انقسام أميركي حول التهديد الأكبر بين «داعش» و«القاعدة»؟

مسؤولون: عملاء «القاعدة» في اليمن وسوريا يستغلون الفوضى التي تعصف بالدولتين

مدربون أميركيون يشرفون على تدريب قوات عراقية في التاجي بالعراق على محاربة {داعش} (نيويورك تايمز)
مدربون أميركيون يشرفون على تدريب قوات عراقية في التاجي بالعراق على محاربة {داعش} (نيويورك تايمز)
TT

انقسام أميركي حول التهديد الأكبر بين «داعش» و«القاعدة»؟

مدربون أميركيون يشرفون على تدريب قوات عراقية في التاجي بالعراق على محاربة {داعش} (نيويورك تايمز)
مدربون أميركيون يشرفون على تدريب قوات عراقية في التاجي بالعراق على محاربة {داعش} (نيويورك تايمز)

ظهر انقسام في صفوف كبار مسؤولي إدارة أوباما المعنيين بالاستخبارات ومكافحة الإرهاب وفرض القانون حول أي الجماعات الإرهابية تشكل الخطر الأكبر على الأراضي الأميركية، «داعش» أم «القاعدة» والجماعات التابعة لها.
ويعكس هذا الانقسام القلق المتزايد إزاء أن «داعش» يمثل خطرًا أقرب بسبب حملته غير المسبوقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والاعتماد على رسائل معقدة عبر الإنترنت تلهم أتباع الجماعة بشن هجمات عبر مختلف أرجاء الولايات المتحدة.
ومع ذلك، يحذر مسؤولون معنيون بالاستخبارات والتصدي للإرهاب من أن عملاء تنظيم القاعدة باليمن وسوريا يستغلون الفوضى التي تعصف بالدولتين في التخطيط لهجمات توقع أعدادًا أكبر بكثير من الضحايا، بما في ذلك إسقاط طائرات تحمل مئات الركاب.
ولا يعد ذلك مجرد جدال أكاديمي، وإنما من شأنه التأثير على كيفية تخصيص الحكومة مليارات الدولارات لمهام مكافحة الإرهاب، وكيفية تكليفها للآلاف من العملاء الفيدراليين والمحللين الاستخباراتيين والجنود بالقتال ضد تهديد متعدد الأذرع يؤكد مسؤولون رفيعو المستوى أنه يتبدل سريعًا.
وقد دفعت القضية بالفعل البيت الأبيض لمراجعة سياسته لمكافحة الإرهاب إزاء «داعش». كما أصدر المركز الوطني لمكافحة الإرهاب تعليماته إلى المحللين المهتمين بتحليل التهديدات المتطرفة الأطول أمدًا، بتركيز جهودهم على «داعش».
في يونيو (حزيران)، وضع مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) أعدادًا كبيرة للغاية من الأفراد قيد المراقبة في إطار تحقيقات معنية بالإرهاب - ترتبط في معظمها بتنظيم داعش - لدرجة دفعت المشرفين إلى تكليف فرق جنائية بمراقبة الإرهابيين المشتبه بهم.
من جهتهم، أوضح مسؤولون أميركيون أن هذا النقاش لا يحمل لونين قاطعين: أبيض وأسود، بحيث يمكن وصفه بأنه يدور بين فريقين أحدهما يشعر بقلق أكبر حيال «القاعدة» باعتبارها التهديد الأساسي للأراضي الأميركية، والفريق الآخر يرى أن مصدر هذا التهديد هو «داعش»، وذلك لأن كليهما يثير القلق، وإنما الأمر في حقيقته لا يعدو تحولاً في تركيز الاهتمام بدرجة أكبر. يذكر أن مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارتي العدل والأمن الداخلي يساورهم جميعًا قلق أكبر حيال تنامي الأخطار الصادرة عن «داعش»، بينما يتركز قلق البنتاغون ووكالات الاستخبارات والمركز الوطني لمكافحة الإرهاب بدرجة أكبر على عملاء «القاعدة» بالخارج.
من جانبه، يبدو أن البيت الأبيض يميل نحو «داعش»، نتيجة شعوره بقلق متزايد إزاء ما وصفته مؤخرًا ليزا موناكو، مستشارة الرئيس أوباما لشؤون الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب، بـ«التهديد الفريد من نوعه» الصادر عن هذه الجماعة تجاه الولايات المتحدة.
ولا يزال هذا الجدال دائرًا في الوقت الراهن، ما يفسر عدم حدوث تحول كبير في تخصيص الأموال والأفراد باتجاه معين. ومع ذلك تبقى هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى بهذه الصراحة عن تطور التهديدات التي تواجه البلاد.
جدير بالذكر أنه من الصعب تحديد حكم الأموال التي تنفقها واشنطن على مكافحة الإرهاب، نظرًا لأن كثيرا من العناصر والوكالات الرئيسة بهذا المجال - مثل القوات الأميركية ومحللي وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) وعملاء «إف بي آي» - تضطلع بمهام أخرى كذلك، إلا أن مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى قالوا إن برامج مكافحة الإرهاب توظف قرابة واحد من كل أربعة من بين أكثر من 100.000 شخص يعملون لدى «سي آي إيه» ووكالات استخباراتية أخرى، ويشكلون قرابة ثلث الموازنة السنوية الاستخباراتية البالغة 50 مليار دولار.
يذكر أن نحو 3.400 جندي أميركي في العراق يساعدون العراقيين على قتال «داعش»، بينما يرابط قرابة 9800 آخرين في أفغانستان يساعدون قوات الأمن هناك على محاربة «طالبان» و«القاعدة» وجماعات متطرفة أخرى.
ومن المحتمل أن تكتسب القضية أهمية كبيرة خلال الحملات الرئاسية الانتخابية لعام 2016، في ظل انتقاد المرشحين الجمهوريين لإدارة أوباما لإخفاقها في توقع صعود «داعش» من بين ركام حرب العراق.
وقد تسلطت الأضواء على هذا الجدال منذ أسبوعين عندما قال جيمس بي. كومي، مدير «إف بي آي»، خلال كلمة ألقاها أمام «منتدى أسبن للأمن» في كولورادو، إن «داعش» يمثل مصدر التهديد الأكبر للأراضي الأميركية. الملاحظ أن كبار قادة «داعش» - على خلاف الحال مع «القاعدة» - لم يجعلوا مسألة تنظيم هجمات ضد الغرب أولوية أمامهم، وإنما بدلاً من ذلك عمدوا إلى تشجيع الأفراد الغربيين على شن هجمات من تلقاء أنفسهم.
وقال كومي إن الجماعة تركز على كيفية استقطاب إرهابيين من بين الجماهير، عبر دفعها الآلاف من المروجين لها لمحاولة التواصل مع ومراقبة الأتباع المحتملين عبر «تويتر» ومواقع التواصل الاجتماعي المفتوحة الأخرى، ثم الانتقال للتواصل معهم عبر تطبيقات مشفرة أو برامج بريد إلكتروني يقول مسؤولون أميركيون إنهم يواجهون صعوبة في تعقبها.
في الإطار ذاته وبعد أيام قلائل، قالت لوريتا إي لينش، النائبة العمومية الأميركية، خلال حديث تلفزيوني لها إن «داعش» يمثل تهديدًا يكافئ - إن لم يكن أخطر من - تهديد «القاعدة».
من جهتهم، قال محللون أميركيون إن «داعش» يستبدل مقاتليه في العراق وسوريا بنفس السرعة التي تقتلهم بها الولايات المتحدة وحلفاؤها هناك، ولا يزال لدى الجماعة ما يصل إلى 31000 مقاتل. ولا تزال الجماعة تتميز بتمويل جيد - إذ تجني ما يقارب مليار دولار من عوائد النفط والضرائب، تبعًا لتقديرات وزارة الخزانة - ونجحت في التوسع إلى داخل دول أخرى، منها ليبيا وأفغانستان وشبه جزيرة سيناء في مصر.
في المقابل، ذكر مسؤولون حاليون وسابقون بمجالي مكافحة الإرهاب والاستخبارات، بجانب بعض أعضاء الكونغرس، ممن يراقبون عن قرب المخاطر الصادرة من الخارج، إنه رغم جدية المخاطر الصادرة عن «داعش» فإن إجمالي خطر الإرهاب أكثر تعقيدًا وبحاجة إلى استراتيجية مركبة.
من جهته، أعرب آدم بي شيف، عضو مجلس النواب من كاليفورنيا، وأحد كبار الأعضاء الديمقراطيين بلجنة شؤون الاستخبارات التابعة للمجلس، عن اعتقاده بأن «(داعش) يركز على عدد الهجمات، بينما تركز (القاعدة) على جودة الهجمات. وعليه فإنه من هذه الزاوية تبقى (القاعدة) مصدر قلق أكبر بالنسبة لي عن عدد هجمات (داعش)».
ومن ناحيته، قال جنرال جوزيف إل. فوتيل، رئيس قيادة العمليات الخاصة لدى البنتاغون، خلال كلمة ألقاها أمام منتدى أسبن إن «داعش» أصبح بارزًا بدرجة أكبر بكثير حاليًا، لكن «القاعدة» تبقى «مصدر قلق خطير جدًا بالنسبة إلينا».
وأعرب نيكولاس راسموسين، مدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، خلال مقابلة أجريت معه عن اعتقاده بأن «هناك احتمالية أكبر لارتباط (داعش) بهجمات داخل الأراضي الأميركية حاليًا. ورغم ذلك، تظل (القاعدة) في شبه الجزيرة العربية أكثر قدرة على تنفيذ هجمات ضخمة ضد الأراضي الأميركية، بما في ذلك عبر الطائرات القادمة إلى هنا».
* خدمة «نيويورك تايمز»



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.