وفد أوروبي يبحث في تونس ملف الهجرة وحقوق الإنسان

في ظل مخاوف من ارتفاع أعداد «قوارب الموت» نتيجة انهيار الأوضاع

مهاجرون بقوارب الموت بشواطئ تونس (أ.ف.ب)
مهاجرون بقوارب الموت بشواطئ تونس (أ.ف.ب)
TT

وفد أوروبي يبحث في تونس ملف الهجرة وحقوق الإنسان

مهاجرون بقوارب الموت بشواطئ تونس (أ.ف.ب)
مهاجرون بقوارب الموت بشواطئ تونس (أ.ف.ب)

يبحث وفد من الاتحاد الأوروبي خلال زيارته إلى تونس، التي بدأت أمس، ثلاثة ملفات رئيسية، تشمل الوضع السياسي والاقتصادي المضطرب، وملف تفاقم الهجرات إلى أوروبا، انطلاقاً من السواحل التونسية، في ظل مخاوف من انهيار الوضع في تونس، وانعكاس ذلك بشكل مباشر على الضفة الشمالية من المتوسط، التي ستتضرر أكثر من الموجات المتنامية للهجرة غير الشرعية، خاصة بعد أن أكدت إحصائيات رسمية أن تونس باتت إحدى أهم منصات الانطلاق نحو أوروبا عبر «قوارب الموت».
وركز الوفد الأوروبي، الذي ترأسه غيرت جون كوبمان المدير العام لمفاوضات الجوار والتوسع، بمشاركة يوهانس لوشنر نائب المدير العام للهجرة، ولويجي سوريكا المبعوث الخاص للهجرة، في مباحثاته مع الجانب التونسي على احترام بنود اتفاقية الشراكة التي تجمع الطرفين، والمبنية على التزامات عديدة، أبرزها ملف حقوق الإنسان ومنسوب الحريات والديمقراطية، في ظل تعبير السلطات التونسية عن انزعاجها الكبير من تناول الجانب الأوروبي ملف الاعتقالات التي شملت ناشطين تونسيين وقضاة وإعلاميين، ومحامين بتهمة التآمر على أمن الدولة، وهي الاعتقالات التي أحدثت صدمة في أروقة الاتحاد الأوروبي، بينما اعتبرتها تونس «تدخلاً سافراً في الشأن الداخلي».
وتأتي هذه الزيارة في ظل خلافات سياسية بين تونس والاتحاد الأوروبي، حيث حذر جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، من «انهيار» تونس، ووصف الأوضاع السياسية والاقتصادية فيها بـ«السيئة للغاية»، لكن الخارجية التونسية اعتبرت تصريحاته «انتقائية، وغير عادلة كما أنها غير مناسبة».
وستكون هذه الزيارة فرصة لعقد عدة لقاءات مع مسؤولين في الحكومة التونسية، من بينهم وزير الاقتصاد والتخطيط، ووزير الشؤون الاجتماعية، ووزيرة الصناعة، وكاتب الدولة للشؤون الخارجية، وأيضاً مع الشركاء الأوروبيين والدوليين للاتحاد الأوروبي الموجودين في تونس، والجهات الفاعلة غير الحكومية.
وكان تقرير أوروبي قد أوضح أن إجراءات الرئيس التونسي قيس سعيد «خلقت صداعاً» داخل الاتحاد الأوروبي، الذي كان تحركه ضعيفاً إزاء ما يحدث، وبناءً عليه تقرر إرسال وزيري خارجية البرتغال وبلجيكا سريعاً لتقييم الوضع في تونس.
في غضون ذلك، أكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أمس، في ردّه على سؤال حول وضعية تونس ورأي الجزائر في التطورات الأخيرة الحاصلة في البلاد، أن تونس «تتعرض لمؤامرة»، وهو ما اعتبره مراقبون دعماً لتونس في خلافها مع الطرف الأوروبي، خاصة أن الجزائر نفسها تعيش خلافات مع بلدان أوروبية، وعلى رأسها فرنسا.
على صعيد آخر، أصدر الرئيس سعيد، أمس، أمراً رئاسياً يقضي بإقالة مكرم بن منى، رئيس «اللجنة الوطنية للصلح الجزائي» من منصبه، وذلك بعد أن أبدى امتعاضه الشديد من عدم تقدم أعمال هذه اللجنة، التي يعول عليها في استرجاع جزء كبير من الأموال التي نهبها رجال أعمال فاسدين على مدى عقود من الزمن، والتي يعول عليها أيضاً للرفع من شعبيته بين التونسيين، خاصة أن تلك الأموال المنهوبة المقدرة بنحو 4 مليارات يورو، ستذهب في حال تحصيلها، لتمويل مشاريع تنمية في الجهات الأكثر فقراً في تونس.
من جهة ثانية، عقدت، أمس، هيئة الدفاع عن المتهمين في قضية التآمر ضد أمن الدولة، مؤتمراً صحافياً قدمت فيه آخر المستجدات المتعلّقة بهذا الملف، وذلك بحضور عائلات مجموعة من الموقوفين وهيئة الدفاع، وعدد من الشخصيات الوطنية السياسية والحقوقية والمدنية.
وقال المحامي سمير ديلو، عضو هيئة الدفاع عن المتهمين في قضية التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي، إن القضاة المتعهدين بالملف تعرضوا لـ«تدخلات وضغوط»، مضيفاً أن المحامين «يوشكون لأول مرة ألا يجدوا أمامهم قضاة عند استفساراتهم عن مآل ملفات أخطر تهمة يمكن أن توجه إلى الناشطين السياسيين»، وأن الكثير منهم يكون جوابه عند سؤاله حول هذا الملف: «عندي عائلة». في إشارة إلى إمكانية إعفائه من مهامه مثلما حصل لـ57 قاضياً تعرضوا للعزل من مناصبهم في شهر يونيو (حزيران) 2021.
كما كشف ديلو عن وجود جهاز «قضاء موازٍ»، يكشف عن الأحكام القضائية والاعتقالات الممكنة قبل حصولها، وأوامر بالسجن التي سيصدرها القضاة، على حد قوله.



​المعلمون اليمنيون بين سجون الحوثيين والحرمان من الرواتب

الحوثيون حولوا المدارس العامة إلى مواقع لاستقطاب المراهقين وإرسالهم إلى الجبهات (إعلام محلي)
الحوثيون حولوا المدارس العامة إلى مواقع لاستقطاب المراهقين وإرسالهم إلى الجبهات (إعلام محلي)
TT

​المعلمون اليمنيون بين سجون الحوثيين والحرمان من الرواتب

الحوثيون حولوا المدارس العامة إلى مواقع لاستقطاب المراهقين وإرسالهم إلى الجبهات (إعلام محلي)
الحوثيون حولوا المدارس العامة إلى مواقع لاستقطاب المراهقين وإرسالهم إلى الجبهات (إعلام محلي)

يحتفل العالم في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) باليوم العالمي للمعلم، فيما لا يزال المعلمون في اليمن يعانون من ويلات الحرب التي أشعلها الحوثيون، إذ اعتقلت الجماعة ألف معلم على الأقل، وأجبرت عشرات الآلاف على العمل من دون رواتب منذ ثمانية أعوام، في حين اضطر الآلاف إلى العمل في مجالات أخرى لتوفير لقمة العيش.

وإلى جانب تدني المرتبات في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وتأخر صرفها والنزوح القسري، طال من يعمل في قطاع التعليم الانتهاكات طوال العشر السنوات الأخيرة، سواء من خلال التسريح القسري والاختطافات، أو نتيجة تحويل الحوثيين المدارس والمؤسسات التعليمية إلى معسكرات لتجنيد الطلاب، أو نشر الأفكار الطائفية بهدف تغيير التركيبة المذهبية في البلاد.

انقلاب الحوثيين أدى إلى تدهور أوضاع المعلمين والطلاب على حد سواء (إعلام محلي)

في هذا السياق ذكرت الشبكة اليمنية لروابط الضحايا أن المعلم اليمني يستقبل هذه المناسبة وهو يعاني من انتهاكات جسيمة لحقوقه الأساسية، مما يحوّل هذه الذكرى إلى يوم حزين بدلاً من يوم احتفاء.

وقالت الشبكة إنه منذ ما يقارب عشر سنوات من الحرب التي تسبب بها انقلاب جماعة الحوثي على الدولة ومؤسساتها، يعاني المعلم من أزمة إنسانية متفاقمة، تتمثل في حرمانه من حقوقه المالية والمدنية والسياسية، وتعرضه لمختلف أشكال العنف والانتهاكات، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والاختطاف والتهجير القسري.

ووفق ما ذهبت إليه الشبكة، فقد أدت هذه الأوضاع «المأساوية» إلى تدهور حاد في مستوى التعليم، وتفشي الجهل والأمية بين صفوف الشباب. ومع تأكيدها أنها تدرك حجم المعاناة التي يتعرض لها المعلمون في اليمن، أدانت بشدة جميع أشكال الانتهاكات التي يتعرضون لها خاصة في مناطق سيطرة الحوثيين، وطالبت المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان بالتحرك العاجل لإنهاء هذه الانتهاكات، وضمان حصول المعلمين على حقوقهم كاملة غير منقوصة.

وطالبت الشبكة التي تضم روابط ضحايا الانتهاكات في اليمن بصرف مرتبات المعلمين ومستحقاتهم بشكل منتظم، لضمان استقرارهم المعيشي، وتمكينهم من أداء مهامهم التعليمية على أكمل وجه، وتوفير بيئة عمل آمنة للمعلمين، حفاظاً على حياتهم وكرامتهم، ولتشجيعهم على الاستمرار في عملهم، والإفراج الفوري عن جميع المعلمين المعتقلين والمختطفين في سجون الحوثيين، وضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات.

معدلات الأمية ارتفعت إلى 70 % في الأرياف اليمنية (إعلام محلي)

كما طالبت الشبكة بتوفير الدعم اللازم لإعادة تأهيل البنية التحتية التعليمية التي تأثرت بسبب الحرب، والعمل على تطوير المناهج الدراسية بما يتناسب مع احتياجات المجتمع اليمني.

ودعت جميع الأطراف وعلى وجهة الخصوص جماعة الحوثي المسلحة التي يتعرض المعلمون في مناطق سيطرتها إلى أشكال متعددة من الانتهاكات الممنهجة، إلى تحمل مسؤولياتها، والعمل الجاد على إنهاء معاناة المعلمين، وصرف رواتبهم، وتوفير الظروف المناسبة لهم لأداء دورهم الحيوي في بناء مجتمع يمني مزدهر.

مأساة التعليم

أكد «مركز ألف لحماية التعليم» أن المعلمين في اليمن واجهوا تحديات بالغة التعقيد خلال العقد الأخير، متجاوزين كل الصعوبات التي فرضتها ظروف النزاع وانعدام الأمن، حيث أثرت الحرب والهجمات المسلحة على قطاع التعليم بشكل كبير مما أدى إلى تدهور أوضاع المعلمين والطلاب على حد سواء.

وبحسب ما أورده المركز بمناسبة اليوم العالمي للمعلم، فإن هناك ما يقارب من ألف معلم مختطف ومحتجز قسراً معظمهم لدى جماعة الحوثي، وذكر أن هذا الأمر انعكس سلباً على روح وواقع العملية التعليمية، ودفع كثيراً من المعلمين للبحث عن وظائف بديلة.

وناشد المركز المعني بحماية التعليم الحوثيين سرعة صرف رواتب المعلمين والتربويين في مناطق سيطرتهم، التي توقفت منذ عام 2016، والإيفاء بالتزاماتهم تجاه عشرات الآلاف من المعلمين والمعلمات، وضمان حمايتهم من الاعتقال والاختطافات والإخفاء القسري والحجز التعسفي.

كما ناشد الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بتحسين رواتب المعلمات والمعلمين في مناطق سيطرتها، والتي لا تفي بأبسط متطلبات الحياة المعيشية الضرورية في ظل تدهور أسعار الصرف وتفشي البطالة.

الحوثيون أجبروا عشرات الآلاف من المعلمين على العمل دون رواتب منذ 8 أعوام (إعلام محلي)

ودعا المركز الجهات المهتمة بالتعليم إلى تبني مشاريع تضمن استمرارية التعليم وتحسين جودته، وتعمل على دعم المعلمين وتدريبهم وتأهيلهم خاصة في ظل وجود شريحة واسعة من المتطوعات والمتطوعين الذين يعملون في الميدان لتغطية نسب العجز الكبيرة في الطاقم المدرسي، ودون أدنى معايير التأهيل والتدريب.

وتحدّث المركز عما وصفها بـ«مأساة التعليم في اليمن» وقال إن نسبة الأمية تقدر بنحو 70 في المائة في الأرياف، و38 في المائة في المدن، وذكر أن 45 في المائة من المعلمين لا يحملون شهادة الثانوية العامة، وأن 13.8 في المائة فقط لديهم شهادة جامعية، كما أن الخصخصة والافتقار إلى التنظيم أثرا سلباً على جودة التعليم في الوقت الذي يدخل فيه التعليم خارج اليمن مرحلة التحول الرقمي.

وكانت إحصائية حكومية حديثة ذكرت أن 4.5 مليون طفل باتوا خارج التعليم في اليمن، وهو رقم يزيد بمقدار الضعف على الرقم المسجل مع بداية النزاع، حيث لم يتجاوز العدد مليوني طفل.

مدارس طائفية

أفادت مصادر في الحكومة اليمنية لـ«الشرق الأوسط» بأن قطاع التعليم يعاني من نقص شديد في الكوادر البشرية نتيجة وقف التوظيف منذ عام 2011، ومن بعد ذلك الحرب التي أشعلها الحوثيون في نهاية عام 2014.

وقالت المصادر إن كثيراً من المدارس استعانت بمتطوعين للعمل وتغطية العجز، إذ يحصلون على مكافآت شهرية متدنية لا تتجاوز عشرين دولاراً في الشهر يتم توفيرها من التبرعات التي يقدمها التجار أو من عائدات السلطات المحلية.

وأثّر تراجع سعر العملة المحلية، وفق المصادر، بشكل كبير على رواتب الموظفين العموميين وفي طليعتهم المعلمون، حيث أصبح راتب المعلم الواحد خمسين دولاراً بعد أن كان يعادل مائتي دولار.

وأشارت المصادر إلى أن هذا الوضع دفع بمجاميع كبيرة إلى ترك العمل في سلك التعليم والالتحاق بالتشكيلات العسكرية؛ لأنهم يحصلون على رواتب أعلى.

المياه تغمر ساحة إحدى مدارس صنعاء والطلاب ملزمون بالدوام (إعلام محلي)

وفي مناطق سيطرة الحوثيين تحدثت المصادر العاملة في قطاع التعليم عن تدهور مخيف في مستويات الالتحاق بالمدارس مع زيادة الفقر، وعجز الأسر عن توفير متطلبات التحاق أبنائها، والعروض التي يقدمها الحوثيون للمراهقين في سبيل الالتحاق بجبهات القتال والحصول على راتب شهري يساوي 100 دولار، إلى جانب التغذية ووضع أسرهم في صدارة قوائم المستحقين للمساعدات الغذائية التي توزعها المنظمات الإغاثية.

ووفق هذه الرواية، فإن اهتمام الحوثيين بتحويل المدارس إلى مواقع لاستقطاب المراهقين، ونشر الأفكار الطائفية وقطع مرتبات المعلمين وفرار الآلاف منهم خشية الاعتقال دفع بالجماعة إلى إحلال عناصرها بدلا عنهم، واختصار الجدول المدرسي إلى أربع حصص في اليوم بدلاً من سبع.

كما وجهت الجماعة عائدات صندوق دعم المعلم لصالح المدارس الطائفية الموازية التي استحدثوها خلال السنوات الأخيرة، ويتم فيها منح المعلمين رواتب تصل إلى 700 دولار، كما توفر هذه المدارس السكن الداخلي، والتغذية، والكتب المدرسية بشكل مجاني للملتحقين بها.