عن «الشرط الإنساني»... وسؤال المصيرhttps://aawsat.com/home/article/4223546/%D8%B9%D9%86-%C2%AB%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86%D9%8A%C2%BB-%D9%88%D8%B3%D8%A4%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D9%8A%D8%B1
ثمة وضع سلبي يجابه الإنسان بمعوقات كالفقر والبطالة والمرض (إ.ب.أ)
صلاح سالم
TT
TT
عن «الشرط الإنساني»... وسؤال المصير
ثمة وضع سلبي يجابه الإنسان بمعوقات كالفقر والبطالة والمرض (إ.ب.أ)
إذا كانت طبيعة الإنسان تثير السؤال الصعب عن كينونته وماهيته، فإن مسيرته على الأرض تطرح السؤال الأصعب حول مآله ومصيره، حيث يتداخل مفهوم «الشرط الإنساني» مع مفهوم «القدر الإلهي» دون أن يتماهى هذا مع ذاك أو يذوب فيه. إن شخصاً عاش في هذا العالم سلفاً أو لا يزال، لا بد أنه قد صادف أو لا يزال يصادف ملابسات حياة تختلف كثيراً أو قليلاً، سلباً أو إيجاباً، عن الآخرين السابقين عليه أو التالين له، البعيدين عنه أو المحيطين به. ترى الثقافات التقليدية في كل تلك الملابسات معطيات لا فكاك منها، يرثها عن الآباء والأجداد، وينسبها المتدينون خاصة إلى القضاء والقدر؛ أي إلى الخطة الإلهية للوجود البشري. أما الثقافة الحديثة فلا ترى فيها قدراً حتمياً أو قيداً نهائياً، بل مجرد نقطة انطلاق، شرط تاريخي للوجود الإنساني يمكن تحسينه عبر الترقي الأخلاقي والكفاح المعرفي.
قطعاً، نحن لا نختار اللحظة الزمنية التي تبدأ منها حياتنا، فقد جئنا إلى عالمنا بإرادة فائقة تسمو على رغباتنا، وتشكَّل وجودنا من معطيات أساسية ورثنا أغلبها كطبيعة أجسادنا طولاً أو قصراً، قوة أو ضعفاً، ولون بشرتنا سواداً أو بياضاً، وأيضاً أصولنا الاجتماعية راقية أو عادية، ومستوياتنا المادية ثراءً أو فقراً، وجميعها خطوط عريضة تشي بالملامح الأولية لوجوهنا. غير أن تلك الملامح ليست إلا مادة وجودنا البدئي، أما صورة وجودنا الفعلي فتبقى رهن قدرتنا على التعاطي مع معطياته الأساسية، بوصفها أنساقاً للفعل ومجالات للحركة، فقد تزهو صورنا وتزدهر مغامرتنا الحياتية بالقدرة على التطور والترقي عبر التعلم والتحرر، كما تذهب الرؤية التنويرية المتفائلة للطبيعة الإنسانية، التي تعتقد في قابلية الإنسان للكمال، حسب جان جاك روسو، إذ يكفي الرجل البسيط شرفاً أن يُعلِّم أولاده ويربيهم ليكونوا أفضل حالاً منه، ولو بدرجة واحدة على السلم الطويل، ثم يأتي أولادهم أفضل منهم بدرجة أخرى، وهكذا يتحرك النوع الإنساني على طريق الكمال رغم عمق الآلام التي يواجهها أفراده. وفي المقابل قد تبهت صورنا إذا ما افتقدنا الحذق في رسم معالمها، وتفشل مغامرتنا الحياتية إذا أهملنا دواعي نجاحها ووسائل تطويرها، فلا توجد نقطة معينة يبلغها الإنسان يستطيع التوقف عندها ويقول إنه قد أنهى مهمته سوى لحظة موته، فالوضع الإنساني يتأرجح على الدوام بين صعود وهبوط، لا يقبل الجمود، حيث السكون في سياق الوجود ليس إلا حركة بطيئة نحو الموت.
يمكننا الحديث هنا عن محددات حضارية للشرط الإنساني، تختلف بين دولة متقدمة وحرة، وأخرى متخلفة ومستبدّة. فلو تصورنا شاباً ذكياً وطموحاً وُلد في إحدى الدول التي تعاني الاستبداد والطائفية، فلن يتجاوز حلمه أن يكون طبيباً أو قاضياً... أو غير ذلك من مهن الطبقة الوسطى. أما إذا وُلد بنفس السمات الشخصية، في مجتمع حر يتسم بالتعددية والديناميكية كالمجتمعات الغربية، فالأغلب أن تتفتح أبواب حلمه على أعلى مواقع الحكم والسلطة، على منوال الرئيس الأميركي الأسبق، ذي الأصول الأفريقية باراك أوباما، مما يعني أن ثمة قدرة على تعديل الشرط الإنساني بالكفاح والصبر، دون القدرة على كسره والخروج من فلكه كلية. كما يمكن الحديث عن محددات اجتماعية ـ اقتصادية للشرط نفسه، فثمة وضع إيجابي يتمتع الإنسان في سياقه بركائز قوة كالثروة والسلطة والنفوذ، وأيضاً ببيئة حياة راقية ومنظمة، نتيجة وضعه الطبقي المتميز أو ثراء عائلته الموروث.
وفي المقابل ثمة وضع سلبي يجابه الإنسان بمعوقات كالفقر والبطالة والمرض، أو بيئة حياة قاهرة نتيجة وضعه الطبقي المتدني. بل إن ثمة تمايزاً بين الأفراد داخل الوضع الطبقي نفسه، يمكن ردّه إلى القدر الشخصي، فجمال الأنثى الفائق قد يمنحها، عبر الزواج، فرصاً واعدة للحياة خارج سياقها الاجتماعي الضاغط، على العكس من نظيراتها اللائي يفتقدن ميزاتها.
يشعر الإنسان في ظل الوضع الإيجابي بالقدرة الفائقة على تحقيق الذات والسيطرة على المصير، كما يشعر مع الوضع السلبي بالعجز والضياع إزاء محدودية الفرص وصعوبة الاختيارات، لكن يبقى الأمل معقوداً على المرونة التي يتمتع بها الشرط الإنساني. لقد وُلد كثيرون وترعرعوا في ظل ملابسات مواتية، لكنهم فقدوا مكانتهم تدريجياً بفعل الإهمال والعبث وضعف الهمة، والعجز عن تنمية ما ورثوه من ثروة مالية وسلطة سياسية، أو حتى صيانته. ففي السياسة قد يفقد الملوك عروشهم الموروثة، والرؤساء مقاعدهم المكتسبة، تحت ضغط فشلهم البيّن أو استبدادهم الخشِن أو ظلمهم الفاقع. وفي عالم المال يفقد الكثيرون ثرواتهم الموروثة ومؤسساتهم الاقتصادية الناجحة بفعل جهل البادي، أو نزقهم البالغ، وميلهم إلى التمتع بالرذائل، وما يصاحب ذلك من لا مبالاة أخلاقية وغطرسة إنسانية. مثل ذلك الفشل غالباً ما يحدث في مجالات أخرى لأناس لم يرثوا ملابسات حياتهم الرغدة، بل اكتسبوها بفعل مواهبهم واجتهادهم في بداية حياتهم، لكنهم سرعان ما فقدوها بفعل الزلل والغرور. يحدث هذا في الفن عندما يفقد النجوم بريقهم لأنهم لم يحترموا مواهبهم، ولم يقدّروا محبة جماهيرهم، فسلكوا في الحياة طريق العبث أو المجون، لينتهي بهم الأمر في سجون مظلمة أو فقر مدقع يعجزون معه عن علاج أنفسهم وتأمين حوائجهم في شيبتهم. وعلى المنوال نفسه ثمة لاعبو الكرة وعارضات الأزياء وغيرهم من أرباب المهن البراقة التي سرعان ما يحقق أصحابها قدراً كبيراً من الثروة والشهرة قبل أن يعودوا ويفقدوه، لتتوارى أسماؤهم وينطفئ بريقهم مبكراً، ربما لأن بنيتهم النفسية لم تكن من المتانة بحيث تتحمل صدمة الصعود السريع، أو لأن ثقافتهم الشخصية لم تكن بمستوى مواهبهم الفطرية... إلخ.
أما الأمر الأهم هنا فهو أن الشرط الإنساني ليس بسيطاً أو مسطحاً، تصوغه فقط ركائز القوة المادية القابلة للقياس: الثروة والسلطة والنفوذ، بل ينطوي على موارد معنوية تجعله أكثر عمقاً وتوازناً، تتمثل في الأبعاد الروحية والأخلاقية والمعرفية والجمالية للحياة، كالإيمان الديني، والحب الرومانسي، والحكمة الفطرية، والحس الفني. فبينما تلبي الركائز المادية غريزة الطموح البشري إلى ما هو أقوى، فإن الموارد المعنوية تلبي ملَكة التسامي الإنساني إلى ما هو أرقى. ورغم أن أغلب اللذات التي يسعد بها البشر ترتبط بالحواس والغرائز؛ أي الماديات كالمأكل والمشرب والملبس والجنس، فإن بعض اللذات تبقى قرينة للمعنويات كالشعور بالرضا الإلهي من لدن شخص مؤمن، لا بد أن يزيد الإيمان من قدرته على تقبل وضعه الحياتي، وعلى التصالح مع عالمه. وأيضاً الشعور بالكرامة الشخصية وتقدير الذات الناجم عن الاتساق الأخلاقي لدى إنسان يمارس عمله بكفاءة وإخلاص وتفانٍ. أو الشعور بمحبة الآخرين، الذي قد يتوفر لشخص لا يملك من موارد القوة والثروة قدر ما يملك من ملَكات التواصل العاطفي والتكيف الاجتماعي، خصوصاً عاطفة الحب الرومانسي، التي تظل شعوراً استثنائياً وقدراً سعيداً لا يمكن شراؤه بمال أو مقايضته بسلطة.
وربما كان الوضع البشري الأمثل هو ذلك الذي يجمع فيه الإنسان بين الموارد المادية ونظيرتها المعنوية، بين ركائز القوة وملَكات التسامي، بين وضع اجتماعي مميز يساعده على الفعل والتأثير، وبين بصيرة تدرك أن سعادته رهن قدرته على تلمس معنى الوجود الخالد وليس على الاستمتاع بملابسات وجود متغيرة. فإذا ما عجز الإنسان عن الجمع بينهما، بفعل ذبول ساحق في شروط وجوده البدئي، أو عادية قدراته الشخصية أو حتى لضعف همته، فربما وجد في الموارد المعنوية ما يمنحه السكينة واليقين والأمل. أما إذا غابت عنه الموارد المعنوية أيضاً فلا شك في أن يصبح ألمه الوجودي أكثر عمقاً، وقلقه على المصير أكثر حدة.
* باحث مصري
إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»https://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82/%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7/5088685-%D8%A5%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%AD%D9%85%D8%A7%D8%B3-%D9%85%D9%84%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A6%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%82%D8%AA-%D8%B6%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%81%D9%82%D8%A9
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
غزة:«الشرق الأوسط»
TT
غزة:«الشرق الأوسط»
TT
إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
بعد أكثر من 420 يوماً على أطول حرب مدمرة عرفها الفلسطينيون، لا يزال الغزيون الذين فقدوا بلدهم وحياتهم وبيوتهم وأحباءهم، لا يفهمون ماذا حدث وماذا أرادت حركة «حماس» حقاً من هجومها المباغت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل، الهجوم الذي غير شكل المنطقة وفتح أبواب الحروب والتغييرات.
الشيء الوحيد الواضح حتى الآن هو أن غزة تحولت إلى منطقة غير قابلة للحياة، ولا شيء يمكن أن يصف ألم الباقين على قيد الحياة الذين فقدوا نحو 50 ألفاً في الحرب المستمرة، وأكثر من 100 ألف جريح.
وإذا كان السكان في قطاع غزة، وآخرون في الضفة الغربية وربما أيضا في لبنان ومناطق أخرى لم يفهموا ماذا أرادت «حماس»، فإنهم على الأقل يأملون في أن تأتي النتائج ولو متأخرة بحجم الخسارة، ولا شيء يمكن أن يعوض ذلك سوى إقامة الدولة. لكن هل أرادت «حماس» إقامة الدولة فعلاً؟
هاجس الأسرى الذي تحول طوفاناً
في الأسباب التي ساقتها، تتحدث حركة «حماس» عن بداية معركة التحرير، لكنها تركز أكثر على «تحريك المياه الراكدة في ملف الأسرى الإسرائيليين الذين كانت تحتجزهم الحركة قبيل الحرب»، و «الاعتداءات المتكررة من قبل المنظومة الأمنية الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين»، إلى جانب تصاعد العدوان باتجاه المسجد الأقصى والقدس وزيادة وتيرة الاستيطان.
ولا تغفل الحركة عن أنها أرادت توجيه ضربة استباقية تهدف لحرمان تل أبيب من مباغتة غزة، وإعادة القضية إلى الواجهة.
وقالت مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الأسباب كانت صحيحة وكافية بالنسبة للحركة لاتخاذ قرار شن الهجوم، لكن خرج المخطط عن السيطرة».
وأضاف: «الهدف الرئيسي كان أسر جنود إسرائيليين وعقد صفقة تاريخية. ثم تأتي الأسباب الأخرى. لكن لم يتوقع أحد حتى المخططون الرئيسيون، أن تنهار قوات الاحتلال الإسرائيلي بهذه الطريقة، ما سمح بالدفع بمزيد من المقاومين للدخول لمناطق أخرى في وقت وجيز، قبل أن يتسع نطاق الهجوم بهذا الشكل».
ويعد تحرير الأسرى الفلسطينيين بالقوة، هاجس «حماس» منذ نشأت نهاية الثمانينات.
ونجحت الحركة بداية التسعينات أي بعد تأسيسها فوراً باختطاف جنود في الضفة وغزة والقدس وقتلتهم دون تفاوض. وفي عام 1994 خطف عناصر «حماس» جندياً وأخذوه إلى قرية في رام الله وبَثُّوا صوراً له ورسائل، وطلبوا إجراء صفقة تبادل، قبل أن يداهم الجنود المكان ويقتلوا كل من فيه.
وخلال العقود القليلة الماضية، لم تكل «حماس» أو تمل حتى نجحت عام 2006 في أسر الجندي جلعاد شاليط على حدود قطاع غزة، محتفظة به حتى عام 2011 عندما عقدت صفقة كبيرة مع إسرائيل تم بموجبها تحرير شاليط مقابل ألف أسير فلسطيني، بينهم يحيى السنوار الذي فجر فيما بعد معركة السابع من أكتوبر من أجل الإفراج عمن تبقى من رفاقه في السجن.
وتعد الحركة، الوحيدة التي نجحت في خطف إسرائيليين داخل الأراضي الفلسطينية، فيما نجح الآخرون قبل ذلك خارج فلسطين.
وقال مصدر في «حماس»: «قيادة الحركة وخاصةً رئيس مكتبها السياسي يحيى السنوار، كانت تولي اهتماماً كبيراً بملف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وظلت تبحث عن كل فرصة لإخراج أكبر عدد ممكن منهم».
وأضاف: «السنوار وعد رفاقه عندما خرج في صفقة شاليط بالإفراج عنهم».
وفعلاً حاول السنوار التوصل إلى صفقة من خلال مفاوضات على 4 أسرى لدى الحركة، وهم الجنود: هدار غولدن، وآرون شاؤول، اللذان تم أسرهما عام 2014، وأفراهام منغستو بعدما دخل الحدود بين عسقلان وغزة في العام نفسه، وهشام السيد بعد تسلله هو الآخر من الحدود.
تكتيكات «حماس» قبل وبعد
منذ 2014 حتى 2023 جربت «حماس» كل الطرق. عرضت صفقة شاملة وصفقة إنسانية، وضغطت على إسرائيل عبر نشر فيديوهات، آخرها فيديو قبل الحرب لمنغتسو، قال فيه: «أنا أفيرا منغيستو الأسير. إلى متى سأبقى في الأسر مع أصدقائي»، متسائلاً: «أين دولة إسرائيل وشعبها من مصيرهم».
ونشْر الفيديوهات من قبل «حماس» ميَّز سياسة اتبعتها منذ نشأتها من أجل الضغط على إسرائيل لعقد صفقات تبادل أسرى، وهو نهج تعزز كثيراً مع الحرب الحالية.
وخلال أكثر من عام نشرت «حماس» مقاطع فيديو لأسرى إسرائيليين بهدف الضغط على الحكومة الاسرائيلية، وعوائل أولئك الأسرى من جانب آخر، وكان آخر هذه المقاطع لأسير أميركي - إسرائيلي مزدوج الجنسية يدعى إيدان ألكسندر.
وظهر ألكسندر قبل أسبوع وهو يتحدث بالإنجليزية متوجهاً إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وبالعبرية متوجهاً إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مطالباً إياهم بالعمل على الإفراج عنه وعن الأسرى ضمن صفقة تبادل، مؤكداً أن حراسه من عناصر «حماس» أخبروه بأنهم تلقوا تعليمات جديدة إذا وصل الجيش الإسرائيلي إليهم، في إشارة لإمكانية قتله، داعياً الإسرائيليين للخروج والتظاهر يومياً للضغط على الحكومة للقبول بصفقة تبادل ووقف إطلاق النار في غزة. مضيفاً: «حان الوقت لوضع حد لهذا الكابوس».
وكثيراً ما استخدمت «حماس» هذا التكتيك، لتظهر أنها ما زالت تحافظ على حياة العديد منهم وأنهم في خطر حقيقي، وللتأكيد على موقفها المتصلب بأنه لا صفقة دون وقف إطلاق نار.
وفي الأيام القليلة الماضية، نشرت «حماس» فيديو جديداً عبر منصاتها أكدت فيه أن 33 أسيراً قتلوا وفقدت آثار بعضهم بسبب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وجيشه، وأنه باستمرار الحرب قد تفقد إسرائيل أسراها إلى الأبد.
إذن من أجل كل هذا وبعدما فشلت «حماس» في الوصول إلى صفقة، هاجمت في السابع من أكتوبر.
وقال مصدر مطلع: «لم تجد قيادة (حماس) أمامها سوى الخيار العسكري لتحريك هذا الملف، بعدما أهملت إسرائيل الملف ومطالبات الحركة بإتمام صفقة».
لكن النتائج جاءت عكس ما اشتهت السفن.
وأغلب الظن أن حركة «حماس» كانت تخطط لأسر عدد محدود من الإسرائيليين، تدخل بعدها في معركة قصيرة مع إسرائيل تجبر فيها الأخيرة على الإذعان لصفقة تبادل، على غرار ما جرى بعد اختطاف شاليط.
فالطوفان الذي خططت له «حماس»، جلب طوفانات على الفلسطينيين، وتحديداً في غزة التي تدمرت ودفعت ثمناً لا يتناسب مطلقاً مع الهدف المنوي جبايته.
خارج التوقعات
بدأت أصوات الغزيين ترتفع ويجاهر كثيرون بأن إطلاق سراح الأسرى لا يستحق كل هذا الدمار، ويقولون إن عدد الضحايا أصبح أضعاف أضعاف أعداد الأسرى، الذين بلغ عددهم قبل الحرب نحو 6 الآف.
وقال فريد أبو حبل وهو فلسطيني من سكان جباليا نازح إلى خان يونس جنوب القطاع: «كل ما نريده أن تتوقف هذه الحرب، لا شيء يمكن أن يكفر عن الثمن الباهظ جداً الذي دفعناه ولا حتى تبييض السجون بأكملها يمكن أن يعيد لنا جزءاً من كرامتنا المهدورة ونحن في الخيام ولا نجد ما نسد به رمق أطفالنا».
وتساءل أبو حبل: «من المسؤول عما وصلنا إليه؟! لو سئل الأسرى أنفسهم عن هذه التضحيات لربما كانوا تخلوا عن حريتهم مقابل أن يتوقف هدر الدماء بهذا الشكل».
لكن منال ياسين، ترى أن من يتحمل مسؤولية استمرار هذه الحرب هو الاحتلال الإسرائيلي وخاصةً نتنياهو الذي يرفض كل الحلول، معربةً عن اعتقادها أن «حماس» قدمت ما عليها، وحاولت تقديم كثير من المرونة، لكن من ترفض الحلول هي إسرائيل.
وتؤكد ياسين أن جميع سكان غزة يريدون وقف هذه الحرب.
ولا يقتصر هذا الجدل على آراء الناس في الشارع، بل امتد لشبكات التواصل الاجتماعي. وكتب الكاتب محمود جودة على صفحته على «فيسبوك»: «الموضوع صار خارج منطق أي شيء، مطر وجوع وقتل وخوف، أهل غزة الآن بيتعذبوا بشكل حقير وسادي، مقابل اللاشيء حرفياً. الجرحى بينزفوا دم، والمطر مغرقهم، والخيام طارت، والطين دفن وجوه الناس، ليش كل هذا بيصير فينا، ليش وعشان شو بيتم استنزافنا هيك بشكل مهين».
وقال الطبيب فضل عاشور، إن «كل محاولات حماس للحفاظ على البقاء محكومة بالفشل، والعناد اليائس ثمنه دمنا ولحم أطفالنا». فيما كتب الناشط الشبابي أيمن بكر: «ما هذا الخرب يا حماس؟ هل كل هذا يستاهل ما نحن فيه؟ نحن نموت جوعاً وقتلاً».
جدل عام وتهم جاهزة
هذا الجدل سرعان ما انتقل إلى السياسيين ورجال الدين.
فقد أثار الشيخ سليمان الداية عميد كلية الشريعة في الجامعة الإسلامية التابعة لـ«حماس»، وأبرز الشخصيات المعروفة مجتمعياً ومن القيادات المؤثرة دينياً داخل الحركة، وجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، جدلاً عبر شبكات التواصل الاجتماعي بعد نشره حلقات متتالية حول ما آلت إليه الحرب من نتائج صعبة على واقع الغزيين سياسياً واقتصادياً ودينياً واجتماعياً.
وكان الداية بالأساس يرد على تساؤلات دفعته لنشر هذه الحلقات، حول تصريحات للقيادي في «حماس» أسامة حمدان، حين قال إن ما يعيشه سكان غزة واقع عاشه كثيرون في العالم على مر التاريخ، مدافعاً عن هجوم 7 أكتوبر، ومبرراً حاجة حركته للتمسك بمواقفها رغم العدد الكبير من الضحايا والدمار الذي لحق بغزة.
ودفع كلام الداية، الكثيرين من المؤيدين لفكرة إنهاء الحرب أو رفضها من الأساس، بينما هاجمه كثيرون من عناصر «حماس» ووصفوه بأنه أحد «المتخاذلين أو المستسلمين».
وكتب الأسير المحرر والمختص بالشؤون الإسرائيلية عصمت منصور على صفحته في «فيسبوك» معلقاً على هذا الجدل: «لا تتهموا كل من يختلف أو يجتهد أو يحاول إثارة نقاش بجمل مسبقة وجاهزة ووضعه في خانة معادية للمقاومة وتحويل المقاومة إلى سيف مسلط على ألسن الناس».
ويرى المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن هذا الخلاف، طبيعي في ظل الظروف التي تحكم الفلسطينيين، لكنه يعتقد أنه كان من الصواب لو اعترفت «حماس» بأنها ربما قد تكون أخطأت التقدير في ظروف ردة الفعل الإسرائيلية على مثل الهجوم الذي شنته، وكان من الممكن أن يكون بشكل مغاير يخفف من مثل ما يجري على الأرض من مجازر ترتكب يومياً.
وأضاف: «الفلسطينيون بحاجة لنقاش جدي حول كثير من القضايا خاصةً فيما يتعلق بما وصلت إليه القضية الفلسطينية على جميع المستويات».
وتجمع غالبية من الفلسطينيين على أن حركة «حماس» كانت قادرة على أن يكون الهجوم الذي نفذته في السابع من أكتوبر 2023، أكثر حكمةً وأقل ضرراً بالنسبة للغزيين في ردة فعلهم.
ويستدل الفلسطينيون خاصةً في غزة، على العديد من الهجمات التي كانت تنفذها «حماس» لمحاولة خطف إسرائيليين، بشكل يظهر حكمتها، كما جرى في عملية أسر جلعاد شاليط عام 2006.
وتقول مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»، إن ما جرى كان خارج التوقعات، ولم يشمل المخطط الحقيقي للعملية، على الأقل أسر هذا العدد الكبير من الإسرائيليين.
وتعتقد مصادر أخرى أن القائمين على مخطط الهجوم، لو كانوا يدركون أنه سيسير بهذا الشكل، وتحديداً فيما يتعلق بردة الفعل الإسرائيلية، لصرفوا النظر أو أوقفوا الهجوم أو غيروا من تكتيكاته.
وإذا كان ثمة نقاش حول الثمن المدفوع الذي أرادت «حماس» أن تجبيه فإنها حتى الآن لم تُجبِه.
ويبدو أن التوصل لصفقة بين «حماس» وإسرائيل، أعقد مما تخيلت الحركة، في ظل رفض الأخيرة لكثير من الشروط التي وضعتها الأولى، خاصةً فيما يتعلق بالانسحاب من قطاع غزة بشكل كامل، وعودة النازحين من جنوب القطاع إلى شماله، والأزمة المتعلقة بشكل أساسي باليوم التالي للحرب.
وينوي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حتى الآن، المضي في حربه، من أجل مصالح سياسية وشخصية بشكل أساسي، وهو الأمر الذي تؤكده عوائل الأسرى الإسرائيليين وغيرهم وحتى جهات من المؤسسة الأمنية في تل أبيب، التي تشير إلى أن نتنياهو هو من يعرقل أي اتفاق مع «حماس».
وأكد المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن «نتنياهو يفضل استمرار الحرب في غزة من أجل كسب الوقت للحفاظ على حكمه سياسياً ومنع تفكك ائتلافه الحكومي من جهة، ومنع مقاضاته من جهة أخرى، ولذلك طلب مؤخراً عدة مرات تأجيل شهادته في قضايا الفساد المتهم بها، كما أنه يسعى لسن قوانين تسمح له بعدم الوجود في أماكن معينة لوقت طويل خشيةً من استهدافه بالطائرات المسيّرة، بهدف المماطلة في جلسات المحاكمة».
ويعتقد إبراهيم أنه كان من الممكن سابقاً التوصل لاتفاق جزئي يضمن في نهايته انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، إلا أن المشهد المعقد أيضاً في عملية اتخاذ القرار الفلسطيني داخل حركة «حماس» بشكل خاص، كان له أثر سلبي على ذلك، ما أضاع العديد من الفرص للتوصل لصفقة.
ويتفق إبراهيم مع الآراء التي تؤكد أن التوصل لصفقة يصبح أكثر تعقيداً وصعوبةً مع مرور الوقت.
وبانتظار أن ترى صفقة «حماس» النور أو لا... لم تكن «حماس» مخترعة العجلة في هذا الأمر.
صفقات تبادل سابقة
ونجح الفلسطينيون عبر تاريخ طويل في عقد عدة صفقات تبادل أسرى.
وكانت صفقة الجندي جلعاد شاليط هي الأولى بالنسبة لحركة «حماس»، وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، كانت الصفقة الثانية بالنسبة لـ«حماس» خلال الحرب الحالية، بإطلاق سراح نحو 50 إسرائيلياً مقابل 150 فلسطينياً.
ويعود التاريخ الفلسطيني في صفقات التبادل، إلى يوليو (تموز) 1968، وهي الصفقة الأولى بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، حين نجح عناصر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إحدى فصائل المنظمة، باختطاف طائرة إسرائيلية تابعة لشركة العال، التي كانت متجهة من روما إلى تل أبيب وأجبرت على التوجه إلى الجزائر وبداخلها أكثر من مائة راكب، وتم إبرام الصفقة من خلال «الصليب الأحمر الدولي» وأفرج عن الركاب مقابل 37 أسيراً فلسطينياً من ذوي الأحكام العالية من ضمنهم أسرى فلسطينيون كانوا قد أسروا قبل عام 1967.
وفي يناير (كانون الثاني) 1971، جرت عملية تبادل أسير مقابل أسير ما بين حكومة إسرائيل وحركة «فتح»، وأطلق بموجبها سراح الأسير محمود بكر حجازي، مقابل إطلاق سراح جندي إسرائيلي اختطف في أواخر عام 1969.
وفي مارس (آذار) 1979، جرت عملية تبادل أخرى بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، حيث أطلقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، سراح جندي إسرائيلي كانت قد أسرته بتاريخ 5 أبريل (نيسان) 1978، في كمين قرب صور، وقتلت حينها 4 جنود آخرين، وأفرجت إسرائيل مقابل الجندي عن 76 معتقلاً فلسطينياً من بينهم 12 سيدة.
وفي منتصف فبراير (شباط) 1980 أطلقت حكومة إسرائيل سراح الأسير مهدي بسيسو، مقابل إطلاق سراح مواطنة عملت جاسوسة لصالح إسرائيل كانت محتجزة لدى حركة «فتح»، وتمت عملية التبادل في قبرص وبإشراف اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر».
وفي 23 نوفمبر 1983، جرت عملية تبادل جديدة ما بين الحكومة الإسرائيلية، وحركة «فتح»، أفرج بموجبها عن جميع أسرى معتقل أنصار في الجنوب اللبناني وعددهم (4700) أسير فلسطيني ولبناني، و (65) أسيراً من السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح ستة جنود إسرائيليين أسروا في منطقة بحمدون في لبنان، فيما أسرت الجبهة الشعبية – القيادة العامة، جنديين آخرين.
وفي 20 مايو (أيار) 1985، أجرت إسرائيل عملية تبادل مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، أطلق بموجبها سراح 1155 أسيراً كانوا محتجزين في سجونها المختلفة، مقابل ثلاثة جنود أسروا في عمليتين منفصلتين.
لكن ليس كل الصفقات تمت بمبادلة.
ولعل أبرز صفقة حصلت عليها «حماس» لم تشارك فيها بشكل مباشر، وكانت عام 1997، حين جرت اتفاقية تبادل ما بين الحكومة الإسرائيلية والحكومة الأردنية وأطلقت بموجبها الحكومة الأخيرة سراح عملاء الموساد الإسرائيلي الذين حاولوا اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» حينها خالد مشعل، فيما أطلقت حكومة إسرائيل سراح الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة، الذي كان معتقلاً في سجونها منذ عام 1989 وكان يقضي حكماً بالسجن مدى الحياة، وكان لهذا الإفراج دور مهم في ارتفاع شعبية الحركة على مدار سنوات تلت ذلك، وخاصة بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000.