أفريقيا تتألق في «أسبوع الموضة المراكشي»

الدورة الثانية تراهن على الشباب وسحر الأماكن

من عروض أسبوع الموضة في مراكش بدورته الثانية (تصوير: عبد الرحمن المختاري)
من عروض أسبوع الموضة في مراكش بدورته الثانية (تصوير: عبد الرحمن المختاري)
TT

أفريقيا تتألق في «أسبوع الموضة المراكشي»

من عروض أسبوع الموضة في مراكش بدورته الثانية (تصوير: عبد الرحمن المختاري)
من عروض أسبوع الموضة في مراكش بدورته الثانية (تصوير: عبد الرحمن المختاري)

كانت الدورة الثانية لأسبوع الموضة بمراكش مثيرة للجدل والحواس. ومِثل غيرها من عواصم العالم، تحلم المدينة منذ فترة بأن ترسخ اسمها بصفتها عاصمة موضة عالمية؛ أسوة بنيويورك وميلانو وباريس ولندن، ومؤخراً دبي. لا ترى أنها تختلف أو تقلّ عن أي بلد آخر أصبح له أسبوع موضة، فهناك المئات من الأسابيع حالياً إلى حد أن تواريخها وبرامجها تتضارب مع بعض، الأمر الذي يُفوّت عليها الشيء الكثير. في الوقت الذي أقيم فيه أسبوع مراكش مثلاً، كانت مدينة بورتو البرتغالية تشهد أسبوعها الخاص أيضاً، وهكذا.

توجَّه المصممون الشباب بخيالهم نحو أفريقيا حسب التعليمات (تصوير: عبد الرحمن المختاري)

المشرفون على أسبوع مراكش يعرفون أن الطريق طويل، والمنافسة شرسة، لكنهم يراهنون على سحر الأمكنة التي تحتضنها المدينة. يكفي أن يُذكر اسم مراكش حتى تقفز إلى الخيال صور حالمة وألوان دافئة طالما ألهمت مصممين كباراً، أهمهم إيف سان لوران، الذي ربما تدين له المدينة الحمراء بالكثير في مجال الموضة، وتشرشل الذي لا تزال لوحاته تزيِّن غرفته في فندق المامونية، هذا عدا أن صحراء أكافي بضوئها الذي يفتح النفس على التصوير الفوتوغرافي، لهذا فليس غريباً أن يراهن الأسبوع في هذه الدورة على هذه الأماكن، من صحارٍ وقصور وحدائق وساحات تُحوّل العادي إلى غير عادي. ما علينا سوى أن نعود بذاكرتنا إلى الوراء قليلاً لنتذكر عرض «ديور» في ساحة قصر البديع، الذي لا تزال أصداؤه تتردد كلما جرت الإشارة إلى الأماكن التي تشكل خلفيات مهمة لعروض الأزياء العالمية. في أسبوع مراكش الأخير كانت هذه الأماكن فرصة لكي يكتشفها الحضور أو يستمتعوا بجمالياتها. أما بالنسبة للأزياء التي جرى عرضها، فرغم أنها تنمّ عن خيال ورغبة في إثبات الذات، فإن وصولها إلى العالمية بمفهومها الصحيح ربما يحتاج إلى بنية تحتية قوية وأفكار أكثر عالمية.
منذ أول يوم للتظاهرة، احتضن فندق المامونية مؤتمراً صحفياً تقديمياً، في حين احتضن فضاء «هسبريس كوفي فاكتوري»، في اليوم الثاني، معرضاً لأعمال هيام رحماني؛ الفنانة التشكيلية المغربية المتخصصة في فن الخيوط. واحتضنت حدائق المنارة، في اليوم الثالث، عروض الأزياء الخاصة بالمواهب الشابة من مدارس الموضة، وفي اليوم الرابع عروض كارولين موسايمي ودار القفطان ورماضي إيربان بلدي ولين دو جور. في حين اختتم البرنامج بفضاء «ألكَمار كامب» بأكفاي، في ضواحي مراكش، بحفل لعروض كوفهري كوتير ونيل كرياسيون وغيثة الشرايبي وألفادي سايدنالي.

مال بعض المصممين الشباب إلى تطوير القفطان (تصوير: عبد الرحمن المختاري)

فضاءات لها خصوصياتها وتميزها الحضاري والجغرافي: حدائق المنارة، المعروفة بحدائقها الغنّاء وصهريجها الذي يعود إلى القرن الثاني عشر الميلادي، وبقُبّتها الملكية التي تعود إلى القرن الثامن عشر، وفندق المامونية الشهير بما يحيط تاريخه الحديث من ثقل سياحي، فضلاً عن فضاء «ألكَمار كامب» بأكفاي، بتلاله الجرداء ومُناخه شبه الصحراوي، الذي يتحول ليلاً إلى لوحة شاعرية.
قارنت ماري بوغيرت، رئيس جمعية «مراكش فاشن ويك»، منظِّمة التظاهرة، بين الدورة السابقة ودورة هذه السنة، من حيث الفضاءات المحتضنة لفقرات التظاهرة، مشيرة إلى أن الدورة الأولى نُظّمت بقصر البديع وحديقة ماجوريل وغولف المعدن، في حين برمجت فقرات الدورة الثانية بفضاءات مغايرة، لها رمزيتها، أيضاً، مركزة على حدائق المنارة، حيث تطرقت إلى تيمة الماء التي تميِّز هذا الفضاء التاريخي. وشددت بوغيرت على أن من شأن هذه الاختيارات، على مستوى الفضاءات المستقبِلة لفعاليات التظاهرة، أن تُظهر ما تتميز به المدينة الحمراء من معالم أثرية وحضارية.
وكانت الدورة الأولى قد نُظّمت في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، وعرفت نجاحاً، وفقاً لمنظِّميها الذين يقولون إن أسبوع الموضة في مراكش هو مشروع غير ربحي، هدفه الترويج للموضة المغربية عالمياً. ويشددون على أنه جاء ليستمر، لا أن يكون فرقعة موسم واحد.
كان المؤتمر الصحفي التقديمي للدورة الثانية مناسباً لإثارة موضوع أرخى بظلاله على انطلاق التظاهرة، يتمثل في احتضان مراكش، خلال الأسبوع السابق، تظاهرة شبيهة في موضوعها وتسميتها وعلامتها «إم إف دبليو»، تحت مسمى «أسبوع الموضة المغربي»، تضمَّن برنامجه عرض أزياء لمصممين من عدة دول، ومعرضاً للقفطان ومنتجات فنون الحِرف التقليدية المغربية، وتَواصل ما بين 8 و12 من الشهر نفسه. الفرق بين الاثنين أن الأسبوع الحالي هو أيضاً تظاهرة ثقافية يحتفي بشتى الفنون، مثل احتضانه معرض رحماني الذي أثرى الفعالية، وكانت له علاقة بالموضة، أو بالأحرى بالجانب الحرفي فيها. فالتجربة خاصة تقوم على الرسم بالخيوط، من خلال نسج لوحات فنية، جاءت ثمرة بحث وتخطيط يقومان على ما تراكم من تحصيل علمي ومن تقنيات مدروسة، تجمع بين الهندسة وضوابط الرياضيات، والمضمون التعبيري للممارسة الفنية.
يُنجز العمل الفني، وفقاً لقول رحماني، على لوحات خشبية يجري الاشتغال عليها بالخيط والمسامير وفق خصوصيات إبداعية تقوم على المعطيات الهندسية الدقيقة، تنطلق من الدائرة لتأخذ أبعاداً متنوعة تشترك في تناسق الألوان والظلال.
عن برمجة تنظيم معرض يتمحور حول الرسم بالخيوط والمسامير، أو «الفيلوغرافيا» أو «السترينغ آرت»، ضمن فعاليات تظاهرة تتمحور حول الموضة وعروض الأزياء، أشارت رحماني إلى أن الخيط يبقى مشتركاً بين المصممين والفن التشكيلي والمصنوعات التقليدية.
في جانب الأزياء كان الاحتفاء بأفريقيا حاضراً في معظم العروض المخصصة للمواهب الشابة، وهم: 16 مصمِّمة شابة تنافسن للحصول على ثلاث جوائز. وتقول الجمعية إنها رافقتهن على مدى شهرين لمساعدتهن على إنجاز تشكيلاتهن بالشكل المطلوب. عروض المصمِّمات الشابات أثارت الإعجاب، في معظمها. واختصرت بوغيرت انطباعات الحضور بقولها إن المشارِكات ينتظرهن «مستقبل باهر». أما الفنانة الخمليشي فتحدثت عن «شجاعة في الاختيار تثير الإعجاب»، مشيرة إلى الطرق التي توجَّه فيها هؤلاء الشباب بخيالهم نحو أفريقيا. كما انطلقت الفعالية في فضاءات مثيرة، اختتمت بحفل أُقيم بالمخيم السياحي «ألكَمار كامب»، على بُعد ثلاثين كيلومتراً من مراكش. كان مثيراً لما توفره مرتفعاته من إطلالة بانورامية على صحراء أكفاي. هنا كان مِسك الختام، من خلال عرض بنكهة الصحراء، وكان فرصة للاحتفال بالإبداع، وفي الوقت نفسه دعم قضية نبيلة تدعم جمعية «طفولة أمل المغرب»، التي أنشئت سنة 1995 بمراكش، وهي ذات منفعة عامة، تهدف إلى مساعدة الأطفال حديثي الولادة المتخلَّى عنهم إلى حين كفالتهم، والأطفال المعاقين غير المتكفَّل بهم بسبب إعاقتهم، والأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، والأطفال المحتاجين إلى مساعدة، من قبيل الأدوات المدرسية والملابس والأدوية والتغذية، وغيرها.


مقالات ذات صلة

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة النجمة المصرية نيللي كريم كما ظهرت في عرض هنيدة الصيرفي (هيئة الأزياء)

الرياض... لقاء الثقافة والأناقة

غالبية العروض في الدورة الثانية من أسبوع الرياض منحتنا درساً ممتعاً في كيف يمكن أن تتمازج الثقافة والهوية بروح الشباب التواقة للاختلاف وفرض الذات.

جميلة حلفيشي (لندن)

4 فنانات يحتفلن بميلاد حقيبة «أوريغامي»

سارة أوريارتي أكثر من ركّزت على تقنية «الأوريغامي» نظراً لعشقها وتخصصها في تنسيق الزهور (بيوريفكايشن غارسيا)
سارة أوريارتي أكثر من ركّزت على تقنية «الأوريغامي» نظراً لعشقها وتخصصها في تنسيق الزهور (بيوريفكايشن غارسيا)
TT

4 فنانات يحتفلن بميلاد حقيبة «أوريغامي»

سارة أوريارتي أكثر من ركّزت على تقنية «الأوريغامي» نظراً لعشقها وتخصصها في تنسيق الزهور (بيوريفكايشن غارسيا)
سارة أوريارتي أكثر من ركّزت على تقنية «الأوريغامي» نظراً لعشقها وتخصصها في تنسيق الزهور (بيوريفكايشن غارسيا)

عشر سنوات فقط مرت على إطلاق علامة «بيوريفيكايشن غارسيا» حقيبتها الأيقونية «أوريغامي». بتصميمها الهندسي وشكلها ثلاثي الأبعاد لفتت الأنظار منذ أول ظهور لها. واحتفالاً بمكانتها وسنواتها العشر، تعاونت العلامة الإسبانية مؤخرا، مع أربع مُبدعات في الفنون البلاستيكية لترجمتها حسب رؤيتهن الفنية وأسلوبهن، لكن بلغة تعكس قِيم الدار الجوهرية. هذه القيم تتلخص في الألوان اللافتة والخطوط البسيطة التي لا تفتقر إلى الابتكار، أو تبتعد عن فن قديم لا يزال يُلهم المصممين في شتى المجالات، قائم على طيّ الورق من دون استخدام المقص أو الغراء، ألا وهو «الأوريغامي». فن ياباني تكون فيه البداية دائماً قاعدة مربّعة أو مكعّبة.

المكعّب يُشكّل نقطة البداية في تصميم الحقيبة إلى جانب جلد النابا الناعم والمرن (بيوريفكايشن غارسيا)

ولأن يوم 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، صادف اليوم العالمي لفن «الأوريغامي»، فإنه كان فرصة ذهبية لتسليط الضوء على حقيبة وُلدت من رحم هذا الفن ولا تزال تتنفس منه تفاصيلها.

فالمكعّب يُشكّل نقطة البداية في تصميمها؛ إذ تبدأ العملية باختيار جلد النابا تحديداً لنعومته، وبالتالي سهولة طيّه ومرونته في الحفاظ على شكله. بعد تمديد الجلد، يتم تحديد النمط وإضافة دعامات مثلثة للحفاظ على هيكله، لتُضاف بعد ذلك المُسنّنات يدوياً لخلق حركة انسيابية على الجلد.

للاحتفال بميلاد الحقيبة العاشر وفن «الأوريغامي» في الوقت ذاته، منحت «Purificacion Garcia» أربع مُبدعات، وهن: ألبا غالوتشا وكلارا سيبريان وصوفي أغويو وسارة أوريارتي، حرية ترجمتها حسب رؤية كل واحدة منهن، مع الحفاظ على أساسياتها.

ألبا غالوتشا، وهي ممثلة وعارضة أزياء وفنانة، تعتمد على الأنسجة والخزف كوسيلة للتعبير عن نفسها، وتستقي إلهامها من الحياة اليومية، والاحتفال بتضاريس الجسد. استوحَت الحقيبة التي ابتكرتها من عشقها للأنماط والهياكل والبناء. تقول: «حرصت على الجمع بين ما يُعجبني في شكل هذه الحقيبة وما يستهويني في جسم الإنسان، لأبتكر تصميماً فريداً يعكس هذَين المفهومَين بشكلٍ أنا راضية عنه تماماً».

حرصت ألبا على الجمع بين تضاريس الجسد وأنماط وهياكل البناء (بيوريفكايشن غارسيا)

أما كلارا سيبريان، فرسّامة تحبّ العمل على مواضيع مستوحاة من جوانب الحياة اليومية ويمكن للجميع فهمها والتماسها. تقول عن تجربتها: «أنا وفيّة لأكسسواراتي، فأنا أحمل الحقيبة نفسها منذ 5 سنوات. وعندما طُلب مني ابتكار نسختي الخاصة من هذه الحقيبة، تبادرت فكرة إلى ذهني على الفور، وهي إضفاء لمستي الشخصية على حقيبة (Origami) لتحاكي الحقيبة التي أحملها عادةً بتصميمٍ بسيطٍ تتخلّله نقشة مزيّنة بمربّعات».

من جهتها، تستمد سارة أوريارتي، وهي فنانة متخصصة في تنسيق الأزهار والمديرة الإبداعية في «Cordero Atelier»، إلهامها من الطبيعة، ولهذا كان من الطبيعي أن تُجسّد في نسختها من حقيبة «أوريغامي»، السلام والهدوء والجمال. تشرح: «لقد ركّزت على تقنية (الأوريغامي) التي أقدّرها وأحترمها. فكل طيّة لها هدف ودور، وهو ما يعكس أسلوبي في العمل؛ إذ كل خطوة لها أهميتها لتحقيق النتيجة المرجوة. لذلك، يُعتبر الانضباط والصبر ركيزتَين أساسيتَين في هذَين العملَين. وأنا أسعى إلى إيجاد التوازن المثالي بين الجانب التقني والجانب الإبداعي، وهذا ما يلهمني لمواصلة استكشاف الجمال الكامن في البساطة».

كلارا رسّامة... لهذا عبّرت نسختها عن رؤيتها الفنية البسيطة التي أضافت إليها نقشة مزيّنة بمربّعات (بيوريفكايشن غارسيا)

وأخيراً وليس آخراً، كانت نسخة صوفي أغويو، وهي مستكشفة أشكال ومؤسِّسة «Clandestine Ceramique»، التي تشيد فيها كما تقول بـ«تصميم يتداخل فيه العملي بجمال الطبيعة، وبالتالي حرصت على أن تعكس التناغم بين جوهر دار (بيوريفكايشن غارسيا) القائمة على الأشكال الهندسية وأسلوبي الخاص الذي أعتمد فيه على المكوّنات العضوية. بالنتيجة، جاءت الحقيبة بحلّة جديدة وكأنّها تمثال منحوت بأعلى درجات الدقة والعناية».