هل يستطيع الفقراء الالتحاق بمعاهد الإعلام الفرنسية؟

سُمعتها جيدة لكنها انتقائية ولا تعكس جميع أطياف المجتمع

صورة طلاب الإعلام نشرتها المدرسة العليا للصحافة في «تويتر»
صورة طلاب الإعلام نشرتها المدرسة العليا للصحافة في «تويتر»
TT

هل يستطيع الفقراء الالتحاق بمعاهد الإعلام الفرنسية؟

صورة طلاب الإعلام نشرتها المدرسة العليا للصحافة في «تويتر»
صورة طلاب الإعلام نشرتها المدرسة العليا للصحافة في «تويتر»

نشرت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية أخيراً قائمة بأحسن المعاهد والصروح التعليمية المتخصصة في مجال الإعلام والصحافة، وكالعادة احتلت المدارس الخاصة مراتب الصدارة.
16 معهداً ومدرسة تدخل ضمن هذه القائمة الذهبية: 14 منها تملك تصريحاً خاصاً من الدولة بتدريس تقنيات الصحافة والإعلام وتمنح شهادات ذات اعتراف مهني. و5 منها متمركزة في باريس، والـ9 المتبقية في مدن فرنسية أخرى، كمرسيليا وليل وستراسبورغ وغرونوبل وتولوز ونيس. والمُلاحظ تميز هذه «المدارس» بدرجة كبيرة من الانتقائية، ذلك أن معظمها يشترط للتسجيل التقديم لمسابقات معروفة بصعوبتها، لا تتجاوز معدلات القبول فيها 10 في المائة، ولا سيما داخل معاهد الدراسات السياسية باعتبارها الطريق الأفضل للالتحاق بالمؤسسات الإعلامية الفرنسية الكبرى

«البابان الصغير والكبير» لدخول الصحافة
الباحث الفرنسي المرموق بيار بورديو استعمل مصطلح «الباب الصغير» و«الباب الكبير» لوصف التنظيم الهرمي الذي يميّز المنظومة التعليمية المتخصصة في مجال الصحافة. وفي القمة نجد «المدارس الكبرى» الراقية التي يحظى حمَلتُها بالسّجاد الأحمر ونسب توظيف عالية لدى المؤسسات الإعلامية، ومعظمها في باريس، وفي القاعدة الجامعات والمدارس الصغيرة بتخصصاتها المختلفة في الصحافة وتقنيات الإعلام، وهي أقل إقبالاً وأقل تألقاً، ومعظمها في المدن المتوسطة.
هذه الحقيقة أكّدتها دراسة حديثة للجنة الصحافيين المحترفين، كشفت أن أكثر من ربع الصحافيين الجدد الواصل عددهم إلى 1353 ممّن حصلوا على بطاقاتهم المهنية أول مرة في 2021 هم من خريجي «المدارس الكبرى». وأهمُّها: المدرسة العليا للصحافة «ESJ» التي تضم فرعاً رئيسياً في باريس، ولكن مع فرعين آخرين في مدينة ليل بشمال فرنسا، وفي جنوب فرنسا بمدينة مونبلييه. وهذه المدرسة العليا تُعدّ إحدى أهم مدارس الصحافة الأوروبية وأقدمها. يجري التسجيل فيها للدراسة بعد الخضوع لمسابقة، ثم هناك مدرسة «CFJ» للصحافة، ومعهد الصحافة التابع لمعهد العلوم السياسية الشهير الـ«سيانس بو Sciences Po»، وكلاهما يحظى بسمعة جيدة، ولا يمكن التقدم لأي منهما إلا عن طريق مسابقة وملف بشروط شديدة الانتقائية، ذلك أنه يُنظر إلى النتائج السابقة للمرشحين، ومن ثم لا يتعدى عدد سعيدي الحظ من الفائزين خمسين طالباً سنوياً، أما على صعيد الجامعات، فوحدها جامعة باريس- السوربون تقترح تكويناً (إعداداً) عالياً في الصحافة من خلال مدرسة «السيلزا» المعروفة، ومعهد الـ«أ.ف.ب» التابع لجامعة باريس- أساس، مع الإشارة إلى أن التكوين الذي تقترحه هذه المدارس يشمل جميع مجالات الإعلام؛ من الصحافة المكتوبة، إلى الراديو والتلفزيون، بالإضافة إلى وسائل الإعلام الرقمية.


صورة لطلاب يتابعون دورة في الإعلام نشرتها المدرسة العليا للصحافة في «تويتر»

الثقافة العامة والمعايير العالية
في حوار مع صحيفة «لوفيغارو»، كشف إيريك شول، مدير تحرير مجلة «لكسبرس»، أن اختيار الصحافيين الجدد «يجري بالنظر إلى مستوى تكوينهم، والمطلوب المعرفة الوافية بالتطورات السياسية والاجتماعية الراهنة»، ثم يشرح: «المدارس الكبرى استوعبت هذه المطالب وتكيّفت معها منذ أكثر من عشرين سنة... ومعظمها على اتصال مستمر بالمؤسسات الإعلامية، ولذا فهي تتأقلم مع احتياجاتنا، وتعرف جيداً نوعية المرشحين الذين نبحث عنهم».
وهنا تضيف ماري أستيل بيش، مديرة تحرير مجلة «ماريان»، فتقول: «يحدث أن نوظف صحافيين خارج إطار المدارس الكبرى ممّن أثبتوا موهبتهم الصحافية عبر دورات وتربّصات داخل المؤسسة، لكن هذا أمر نادر جداً... وإذا كان الاستغناء عن مدارس الصحافة ممكناً منذ ثلاثين سنة مضت، فإنه بات شبه مستحيل، اليوم؛ ذلك أن هذه المنظومات تتمتع بالاستقرار والخبرة... وهي عريقة، وفي الوقت نفسه قريبة من دوائر التحرير، وغالباً ما تستقبل مداخلات شخصيات سياسية وثقافية مهمة».
من جهتها تذكّر إيميلي أوبري، رئيسة التحرير في قناة «إر تي»، بأن الصحافي هو «اختصاصي في الثقافة العامة، لذا فإن شروط الاختيار يجب أن تراعي مستوى الثقافة العامة كالشرط رقم واحد». ثم تواصل لتوضح: «من المهم أن يكون لهؤلاء الشباب قاعدة معرفية قوية في الإنسانيات وفي التاريخ والعلاقات السياسية، غير أننا لا ننظر للتكوين الأكاديمي وحده، إذ إن التجارب خارج المعاهد مهمة أيضاً، كالأسفار والدورات والمنتديات، وحتى النشاطات الإنسانية والترفيهية».
لكن في السياق نفسه فإن المعايير العالية التي تفرضها هذه المدارس على طلابها «لا تبدو دائماً كافية في نظر المؤسسات الإعلامية»، وهذا على الأقل رأي مديرة الأخبار في قناة «إل سي بي» بيرين تارنو، التي تعرب عن أسفها الشديد لما ترى أنه تدنٍّ في مستوى التكوين. وتضيف: «نعم، هناك تراجع صارخ في مستوى الثقافة العامة لدى الصحافيين المبتدئين، وخصوصاً الطلبة من خريجي الجامعات. بعض هؤلاء يرتكب أخطاء لغوية، ومنهم من يعاني نقائص في مجال الإلمام بالتاريخ المعاصر، على أن المستوى أحسن بكثير عند الطلبة المتخرجين في معاهد السيانس بو».

غياب التنوع الاجتماعي
على صعيد ثانٍ، ورغم المجهودات التي تبذلها معاهد الإعلام لتحقيق التنوع الاجتماعي وتمثيل المجتمع الفرنسي بكل أطيافه، فإنها تبدو وكأنها لا تزال مقصّرة. وثمة تقارير كثيرة أشارت إلى تمثيل مفرط للطبقات الاجتماعية العليا مقابل غياب الأقليات العرقية والطبقات البسيطة. من أهم هذه التقارير دراسة معروفة للباحث في علم الاجتماع بيار بورديو، خلصت إلى القول إن «جهود المؤسسات الإعلامية في تحقيق التنوع قد فشلت، وإن التغيير يتطلب إجراءات واسعة تبدأ من معاهد الصحافة قبل قاعات التحرير». وأيضاً هناك تحقيق نشرته مجلة «لي زيكو» بعنوان «هل تستبعد مدارس الصحافة الطلبة البسطاء؟». وقد وجه التحقيق بصراحة أصابع الاتهام إلى مدارس الصحافة والإعلام الكبيرة التي تفرض حواجز على الشباب ذوي الأصول الاجتماعية البسيطة، بدءاً بالرسوم المرتفعة التي تفرضها للتسجيل في المسابقات والتي قد تصل بسهولة إلى 5000 يورو. ومن ثم يشير التحقيق إلى أن نسبة الطلبة من ذوي الأصول البسيطة المسجلين في هذه المدارس لا يتعدى 15 في المائة. ولئن كانت الشهادة ليست شرطاً أساسياً للعمل صحافياً، بعكس التخصصات الأخرى كالطب والهندسة، فإن التخرج في هذه المدارس يبقى الوسيلة المثلى للالتحاق بالمؤسسات الإعلامية الكبيرة، ولا سيما بفضل الدورات داخل المؤسسات الصحافية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن مارك إبشتاين، الصحافي السابق ورئيس التحرير في جريدة «لوموند» ومجلة «لكسبرس»، بعد ملاحظته غياب أجيال الهجرة والشباب ذوي الأصول الريفية من قاعات التحرير، قرّر مع مجموعة من زملائه إطلاق دورة تكوين خاص تحت شعار «بريبا لا شانس: من أجل التنوع في وسائل الإعلام». هذا التكوين يُعدّ تجربة فريدة من نوعها في فرنسا، وهو يهدف إلى تحضير الطلبة المتحدرين من أصول اجتماعية بسيطة لدخول مسابقات المدارس الكبرى من خلال 250 ساعة، أي 8 أشهر، يُمضونها في مراجعة المواد المقرَّرة في المسابقات كالفرنسية والإنجليزية والثقافة العامة والتاريخ والسياسة، والمشاركة في ورش تطبيقية، إضافة إلى منح الطلاب مساعدة مالية لدفع رسوم التسجيل في المسابقات.
تكوين «بريبا لا شانس» كان قد كشف، في موقع «لينكد إن»، عن حصيلة إيجابية لمختلف الدفعات، بما أن طالبين من أصل ثلاثة نجح في اجتياز مسابقات مدارس الصحافة الراقية، و85 في المائة منهم يعملون الآن في وسائل الإعلام الكبيرة. والمهم، وفقاً لشهادة مارك إبشتاين، هو «أن تعكس مهنة الصحافي التركيبة الحقيقية للمجتمع الفرنسي، وألا يتخلى هؤلاء الشباب عن دراستهم بسبب المشكلات المالية التي قد تواجههم في طريقهم نحو الوصول إلى عالم الصحافة...».
لكن هنا، ينسب إيريك فالمير، مدير الأخبار في إذاعة «راديو فرنس» غياب التنوع في وسائل الإعلام إلى «نقص الثقة»، إذ يقول: «لا يتقدم بعض الطلبة لإجراء مسابقات التسجيل؛ لأنهم، ببساطة، لا يعتبرون أنفسهم قادرين على الالتحاق بمثل هذه المدارس الراقية... عندما يكون والدك عامل نظافة أو خبازاً... ووالدتك بائعة أو عاملة وتسكن في منطقة ريفية أو ضاحية فقيرة، لا أحد سيشجعك لكي تصبح صحافياً؛ لأن ذلك يبدو بعيد المنال، حتى مجرد الحلم يغدو ممنوعاً...».



فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
TT

فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)

قد يكون من الواجب المهني الاعتراف بأن الجميع أخطأ في قراءة مجريات المعركة الانتخابية، والمؤشرات التي كانت كلها تقود إلى أن دونالد ترمب في طريقه للعودة مرة ثانية إلى البيت الأبيض. وترافق ذلك مع حالة من الإنكار لما كانت استطلاعات الرأي تُشير إليه عن هموم الناخب الأميركي، والأخطاء التي أدّت إلى قلّة التنبُّه لـ«الأماكن المخفية»، التي كان ينبغي الالتفات إليها.

لا ثقة بالإعلام الإخباري

وبمعزل عن الدوافع التي دعت جيف بيزوس، مالك صحيفة «واشنطن بوست»، إلى القول بأن «الأميركيين لا يثقون بوسائل الإعلام الإخبارية» لتبرير الامتناع عن تأييد أي من المرشحيْن، تظل «الحقيقة المؤلمة» أن وسائل الإعلام الأميركية، خصوصاً الليبرالية منها، كانت سبباً رئيسياً، ستدفع الثمن باهظاً، جراء الدور الذي لعبته في تمويه الحقائق عن الهموم التي تقضّ مضاجع الأميركيين.

صباح يوم الأربعاء، ومع إعلان الفوز الكاسح لترمب، بدا الارتباك واضحاً على تلك المؤسسات المكتوبة منها أو المرئية. ومع بدء تقاذف المسؤوليات عن أسباب خسارة الديمقراطيين، كانت وسائل الإعلام هي الضحية.

وفي بلد يتمتع بصحافة فعّالة، كان لافتاً أن تظل الأوهام قائمة حتى يوم الانتخابات، حين أصرت عناوينها الرئيسية على أن الأميركيين يعيشون في واحد من «أقوى الاقتصادات» على الإطلاق، ومعدلات الجريمة في انخفاض، وعلى أن حكام «الولايات الحمراء» يُضخّمون مشكلة المهاجرين، وأن كبرى القضايا هي المناخ والعنصرية والإجهاض وحقوق المتحولين جنسياً.

في هذا الوقت، وفي حين كان الجمهوريون يُسجلون زيادة غير مسبوقة في أعداد الناخبين، والتصويت المبكر، ويستفيدون من التحوّلات الديموغرافية التي تشير إلى انزياح مزيد من الناخبين ذوي البشرة السمراء واللاتينيين نحو تأييد ترمب والجمهوريين، أصرّت العناوين الرئيسية على أن كامالا هاريس ستفوز بموجة من النساء في الضواحي.

جيف بيزوس مالك «واشنطن بوست» (رويترز)

عجز عن فهم أسباب التصويت لترمب

من جهة ثانية، صحيفة «وول ستريت جورنال»، مع أنها محسوبة على الجمهوريين المعتدلين، وأسهمت استطلاعاتها هي الأخرى في خلق صورة خدعت كثيرين، تساءلت عمّا إذا كان الديمقراطيون الذين يشعرون بالصدمة من خسارتهم، سيُعيدون تقييم خطابهم وبرنامجهم السياسي، وكذلك الإعلام المنحاز لهم، لمعرفة لماذا صوّت الأميركيون لترمب، ولماذا غاب ذلك عنهم؟

في أي حال، رغم رهان تلك المؤسسات على أن عودة ترمب ستتيح لها تدفقاً جديداً للاشتراكات، كما جرى عام 2016، يرى البعض أن عودته الجديدة ستكون أكثر هدوءاً مما كانت عليه في إدارته الأولى، لأن بعض القراء سئِموا أو استنفدوا من التغطية الإخبارية السائدة.

وحتى مع متابعة المشاهدين لنتائج الانتخابات، يرى الخبراء أن تقييمات متابعة التلفزيون والصحف التقليدية في انحدار مستمر، ومن غير المرجّح أن يُغيّر فوز ترمب هذا المأزق. وبغضّ النظر عن زيادة عدد المشاهدين في الأمد القريب، يرى هؤلاء أن على المسؤولين التنفيذيين في وسائل الإعلام الإخبارية وضع مهامهم طويلة الأجل قبل مخاوفهم التجارية قصيرة الأجل، أو المخاطرة «بتنفير» جماهيرهم لسنوات مقبلة.

وهنا يرى فرانك سيزنو، الأستاذ في جامعة «جورج واشنطن» ورئيس مكتب واشنطن السابق لشبكة «سي إن إن» أنه «من المرجح أن يكون عهد ترمب الثاني مختلفاً تماماً عمّا رأيناه من قبل. وسيحمل هذا عواقب وخيمة، وقيمة إخبارية، وينشّط وسائل الإعلام اليمينية، ويثير ذعر اليسار». ويضيف سيزنو «من الأهمية بمكان أن تفكر هذه القنوات في تقييماتها، وأن تفكر أيضاً بعمق في الخدمة العامة التي من المفترض أن تلعبها، حتى في سوق تنافسية للغاية يقودها القطاع الخاص».

صعود الإعلام الرقمي

في هذه الأثناء، يرى آخرون أن المستفيدين المحتملين الآخرين من دورة الأخبار عالية الكثافة بعد فوز ترمب، هم صانعو الـ«بودكاست» والإعلام الرقمي وغيرهم من المبدعين عبر الإنترنت، الذين اجتذبهم ترمب وكامالا هاريس خلال الفترة التي سبقت الانتخابات. وهو ما عُدَّ إشارة إلى أن القوة الزائدة للأصوات المؤثرة خارج وسائل الإعلام الرئيسية ستتواصل في أعقاب الانتخابات.

وفي هذا الإطار، قال كريس بالف، الذي يرأس شركة إعلامية تنتج بودكاست، لصحيفة «نيويورك تايمز» معلّقاً: «لقد بنى هؤلاء المبدعون جمهوراً كبيراً ومخلصاً حقّاً. ومن الواضح أن هذا هو الأمر الذي يتّجه إليه استهلاك وسائل الإعلام، ومن ثم، فإن هذا هو المكان الذي يحتاج المرشحون السياسيون إلى الذهاب إليه للوصول إلى هذا الجمهور».

والواقع، لم يخسر الديمقراطيون بصورة سيئة فحسب، بل أيضاً تحطّمت البنية الإعلامية التقليدية المتعاطفة مع آرائهم والمعادية لترمب، وهذا ما أدى إلى تنشيط وسائل الإعلام غير التقليدية، وبدأت في دفع الرجال من البيئتين الهسبانيكية (الأميركية اللاتينية) والفريقية (السوداء) بعيداً عنهم، خصوصاً، العمال منهم.

يرى الخبراء أن تقييمات متابعة التلفزيون والصحف التقليدية في انحدار مستمر ومن غير المرجّح أن يُغيّر فوز ترمب هذا المأزق

تهميش الإعلام التقليدي

لقد كانت الإحصاءات تشير إلى أن ما يقرب من 50 مليون شخص، قد أصغوا إلى «بودكاست» جو روغان مع ترمب، حين قدم تقييماً أكثر دقة لمواقفه ولمخاوف البلاد من المقالات والتحليلات التي حفلت بها وسائل الإعلام التقليدية، عن «سلطويته» و«فاشيته» لتدمير المناخ وحقوق الإجهاض والديمقراطية. ومع ذلك، لا تزال وسائل الإعلام، خصوصاً الليبرالية منها، تلزم الصمت في تقييم ما جرى، رغم أن توجّه الناخبين نحو الوسائل الجديدة عُدّ تهميشاً لها من قِبَل الناخبين، لمصلحة مذيعين ومؤثّرين يثقون بهم. وبالمناسبة، فإن روغان، الذي يُعد من أكبر المؤثّرين، ويتابعه ملايين الأميركيين، وصفته «سي إن إن» عام 2020 بأنه «يميل إلى الليبرالية»، وكان من أشد المؤيدين للسيناتور اليساري بيرني ساندرز، وقد خسره الديمقراطيون في الانتخابات الأخيرة عند إعلانه دعمه لترمب. وبدا أن خطاب ساندرز الذي انتقد فيه حزبه جراء ابتعاده عن الطبقة العاملة التي تخلّت عنه، أقرب إلى ترمب منه إلى نُخب حزبه، كما بدا الأخير بدوره أقرب إلى ساندرز من أغنياء حزبه الجمهوري.