مديرة مخيم الهول لـ «الشرق الأوسط» : تفكيكه يحتاج إلى سنوات... وهو الأخطر في العالمhttps://aawsat.com/home/article/4228971/%D9%85%D8%AF%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D9%85%D8%AE%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%88%D9%84-%D9%84%D9%80-%C2%AB%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B3%D8%B7%C2%BB-%D8%AA%D9%81%D9%83%D9%8A%D9%83%D9%87-%D9%8A%D8%AD%D8%AA%D8%A7%D8%AC-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%B3%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%87%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B7%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85
مديرة مخيم الهول لـ «الشرق الأوسط» : تفكيكه يحتاج إلى سنوات... وهو الأخطر في العالم
مديرة مخيم الهول جيهان حنان (الشرق الأوسط)
تحقيق من الباغوز ومخيم الهول: كمال شيخو
TT
TT
مديرة مخيم الهول لـ «الشرق الأوسط» : تفكيكه يحتاج إلى سنوات... وهو الأخطر في العالم
مديرة مخيم الهول جيهان حنان (الشرق الأوسط)
يؤوي مخيم الهول الذي يقع قرب الحدود السورية - العراقية شرقي محافظة الحسكة، آلاف اللاجئين العراقيين والنازحين السوريين، وغيرهم من الأجانب المتحدرين من 54 جنسية عربية وغربية، بمن فيهم الكثير من عائلات عناصر ومسلحي تنظيم «داعش» المحتجزين في سجون «قوات سوريا الديمقراطية». وقد تحوّل هذا المخيم بؤرة إجرام بعدما شهد مئات حالات القتل، وبات معروفاً بمستويات مرتفعة من العنف وانتشار التطرف بين قاطنيه.
تقول مديرة المخيم جيهان حنان، في حديث لـ«الشرق الأوسط»: إن تفكيك المخيم يحتاج إلى سنوات، مشيرة إلى أن العدد الكلي للقاطنين فيها اليوم يقدر بنحو 51 ألفاً و500 شخص «بينهم 26 ألف لاجئ عراقي و18 ألف نازح سوري، إلى جانب القسم الخاص بالمواطنات الأجانب، وعدد القاطنين فيه أكثر من 7700 شخص». وشرحت، أن هذا المخيم تحوّل «أخطر مخيم في العالم»؛ كونه يضم عوائل وأسر عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي جاءوا إليه بعد معركة الباغوز عام 2019، مشيرة إلى أنه «شهد أكثر من 150 جريمة قتل خلال 4 سنوات... العام الماضي فقط حدثت فيه 36 جريمة قتل، عدا عن حالات التعذيب والاعتداء والهروب والتهديد المستمر. لقد بات أخطر مخيم في العالم على الإطلاق».
وشددت حنان على أن مسألة ضبط المخيم أمنياً شائكة وصعبة، ومرد ذلك مساحته الكبيرة التي تبلغ نحو ثلاثة آلاف دونم. وتحدثت المسؤولة الكردية عن دور قوات الأمن وانتشارها، موضحة أن «دور قوى الأمن يقتصر على حماية ومراقبة مداخل ومخارج المخيم والبوابات الرئيسية، وتسيير دوريات متنقلة داخل المخيم. لا توجد لدينا مراكز أو مقرات أمنية ثابتة داخل الأقسام». وذكرت، أنهم يعملون على حماية قاطنيه بإمكانيات بسيطة، منوهة «أننا لا نمتلك أجهزة حديثة متطورة ولا توجد لدينا إمكانيات لزيادة عدد عناصر الأمن. وعلى الرغم من الحملات الأمنية، لا يزال المخيم يشهد حوادث أمنية وخروقات متكررة».
وأشارت جيهان حنان إلى وجود تنسيق عالي المستوى بين «الإدارة الذاتية» لشمال شرقي سوريا والحكومة العراقية لإعادة اللاجئين المتواجدين في المخيمات السورية، بإشراف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. ووصفت استجابة الحكومة العراقية بالخجولة، قائلة «مقارنة مع العدد الكبير للاجئين العراقيين، وهم أكبر نسبة من بين قاطني المخيم، وبالنظر للأرقام التي استعادتها بغداد خلال الأعوام الماضية، سيحتاج العراق إلى خمس سنوات أخرى لاستعادة كل اللاجئين». أما عن أعداد المواليد الحديثة بين اللاجئين العراقيين، أكدت مديرة المخيم أنهم سجّلوا الشهر الفائت فقط 61 حالة ولادة في أقسام العراقيين، مضيفة أن هناك ولادات «شبه يومية» بينهم.
وعن النازحين السوريين القاطنين في هذا المخيم المكتظ، ذكرت حنان، أن أعداد السوريين المتحدرين من مناطق الإدارة الذاتية لا تتعدى 3 آلاف شخص و«هؤلاء إما أن منازلهم مدمرة أو أن هناك موانع أمنية واجتماعية لعودتهم... لكن بقية السوريين وعددهم أكثر من 14 ألفاً يتحدرون من مناطق سيطرة القوات النظامية السورية». وشددت على أن عودتهم مرهونة بحل سياسي شامل وقرار دولي لعودتهم بشكل آمن، موضحة أن «غالبيتهم يرفضون العودة من دون ضمانات دولية تحفظ أمنهم وسلامتهم، ونحن مع العودة الطوعية لأي نازح سوري كان أم عراقي».
وأثنت على عمل جميع الشركاء الدوليين من منظمات إنسانية وجهات دولية ووكالات إغاثية تعمل بكامل طاقتها الاستيعابية، حيث تنشط في داخل المخيم أكثر من 35 جهة دولية ومحلية. وقالت: إن موظفي هذه الجهات «يقدمون خدماتهم بالمجان لقاطني المخيم، لكن مفوضية شؤون اللاجئين الأممية لا تعمل بالشكل المطلوب لإعادة جميع اللاجئين، ولا تضغط على حكومات الدول للاستجابة لضرورة عودة جميع الأجانب إلى دولهم الأصلية».
وفي هذا الإطار، عقدت مديرة المخيم وقادة الإدارة الذاتية وقواتها العسكرية (قوات سوريا الديمقراطية) اجتماعات مكثفة مع قيادات التحالف الدولي والسفراء الأميركيين الذين زاروا المنطقة مؤخراً. ولفتت حنان إلى «أننا نشرح، خلال لقاءاتنا، خطورة بقاء كل هذه الأعداد الكبيرة بجانب مؤيدي وموالي (داعش). فهذا المخيم يشكل عبئاً كبيراً على عاتق الإدارة الذاتية بمفردها». وتابعت «المطلوب اليوم من التحالف الدولي (ضد «داعش») محاربة خلايا التنظيم داخل المخيم، وحل المعضلة بشكل جذري والضغط على شركائه لإعادة جميع رعاياهم إلى بلدانهم».
وكشفت المسؤولة عن مخيم الهول، عن أن كثيراً من الحكومات الغربية والعربية لم تبادر حتى اليوم بالاستفسار عن مصير رعاياها ومواطنيها. لكنها قالت: إنه «توجد دول أوروبية وغربية تتنصل من إعادة جميع مواطنيها» على رغم أنها عملت في السابق «على استعادة حالات إنسانية بأعداد خجولة جداً».
وأكدت جيهان حنان، أن تفكيك مخيم الهول يحتاج إلى سنوات وقرارات دولية صارمة ومساعٍ حثيثة لإقناع حكومات الدول التي لديها رعايا بضرورة استعادتهم. وختمت قائلة «برأيي الشخصي نحتاج إلى خمس سنوات أو 6 سنوات لتفكيك مخيم الهول بالكامل؛ نظراً إلى أعداد اللاجئين العراقيين الكبيرة، وإلى أعداد النازحين السوريين والنساء الأجانب المهاجرات... إخلاء المخيم يحتاج إلى قرارات دولية صارمة».
في ذكرى 7 أكتوبر... «إسرائيل التي تعرفونها لم تعد قائمة»https://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82/%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7/5068334-%D9%81%D9%8A-%D8%B0%D9%83%D8%B1%D9%89-7-%D8%A3%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%B1-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A-%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%81%D9%88%D9%86%D9%87%D8%A7-%D9%84%D9%85-%D8%AA%D8%B9%D8%AF-%D9%82%D8%A7%D8%A6%D9%85%D8%A9
في ذكرى 7 أكتوبر... «إسرائيل التي تعرفونها لم تعد قائمة»
دمار واسع جراء الغارات الإسرائيلية على خان يونس في 26 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)
بعد يومين اثنين من هجوم «حماس» على البلدات والمواقع العسكرية القائمة في غلاف غزة، يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، طلب عدد من الضباط الإسرائيليين الاجتماع بنظرائهم من أجهزة الأمن الفلسطينية، وأبلغوهم بأن «إسرائيل التي يعرفونها حتى اليوم لم تعد قائمة. ستتعرفون على إسرائيل أخرى».
لم يقولوا هذه الكلمات بلهجة توحي بمضمون العداء والتهديد. لكنها قيلت بمنتهى الصرامة. كان الوجوم طاغياً على الوجوه. فهؤلاء الضباط يعرفون بعضهم جيداً. هم الطاقم الذي يمثّل حكومة إسرائيل، من جهة، والحكومة الفلسطينية، من جهة ثانية، والمهمة الموكلة إليه هي القيام بما يعرف على الملأ بـ«التنسيق الأمني» بين الطرفين. اجتماعات هؤلاء الضباط مستمرة منذ توقيع اتفاقات أوسلو وإقامة السلطة الفلسطينية قبل 30 سنة، وهي تُعقد تقريباً بشكل يومي.
وعلى عكس الانطباع السائد لدى كثيرين، لم يقتصر التنسيق بينهم أبداً على الملفات الأمنية. كانوا يجتمعون في البداية لغرض تطبيق الاتفاقات ومنحها طابعاً إنسانياً. اهتموا بقضايا تحسين العلاقات التجارية والاجتماعية والاقتصادية، وأيضاً الأمنية. اهتموا ذات مرة بمنح تصاريح العودة لعشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين عادوا من الشتات واستقروا في الوطن. واهتموا بتسهيل خروج وعودة الطلبة الفلسطينيين الجامعيين وجلب عمال فلسطينيين إلى إسرائيل واستيراد البضائع الفلسطينية إلى إسرائيل أو تصديرها إلى الخارج. نظموا دوريات مشتركة لضمان سلطة نفاذ القانون التي كان فيها الضباط والجنود يتناولون الطعام معاً، وصاروا فيها يتقاسمون رغيف الخبز.
وقد شهدت العلاقات بينهما طلعات ونزلات كثيرة، وكان عليهم أن يمتصوا الأحداث العدائية. ففي الطرفين توجد قوى حاربت الاتفاقات ولم تطق سماع عبارة «عملية السلام». بدأ الأمر عام 1994 بمذبحة الخليل التي نفذها طبيب إسرائيلي مستوطن، والتي رد عليها متطرفون فلسطينيون بسلسلة عمليات انتحارية في مدن إسرائيلية. وعندما تمكن اليمين المتطرف في إسرائيل من اغتيال رئيس الوزراء، اسحق رابين، بهدف تدمير الاتفاقات مع الفلسطينيين، حصل تدهور جارف في العلاقات بين الطرفين.
وعندما فاز بنيامين نتنياهو بالحكم، أول مرة سنة 1996، زاد التوتر وانفجر بمعارك قتالية بين الجيش الإسرائيلي وبين ضباط وجنود في أجهزة الأمن الفلسطينية. وعند اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، كادت تقع حرب بينهما. وعاد الجيش الإسرائيلي ليكرس الاحتلال وعادت الأجهزة الفلسطينية إلى قواعد منظمة التحرير وأيام الكفاح. لكن قادة الطرفين، بمساعدة الأميركيين ودول مختلفة، حاولوا تطويق الأوضاع.
وظل أعضاء فريقي التنسيق الأمني يلتقون وينسقون. تعاملوا مع بعضهم البعض على أساس المصالح المشتركة «بيزنِس»، لضمان الحد الأدنى من التواصل. وكل من الطرفين يعترف بأن الأمر ضروري وحيوي، برغم أن الشعبويين في إسرائيل يعتبرون ذلك استمراراً لاتفاقات أوسلو وتمهيداً للاعتراف بدولة فلسطينية، فيما بعض الفلسطينيين يعتبر ذلك تهادناً مع إسرائيل وتعاوناً معها «ضد المقاومة». ولكن رغم هذه الانتقادات من أطراف في الجانبين، يصمد فريق التنسيق في وجه تشويه جهوده. فالضباط من الطرفين يدركون أن فك التنسيق ثمنه باهظ، فلسطينياً وإسرائيلياً.
والجديد الآن أن الضباط الإسرائيليين يأتون إلى الاجتماعات وهم يؤكدون أنهم ينوون الاستمرار في التنسيق لكن الفلسطينيين «سيجدون إسرائيل مختلفة». كانوا صادقين. ورسالتهم هذه كانت موجهة ليس فقط للضباط أو المسؤولين الفلسطينيين، بل للشعب الفلسطيني كله... ومن خلاله إلى كل العالم.
«واحة الديمقراطية».. لم تعد موجودة
مع مرور سنة كاملة على الحرب في غزة، يمكن القول إن إسرائيل تغيّرت بالفعل، منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. مقولة الجنرالات الإسرائيليين لنظرائهم الفلسطينيين يرددها جميع القادة الإسرائيليين السياسيين سواء كانوا في الحكومة أو المعارضة، كما يرددها القادة العسكريون من كل الأجهزة. يريدون تثبيت فكرة أن إسرائيل تغيّرت في عقول شعوب المنطقة والعالم. والواقع، أن هذه الفكرة باتت حقيقة مُرّة.
فإذا كان هناك من يعتبر إسرائيل «فيلّا جميلة في غابة موحشة» أو «واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط» أو «دولة حضارية» أو «جبهة متقدمة للغرب في الشرق» أو «دولة التعاضد السكاني» أو «دولة القيم وحقوق الإنسان»، فإن كثيراً من قادتها وقسماً كبيراً من شعبها تنازلوا، كما يبدو، عن هذه المفاهيم تماماً، في أعقاب ما حصل في 7 أكتوبر. صاروا معنيين باستبدال هذه الصفات. فالفيلّا أصبحت الغابة. والواحة باتت منطقة جرداء. والدولة الحضارية باتت تتصرف كوحش جريح. والتعاضد السكاني صار جبهة واحدة ضد العرب. والقيم وحقوق الإنسان ديست بأقدام الجنود ودباباتهم وغاراتهم. كأن إسرائيل تريد أن يتم النظر إليها بوصفها جرافة تدمر كل ما ومن يعترض طريقها، أو كأنها «دولة الانتصار على كل أعدائها».
تُعبّر الأرقام في الواقع عن نتيجة هذا التغيّر في طريقة تصرف الإسرائيليين. إذ تفيد إحصاءات الحرب في قطاع غزة بأن 60 في المائة من البيوت والعمارات السكنية مدمرة، والبقية متصدعة أو آيلة إلى الانهيار وغير آمنة. وفي مقدمها المستشفيات والعيادات الطبية والمساجد والكنائس والجامعات والمدارس ومخيمات اللاجئين. كلها دُمّرت بقرارات لا يمكن سوى أن تكون «مدروسة» ولأغراض «مدروسة»، بحسب ما يعتقد كثيرون. أما حصيلة القتلى فتقترب من 42 ألفاً، ثلثاهم نساء وأطفال. والجرحى أكثر من 100 ألف. وهكذا تدخل الحرب في غزة التاريخ كواحدة من أكثر الحروب دموية في القرن الحادي والعشرين، وفق تقرير لصحيفة «هآرتس» اعتمد تدقيقاً للبيانات بما في ذلك معدل ووتيرة الوفيات، إضافة إلى الظروف المعيشية للسكان في القطاع.
تقول الصحيفة إنه في الوقت الذي يتشبث فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وغيره من المتحدثين الإسرائيليين بحجتهم المفضلة، وهي اتهام المجتمع الدولي بالنفاق فيما يتعلق بالحرب في قطاع غزة، والادعاء بأنه يتجاهل الصراعات والكوارث الإنسانية الأخرى، فإن الأرقام المسجلة حتى الآن تجعل الحرب في غزة تتجاوز دموية النزاعات في كل من العراق وأوكرانيا وميانمار (بورما). وبما أن عدد سكان غزة لا يتجاوز مليوني شخص، وعدد القتلى يضاهي 2 في المائة من السكان، فإن مقارنة بسيطة مع إسرائيل تبيّن أنه لو قُتل في إسرائيل 2 في المائة من السكان لأصبح عدد القتلى 198 ألفاً.
يقول البروفسور، مايكل سباغات، من جامعة لندن للصحيفة: «من حيث العدد الإجمالي للقتلى، أفترض أن غزة لن تكون من بين أكثر 10 صراعات عنفاً في القرن الحادي والعشرين. ولكن بالمقارنة مع النسبة المئوية للسكان الذين قتلوا، فإنها بالفعل ضمن الخمسة الأسوأ في المقدمة». ويضيف سباغات، وهو باحث في الحروب والنزاعات المسلحة ويراقب عدد الضحايا في تلك الأزمات: «إذا أخذنا في الاعتبار مقدار الوقت الذي استغرقه قتل واحد في المائة من هؤلاء السكان، فقد يكون ذلك غير مسبوق».
ووفق حساباته، فإنه في الإبادة الجماعية للروهينغا في ميانمار، على سبيل المثال، قتل نحو 25 ألف شخص، وفقاً للأمم المتحدة. وفي الإبادة الجماعية للإيزيديين على يد تنظيم «داعش»، في عام 2015، تشير تقديرات الخبراء إلى أن 9100 شخص قتلوا، نصفهم من خلال العنف المباشر والنصف الآخر بسبب الجوع والمرض، بالإضافة إلى الآلاف الذين اختطفوا.
ومنذ بدء الحرب في غزة، بلغ متوسط معدل الوفيات نحو 4 آلاف وفاة شهرياً. بالمقارنة، في السنة الأولى من الحرب في أوكرانيا، بلغ معدل الوفيات 7736 شهرياً، بينما في أكثر سنوات الحرب دموية في العراق، في عام 2015، كان عدد القتلى نحو 1370 شهرياً. في هاتين الحربين، كان العدد الإجمالي للقتلى أعلى بكثير مما كان عليه في الحرب في غزة، لكن هذين الصراعين استمرا، وما زالا مستمرين، لفترة أطول بكثير.
الحرب في غزة تبرز أيضاً بالمقارنة مع حروب تسعينات القرن العشرين، على غرار الحرب في دولة يوغوسلافيا السابقة. واحدة من هذه المناطق كانت البوسنة، وفي أسوأ عام من الصراع، 1991، كان متوسط عدد القتلى شهرياً 2097، والعدد الإجمالي للقتلى على مدى أربع سنوات كان 63 ألفاً.
الفرق الأبرز بين بقية حروب القرن الـ21 والحرب في قطاع غزة هو حجم الأراضي التي تدور فيها المعارك وعدم قدرة المدنيين غير المشاركين على الفرار من المعارك، وخاصة نسبة الضحايا بين إجمالي السكان. امتدت الجبهات في أكبر حروب هذا القرن، في سوريا والعراق وأوكرانيا، على مدى آلاف الكيلومترات ووقعت المذابح في مئات المواقع المختلفة. والأهم من ذلك، أن المدنيين في تلك الأماكن يمكنهم، حتى ولو بثمن مؤلم، الفرار إلى مناطق أكثر أماناً. ففي سوريا، غادر ملايين اللاجئين إلى بلدان أخرى، مثل الأردن وتركيا ودول أوروبية. كما غادر مئات الآلاف من اللاجئين الأوكرانيين مناطق خط المواجهة وانتقلوا غرباً.
أما في غزة البالغة مساحتها 360 كلم مربعاً، أي جزءاً بسيطاً من حجم أوكرانيا، فقد اندلع القتال في كل مكان تقريباً من أرجائها، ولا يزال مستمراً. لقد تم تهجير معظم سكان القطاع، لكن هروبهم إلى المناطق التي حددها الجيش الإسرائيلي كمناطق آمنة لم يساعد دائماً، وقتل العديد منهم في هذه المناطق أيضاً. بالإضافة إلى ذلك، فإن الظروف المعيشية في هذه المناطق المصنفة إنسانية، قاسية للغاية، إذ يعاني اللاجئون من الاكتظاظ والمرض ونقص المأوى الآمن ونقص الأدوية وأكثر من ذلك.
والمشكلة الأكبر أن كثيراً من هذه الفظائع تم ويتم بقرارات واعية من المسؤولين الإسرائيليين. فإذا وصلت معلومة للمخابرات الإسرائيلية أو شبهة بأن فلاناً ناشط في «حماس»، كان يتم قصف بيته على من فيه، بلا انذار أحياناً أو بإنذار وجيز. وإذا دخل عنصر يعتبر «مطلوباً»، من أي تنظيم فلسطيني، إلى مقهى، كان يتم قصف المقهى على من فيه. وحتى المسجد كان يتم تدميره أيضاً في حال اشتبهت إسرائيل بأن شخصية ما تختفي داخله.
التغيير الجديد... نظرة فوقية
في الماضي كان الإسرائيليون يقومون بمثل هذه الممارسات، لكنهم كانوا يخجلون منها. يحاولون التستر عليها. كانوا يكسرون ويجبرون. فمقابل القتل والبطش كانوا يبرزون قصصاً لجنود قدموا المساعدة. ظهر معترضون نددوا بالبطش ضد الفلسطينيين الأبرياء. أما اليوم فلم يعد هناك شيء من هذا. كثيرون في إسرائيل باتوا يقولون إنه لا يوجد في نظرهم أناس أبرياء. فالعائلات الفلسطينية تساند أولادها، ولذلك يجوز معاقبتها. الطفل الفلسطيني سيكبر ويصبح جندياً، ولذلك فلا يجب أن ترحمه.
وإذا كان شبان مخيمات اللاجئين يقاومون، فيمكن أن يتم حرمان كل سكان المخيم من الماء والكهرباء والبنى التحتية، عقاباً لهم. بات الفلسطينيون «حيوانات»، بحسب وصف وزير الدفاع يوآف غالانت المفترض أنه من يرسم سياسة الجيش. والحقيقة أن هذه النظرة الفوقية تجاه الفلسطينيين صارت سائدة اليوم في المجتمع الإسرائيلي، ورغم أن هذا الاستعلاء هو بالذات ربما ما أوقع إسرائيل في إخفاقات 7 أكتوبر. باغتتها «حماس»، بلا شك، بهجوم شديد يومها. ولولا أن مقاتلي الحركة وقعوا في مطب أخلاقي شنيع، ارتكبت خلاله ممارسات مشينة ضد المدنيين الإسرائيليين، لكان هجومهم اعتُبر ناجحاً، بغض النظر عن النتائج التي أدى إليها لاحقاً. فقد احتلوا 11 موقعاً عسكرياً وأسروا عدداً من جنود وضباط الجيش الإسرائيلي.
لكن التغيير الذي أرادت إسرائيل أن يظهر للعرب، انسحب أيضاً على إسرائيل نفسها. لقد تغيرت تجاه الإسرائيليين أنفسهم. انتهى الخجل في السياسة الداخلية. فالائتلاف اليميني الحكومي، في نظر منتقديه، بات يسن قوانين تتيح الفساد، مثل القوانين التي تضرب استقلالية القضاء، والقانون الذي يضعف المراقبة على التعيينات الحكومية بحيث يمكن تعيين موظفين غير مؤهلين في مواقع إدارية رفيعة، والقانون الذي يوفر لرئيس الحكومة المتهم بالفساد تمويلاً لمصاريف الدفاع عن النفس في المحكمة من خزينة الدولة. أما القضاة في إسرائيل فباتوا يخافون الحكومة ويصدرون قراراتهم وفقاً لأهوائها، في كثير من الأحيان.
والأكثر من ذلك، لم تعد إسرائيل اليوم تتعامل مع حياة الإنسان الفلسطيني أو اللبناني بأنها رخصية، بل أيضاً مع حياة الإنسان الإسرائيلي. فالحكومة باتت تستخدم منظومة «بروتوكول هنيبعل»، الذي يقضي بقتل الجندي الإسرائيلي مع آسريه، حتى لا يقع في الأسر.
في معركة مارون الراس الأخيرة في الجنوب اللبناني، أمر الضباط جنودهم بخوض القتال لمنع عناصر «حزب الله» من أسر جثة جندي، وكلفها الأمر مقتل ستة جنود وجرح أكثر من عشرة. والمواطنون الإسرائيليون المحتجزون لدى «حماس» في غزة، مهملون، كما تقول أسرهم التي تتهم نتنياهو بأنه يرفض التوصل إلى صفقة تبادل تضمن إطلاق سراحهم.
وبدل احتضان عائلات هؤلاء المحتجزين، ينظم مناصرون للائتلاف اليميني الحاكم حملة تحريض عليهم ويعتدون على مظاهراتهم الاحتجاجية. وفوق ذلك كله، تبدو الحكومة وكأنها تشجع اليمين المتطرف على مهاجمة قيادة الجيش، فهي لم تحاسب مجموعات منهم نظّمت اعتداءات على معسكر للجيش، ولم تمنع حتى اعتداءات مستوطنين على الجنود الذين يحمونهم في الضفة الغربية.
إسرائيل اليوم صارت خانقة أيضاً للإسرائيليين الذين يفكرون بطريقة مختلفة عن الحكومة. كلمة سلام صارت لعنة. والخناق يشتد حول حرية الرأي والتعبير. واتهام المعارضين بالخيانة صار أسهل من شربة ماء.
والتغيير الأكبر، على الصعيد الداخلي، هو أن رئيس الحكومة ورؤساء ووزراء ائتلافه الحكومي، يعملون على المكشوف لتغليب مصالحهم الذاتية والحزبية على مصالح الدولة. ويقول منتقدو نتنياهو إنه يعرف أن الجمهور لا يريده في الحكم وينتظر أن تنتهي الحرب حتى يسقطه، ولذلك هو يعمل، ببساطة، على إطالة الحرب ليبقى في السلطة.
في ذكرى 7 أكتوبر، تبدو إسرائيل بالفعل وكأنها تغيّرت. قيادتها الحالية مصممة على تأجيج الصراع أكثر وتوسيعه. لا يهدد ذلك فقط بمزيد من التأجيل للتسوية مع الفلسطينيين، بل يخاطر أيضاً بحروب فتاكة قادمة تورثها إسرائيل لأبنائها وبناتها.