فالح الفياض قوته في صمته

مستشار الأمن القومي العراقي.. منشق عن «الدعوة» ومحتفظ بعلاقاته مع طهران وواشنطن

فالح الفياض قوته في صمته
TT

فالح الفياض قوته في صمته

فالح الفياض قوته في صمته

عاد مستشار الأمن القومي العراقي فالح الفياض إلى الواجهة الأسبوع الماضي عندما فوضه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لزيارة دمشق ونقل رسائل شفوية إلى الرئيس السوري بشار الأسد. وليست الزيارة الأولى للفياض إلى دمشق، الذي يعتبر من المسؤولين العراقيين الرفيعي المستوى النادرين في قلة التصريحات.

فالفياض بات من اللاعبين الأمنيين الأقوياء في العراق ولكنه يبقى عادة خلف الكواليس وإلى جانبها. فعندما زار العبادي قاعدة عسكرية لتفقد طائرات «إف 16» من الولايات المتحدة، كان خلفه الفياض. وعندما تصدر نائب رئيس الجمهورية العراقي نوري المالكي وزعيم «فيلق بدر» هادي العامري تشييع «أبو منتظر المحمداوي» القائد في «الحشد الشعبي» كان إلى جوارهم الفياض. وعندما اجتمع العبادي بمجلس محافظة الأنبار برئاسة صهيب الراوي حول مكافحة «داعش»، جلس الفياض صامتا ومتابعا.
وعلى الرغم من تعددية الألقاب التي يحملها (مهندس الكهرباء، وشيخ العشيرة، والمستشار)، لكن اللقب المفضل لدى مستشار الأمن الوطني العراقي الفياض هو (الحاج). وهذه المفردة وإن شاع استعمالها بطريقة لافتة لدى أعداد متصاعدة من الطبقة السياسية العراقية الحالية، نتيجة لخلفية الكثير منهم الإسلامية، إلا أنها تكاد تكون حكرا على القادة الشيعة بدء من رئيس الوزراء السابق والنائب الحالي لرئيس الجمهورية نوري المالكي الذي لا يعرف إلا بلقب «الحجي أبو إسراء» في أوساط المقربين منه بمن في ذلك صغار موظفيه. فلهذه المفردة في العراق الجديد بريقها الخاص فضلاً عن كونها لدى زعامات الإسلام السياسي تجب ما قبلها من ألقاب. الأمر يختلف إلى حد كبير لدى القادة الكرد من نواب ووزراء ومسؤولين، حيث يفضلون لقب «كاكا» وتعني باللغة الكردية «الأخ». بينما يفضل قادة سنة إسلاميين لقب «الشيخ» على ما عداه من ألقاب ربما لكون غالبية نوابهم ووزرائهم هم من مشيخات عشائرية في المحافظات الغربية التي لا تزال البنية القبلية هي السائدة فيها وتتحكم في مفاصلها كافة.
الفياض الذي ينتمي إلى عشيرة كبيرة في العراق، عشيرة البوعامر، حيث تتولى أسرته الغنية مشيختها بقي محافظا على خيط رفيع من التواصل العشائري والسياسي بجذور قوية مكنته من الاحتفاظ بالمكانتين معا فهو شيخ العشيرة (شيعية الانتماء المذهبي) والموقع السياسي الحساس في العراق. وقد بقي حريصا على الاحتفاظ بعلاقات قوية مع العشائر السنية، لا سيما أن موقع العشيرة الأكثر ثقلا هو في مناطق حزام بغداد الشمالية الشرقية باتجاه محافظة ديالي، حيث توجد عشائر سنية كثيرة احتفظت معها أسرة الفياض عبر عقود طويلة من الزمن بوشائج قوية جعلت من الفياض توازن في معادلات صعبة بدت عشائرية أول الأمر ثم امتدت إلى ما هو سياسي ومن ثم إقليمي.
وبعد أن كان الفياض قياديا في حزب الدعوة، بات الآن قياديا في تجمع «الإصلاح» المنشق عن الدعوة والذي يتزعمه وزير الخارجية إبراهيم الجعفري، القيادي السابق أيضًا من الدعوة. وتولى فالح الفياض في حكومة نوري المالكي الأولى منصب وزير الأمن الوطني حين كان الأمن الوطني وزارة دولة بلا حقيبة. لكنه وبسبب إجراءات الترشيق الحكومي تحولت وزارات مثل الأمن الوطني وشؤون المصالحة الوطنية إلى مستشاريات. وعلى عهد حكومة المالكي الثانية (2010 - 2014) احتفظ الفياض بمنصب مستشار الأمن الوطني بصلاحيات واسعة مكنته من لعب أدوار مهمة داخليا وإقليميا بسبب مما يتمتع به من خصال محددة. وأوضح مسؤول عراقي في الأمن الوطني لـ«الشرق الأوسط» طالبا عدم الإشارة إلى اسمه أو هويته، أن «هناك ثلاث مزايا يتمتع بها الفياض هي التي جعلته يحتفظ بموقعه رغم كل التقلبات سواء داخل بنية الحركة الإسلامية التي بقي ينتمي إليها رغم انتقاله إلى كيان جديد أو ما جرى لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي وما حصلت من تحولات طالت مناصب ومواقع هامة لم يتأثر بها الفياض». وأضاف أن «مزايا الفياض الثلاث هي السرية والعشائرية والمهنية». وفي تفصيلاتها يقول المسؤول الأمني، إن «الفياض لا يتكلم كثيرا ولا يدلي بتصريحات للصحافة ويفضل القيام بمهامه بنوع من الكتمان والسرية حتى في حال كانت علنية الطابع لأن الرجل يفضل أن السرية في العمل وهو ما جعله يحتفظ بعلاقات جيدة مع الجميع استثمرها لصالح عمله».
إلى جانب ذلك، يضيف المسؤول الأمني، أن «الفياض ينتمي إلى عشيرة كبيرة كانت أسرته وما زالت تمثل مشيختها الرئيسية وهو ما جعله يوظف ثقله العشائري في أحلك الظروف في العراق، لا سيما على صعيد التوازنات العشائرية وما حصل من احتكاكات هنا وهناك في بعض المحافظات». وفي ما يتعلق بالعنصر الثالث وهو المهنية يقول المسؤول الأمني: «الفياض رجل مهني من حيث أسلوب العمل وكيفية إدارة مهماته بحزم مع مرونة تتطلبها بعض المهمات». وردا على سؤال فيما إذا كانت مثل هذه المزايا أو السمات كافية في عراق اليوم أن يحتفظ موظف رفيع المستوى في مكانته في ظل المشاحنات والمؤامرات والمناكفات السياسية وغيرها يقول المسؤول الأمني، إن «هناك مسألة في غاية الأهمية لصالح الفياض هي عدم إمكانية رشوته لأنه من أسرة غنية وهي إحدى مصادر قوته». وأشار إلى أن «كل صفقات السلاح التي باتت تمر من تحت يده حين تحولت إلى الأمن الوطني، حيث يعمل سكرتيرا لمجلس الأمن القومي ليس فيها شبهات فساد بالإضافة إلى أن الرجل مقبول عربيا وإيرانيا وأميركيا وهي ميزة ينفرد بها الفياض بين معظم قادة الطبقة السياسية العراقية بعد عام 2003 فعادة من يكون مقبولا إيرانيا لا يمكنه أن يكون مقبول أميركيا وبالعكس وكذلك على صعيد المحيط العربي».

* البديل الجاهز

* الفياض الذي كان ينتمي إلى حزب الدعوة الإسلامية أيام زعامة الجعفري، لكنه انشق عن الحزب مع الجعفري، حيث شكلا تجمع الإصلاح الوطني، بينما تزعم حزب الدعوة نوري المالكي. ومع ذلك فإنه في الوقت الذي باتت فيه العلاقة بين الجعفري والمالكي تتميز بالجفاء النسبي مع احتفاظ الجعفري برئاسة التحالف الوطني ومن ثم تأييده لتولي حيدر العبادي رئاسة الوزراء فإن الفياض كان تسلم منصب المشرف على «الحشد الشعبي» يساعده رسميا أبو مهدي المهندس. الفياض تسلم هذا المنصب في أواخر عهد المالكي وبقي محتفظا به حتى اليوم رغم أنه لا يميل إلى الظهور أو الذهاب إلى جبهات القتال لأغراض التصوير مثلما هي عادة عدد كبير من المسؤولين العراقيين ممن يريدون التحضير للانتخابات القادمة من خلال استثمار الحرب ضد «داعش». ليس هذا فقط فإن الفياض بقي على مدى السنوات الماضية بمثابة البديل الجاهز لأي منصب هام بمن في ذلك منصب رئيس الوزراء الذي كان يشغله المالكي. ففي أكثر من مرة طرحا اسمه كبديل للمالكي عندما كانت الأمور قد احتدمت، لا سيما بعد مظاهرات عام 2013 في المحافظات الغربية. ومما يحسب للفياض أنه هو الذي طلب من المالكي التهدئة مع السنة العرب وعدم التصعيد السياسي معهم، واقترح في اجتماع رسمي لمجلس الوزراء برئاسة المالكي بذهاب رئيس الحكومة إلى محافظات الأنبار والموصل وصلاح الدين والاجتماع مع المسؤولين ولجان التنسيق الشعبية فيها والاستماع إلى مطالبهم. كما أن الفياض بقي اسما مطروحا لتولي منصب وزير الداخلية الذي بقي المالكي يشغله طوال سنوات حكمه في دورته الثانية. وفي سياق مهمات عمله والأجندة المطروحة أمامه، يشرح مصدر عراقي قريب من الفياض أن الفياض يرى أن أهم المخاطر والتحديات التي تواجه الأمن القومي العراقي تتمثل حول 3 محاور. أولاً: هشاشة بنية الدولة العراقية الجديدة. ثانيًا: المشكلة الطائفية وما يتمحور حولها من مشكلات، كذلك العلاقة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان وبعض المواد الدستورية الفضفاضة. ثالثًا: التدخل الخارجي بمختلف أشكاله ومصادره، حيث إنه يضر إضرارًا بالغًا بالأمن القومي العراقي. رابعًا: مشكلة المياه والتصحر وأثرها على الأمن القومي العراقي والمتوقع تصاعدها مستقبلاً.

* فالح الفياض في سطور

> فالح الفياض من مواليد بغداد عام 1956 من أسرة شيعية تقطن شمال شرقي بغداد.
> حصل الفياض على بكالوريوس في هندسة الكهرباء من جامعة الموصل عام 1977.
> انضم إلى حزب الدعوة الإسلامية منذ وقت مبكر وتعرض للاعتقال من قبل نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين عام 1980 وحكم عليه بالسجن المؤبد، لكنه قضى في سجن أبو غريب خمس سنوات.
> بعد سقوط نظام صدام عام 2003 أصبح عضوًا في أول جمعية وطنية ومن ثم عضوًا في أول برلمان عراقي منتخب عام 2005 عن الائتلاف الوطني العراقي.
> أصبح مديرًا لمكتب نائب رئيس الجمهورية وعضوًا في لجنة المصالحة الوطنية العليا خلال الحكومة السابقة.
> كلف بالكثير من الملفات الخاصة في الحكومة العراقية، قبل أن يصبح وزيرًا للأمن الوطني ومن ثم مستشارًا له حتى اليوم.



شيغيرو إيشيبا... رئيس وزراء اليابان الجديد يعدّ العدة لتجاوز الهزيمة الانتخابية الأخيرة

إيشيبا
إيشيبا
TT

شيغيرو إيشيبا... رئيس وزراء اليابان الجديد يعدّ العدة لتجاوز الهزيمة الانتخابية الأخيرة

إيشيبا
إيشيبا

الأحداث المتلاحقة والمتسارعة في اليابان شرعت أخيراً الأبواب على كل الاحتمالات، ولا سيما في أعقاب حدوث الهزيمة الانتخابية التي كانت مرتقبة للحزب الديمقراطي الحر الحاكم. هذه الهزيمة جاءت إثر تبديل «استباقي» في زعامة الحزب المحافظ - المهيمن على السلطة في اليابان معظم الفترة منذ الخمسينات - في أعقاب قرار رئيس الحكومة السابق فوميو كيشيدا الاستقالة (حزبياً ومن ثم حكومياً) في أعقاب التراجع الكبير في شعبية الحزب، وتولّي غريمه الحزبي الأبرز شيغيرو إيشيبا المنصبَين. ومن ثم، دعا إيشيبا بنهاية سبتمبر (أيلول) الماضي إلى إجراء انتخابات عامة عاجلة ومبكّرة يوم 27 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عن إجراء انتخابات عاجلة، انتهت بفقدان الائتلاف الحاكم المكوّن من الديمقراطيين الأحرار وحليفه حزب «كوميتو» الغالبية البرلمانية.

ألحق الناخبون اليابانيون الأحد الماضي هزيمة مؤلمة بالحزب الديمقراطي الحر، الذي هيمن مع استثناءات قليلة على حكم البلاد منذ عام 1955، وكانت هزيمته الأخيرة الأولى له التي تفقده الغالبية المطلقة في مجلس النواب منذ 15 سنة. وهنا، يتفق المراقبون على أن الحزب المحافظ والكبير النفوذ إنما حصد نقمة الشارع وغضبه بسبب التضخم المتصاعد والتباطؤ الاقتصادي وضعف قيمة العملة الوطنية «الين»، ناهيك من الفضائح المالية التي تورّطت بها قيادات حزبية، وصلات بعض الأعضاء بـ«كنيسة التوحيد» (الحركة المونية). وهكذا أخفق الحزب مع حليفه الصغير في جمع ما هو أكثر من 215 مقعداً من أصل 465 في حين كانت الغالبية المطلقة تحتاج إلى 233 مقعداً.

نكسة مبكرة للزعيم الجديد

هذه الهزيمة المريرة شكّلت أيضاً نكسة كبرى ومبكرة لزعيم الحزب ورئيس الوزراء الجديد شيغيرو إيشيبا، الذي أخفق رهانه بامتصاص النقمة الشعبية وترسيخ موقعه عبر الانتخابات المبكّرة.

وحقاً، أعلن إيشيبا في أول تعليق له على النتيجة نقلته شبكة «سي إن إن» الأميركية، أن الناخبين «أصدروا حكماً قاسياً» بحق حزبه الذي عليه أن «يأخذه بجدية وامتثال». لكنه أردف أنه لا يعتزم التنحي من رئاسة الحكومة، موضحاً «بالنسبة لي، فإنني سأعود إلى نقطة البداية، وأسعى للدفع قدماً بتغييرات داخل هيكل الحزب، وتغييرات أخرى أعمق لمواجهة الوضع السياسي». وفي حين ذكر إيشيبا أنه ليس لدى الحزب أي فكرة جاهزة لتحالف جديد فإن كل سياسات الحزب ستكون مطروحة على بساط البحث.

بطاقة هوية

وُلد شيغيرو إيشيبا يوم 4 فبراير (شباط) 1957 لعائلة سياسية مرموقة، مثله في ذلك الكثير من ساسة الحزب الديمقراطي الحر. إذ إن والده جيرو إيشيبا كان محافظاً لإقليم توتوري، الريفي القليل السكان بجنوب غرب اليابان، بين عامي 1958 و1974، قبل أن تُسند إليه حقيبة وزارة الداخلية. من الناحية الدينية، رئيس الوزراء الحالي مسيحي بروتستانتي تلقى عمادته في سن الـ18 في توتوري، كما أن جد أمّه قسٌّ من روّاد المسيحية في اليابان.

تلقّى شيغيرو دراسته الجامعية وتخرّج مجازاً بالحقوق في جامعة كييو، إحدى أعرق جامعات اليابان الخاصة، ومقرها العاصمة طوكيو، وفيها التقى زوجته المستقبلية يوشيكو ناكامورا، وهما اليوم والدان لابنتين.

وبعد التخرّج توظّف في مصرف «ميتسوي»، قبل أن يسير على خُطى والده فيدخل ميدان السياسة بتشجيع من صديق والده ورئيس الوزراء الأسبق كاكوي تاناكا (1972 - 1974).

وبالفعل، انتُخب وهو في سن التاسعة والعشرين، عام 1986، نائباً عن الديمقراطيين الأحرار في البرلمان (مجلس النواب) عن دائرة توتوري الموسّعة حتى عام 1996، ثم عن دائرة توتوري الأولى منذ ذلك الحين وحتى اليوم. وعُرف عنه طوال هذه الفترة اهتمامه ودرايته بملفّي الزراعة والسياسة الدفاعية. وحقاً، خدم لفترة نائباً برلمانياً لوزير الزراعة في حكومة كييتشي ميازاوا.

مسيرة سياسية مثيرة

في واقع الأمر، لم تخلُ مسيرة شيغيرو إيشيبا السياسية من الإثارة؛ إذ تخللها ليس فقط الترّقي في سلّم المناصب باتجاه القمّة، بل شهدت أيضاً مواقف اعتراضية واستقلالية وضعته غير مرة في مسار تصادمي مع حزبه وحزب والده.

في عام 1993، خرج من صفوف حزبه الديمقراطي الحر ليلتحق بحزب «تجديد اليابان» الذي أسسته قيادات منشقة عن الحزب بقيادة تسوتومو هاتا (رئيس الوزراء عام 1994) وإيتشيرو أوزاوا (وزير داخلية سابق) حتى عام 1994. ثم انتقل إلى حزب «الحدود الجديدة» الذي أُسس نتيجة اندماج «تجديد اليابان» مع قوى أخرى، وفيه مكث بين 1994 و1996، وبعدها ظل نائباً مستقلاً إلى أن عاد إلى صفوف الديمقراطيين الأحرار ويستأنف ضمن إطار الحزب الكبير ترقّيه السياسي السريع ضمن قياداته.

في أعقاب العودة عام 1997، تبوّأ إيشيبا عدداً من المسؤوليات، بدأت بمنصب المدير العام لوكالة الدفاع – أي حقيبة وزير الدفاع منذ أواخر 2007 –. ولقد شغل إيشيبا منصب وزير الدفاع بين عامي 2007 و2008 في حكومتي جونيتشيرو كويزومي وياسوو فوكودا، ثم عُيّن وزيراً للزراعة والغابات والثروة السمكية في حكومة تارو آسو بين 2008 و2009. وكذلك، تولّى أيضاً منصب الأمين العام للحزب الديمقراطي الحر بين 2012 و2014.

مع الأخذ في الاعتبار هذه الخلفية، كان طبيعياً أن يدفع طموح إيشيبا الشخصي هذا السياسي الجريء إلى التوق لخوض التنافس على زعامة الحزب، وبالتالي، رئاسة الحكومة.

بالمناسبة، جرّب شيغيرو إيشيبا حظه في الزعامة مرّات عدة. وكانت المرة الأولى التي يرشح نفسه فيها عام 2008 إلا أنه في تلك المنافسة احتل المرتبة الخامسة بين المتنافسين. بعدها رشح نفسه عامي 2012 و2018، وفي المرتين كان غريمه رئيس الوزراء الأسبق الراحل شينزو آبي... «وريث» اثنتين من السلالات السياسية اليابانية البارزة، والزعيم الذي شغل منصب رئاسة الحكومة لأطول فترة في تاريخ المنصب.

ثم في أعقاب استقالة آبي (الذي اغتيل عام 2022) لأسباب صحية عام 2020، رشّح إيشيبا نفسه، إلا أنه خسر هذه المرة وجاء ثالثاً، وذهبت الزعامة ورئاسة الحكومة ليوشيهيدي سوغا. وفي العام التالي، بعدما أحجم إيشيبا عن خوض المنافسة، فاز الزعيم ورئيس الحكومة السابق السابق فوميو كيشيدا. بيد أن الأخير قرّر في أغسطس (آب) أنه لن يسعى إلى التجديد الموعد المقرر في سبتمبر (أيلول). وهكذا، بات لا بد من الدعوة إلى إجراء انتخابات الزعامة الأخيرة التي فاز بها إيشيبا، متغلباً بفارق بسيط وفي الدورة الثانية على منافسته الوزيرة اليمينية المتشدّدة ساني تاكاييشي، التي كانت تصدرت دور التصويت الأولى. وهكذا، صار زعيماً للحزب الديمقراطي الحر ومرشحه لرئاسة الحكومة الرسمي، وعلى الأثر، اختاره مجلس النواب رئيساً للوزراء في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) المنصرم.

أفكاره ومواقفه

على الرغم من طول بقاء إيشيبا في قلب الحلبة السياسية، فإن طبيعته الاستقلالية، عقّدت أمام المحللين وضعه في خانة واضحة. فهو تارة يوصف بأنه وسطي ليبرالي، تارة أخرى يوصف بـ«الإصلاحي»، وفي أحيان كثيرة يُعرّف بأنه يميني محافظ، بل متشدد. ومما لا شك فيه، أن طبيعة تركيبة الحزب الديمقراطي الحرّ، القائمة على أجنحة تسمح بتعدّد الولاءات الشخصية وتوارثها داخل أروقة تلك الأجنحة، وهذا من دون أن ننسى أن بداية الحزب نفسه جاءت من اندماج حزبين محافظين هما الحزب الحر (الليبرالي) والحزب الديمقراطي الياباني عام 1955.

على المستوى الاجتماعي، أبدى إيشيبا مواقف متحررة في عدد من القضايا بما في ذلك تأييده شخصياً زواج المثليين، كما أنه من مؤيدي ترك الخيار لكل من الزوجين بالاحتفاظ بالاسم الأصلي قبل الزواج. أما على الصعيد الاقتصادي، وتأثراً بكونه ممثلاً لمنطقة ريفية قليلة السكان، فإنه أبدى ولا يزال اهتماماً كبيراً بالتناقص السكاني وضرورة الاهتمام بالاقتصاد الريفي؛ ما يعني العمل على تقليص الفوارق بين الحواضر الغنية والأرياف الفقيرة.

لم تخلُ مسيرة إيشيبا السياسية من الإثارة... إذ اتخذ مواقف اعتراضية واستقلالية

وضعته أكثر من مرة في مسار تصادمي مع حزبه

السياسة الدولية

في ميدان العلاقات الخارجية والسياسة الدولية، تُعرف عن إيشيبا مواقفه المتشددة المتوافقة مع أفكار التيار المحافظ داخل الحزب الحاكم، وبالأخص إزاء التصدي لخطر نظام كوريا الشمالية وقضية تايوان، حيث يقف بقوة بجانب نظامها الديمقراطي في وجه التهديد الصيني.

وفيما يتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة، حليف اليابان الأكبر، رأى رئيس الوزراء الحالي قبل أشهر أن سبب إحجام واشنطن عن الدفاع هو أن أوكرانيا ليست عضواً في حلف دفاع مشترك مثل حلف شمال الأطلسي (ناتو). واستطراداً، في ربط الوضع الأوكراني بحالة تايوان، يعتبر إيشيبا أن تأسيس حلف أمني آسيوي خطوة ضرورية لردع أي هجوم صيني على تايوان، لا سيما في «التراجع النسبي» في القوة الأميركية.

وفي التصور الذي عبَّر عنه إيشيبا بـ«ناتو» آسيوي يواجه تهديدات روسيا والصين وكوريا الشمالية، يجب أن يضم الحلف العتيد دولاً غربية وشرقية منها فرنسا، وبريطانيا وألمانيا، وكذلك الهند، والفلبين، وكوريا الجنوبية، وأستراليا وكندا.

من جهة ثانية، تطرّق إيشيبا خلال الحملة الانتخابية إلى التحالف الأميركي - الياباني، الذي وصفه بأنه «غير متوازٍ» ويحتاج بالتالي إلى إعادة ضبط وتوازن. وكان في أول مكالمة هاتفية له بعد ترؤسه الحكومة اليابانية مع الرئيس الأميركي جو بايدن، أعرب عن رغبته في «تعزيز الحلف» من دون أن يعرض أي تفاصيل محددة بهذا الشأن، ومن دون التطرق إلى حرصه على إجراء تغييرات في الاتفاقيات الثنائية كي يتحقق التوازن المأمول منها.

التداعيات المحتملة للنكسة الانتخابية الأخيرة

في أي حال، نكسة الحزب الديمقراطي الحر في الانتخابات العامة الأخيرة تفرض على شيغيرو إيشيبا «سيناريو» جديداً ومعقّداً... يبداً من ضمان تشكيلة حكومة موسّعة تخلف حكومته الحالية، التي لا تحظى عملياً بتفويض شعبي كافٍ. وهذا يعني الانخراط بمساومات ومفاوضات مع القوى البرلمانية تهدف إلى تذليل العقبات أمامه.

المهمة ليست سهلة حتماً، لكن خبرة الساسة اليابانيين التقليديين في التفاوض والمساومات أثبت فعالياتها في مناسبات عدة، بما فيها الفضائح وانهيار التحالفات، وكانت دائماً تثمر عقد صفقات طارئة حتى مع القوى المناوئة.

شينزو آبي (آ. ب.)

 

حقائق

رؤساء وزارات اليابان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية

في عام 1955، أي بعد مرور عقد من الزمن على هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، التقى حزبان سياسيان يمينيان وتفاهما على الاندماج في حزب تحوّل ما يشبه الظاهرة في الأنظمة الديمقراطية في العالم.الحزبان المقصودان هما الحزب الحر (أو الحزب الليبرالي) والحزب الديمقراطي الياباني، ولقد نتج من هذا الاندماج الحزب الديمقراطي الحر، الذي هيمن على مقدرات السياسة اليابانية منذ ذلك الحين باستثناء خمس سنوات، فقط خسر فيها السلطة لقوى معارضة أو منشقة عنها. وطوال الفترة التي تقرب من 70 سنة خرج من قادة الحزب الكبير زعماء نافذون رسخوا الاستقرار ورعوا الاستمرارية وأسهموا، بالتالي، في تحقيق «المعجزة الاقتصادية» اليابانية المبهرة.وفيما يلي، أسماء رؤساء الحكومات التي تولت السلطة منذ منتصف الخمسينات:- الأمير ناروهيكو هيغاشيكوني (من الأسرة المالكة) 1945- البارون كوجيرو شيديهارا (مستقل) 1945 – 1946- شيغيرو يوشيدا (الحزب الحر) 1946 – 1947- تيتسو كاتاياما (الحزب الاشتراكي) 1947 – 1948- هيتوشي آشيدا (الحزب الديمقراطي) 1948- شيغيرو يوشيدا (الحزب الديمقراطي الليبرالي / الحزب الحر) 1948 – 1954- إيتشيرو هاتاياما (الحزب الديمقراطي الياباني / الحزب الديمقراطي الحر) 1954 – 1956- تانزان إيشيباشي (الحزب الديمقراطي الحر) 1956 – 1957- نوبوسوكي كيشي (الحزب الديمقراطي الحر) 1957 – 1960- هاياتو إيكيدا (الحزب الديمقراطي الحر) 1960 – 1964- إيساكو ساتو (الحزب الديمقراطي الحر) 1964 – 1972- كاكوي تاناكا (الحزب الديمقراطي الحر) 1972 – 1974- تاكيو ميكي (الحزب الديمقراطي الحر) 1974 – 1976- تاكيو فوكودا (الحزب الديمقراطي الحر) 1976 – 1978- ماسايوشي أوهيرا (الحزب الديمقراطي الحر) 1978 – 1980- زينكو سوزوكي (الحزب الديمقراطي الحر) 1980 – 1982- ياسوهيرو ناكاسوني (الحزب الديمقراطي الحر) 1982 – 1987- نوبورو تاكيشيتا (الحزب الديمقراطي الحر) 1987 – 1989- سوسوكي أونو (الحزب الديمقراطي الحر) 1989- توشيكي كايفو (الحزب الديمقراطي الحر) 1989 – 1991- كيئيتشي ميازاوا (الحزب الديمقراطي الحر) 1991 – 1993- موريهيرو هوسوكاوا (الحزب الياباني الجديد) 1993 – 1994- تسوتومو هاتا (حزب «تجديد اليابان») 1994- توميئيتشي موراياما (الحزب الاشتراكي) 1994 – 1996- ريوتارو هاشيموتو (الحزب الديمقراطي الحر) 1996 – 1998- كايزو أوبوتشي (الحزب الديمقراطي الحر) 1998 – 2000- يوشيرو موري (الحزب الديمقراطي الحر) 2000 – 2001- جونيتشيرو كويزومي (الحزب الديمقراطي الحر) 2001 – 2006- شينزو آبي (الحزب الديمقراطي الحر) 2006 – 2007- ياسوو فوكودا (الحزب الديمقراطي الحر) 2007 – 2008- تارو آسو (الحزب الديمقراطي الحر) 2008 – 2009- يوكيو هاتوياما (الحزب الديمقراطي الياباني) 2009 – 2010- ناوتو كان (الحزب الديمقراطي الياباني) 2010 – 2011- يوشيهيكو نودا (الحزب الديمقراطي الياباني) 2011 – 2012- شينزو آبي (الحزب الديمقراطي الحر) 2012 – 2020- يوشيهيدي سوغا (الحزب الديمقراطي الحر) 2020 – 2021- فوميو كيشيدا (الحزب الديمقراطي الحر) 2021 – 2024- شيغيرو إيشيبا (الحزب الديمقراطي الحر) 2024.....