مديرة مخيم الهول لـ «الشرق الأوسط» : تفكيكه يحتاج إلى سنوات... وهو الأخطر في العالم

مديرة مخيم الهول جيهان حنان (الشرق الأوسط)
مديرة مخيم الهول جيهان حنان (الشرق الأوسط)
TT

مديرة مخيم الهول لـ «الشرق الأوسط» : تفكيكه يحتاج إلى سنوات... وهو الأخطر في العالم

مديرة مخيم الهول جيهان حنان (الشرق الأوسط)
مديرة مخيم الهول جيهان حنان (الشرق الأوسط)

يؤوي مخيم الهول الذي يقع قرب الحدود السورية - العراقية شرقي محافظة الحسكة، آلاف اللاجئين العراقيين والنازحين السوريين، وغيرهم من الأجانب المتحدرين من 54 جنسية عربية وغربية، بمن فيهم الكثير من عائلات عناصر ومسلحي تنظيم «داعش» المحتجزين في سجون «قوات سوريا الديمقراطية». وقد تحوّل هذا المخيم بؤرة إجرام بعدما شهد مئات حالات القتل، وبات معروفاً بمستويات مرتفعة من العنف وانتشار التطرف بين قاطنيه.
تقول مديرة المخيم جيهان حنان، في حديث لـ«الشرق الأوسط»: إن تفكيك المخيم يحتاج إلى سنوات، مشيرة إلى أن العدد الكلي للقاطنين فيها اليوم يقدر بنحو 51 ألفاً و500 شخص «بينهم 26 ألف لاجئ عراقي و18 ألف نازح سوري، إلى جانب القسم الخاص بالمواطنات الأجانب، وعدد القاطنين فيه أكثر من 7700 شخص». وشرحت، أن هذا المخيم تحوّل «أخطر مخيم في العالم»؛ كونه يضم عوائل وأسر عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي جاءوا إليه بعد معركة الباغوز عام 2019، مشيرة إلى أنه «شهد أكثر من 150 جريمة قتل خلال 4 سنوات... العام الماضي فقط حدثت فيه 36 جريمة قتل، عدا عن حالات التعذيب والاعتداء والهروب والتهديد المستمر. لقد بات أخطر مخيم في العالم على الإطلاق».
وشددت حنان على أن مسألة ضبط المخيم أمنياً شائكة وصعبة، ومرد ذلك مساحته الكبيرة التي تبلغ نحو ثلاثة آلاف دونم. وتحدثت المسؤولة الكردية عن دور قوات الأمن وانتشارها، موضحة أن «دور قوى الأمن يقتصر على حماية ومراقبة مداخل ومخارج المخيم والبوابات الرئيسية، وتسيير دوريات متنقلة داخل المخيم. لا توجد لدينا مراكز أو مقرات أمنية ثابتة داخل الأقسام». وذكرت، أنهم يعملون على حماية قاطنيه بإمكانيات بسيطة، منوهة «أننا لا نمتلك أجهزة حديثة متطورة ولا توجد لدينا إمكانيات لزيادة عدد عناصر الأمن. وعلى الرغم من الحملات الأمنية، لا يزال المخيم يشهد حوادث أمنية وخروقات متكررة».
وأشارت جيهان حنان إلى وجود تنسيق عالي المستوى بين «الإدارة الذاتية» لشمال شرقي سوريا والحكومة العراقية لإعادة اللاجئين المتواجدين في المخيمات السورية، بإشراف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. ووصفت استجابة الحكومة العراقية بالخجولة، قائلة «مقارنة مع العدد الكبير للاجئين العراقيين، وهم أكبر نسبة من بين قاطني المخيم، وبالنظر للأرقام التي استعادتها بغداد خلال الأعوام الماضية، سيحتاج العراق إلى خمس سنوات أخرى لاستعادة كل اللاجئين». أما عن أعداد المواليد الحديثة بين اللاجئين العراقيين، أكدت مديرة المخيم أنهم سجّلوا الشهر الفائت فقط 61 حالة ولادة في أقسام العراقيين، مضيفة أن هناك ولادات «شبه يومية» بينهم.
وعن النازحين السوريين القاطنين في هذا المخيم المكتظ، ذكرت حنان، أن أعداد السوريين المتحدرين من مناطق الإدارة الذاتية لا تتعدى 3 آلاف شخص و«هؤلاء إما أن منازلهم مدمرة أو أن هناك موانع أمنية واجتماعية لعودتهم... لكن بقية السوريين وعددهم أكثر من 14 ألفاً يتحدرون من مناطق سيطرة القوات النظامية السورية». وشددت على أن عودتهم مرهونة بحل سياسي شامل وقرار دولي لعودتهم بشكل آمن، موضحة أن «غالبيتهم يرفضون العودة من دون ضمانات دولية تحفظ أمنهم وسلامتهم، ونحن مع العودة الطوعية لأي نازح سوري كان أم عراقي».

وأثنت على عمل جميع الشركاء الدوليين من منظمات إنسانية وجهات دولية ووكالات إغاثية تعمل بكامل طاقتها الاستيعابية، حيث تنشط في داخل المخيم أكثر من 35 جهة دولية ومحلية. وقالت: إن موظفي هذه الجهات «يقدمون خدماتهم بالمجان لقاطني المخيم، لكن مفوضية شؤون اللاجئين الأممية لا تعمل بالشكل المطلوب لإعادة جميع اللاجئين، ولا تضغط على حكومات الدول للاستجابة لضرورة عودة جميع الأجانب إلى دولهم الأصلية».
وفي هذا الإطار، عقدت مديرة المخيم وقادة الإدارة الذاتية وقواتها العسكرية (قوات سوريا الديمقراطية) اجتماعات مكثفة مع قيادات التحالف الدولي والسفراء الأميركيين الذين زاروا المنطقة مؤخراً. ولفتت حنان إلى «أننا نشرح، خلال لقاءاتنا، خطورة بقاء كل هذه الأعداد الكبيرة بجانب مؤيدي وموالي (داعش). فهذا المخيم يشكل عبئاً كبيراً على عاتق الإدارة الذاتية بمفردها». وتابعت «المطلوب اليوم من التحالف الدولي (ضد «داعش») محاربة خلايا التنظيم داخل المخيم، وحل المعضلة بشكل جذري والضغط على شركائه لإعادة جميع رعاياهم إلى بلدانهم».
وكشفت المسؤولة عن مخيم الهول، عن أن كثيراً من الحكومات الغربية والعربية لم تبادر حتى اليوم بالاستفسار عن مصير رعاياها ومواطنيها. لكنها قالت: إنه «توجد دول أوروبية وغربية تتنصل من إعادة جميع مواطنيها» على رغم أنها عملت في السابق «على استعادة حالات إنسانية بأعداد خجولة جداً».
وأكدت جيهان حنان، أن تفكيك مخيم الهول يحتاج إلى سنوات وقرارات دولية صارمة ومساعٍ حثيثة لإقناع حكومات الدول التي لديها رعايا بضرورة استعادتهم. وختمت قائلة «برأيي الشخصي نحتاج إلى خمس سنوات أو 6 سنوات لتفكيك مخيم الهول بالكامل؛ نظراً إلى أعداد اللاجئين العراقيين الكبيرة، وإلى أعداد النازحين السوريين والنساء الأجانب المهاجرات... إخلاء المخيم يحتاج إلى قرارات دولية صارمة».

الباغوز لنفض «غبار الحرب» بعد 4 سنوات على هزيمة «داعش»

شهادات ناجين من قبضة «داعش»

 5 مقابر جماعية في الباغوز

 فتية «سلاحهم» الحجارة والعصى للدفاع عن قسم «النساء المهاجرات» في الهول

 «لا شواهد» لقبور اللاجئين العراقيين



فلسطينيون ظلوا بلا عائلة... وعائلات كاملة شُطبت من السجل المدني

TT

فلسطينيون ظلوا بلا عائلة... وعائلات كاملة شُطبت من السجل المدني

جنازة جماعية في 7 مارس 2024 لـ47 فلسطينياً قتلتهم إسرائيل في رفح (أ.ف.ب)
جنازة جماعية في 7 مارس 2024 لـ47 فلسطينياً قتلتهم إسرائيل في رفح (أ.ف.ب)

216 ليس مجرد رقم عادي بالنسبة لعائلة «سالم» الموزعة بين مدينة غزة وشمالها. فهذا هو عدد الأفراد الذين فقدتهم العائلة من الأبناء والأسر الكاملة، (أب وأم وأبنائهما) وأصبحوا بذلك خارج السجل المدني، شأنهم شأن مئات العائلات الأخرى التي أخرجتها الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ عام.

سماهر سالم (33 عاماً) من سكان حي الشيخ رضوان، فقدت والدتها وشقيقها الأكبر واثنتين من شقيقاتها و6 من أبنائهم، إلى جانب ما لا يقل عن 60 آخرين من أعمامها وأبنائهم، ولا تعرف اليوم كيف تصف الوحدة التي تشعر بها ووجع الفقد الذي تعمق وأصبح بطعم العلقم، بعدما اختطفت الحرب أيضاً نجلها الأكبر.

وقالت سالم لـ«الشرق الأوسط»: «أقول أحياناً إنني وسط كابوس ولا أصدق ما جرى».

وقصفت إسرائيل منزل سالم وآخرين من عائلتها في 11 ديسمبر (كانون الأول) 2023، وهو يوم حفر في عقلها وقلبها بالدم والألم.

رجل يواسي سيدة في دفن أفراد من عائلتهما في خان يونس في 2 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

تتذكر سالم لحظة غيرت كل شيء في حياتها، وهي عندما بدأت تدرك أنها فقدت والدتها وشقيقاتها وأولادهن. «مثل الحلم مثل الكذب... بتحس إنك مش فاهم، مش مصدق أي شي مش عارف شو بيصير». قالت سالم وأضافت: «لم أتخيل أني سأفقد أمي وأخواتي وأولادهن في لحظة واحدة. هو شيء أكبر من الحزن».

وفي غمرة الحزن، فقدت سالم ابنها البكر، وتحول الألم إلى ألم مضاعف ترجمته الأم المكلومة والباقية بعبارة واحدة مقتضبة: «ما ظل إشي».

وقتلت إسرائيل أكثر من 41 ألف فلسطيني في قطاع غزة خلال عام واحد في الحرب التي خلّفت كذلك 100 ألف جريح وآلاف المفقودين، وأوسع دمار ممكن.

وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي، بين الضحايا 16.859 طفلاً، ومنهم 171 طفلاً رضيعاً وُلدوا وقتلوا خلال الحرب، و710 عمرهم أقل من عام، و36 قضوا نتيجة المجاعة، فيما سجل عدد النساء 11.429.

إلى جانب سالم التي بقيت على قيد الحياة، نجا قلائل آخرون من العائلة بينهم معين سالم الذي فقد 7 من أشقائه وشقيقاته وأبنائهم وأحفادهم في مجزرة ارتكبت بحي الرمال بتاريخ 19 ديسمبر 2023 (بفارق 8 أيام على الجريمة الأولى)، وذلك بعد تفجير الاحتلال مبنى كانوا بداخله.

وقال سالم لـ«الشرق الأوسط»: «93 راحوا في ضربة واحدة، في ثانية واحدة، في مجزرة واحدة».

وأضاف: «دفنت بعضهم وبعضهم ما زال تحت الأنقاض. وبقيت وحدي».

وتمثل عائلة سالم واحدة من مئات العائلات التي شطبت من السجل المدني في قطاع غزة خلال الحرب بشكل كامل أو جزئي.

وبحسب إحصاءات المكتب الحكومي في قطاع غزة، فإن الجيش الإسرائيلي أباد 902 عائلة فلسطينية خلال عام واحد.

أزهار مسعود ترفع صور أفراد عائلتها التي قتلت بالكامل في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة (رويترز)

وقال المكتب الحكومي إنه في إطار استمرار جريمة الإبادة الجماعية التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي برعاية أميركية كاملة، فقد قام جيش الاحتلال بإبادة 902 عائلة فلسطينية ومسحها من السجل المدني بقتل كامل أفرادها خلال سنة من الإبادة الجماعية في قطاع غزة.

وأضاف: «كما أباد جيش الاحتلال الإسرائيلي 1364 أسرة فلسطينية قتل جميع أفرادها، ولم يتبقَّ سوى فرد واحد في الأسرة الواحدة، ومسح كذلك 3472 أسرة فلسطينية قتل جميع أفرادها ولم يتبقَّ منها سوى فردين اثنين في الأسرة الواحدة».

وأكد المكتب: «تأتي هذه الجرائم المتواصلة بحق شعبنا الفلسطيني في إطار جريمة الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي برعاية أميركية كاملة، وبمشاركة مجموعة من الدول الأوروبية والغربية التي تمد الاحتلال بالسلاح القاتل والمحرم دولياً مثل المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول».

وإذا كان بقي بعض أفراد العائلات على قيد الحياة ليرووا ألم الفقد فإن عائلات بأكملها لا تجد من يروي حكايتها.

في السابع عشر من شهر سبتمبر (أيلول) المنصرم، كانت عائلة ياسر أبو شوقة، من بين العائلات التي شطبت من السجل المدني، بعد أن قُتل برفقة زوجته وأبنائه وبناته الخمسة، إلى جانب اثنين من أشقائه وعائلتيهما بشكل كامل.

وقضت العائلة داخل منزل مكون من عدة طوابق قصفته طائرة إسرائيلية حربية أطلقت عدة صواريخ على المنزل في مخيم البريج وسط قطاع غزة.

وقال خليل أبو شوقة ابن عم العائلة لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد ما يعبر عن هذه الجريمة البشعة».

وأضاف: «كل أبناء عمي وأسرهم قتلوا بلا ذنب. وذهبوا مرة واحدة. شيء لا يصدق».

الصحافيون والعقاب الجماعي

طال القتل العمد عوائل صحافيين بشكل خاص، فبعد قتل الجيش الإسرائيلي هائل النجار (43 عاماً) في شهر مايو (أيار) الماضي، قتلت إسرائيل أسرته المكونة من 6 أفراد بينهم زوجته و3 أطفال تتراوح أعمارهم بين عامين و13 عاماً.

وقال رائد النجار، شقيق زوجة هائل: «لقد كان قتلاً مع سبق الإصرار، ولا أفهم لماذا يريدون إبادة عائلة صحافي».

وقضى 174 صحافياً خلال الحرب الحالية، آخرهم الصحافية وفاء العديني وزوجها وابنتها وابنها، بعد قصف طالهم في دير البلح، وسط قطاع غزة، وهي صحافية تعمل مع عدة وسائل إعلام أجنبية.

الصحافي غازي أشرف علول يزور عائلته على شاطئ غزة وقد ولد ابنه في أثناء عمله في تغطية أخبار الموت (إ.ب.أ)

إنه القتل الجماعي الذي لا يأتي بطريق الخطأ، وإنما بدافع العقاب.

وقال محمود بصل، المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني بغزة، إن الاحتلال الإسرائيلي استخدم الانتقام وسيلة حقيقية خلال هذه الحرب، وقتل عوائل مقاتلين وسياسيين ومسؤولين حكوميين وصحافيين ونشطاء ومخاتير ووجهاء وغيرهم، في حرب شنعاء هدفها إقصاء هذه الفئات عن القيام بمهامها.

وأضاف: «العمليات الانتقامية كانت واضحة جداً، واستهداف العوائل والأسر والعمل على شطب العديد منها من السجل المدني، كان أهم ما يميز العدوان الحالي».

وأردف: «ما حدث ويحدث بحق العوائل جريمة مكتملة الأركان».