حوارات ومحادثات بين البشر، لإنتاج محتوى شبه بشري، عبر «خوارزميات» تحلّل البيانات، وتعمل بصورة تشبه الدماغ البشري. ولا يكون النصُّ الذي يوفره البرنامج

حازم بدر (القاهرة)
العالم العربي بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

اعتبر محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، ووزير الخارجية المغربي الأسبق، أن مسألة التعايش والتسامح ليست مطروحة على العرب والمسلمين في علاقتهم بالأعراق والثقافات الأخرى فحسب، بل أصبحت مطروحة حتى في علاقتهم بعضهم ببعض. وقال بن عيسى في كلمة أمام الدورة الحادية عشرة لمنتدى الفكر والثقافة العربية، الذي نُظم أمس (الخميس) في أبوظبي، إن «مسألة التعايش والتسامح باتت مطروحة علينا أيضاً على مستوى بيتنا الداخلي، وكياناتنا القطرية، أي في علاقتنا ببعضنا، نحن العرب والمسلمين».

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
شمال افريقيا الدكتور رضا حجازي وزير التربية والتعليم المصري في اجتماعه مع برافين أجراوال ممثل برنامج الأغذية العالمي (صفحة مجلس الوزراء على «فيسبوك»)

مصر: فرص «للمتسربين من التعليم» للالتحاق بالمدارس المجتمعية

أكدت الحكومة المصرية «التزامها بالحد من ظاهرة تسرب الطلاب من التعليم؛ بهدف سد منابع الأمية». وأعلنت عن «فرص للمتسربين من التعليم للالتحاق بمدارس التعليم المجتمعي»، في إطار جهود حكومية لمجابهة الأمية، تستهدف «مصر بلا أمية عام 2023». وأكد الدكتور رضا حجازي، وزير التربية والتعليم المصري، خلال لقائه مع برافين أجراوال، ممثل برنامج الأغذية العالمي، «أهمية تعزيز التعليم داخل المدارس».

نادية عبد الحليم (القاهرة)

الحقيقة بين حَربَيْن: يوليو 2006 - أكتوبر 2023

رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
TT

الحقيقة بين حَربَيْن: يوليو 2006 - أكتوبر 2023

رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)

المحنة الخطيرة التي تعرّض لها لبنان في عام 2006، بالمقارنة مع المحنة التي لا يزال يتعرّض لها منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وحتى الآن، تبينان أن هناك أوجه شبه متعددة في جذورهما، كما أن هناك فروقات شاسعة بينهما، لا سيما بسبب تغير الظروف والأحوال.

منذ اللحظة التي قام بها العدو الإسرائيلي بعدوانه على لبنان في شهر يوليو (تموز) 2006، بحجة العملية العسكرية لـ«حزب الله» واختطافه عنصرين من الجيش الإسرائيلي، دعوتُ مجلس الوزراء للانعقاد والبحث في مخاطر هذا العدوان وتداعياته، واتخاذ التدابير، لحماية الأمن الوطني وحماية أمن اللبنانيين وسلامتهم، في المناطق التي أصبح يستهدفها، وللحؤول دون إفراغ الجنوب اللبناني من أهله.

لقد طرحتُ الأمر على مجلس الوزراء، وقلتُ بوضوح، إننا كحكومة فوجئنا ولم نكن على علم مسبّق بهذه العملية، وإننا لا نتبناها، ونستنكر عدوان إسرائيل على لبنان، وعلى سيادته وعلى الشعب اللبناني، وعلينا تقديم شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن، والمطالبة بوقف إطلاق النار.

المسافة بين الدولة و«الحزب»

بذلك نجحت الحكومة آنذاك في إيجاد مسافة واضحة بين الدولة اللبنانية و«حزب الله»، وهو ما أفسح المجال أمامها في مخاطبة المجتمعين العربي والدولي، والتواصل معهما من أجل مساعدة لبنان وتعزيز صموده. وهذا أيضاً ما أهّلها ومكّنها بعد ذلك، وفي ظل عنف الجرائم التي باتت ترتكبها إسرائيل إلى أن تكتسب دور الضحية الذي حاولت إسرائيل أن تلبس رداءه منذ صباح الثاني عشر من يوليو (تموز).

حرصت منذ ذلك الوقت على أن تكون الدولة اللبنانية بكل مكوناتها وإمكاناتها هي المسؤولة عن كل ما يجري، وعن معالجة نتائج ما حصل وما سيحصل، وأنها ستتحمل مسؤولياتها باتخاذ كل القرارات والإجراءات التي تحمي لبنان واللبنانيين، وتوفير مقومات صمودهم والاهتمام بالنازحين اللبنانيين.

منذ ذلك اليوم، تحوّل السراي الحكومي إلى ورشة عمل وطنية لا تهدأ، كما تحول أعضاء الحكومة إلى فريق عمل واحد للدفاع عن لبنان، والعمل على استنهاض الجهود في كل إدارات الدولة ومرافقها وإمكاناتها من أجل توفير مقومات الحياة للبنانيين، كما استنهاض المجتمع المدني للقيام بدورهم بواجب الدفاع عن لبنان.

على المستوى الخارجي، تكثّفت الاتصالات اليومية وبالتعاون مع وزير الخارجية اللبناني بكبار المسؤولين في العالم، من الأمين العام للأمم المتحدة، ومروراً برؤساء الدول العربية الشقيقة، وكذلك الدول الصديقة ممن يملكون القرار، ولهم القوة والنفوذ والتأثير الدولي، وكان مطلبنا الأساسي والأول من مجلس الأمن الدولي وقف إطلاق النار.

في ذلك الوقت، استمرّ العدو الإسرائيلي في شن الحرب على لبنان، وفي استهداف المنشآت والمرافق، وتدمير الجسور والطرقات والمدارس والأبنية في القرى والبلدات، بينما جهدت الحكومة من أجل استنهاض العالم والمنظمات الدولية لإدانة ووقف ما يعانيه لبنان، وما يتعرّض له من مخاطر.

مهجرون في حرب تموز 2006 يعودون إلى مناطقهم بعد وقف إطلاق النار (غيتي)

خطة النقاط السبع

في ذلك الوقت، بادرت مع مجلس الوزراء، وبحضور رئيس الجمهورية ومشاركته الفعالة إلى بلورة صيغ الحلول للبنان، ووضعها بمتناول رؤساء دول العالم ومجلس الأمن من أجل وقف الحرب على لبنان ولإنهاء العدوان الإسرائيلي، حيث أقرت الحكومة خطة النقاط السبع التي عرضْتُها في مؤتمر روما، والتي اعتمدها مجلس الأمن من ضمن بناءاته في إصدار القرار الدولي بوقف إطلاق النار.

صدر القرار رقم 1701 عن مجلس الأمن، وتوقفت الحرب، وعاد النازحون إلى ديارهم وقراهم ابتداء من يوم 14 أغسطس (آب) 2006، وأنجزت ورشة البناء والإعمار للبنى التحتية وللأبنية المدمرة والمتضررة على أعلى درجات الكفاءة والصدقية والفاعلية والسرعة، وبفضل المساعدات الكريمة التي قدمتها الدول العربية، لا سيما دول الخليج، والدول الصديقة، والتي استند لبنان في الحصول عليها على الثقة التي رسختها الحكومة اللبنانية في علاقاتها مع جميع الأشقاء والأصدقاء. وبناء على ذلك، فقد عاد لبنان من جديد إلى نهوضه وازدهاره، ولممارسة دوره الطبيعي عربياً وعالمياً، وحيث استطاع لبنان خلال السنوات من 2007 إلى 2010 أن يحقق أعلى نسبة نمو في تاريخه الحديث لـ4 سنوات متوالية، وأن يحقق فائضاً سنوياً كبيراً في ميزان المدفوعات، وكذلك فائضاً إيجابياً كبيراً في مجموع الاحتياط من العملات الأجنبية لدى المصرف المركزي، وخفضاً نسبياً كبيراً في نسبة الدين العام اللبناني إلى ناتجه المحلي.

لقاء رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للاتفاق على مشاركة ألمانيا في قوات "يونيفيل" في 2006 (غيتي)

وحدة ساحات بلا مقوّمات

بالمقارنة، فإنَّ ما حصل في 8 أكتوبر عام 2023، نتيجة مبادرة «حزب الله» مستنداً إلى نظريته بوحدة الساحات، وهو قد قام بذلك منفرداً وعلى مسؤوليته، ومن دون اطلاع أو معرفة السلطات الشرعية في لبنان إلى إشعال الجبهة على حدود لبنان الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وأيضاً دون الأخذ بالحسبان الظروف شديدة الصعوبة التي بات يعاني منها لبنان آنذاك، ولا يزال.

صباح اليوم التالي، في 8 أكتوبر 2023، أصدرتُ بياناً شدّدت فيه على أن لبنان لا يستطيع، ولا يمكن أن يُزجَّ به في هذه المعركة العسكرية، وعددت 5 أسباب أساسية فحواها الأزمة الوطنية والسياسية لعدم انتخاب رئيس للجمهورية، وعدم تأليف حكومة مسؤولة، والضائقة الاقتصادية الخانقة، وأزمة النازحين السوريين، وانحسار الصلات الوثيقة مع دول الاحتضان العربي، وعدم توفر شبكة الأمان العربية والدولية التي حمته في عام 2006، وكذلك عدم وجود عطف أو تأييد لدى غالبية اللبنانيين لدعم مثل هذا التدخل العسكري.

الآن، ولأنّ القرار 1701 لم يطبق كما يجب، ولأنَّ الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لم يلعبا دورهما في السهر على تطبيق جميع القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان وبالقضية الفلسطينية كما يجب، وحيث أثبتت إسرائيل أنها لا تسعى لتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة، ولا تعترف بالقانون الدولي، ولا بالشرعية الدولية، ولا بالحقوق الإنسانية، وتمعن في جرائم الإبادة والقتل والتدمير في غزة والضفة الغربية، وترتد اليوم على لبنان لتعود وتقتل المدنيين وتهجر الآمنين وتدمر المنازل والمنشآت، وتَستعْمِل وسائل التكنولوجيا الحديثة واصطياد الناس الآمنين.

دور وطني يبحث عن أبطال

الآن، وقد أصبحنا على ما نحن عليه، من إرغامات ومن عوائق، وكذلك من نوافد يمكن الولوج منها نحو إخراج لبنان من نير هذا العدوان الإسرائيلي، فإنّه باعتقادي أن في لبنان الآن دوراً وطنياً كبيراً، يبحث عن أبطاله وفي غياب رئيس للجمهورية، وهما بنظري الرئيس نبيه بري بكونه رئيس السلطة التشريعية، والرئيس نجيب ميقاتي بكونه رئيس حكومة تصريف الأعمال، وعليهما أن يكتسبا بجهودهما وتفانيهما، شرف وأجر هذا الدور وهذه البطولة، وعلى جميع المسؤولين والحريصين على إنقاذ لبنان، أن يبادروا إلى مساعدتهما عبر تبني النقاط الست الآتية:

أولاً: إنَّ الواجب الوطني يقتضي من جميع اللبنانيين التضامن والتماسك والتصرف على قاعدة الوحدة والأخوة الوطنية الواحدة، وأن الشعب اللبناني بِرُمَّته يشجب ويدين هذا العدوان الإسرائيلي الغاشم الذي يستهدف لبنان كله والصيغة اللبنانية، بتآلف عناصرها وتفاعلها، والتي لا تحتمل غالباً أو مغلوباً.

بري متوسطاً ميقاتي وجنبلاط في لقاء عين التينة الأربعاء (إ.ب.أ)

ثانياً: إنَّ الحلول للبنان لن تكون ويجب ألا تكون إلا عبر الحلول الوطنية الجامعة، التي تركّز على التمسك بحسن واستكمال تطبيق اتفاق الطائف والدستور اللبناني، وبالدولة اللبنانية وسلطتها الواحدة والحصرية، وبقرارها الحر ودورها المسؤول في حماية الوطن والسيادة الوطنية، ومسؤوليتها الكاملة تُجاه شعبها وأمنه واستقراره.

ثالثاً: بما أنّ العدوان يطال كل لبنان ويصيب كل اللبنانيين، وليس من أحد منهم يتوسَّل العدوان الإسرائيلي، لكي يستفيد أو يدعم موقفه السياسي، فإنّ التفكير والبحث يجب أن ينصبَّ على ضرورة أن تعود الدولة اللبنانية لتأخذ على عاتقها زمام الأمور والمسؤولية، وما يقتضيه ذلك من موقف وطني جامع، بحيث يحتضن اللبنانيون بعضهم بعضاً ويكون همهم الوحيد إنقاذ لبنان وإخراجه من أتون هذه الأزْمة المستفحلة والخطيرة، التي تهدّد كيان الوطن ووحدة اللبنانيين وتماسكهم ومصيرهم.

رابعاً: مطالبة مجلس الأمن الدولي بإصدار قرارٍ بوقفٍ فوري لإطلاق النار في لبنان، وتَحَمُّلِ مسؤولياته في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، عبر التزام جميع الأطراف بالتطبيق الكامل والفوري للقرار الدولي 1701 بمندرجاته كافة، واحترام جميع القرارات الدولية ذات الصلة.

خامساً: مبادرة رئيس المجلس النيابي بدعوة المجلس إلى الانعقاد لمناقشة المخاطر التي تتربص بالدولة اللبنانية وبالشعب اللبناني بما يحفظ الكيان اللبناني، ويحترم الدستور اللبناني، ويحافظ على وحدة لبنان وسلامة أراضيه. كما الدعوة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية دون أي إبطاء. رئيس يستطيع أن يجمع اللبنانيين، وبالتالي لتشكيل حكومة مسؤولة تتولى التنفيذ الكامل للقرار 1701، وتعمل لاستعادة العافية والسيادة اللبنانية وتعزيز دور الدولة اللبنانية الكامل في الحفاظ على استقلال وسيادة، وحرية لبنان، واستعادة نهوضه، واستقراره.

سادساً: السعي مع جميع الأشقاء العرب وجامعة الدول العربية بكونهم أشقاء الدم والهوية، وكذلك مع جميع الدول الصديقة والمؤسسات الدولية الإنسانية لتقديم كلّ المساعدات اللازمة والعاجلة لصيانة كرامة النازحين المنتزعين من بلداتهم وقراهم والحفاظ على كرامة اللبنانيين، وكذلك لتأمين العودة العاجلة والفورية لعودة النازحين إلى بلداتهم وقراهم ووضع الآليات ورصد المبالغ اللازمة لإعادة إعمار ما تهدم وما تضرر.

لقد أثبتت هذه المحنة الجديدة أن لبنان لم يستفِد من تجربة ودروس عام 2006، وأنه بات مكشوفاً بتفاصيله أمام العدو الإسرائيلي الذي استثمر تفوقه الناري والجوي والتكنولوجي والاستخباراتي والدعم الدولي اللامحدود له بالترخيص بالقتل والتدمير، وهو الذي لا يزال يُراهن على التسبب بالانقسام، والفتنة بين اللبنانيين، التي لا ولن تحصل بإذن الله، وهو لذلك لم يتورع عن ارتكاب المجازر والاغتيالات، التي كان آخرها اغتيال الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله.

اليوم لبنان والعالم كله أمام الامتحان، فهل تقف الأمم المتحدة ومجلس الأمن لمناصرة الحق، وهل يبادر اللبنانيون بكل قواهم، للدفاع عن حق لبنان واللبنانيين في الوجود الكريم والآمن، وتلقين إسرائيل درساً في معنى الحق والإنسانية واحترام حقوق الإنسان؟!