حرب أوكرانيا تعيد اكتشاف «البعد الجيوسياسي» لأفريقيا

بايدن يتحدث خلال القمة الأميركية - الأفريقية بواشنطن في ديسمبر الماضي (أ.ف.ب)
بايدن يتحدث خلال القمة الأميركية - الأفريقية بواشنطن في ديسمبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

حرب أوكرانيا تعيد اكتشاف «البعد الجيوسياسي» لأفريقيا

بايدن يتحدث خلال القمة الأميركية - الأفريقية بواشنطن في ديسمبر الماضي (أ.ف.ب)
بايدن يتحدث خلال القمة الأميركية - الأفريقية بواشنطن في ديسمبر الماضي (أ.ف.ب)

مع مرور أكثر من عام على الحرب الروسية - الأوكرانية، برزت قارة أفريقيا ساحة لـ«صراع نفوذ» بين الدول الكبرى، بوصفها تمتلك «بعداً جيوسياسياً» هاماً في مساعي تلك الدول نحو تحقيق أهدافها المرتبطة بالهيمنة، ليس فقط على الموارد الاقتصادية، بل على القرارات السياسية الدولية. ووفق خبراء، فإن الجولات المكوكية للقادة الأميركيين والروس والأوروبيين للقارة السمراء على مدار الأشهر الأخيرة، عبّرت عما يشبه «الحرب الباردة» بين القوى الكبرى من أجل فرض الهيمنة.
ومن المقرر أن تقضي كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأميركي، أسبوعاً كاملاً في أفريقيا نهاية مارس (آذار) الجاري، في جولة تشمل زيارة غانا وتنزانيا وزامبيا، ضمن استراتيجية لـ«تعميق تواصلها مع القارة الأفريقية»، كما أشارت المتحدثة باسم نائبة الرئيس كريستين ألين.
زيارة هاريس تأتي ضمن «جولات مكوكية» أميركية تجاه أفريقيا منذ بداية العام، شملت زيارة وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين في يناير (كانون الثاني) الماضي، إلى السنغال وزامبيا وجنوب أفريقيا، ثم زارت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، غانا وموزمبيق وكينيا، تلتها زيارة جيل بايدن السيدة الأولى إلى ناميبيا وكينيا. وأخيراً زار وزير الخارجية أنتوني بلينكن إثيوبيا والنيجر، بانتظار الرئيس جو بايدن، الذي وعد بجولة أفريقية هذا العام.
التحركات الأميركية نحو أفريقيا تأتي في إطار «استراتيجية إدارة بايدن طويلة المدى لاحتواء روسيا»، كما يشير الباحث السوداني في الشؤون الأفريقية عباس محمد صالح، مشيراً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «واشنطن تحاول إظهار روح جديدة تقوم على شراكة حقيقية مع دول وشعوب القارة، وإحداث قطيعة كاملة مع السياسات التي اتبعتها على مدى العقود الماضية، والتي أصبحت تشكل عبئاً كبيراً عليها حالياً».
وبدا لافتاً توجه القوى الدولية لمزيد من التقارب مع القارة الأفريقية، فبدأ مسؤولون من روسيا وفرنسا وألمانيا في إجراء زيارات متتالية للدول الأفريقية منذ يوليو (تموز) 2022، كما شهد عام 2022 قمة أميركية - أفريقية في واشنطن، وبدأت 2023 بزيارة لوزير الخارجية الصيني تشين غانغ، تبعه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ثم زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دولاً عدة وسط أفريقيا مطلع مارس الجاري، وهو الأمر الذي وصفه الخبير الأفريقي بأن القارة الأفريقية «غدت فعلياً ميداناً لحرب باردة جديدة بين القوى الكبرى من أجل الهيمنة والنفوذ والمصالح، فضلاً على التكالب على مواردها وأسواقها».
ولفت إلى أن واشنطن مثلاً تهدف من خلال كل هذه الزيارات، إلى ترجمة وعودها التي قدمتها خلال القمة الأميركية الأفريقية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بجعل «أفريقيا شريكاً حقيقياً في سياق إعادة تشكيل النظام الدولي عقب الحرب في أوكرانيا، التي أظهرت أكثر فأكثر أهمية أفريقيا، ليس فقط كميدان لصراع السرديات بين طرفي هذه الحرب، وإنما كتلة ذات وزن مرجح بالنسبة للقوى الكبرى في المؤسسات الدولية المتعددة الأطراف».
وإلى جانب الصراع الأميركي - الروسي، رأت مجلة «ليكسبرس» أن تحرك واشنطن «المتأخر» هو لمواجهة «نفوذ الصين المتنامي في القارة الأفريقية؛ حيث قامت بكين باستثمار مليارات الدولارات في مشاريع البنية التحتية».
وفي عام 2021، كانت التجارة بين الصين وأفريقيا جنوب الصحراء أكبر بخمس مرات من التجارة مع الولايات المتحدة.
ورغم الجهود التي تبذلها القوى الدولية المختلفة لدمج الدول الأفريقية ضمن تحالفاتها في إطار تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية، وفي مقدمة هذه القوى الولايات المتحدة وروسيا والصين، فإن هذه القوى كما تشير الدكتورة أميرة عبد الحليم، الخبيرة المصرية في الشؤون الأفريقية، «تتجاهل المصالح الأفريقية وخلفيات التقارب والتعاون السابقة بين الطرفين، وهو ما يفرض تحديات كبيرة أمام الشراكة، وتحقيق المصالح الخارجية في القارة الأفريقية».
وتوضح عبد الحليم، في دراسة نشرها مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن «الدول الأفريقية لم تبتعد كثيراً عن مناخ الحرب الباردة والصراع بين القوتين العظميين الذي أفضى إلى تدمير دول، ونشر الفوضى في أجزاء واسعة من القارة... لذلك لا ترغب كثير من الدول الأفريقية في الانخراط في المساومات التي تدفع إليها الحرب الروسية – الأوكرانية».
ويبرر القادة الأفارقة محاولاتهم التزام الحياد إزاء الحرب، بالإشارة إلى الدمار الذي أحدثته الحرب الباردة على قارتهم. كما أنه، من ناحية أخرى، يبدو أن الولايات المتحدة لم تنجح في عزل روسيا عبر التقارب مع دول القارة الأفريقية، وهو ما عكسته زيارة وزير الخارجية الروسي لافروف الأخيرة في ديسمبر الماضي، فبقدر ما يود الرئيس جو بايدن أن تنضم الدول الأفريقية إلى التحالف الغربي في عزل روسيا بسبب الحرب، فإن روسيا تقدم عروضاً لتعزيز العلاقات مع بعض الدول الرئيسية في القارة، وبدلاً من أن يعاملوا روسيا كـ«قوة منبوذة عالمياً»، أبدى القادة في جنوب أفريقيا وإريتريا وأنجولا وإسواتيني ترحيباً خاصاً بوزير الخارجية الروسي، كما تشير عبد الحليم.
ولا تزال القوى الدولية تحاول التقارب مع دول القارة، وتعويض خسائرها من الحرب، عبر توقيع اتفاقيات خاصة بالتعاون في مجال الطاقة والسلاح، ومحاولة استقطاب مزيد من الدول لمعسكر دون الآخر، حيث لا تزال خسائر الحرب تستنزف الكثير من موارد القوى الدولية في الوقت الذي باتت تدرك فيه هذه الدول أن أفريقيا تمثل مستقبل الاقتصاد العالمي، وأنها ستشكل هذا المستقبل عبر تحالفات دولها على المستوى الدولي. وعلى الجانب الآخر، توفر الحرب الروسية - الأوكرانية فرصاً حقيقية لدول القارة الأفريقية لإبراز دورها، وكذلك تعزيز مكانتها، وتحقيق مصالحها، وأهمها الحصول على مقعد أو مقعدين في مجلس الأمن، والانضمام إلى عدد من المنظمات الدولية الكبيرة مثل مجموعة العشرين، حيث أصبحت أفريقيا جزءاً مهماً في إدارة النظام الدولي، وهي شريك رئيسي للقوى الدولية المختلفة في قضايا متعددة.


مقالات ذات صلة

مرشح موالي لروسيا يتصدر الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في رومانيا

أوروبا كالين جورجيسكو المرشح لمنصب الرئيس يتحدث لوسائل الإعلام في بوخارست (ا.ب)

مرشح موالي لروسيا يتصدر الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في رومانيا

أثار مرشح مؤيد لروسيا مفاجأة في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في رومانيا، بحصوله على نتيجة متقاربة مع تلك التي حققها رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا.

«الشرق الأوسط» (بوخارست)
العالم عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

أعلن مايك والتز، المستشار المقبل لشؤون الأمن القومي الأميركي، أن فريق ترمب يريد العمل منذ الآن مع إدارة الرئيس بايدن للتوصل إلى «ترتيب» بين أوكرانيا وروسيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا صحافيون يلتقطون صوراً لبقايا صاروخ استهدف منطقة دنيبرو في مركز لتحليل الطب الشرعي بمكان غير محدد بأوكرانيا الأحد (أ.ب)

موسكو تؤكد عزمها الرد على التصعيد الأميركي «غير المسبوق»

أكدت موسكو، الأحد، عزمها الرد على ما سمّته التصعيد الأميركي «غير المسبوق»، فيما دعا الرئيس الأوكراني إلى تعزيز الدفاعات الجوية لبلاده بعدما أسقطت وحدات الدفاع…

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)
أوروبا القوات الروسية تتقدم بأسرع وتيرة بأوكرانيا منذ بدء الغزو في 2022 (تاس)

تقارير: روسيا تقيل قائداً عسكرياً في أوكرانيا بسبب تقارير مضللة

قال مدونون ووسائل إعلام روسية إن موسكو أقالت جنرالاً كبيراً في أوكرانيا لتقديمه تقارير مضللة عن تقدم في الحرب، بينما يحاول وزير الدفاع إقصاء القادة غير الأكفاء.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)

الكرملين: عقيدتنا النووية المحدَّثة إشارة إلى الغرب

قال الكرملين، الأحد، إن موسكو يجب أن ترد على التصعيد غير المسبوق الذي أثارته واشنطن، بسماحها لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى يمكن أن تصل إلى قلب روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)
عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)
TT

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)
عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)

أعلن مايك والتز، المستشار المقبل لشؤون الأمن القومي الأميركي، في مقابلة تلفزيونية، الأحد، أن فريق الرئيس المنتخب دونالد ترمب يريد العمل منذ الآن مع إدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، للتوصل إلى «ترتيب» بين أوكرانيا وروسيا، مبدياً قلقه بشأن «التصعيد» الراهن.

ومنذ فوز الملياردير الجمهوري في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني)، يخشى الأوروبيون أن تقلّص الولايات المتّحدة دعمها لأوكرانيا في هذا النزاع، أو حتى أن تضغط عليها لتقبل باتفاق مع روسيا يكون على حسابها.

واختار الرئيس المنتخب الذي سيتولّى مهامه في 20 يناير (كانون الثاني)، كل أعضاء حكومته المقبلة الذين لا يزال يتعيّن عليهم الحصول على موافقة مجلس الشيوخ.

وفي مقابلة أجرتها معه، الأحد، شبكة «فوكس نيوز»، قال والتز إنّ «الرئيس ترمب كان واضحاً جداً بشأن ضرورة إنهاء هذا النزاع. ما نحتاج إلى مناقشته هو مَن سيجلس إلى الطاولة، وما إذا كان ما سيتمّ التوصل إليه هو اتفاق أم هدنة، وكيفية إحضار الطرفين إلى الطاولة، وما الذي سيكون عليه الإطار للتوصل إلى ترتيب».

وأضاف، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أنّ «هذا ما سنعمل عليه مع هذه الإدارة حتى يناير، وما سنواصل العمل عليه بعد ذلك».

وأوضح والتز أنّه «بالنسبة إلى خصومنا الذين يعتقدون أنّ هذه فرصة لتأليب إدارة ضد أخرى، فهم مخطئون»، مؤكّداً في الوقت نفسه أن فريق الإدارة المقبلة «قلق» بشأن «التصعيد» الراهن للنزاع بين روسيا وأوكرانيا.

وفي الأيام الأخيرة، صدر عن مقرّبين من الرئيس المنتخب تنديد شديد بقرار بايدن السماح لأوكرانيا بضرب عمق الأراضي الروسية بصواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع.

وخلال حملته الانتخابية، طرح ترمب أسئلة كثيرة حول جدوى المبالغ الهائلة التي أنفقتها إدارة بايدن على دعم أوكرانيا منذ بداية الغزو الروسي لهذا البلد في 2022.

ووعد الملياردير الجمهوري مراراً بإنهاء هذه الحرب بسرعة، لكن من دون أن يوضح كيف سيفعل ذلك.

وبشأن ما يتعلق بالشرق الأوسط، دعا المستشار المقبل لشؤون الأمن القومي للتوصّل أيضاً إلى «ترتيب يجلب الاستقرار».

وسيشكّل والتز مع ماركو روبيو، الذي عيّنه ترمب وزيراً للخارجية، ثنائياً من الصقور في الإدارة المقبلة، بحسب ما يقول مراقبون.

وكان ترمب وصف والتز، النائب عن ولاية فلوريدا والعسكري السابق في قوات النخبة، بأنه «خبير في التهديدات التي تشكلها الصين وروسيا وإيران والإرهاب العالمي».