«مهرجان أبوظبي» في دورته العشرين: احتفاء الفن بقيم إنسان العالم

عازف التشيللو الصيني جيان وانغ لـ«الشرق الأوسط»: التكنولوجيا مُخرِّبة

عازف التشيللو الصيني جيان وانغ (الشرق الأوسط)
عازف التشيللو الصيني جيان وانغ (الشرق الأوسط)
TT

«مهرجان أبوظبي» في دورته العشرين: احتفاء الفن بقيم إنسان العالم

عازف التشيللو الصيني جيان وانغ (الشرق الأوسط)
عازف التشيللو الصيني جيان وانغ (الشرق الأوسط)

تسدل الدورة العشرون لـ«مهرجان أبوظبي» الستارة على وَقْع تصفيق يشتعل بعد العروض. ما تابعناه فن يحترم الذائقة، ويؤثر في الأفكار. دورة شعارها «إرادة التطوّر، توق للريادة»، تحتفي بأنامل تعزف وحناجر تمتدّ على مساحات. وتمايلت الأجساد الراقصة في عرض «ابنة صياد اللؤلؤ»، مُنشغلة بإظهار تراث الإمارات. ليلة «شغف بوذا»، تأليف قائد الأوركسترا الصيني الحائز على «أوسكار» تان دون، بديعة، لملامستها طبقة أعمق داخل العقل.

«بيتهوفن» من الصين


حضرت «الشرق الأوسط» ليالي شاهدة على فن يأبى التلاطم بالرخاوة. هاوشين زانغ، عازف بيانو صيني، التقط الأنفاس بعزف منفرد لساعتين في «مركز الفنون بجامعة نيويورك أبوظبي». عمَّ صمتٌ إلا للأنامل البارعة، وهي تستعيد «سوناتا البيانو رقم 29- هامركلافير» للودفيغ فان بيتهوفن. تصاعدَ النغم من الرقّة إلى التحريض على «الصفع»، وراح خدَّا الشاب الآتي من شرق آسيا يرتجّان، كدليل على الانجراف بتأثير موسيقى تدفع الرأس إلى التحرّك يميناً ويساراً، معلناً عدم الاكتفاء بانطلاق الأنامل. الجسد والروح في تلاقٍ مهيب.
أمام هاوشين زانغ طريق طويل، وقدمه واثقة. حماسته الفوّارة تغلب حكمة الخبرة. يعدّل كرسيّه الأسود بلون البيانو، ليسلّمه للسحر. النغمات تمسك بالصخب وتفلته.
الشاب الذي قدّم عروضاً مع أوركسترا نيويورك الفيلهارمونية، وأوركسترا مهرجان لوسيرن، وأوركسترا إذاعة فرنسا الفيلهارمونية؛ يصبح كله للموسيقى، حتى أجزاؤه الثابتة بحُكم الجلوس. يُبحر ثم يعود، بما يحتويه الإبحار من خفقان وضَخٍّ وتفجُّر. يرفع يده في نهاية المقطوعة الثالثة «سوناتا البيانو رقم 32» ويعلو برأسه وروحه، كأنه يقدّم العزف للفضاء ويسلّم النغم إلى الكون.

«من الغرب إلى الشرق أوديسة كلاسيكية»

تدخل «أوركسترا مسرح كوميونال دي مودينا بافاروتي فريني» لتتخذ مقاعدها. قائدها هو تان دون، نجم المهرجان. يقدّم وابن بلاده عازف التشيللو جيان وانغ مجموعة أيقونية من كلاسيكيات العباقرة: موتسارت، وموسورسكي، وتشايكوفسكي، أمام حضور رسمي ودبلوماسي في «قصر الإمارات»، وبإشراف مؤسِّسة «مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون»، المؤسِّسة والمديرة الفنية لـ«مهرجان أبوظبي» هدى الخميس كانو، الحاضرة في جميع السهرات، أدّى العازفون «أوديسة الغرب والشرق»، وللمرة الأولى في الإمارات مقطوعة «كونشيرتو بيبا».
عزفٌ يضفي معنى لقيم التلاقي الثقافي، يتجلى بالأداء المتفوق لاثنين من أشهر عازفي الموسيقى الكلاسيكية المعاصرة؛ تان دون وجيان وانغ. الأخير يُخبر «الشرق الأوسط» بين البروفات، أنّ زيارته الإماراتية تحاكي ولعه بالتاريخ والثقافات، ويقول: «موسيقاي هي اللغة المؤدّية إلى اكتمال الحوار. لغة بسيطة وشاملة، تمنحني زخماً من المشاعر». تعنيه «العواطف الموحّدة»، وهو يشدّد على القواسم المشتركة بين البشر: «كل شيء آخر يخبرنا أننا مختلفون. الموسيقى والفنون استثناء. اهتمامنا بهما يتيح الإحساس بسعادة جامعة. أمامهما نتساوى».
الفنون بالنسبة إليه احتفاء كوني بهذه المشاعر العابرة للصغائر، وانعكاس للجوانب الجميلة من أرواحنا. يتكلم عن خليط فني مثير يتيحه «مهرجان أبوظبي» المُشارك في فعالياته للمرة الأولى. مقابل ما يجمع، تستوقفه «التجربة المُخرِّبة» التي تكثّفها التكنولوجيا. فهي على الرغم من تقريبها بشراً تُبعدهم المسافة، باتصال الفيديوهات؛ فإنّ ضريبتها تضاؤل التواصل الإنساني: «الناس لا يهرعون إلى التشاجر حين يكونون معاً. من خلف الشاشات يحتدم الخناق. إحدى أكبر كوارث زمننا هي التكنولوجيا المؤدّية إلى تمادي البشاعة. وسائل التواصل تشهد».

«شغف بوذا»: بديع التجلّي الفلسفي

«شغف بوذا»، عرض مدهش صفّق له الحضور بحرارة لربع ساعة. التأليف الموسيقي والأوبرالي لتان دون المُكرَّم من المهرجان بعد ليلتين سلّمها للجمال. ستة فصول أوركسترالية تشكل عودة غنائية- موسيقية إلى آثار مدينة دونهوانغ وكهوفها القديمة في الصين. يُنشئ قائد الأوركسترا المُحلِّق بيد تمسك بعصا الإيقاعات وأخرى حرّة تضبط مسار الانسجام؛ عالماً ينسج الترانيم والقصص، محتفياً من خلال تجليات الفلسفة البوذية بالمفاهيم والقيم العظمى، أجملها التسامح والتضحية والحب والخلاص.
ستة فصول هي مسار عذابات بوذا وتصاعده الروحي نحو الـ«نيرفانا». من لوحة جدارية تسرد حكاية أمير صغير يتعلم أنّ جميع الأرواح متساوية، مقابل رجل خائن تطوله دورة الحياة (الكارما) بعد خذلانه «الغزلان ذات الألوان التسعة»، تبدأ الحكاية. بصوت حزين يشبه النايات، تغنّي السوبرانو لي تشو آلام «الأميرة مياوشان» رمز التضحية والفداء، ليشهد الفصل الثالث على جدلية المعنى السامي لمبدأ العطاء. وعلى طريق الحرير، ينجذب راهب إلى مصير امرأة تُحتضر، متلألئاً بالنعمة الأسطورية، ليجسّد رسالة بوذا الداعية إلى العطف.
يلخّص الملحمة كتيّب ينتظر الجالسين على مقاعدهم. ما تراه العين ويشهده العقل، مقام آخر لا يبلغه إلا الشهود على تلك الأمسية. تان دون يكتب للمداواة ويؤلف للخشوع والصلاة. في عرضه، يتساوى أحياء العالم، من الأصغر كالنمل إلى الأكبر كالديناصورات. الحب شغف ومُرشد. والموسيقى صحوة تُجدّد الإنسان الخلّاق أمام النور.
أسطورة الغزال والطمع البشري، اختزال للمرء المثير للشفقة. يتيقّن الغزال من خيانة الإنسان ومع ذلك ينقذه. الرمزية في نهايات مأساوية يلقاها الخائنون، وأسوأ «الكارما» تنتظر الملوَّثين بالأنانية. يموت «الغزال ذو الألوان التسعة» بطعنات السيف، ليحل العقاب العادل مهما يطول الزمن.
في المعزوفة مطر يبلل التلال الساكنة على الصخور، فنلمح انسياب الجدول. العذابات تتحرك كما الظلال، والعقل يستوطن الأبعد لكنه يعلو في الريح. الشجرة تتوق للراحة، وهذه الريح تواصل الهبوب. يعيش الإنسان بلا أعين وأذرع؛ لكنه يموت بلا قلب. لساعتين، والأوركسترا المذهلة تشقّ درباً نحو تحرّر العقول، فتوقظ الحكمة في الطريق إلى الضفة الأخرى من رحلة الحياة.

«ابنة صياد اللؤلؤ»

عرض راقص تتعاون فيه الكاتبة الإماراتية ميثاء الخياط، والمؤلفة الإماراتية إيمان الهاشمي، مع شركة الرقص الأميركية «كومباني إي». تسرد الفنانة اللبنانية- الأميركية ميسا قرعة شغف صيادين إماراتيين بالبحث عن اللؤلؤ في مياه الخليج، بينما الأجساد ترسم مشهدية الغوص وعجائب البحر وحكايات الأُسر والتقاليد والمخاطرة. تمتزج ثلاثية الرقص والموسيقى والغناء، مع تقنيات التكنولوجيا، لتشهد على سرد مشوّق بطلته لآلئ الخليج وأمواجه وقصص البحارة. وقوع العرض في رتابة التمايُل، وخروج بعض الحركة الراقصة عن سكة المعنى، أرخيا إحساساً بالهفوة، عوّضته الموسيقى والكوريغرافيا ومتعة اكتشاف الإرث الإماراتي.



منتدى المرأة العالمي ينطلق اليوم في دبي ويناقش دورها في 3 محاور رئيسية

جانب من جلسة في دورة سابقة لمنتدى المرأة العالمي في دبي (الشرق الأوسط)
جانب من جلسة في دورة سابقة لمنتدى المرأة العالمي في دبي (الشرق الأوسط)
TT

منتدى المرأة العالمي ينطلق اليوم في دبي ويناقش دورها في 3 محاور رئيسية

جانب من جلسة في دورة سابقة لمنتدى المرأة العالمي في دبي (الشرق الأوسط)
جانب من جلسة في دورة سابقة لمنتدى المرأة العالمي في دبي (الشرق الأوسط)

يناقش منتدى المرأة العالمي دبي 2024، الذي ينطلق اليوم في دبي، محاور رئيسية ذات أبعاد استراتيجية تتعلق بدور المرأة العالمي، كما يبحث اقتصاد المستقبل، والمسؤوليات المشتركة، والتكنولوجيا المؤثرة، وذلك خلال فعاليات المنتدى الذي تقام على مدى يومي 26 و27 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري.

ويسعى المنتدى إلى معالجة قضايا المرأة في ضوء التحديات العالمية المعاصرة، مع التركيز على تعزيز دورها شريكاً رئيسياً في تحقيق التنمية المستدامة، حيث يسلط الحدث الضوء على دور المرأة في قيادة التحول الرقمي، والذكاء الاصطناعي، ومواجهة التغير المناخي، إلى جانب تعزيز المساواة بين الجنسين وبناء الشراكات الدولية.

منصة استراتيجية لتمكين المرأة عالمياً

وأكدت منى المري، رئيسة مجلس الإدارة والعضو المنتدب لمؤسسة دبي للمرأة، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن المنتدى يسعى لإيجاد حلول للقضايا والتحديات التي تواجه المرأة على المستوى العالمي.

وأوضحت المرّي أن المنتدى يبحث قضايا المرأة الملحّة ذات العلاقة بالتحديات العالمية الماثلة، وقالت: «المنتدى يهدف إلى إلقاء الضوء على تلك القضايا بطرق متعددة، تأسيساً على ناقشه في دورتيه السابقتين، وما يطرحه في دورته الثالثة من محاور ذات أبعاد استراتيجية».

وأضافت: «في قلب النقاشات، تتجلى الأدوار الرائدة التي تلعبها المرأة في مختلف المجالات الحيوية، سواء من خلال تبوئها لمناصب صنع القرار، أو من خلال ممارستها التأثير الفعال في مجالات بارزة مثل قيادة التحول الرقمي، والذكاء الاصطناعي، والتصدي للتغير المناخي، والسعي نحو تحقيق الأمن والسلام والازدهار العالمي». ووفقاً لها، فإن إسهام المرأة في رسم معالم المسؤوليات العالمية، يجعلها شريكاً أساسياً في تشكيل مستقبل الشعوب وصياغة سياسات التنمية المستدامة.

وأشادت المري بجهود ومبادرات حرم الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس دولة الإمارات، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس ديوان الرئاسة، الشيخة منال بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين ورئيسة مؤسسة دبي للمرأة، التي عززت حضور المرأة في المناصب القيادية وزادت من تأثيرها في المجالات الحيوية.

اقتصاد المستقبل والتكنولوجيا المؤثرة

ولفتت المرّي إلى أن المنتدى يولي اهتماماً خاصاً للتعاون والشراكات الدولية؛ كونها تعد حجر الزاوية في استراتيجية التوازن بين الجنسين في دولة الإمارات، وأوضحت: «تحقيق أي تقدم ملموس في هذا المجال، سواء على الصعيدين الإقليمي أو العالمي، يتطلب مواصلة الجهود وتطوير شراكات متينة توفّر المنصة الضرورية للوصول إلى أهداف التنمية المستدامة، لا سيما الهدف الخامس الذي يُركز على تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين جميع النساء والفتيات».

ويتناول المنتدى دور المرأة في صياغة اقتصاد المستقبل عبر استعراض تجارب رائدة ومناقشة قضايا ملحة مثل الابتكار وريادة الأعمال. كما يركز على التكنولوجيا بوصفها عنصراً أساسياً لتحقيق التغيير، مع تسليط الضوء على أهمية تمكين المرأة في مجالات الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي.

وأضافت المري أن المنتدى سيبرز مساهمة المرأة في مواجهة التحديات العالمية مثل التغير المناخي وتحقيق الأمن الغذائي والسلام العالمي، وقالت: «إشراك المرأة في صياغة السياسات العالمية يُعد خطوة محورية نحو بناء مجتمعات أكثر استدامة وعدلاً».

كما ركزت المري على أهمية الشراكات الدولية بوصفها ركيزة لتحقيق التوازن بين الجنسين، مشيرة إلى إطلاق مبادرات نوعية خلال المنتدى، أبرزها توقيع مجلس الإمارات مبادرة للتوازن بين الجنسين مع عدد من مؤسسات القطاع الخاص لتعزيز نسبة النساء في المناصب القيادية إلى 30 في المائة بحلول عام 2025، وأوضحت: «تحقيق تقدم ملموس في المساواة بين الجنسين يتطلب تضافر الجهود بين الحكومات والقطاع الخاص عبر شراكات مستدامة».

منى المري رئيسة مجلس الإدارة والعضو المنتدب لمؤسسة دبي للمرأة

مشاركات ملهمة

وبحسب المعلومات الصادرة، فإن المنتدى يجمع نخبة من القيادات وصناع القرار من مختلف أنحاء العالم، من بينهم أكثر من 25 وزيراً ووزيرة وشخصيات بارزة تشمل: الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة هيئة الثقافة والفنون بدبي، التي ستناقش رؤيتها لدبلوماسية الثقافة، وأمينة إردوغان، حرم الرئيس التركي، التي ستشارك في جلسات تسلط الضوء على تمكين المرأة عالمياً، بالإضافة إلى سعيدة ميرضيائيفا، مساعدة رئيس أوزبكستان، وآصفة بوتو زرداري، السيدة الأولى في باكستان، وإليزا ريد، السيدة الأولى السابقة لآيسلندا، وإيرين فيلين، ممثل الناتو الخاص للمرأة والسلام والأمن.

كما تشارك شخصيات ملهمة من القطاع الخاص مثل كاميل فاسكيز، محامية النجم العالمي جوني ديب، وأشواريا راي، نجمة السينما العالمية.

التمكين

وفقاً لمنى المرّي، فإن تنظيم مؤسسة دبي للمرأة لهذا المنتدى العالمي الذي يجمع نخبة من القيادات الحكومية والمنظمات والهيئات الدولية والخبراء وأصحاب التجارب المُلهِمة من حول العالم، يؤكد التزام الإمارات بتمكين المرأة وريادتها في تعزيز الوعي بالقضايا والتحديات القائمة على الساحة العالمية.

وقالت: «دبي، بحضورها الدولي، تواصل تعزيز مكانتها مركزاً عالمياً للحوار والتنمية، حيث يقدم المنتدى فرصة لبناء شراكات استراتيجية تدعم تمكين المرأة عالمياً، وتسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة».