«واتساب» لنشر الأخبار... بين المنافسة والمصداقية

«واتساب» لنشر الأخبار... بين المنافسة والمصداقية
TT

«واتساب» لنشر الأخبار... بين المنافسة والمصداقية

«واتساب» لنشر الأخبار... بين المنافسة والمصداقية

اتجهت منصة «واتساب» إلى تطوير خدمة نشر الأخبار، لتنافس منصتي التواصل الاجتماعي «فيسبوك» و«تويتر»، وسط جهود لتحقيق المصداقية. ويرى بعض خبراء الإعلام أن هذا سيفتح المجال أمام المؤسسات الإعلامية لتحقيق مزيد من الاستفادة من منصات التواصل، في حين أبدى آخرون قلقهم بشأن معايير الأخبار وصدقيتها.
«واتساب» كانت قد أعلنت في منتصف مارس (آذار) الحالي عن تطوير ميزة جديدة للنشرات الإخبارية تُسمى «نيوزليتر» Newsletter، من خلال توفير إمكانية إنشاء قناة لنشر المحتوى من دون تقييد لعدد المشتركين. وهذه الخدمة ليست الأولى من نوعها؛ إذ كانت أطلقتها «ميتا»، الشركة الأم المالكة لـ«واتساب»، بالفعل تحت مسمى «تشانل» عبر «إنستغرام». وفي حين اعتبر خبراء في الإعلام الميزة الجديدة تطوراً يعزز دور غرف الأخبار وصناعة المحتوى، رأى مراقبون أن الفكرة مستنسخة من «تلغرام» في الأساس.
الدكتور لخضر شادلي، أستاذ الإعلام الجديد والرقمي في الجامعة الكندية بدبي، يُثمن خطوة «واتساب». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، اعتبر المنصة «مكاناً مثالياً لنشر الأخبار... وبهذه الخطوة تطرح فرصة للمنظمات الإعلامية والصحف والمدونين والصحافيين، للاستفادة منها للتواصل مع الجمهور بطريقة مباشرة وشخصية». وتابع بأنه من «الممكن استخدام (واتساب) لنشر الأخبار بشكل سريع ومباشر، كما يُمكن للمستخدمين الاشتراك في قنوات إخبارية مختلفة، والحصول على أخبار مُحدثة على مدار الساعة».
ويرى شادلي أن تجربة «واتساب» الجديدة «تُمكن المنظمات الإعلامية من إرسال روابط للمقالات والأخبار الحصرية، مع إضافة بعض الخدمات التفاعلية والصور لجذب الانتباه». ويضيف أن «صناعة المحتوى الإخباري تتوسع على هذه المنصة باستمرار». وعدّد أسباب ذلك بقوله: «إن ارتفاع عدد مستخدمي (واتساب) يضع المنصة في منافسة مستمرة لتحقيق مزيد من المكاسب، حتى باتت وجهة مثالية لنشر الأخبار والمحتوى الإعلامي»، موضحاً: «تتميز (واتساب) بسهولة الاستخدام، وقدرتها على الوصول إلى شرائح كبيرة من الجمهور، كما أنها توفر وسيلة مريحة وفورية لتبادل الأخبار... ومن ثم، فإن دخول (واتساب) شريكةً في نشر الأخبار ربما يُسهم في تجربة أكثر تفاعلية... ومن المتوقع أن تتجه صناعة المحتوى الإخباري على منصة (واتساب) نحو المحتوى البصري، كما أن إمكانياتها تسمح بمزيد من التفاعل المباشر مع المستخدم».
بعدها، أكد شادلي أن «ثمة مكاسب مزدوجة من شأنها أن تعود على (واتساب) من جانب، وعلى صُناع المحتوى والمؤسسات الصحافية من جانب آخر، لا سيما فيما يخص نموذج العمل الاقتصادي». وشرح قائلاً: «يُمكن لمنصة (واتساب) التوسع في الأعمال وزيادة إيراداتها من خلال دخولها في مجال نشر المحتوى، وتقديم خدمات متعددة تخص هذا المجال... كما أن الخطوة تُعزز التنافسية مع منصات أخرى في مجال صناعة المحتوى مثل (فيسبوك)، ما يصب في مصلحة المستخدم».
وعن المؤسسات الصحافية وصُناع المحتوى، يرى الأستاذ في الجامعة الكندية بدبي أنها أيضاً على خط المكاسب؛ «إذ بوسع المؤسسات الإعلامية استخدام تطبيقات منصات التواصل الاجتماعي مثل (واتساب) لزيادة الوصول إلى الجمهور، وكذلك توفير خدمات التواصل بين مصدر الخبر والقارئ أو المستخدم، وتزويده بالأخبار الآنية والمحتوى الإعلامي بشكل فوري ومباشر»، وأردف: «يمكن أيضاً استخدام خدمة الرسائل الجماعية في (واتساب) لإرسال رسائل إعلامية وإخبارية لعدد كبير من المتلقين في وقت واحد، كما توجد ثمة مكاسب اقتصادية أخرى تتحقق للمؤسسات الإعلامية بتوفير التكاليف... فبدلاً من الاعتماد على الاتصالات والرسائل النصية القصيرة والإعلانات التلفزيونية، قد تستخدم المؤسسات (واتساب) بديلاً أرخص لهذه الخدمات».
من جهة ثانية، وحسب إحصائيات حديثة، وصل عدد المستخدمين النشطين على «واتساب» إلى أكثر من 2.24 مليار مستخدم شهرياً، كما تحتل المنصة المركز الثامن بين التطبيقات والمنصات الأكثر تحميلاً على متجر تطبيقات «أندرويد»، وكذلك «أبل». ويُذكر أن خدمات إرسال «المحتوى الإخباري» كانت متوفرة بالفعل عبر رسائل البريد الإلكتروني منذ سنوات، غير أن ما يميز «واتساب» هو معدل فتح الرسائل الذي يُقدر عليها بـ90 في المائة، بينما يبلغ متوسط معدل فتح رسائل البريد الإلكتروني التسويقية 21.5 في المائة، الأمر الذي ثمنه الخبراء، متوقعين نجاح التجربة. وفي هذا السياق اعتبر الخبير التقني السعودي، خالد أبو إبراهيم، أن المكاسب المتوقعة للمؤسسات الإعلامية «إيجابية» إلى حد يدفعها إلى تخصيص محتوى للنشر على «المنصة الخضراء».
وتابع أبو إبراهيم في حوار مع «الشرق الأوسط»، بأن «ما يميز (واتساب) ليس عدد المستخدمين فحسب، بل التفاعل والنشاط... وأعتبره التطبيق اليومي لجميع المستخدمين، ومن ثم قد ينعكس ذلك على عدد القراءات الخاصة بالأخبار، وكذلك حجم التفاعل عليها».
غير أن الخبير التقني السعودي يرهن نجاح التجربة بضمانات التصدي لـ«المعلومات المضللة»؛ إذ يقول: «أتصور أن مجابهة الأخبار المضللة وغير الدقيقة تتوقف على إمكانية تدشين حسابات رسمية للصحف والمؤسسات، مثل (فيسبوك) و(تويتر)، لتتمكن كل مؤسسة من امتلاك حساب موثق، ومن ثَم يطالع المستخدم الأخبار بشكل مباشر ومضمون... أما غير ذلك فلن يضمن تحقيق معيار الصدقية، بل يفسح المجال لنشر الأخبار المضللة التي تُعانيها بعض منصات التواصل الاجتماعي بشكل عام، وتعد تحدياً مستمراً تُحاربه المنصات بتطوير الخوارزميات».
وبالتالي، يقترح أبو إبراهيم نشر رابط الخبر وليس تفاصيله عبر «واتساب». ويقول: «لضمان الصدقية يجب قراءة الخبر على الموقع الرسمي، وأتصور أن يجري نشر الرابط مع معلومات محدودة، على أن ينقل الرابط المُتصفح إلى الموقع الرسمي للجهة الصادر عنها الخبر... فمن شأن هذا تحقيق الضمانات حول صحة المعلومات، وكذلك يُعزز القراءات التي تنعكس إلى مكاسب مادية».
ويستشهد الخبير السعودي بتجربة «واتساب بيزنس»، موضحاً أن «تجربة (واتساب) في قطاع العمل مُبشرة، وتشير إلى نتائج جيدة في مجالات مثل نشر الأخبار، وتعزيز صناعة المحتوى، لا سيما مع تعزيز التجربة بخدمات مثل ربط حساب الشخص بالبريد الإلكتروني الخاص به، كذلك هناك خدمات خرائط (غوغل)، وغيرها من الخدمات التي عززت التجربة، وأعطت مؤشراً لنجاح تجارب مقبلة».



فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
TT

فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)

قد يكون من الواجب المهني الاعتراف بأن الجميع أخطأ في قراءة مجريات المعركة الانتخابية، والمؤشرات التي كانت كلها تقود إلى أن دونالد ترمب في طريقه للعودة مرة ثانية إلى البيت الأبيض. وترافق ذلك مع حالة من الإنكار لما كانت استطلاعات الرأي تُشير إليه عن هموم الناخب الأميركي، والأخطاء التي أدّت إلى قلّة التنبُّه لـ«الأماكن المخفية»، التي كان ينبغي الالتفات إليها.

لا ثقة بالإعلام الإخباري

وبمعزل عن الدوافع التي دعت جيف بيزوس، مالك صحيفة «واشنطن بوست»، إلى القول بأن «الأميركيين لا يثقون بوسائل الإعلام الإخبارية» لتبرير الامتناع عن تأييد أي من المرشحيْن، تظل «الحقيقة المؤلمة» أن وسائل الإعلام الأميركية، خصوصاً الليبرالية منها، كانت سبباً رئيسياً، ستدفع الثمن باهظاً، جراء الدور الذي لعبته في تمويه الحقائق عن الهموم التي تقضّ مضاجع الأميركيين.

صباح يوم الأربعاء، ومع إعلان الفوز الكاسح لترمب، بدا الارتباك واضحاً على تلك المؤسسات المكتوبة منها أو المرئية. ومع بدء تقاذف المسؤوليات عن أسباب خسارة الديمقراطيين، كانت وسائل الإعلام هي الضحية.

وفي بلد يتمتع بصحافة فعّالة، كان لافتاً أن تظل الأوهام قائمة حتى يوم الانتخابات، حين أصرت عناوينها الرئيسية على أن الأميركيين يعيشون في واحد من «أقوى الاقتصادات» على الإطلاق، ومعدلات الجريمة في انخفاض، وعلى أن حكام «الولايات الحمراء» يُضخّمون مشكلة المهاجرين، وأن كبرى القضايا هي المناخ والعنصرية والإجهاض وحقوق المتحولين جنسياً.

في هذا الوقت، وفي حين كان الجمهوريون يُسجلون زيادة غير مسبوقة في أعداد الناخبين، والتصويت المبكر، ويستفيدون من التحوّلات الديموغرافية التي تشير إلى انزياح مزيد من الناخبين ذوي البشرة السمراء واللاتينيين نحو تأييد ترمب والجمهوريين، أصرّت العناوين الرئيسية على أن كامالا هاريس ستفوز بموجة من النساء في الضواحي.

جيف بيزوس مالك «واشنطن بوست» (رويترز)

عجز عن فهم أسباب التصويت لترمب

من جهة ثانية، صحيفة «وول ستريت جورنال»، مع أنها محسوبة على الجمهوريين المعتدلين، وأسهمت استطلاعاتها هي الأخرى في خلق صورة خدعت كثيرين، تساءلت عمّا إذا كان الديمقراطيون الذين يشعرون بالصدمة من خسارتهم، سيُعيدون تقييم خطابهم وبرنامجهم السياسي، وكذلك الإعلام المنحاز لهم، لمعرفة لماذا صوّت الأميركيون لترمب، ولماذا غاب ذلك عنهم؟

في أي حال، رغم رهان تلك المؤسسات على أن عودة ترمب ستتيح لها تدفقاً جديداً للاشتراكات، كما جرى عام 2016، يرى البعض أن عودته الجديدة ستكون أكثر هدوءاً مما كانت عليه في إدارته الأولى، لأن بعض القراء سئِموا أو استنفدوا من التغطية الإخبارية السائدة.

وحتى مع متابعة المشاهدين لنتائج الانتخابات، يرى الخبراء أن تقييمات متابعة التلفزيون والصحف التقليدية في انحدار مستمر، ومن غير المرجّح أن يُغيّر فوز ترمب هذا المأزق. وبغضّ النظر عن زيادة عدد المشاهدين في الأمد القريب، يرى هؤلاء أن على المسؤولين التنفيذيين في وسائل الإعلام الإخبارية وضع مهامهم طويلة الأجل قبل مخاوفهم التجارية قصيرة الأجل، أو المخاطرة «بتنفير» جماهيرهم لسنوات مقبلة.

وهنا يرى فرانك سيزنو، الأستاذ في جامعة «جورج واشنطن» ورئيس مكتب واشنطن السابق لشبكة «سي إن إن» أنه «من المرجح أن يكون عهد ترمب الثاني مختلفاً تماماً عمّا رأيناه من قبل. وسيحمل هذا عواقب وخيمة، وقيمة إخبارية، وينشّط وسائل الإعلام اليمينية، ويثير ذعر اليسار». ويضيف سيزنو «من الأهمية بمكان أن تفكر هذه القنوات في تقييماتها، وأن تفكر أيضاً بعمق في الخدمة العامة التي من المفترض أن تلعبها، حتى في سوق تنافسية للغاية يقودها القطاع الخاص».

صعود الإعلام الرقمي

في هذه الأثناء، يرى آخرون أن المستفيدين المحتملين الآخرين من دورة الأخبار عالية الكثافة بعد فوز ترمب، هم صانعو الـ«بودكاست» والإعلام الرقمي وغيرهم من المبدعين عبر الإنترنت، الذين اجتذبهم ترمب وكامالا هاريس خلال الفترة التي سبقت الانتخابات. وهو ما عُدَّ إشارة إلى أن القوة الزائدة للأصوات المؤثرة خارج وسائل الإعلام الرئيسية ستتواصل في أعقاب الانتخابات.

وفي هذا الإطار، قال كريس بالف، الذي يرأس شركة إعلامية تنتج بودكاست، لصحيفة «نيويورك تايمز» معلّقاً: «لقد بنى هؤلاء المبدعون جمهوراً كبيراً ومخلصاً حقّاً. ومن الواضح أن هذا هو الأمر الذي يتّجه إليه استهلاك وسائل الإعلام، ومن ثم، فإن هذا هو المكان الذي يحتاج المرشحون السياسيون إلى الذهاب إليه للوصول إلى هذا الجمهور».

والواقع، لم يخسر الديمقراطيون بصورة سيئة فحسب، بل أيضاً تحطّمت البنية الإعلامية التقليدية المتعاطفة مع آرائهم والمعادية لترمب، وهذا ما أدى إلى تنشيط وسائل الإعلام غير التقليدية، وبدأت في دفع الرجال من البيئتين الهسبانيكية (الأميركية اللاتينية) والفريقية (السوداء) بعيداً عنهم، خصوصاً، العمال منهم.

يرى الخبراء أن تقييمات متابعة التلفزيون والصحف التقليدية في انحدار مستمر ومن غير المرجّح أن يُغيّر فوز ترمب هذا المأزق

تهميش الإعلام التقليدي

لقد كانت الإحصاءات تشير إلى أن ما يقرب من 50 مليون شخص، قد أصغوا إلى «بودكاست» جو روغان مع ترمب، حين قدم تقييماً أكثر دقة لمواقفه ولمخاوف البلاد من المقالات والتحليلات التي حفلت بها وسائل الإعلام التقليدية، عن «سلطويته» و«فاشيته» لتدمير المناخ وحقوق الإجهاض والديمقراطية. ومع ذلك، لا تزال وسائل الإعلام، خصوصاً الليبرالية منها، تلزم الصمت في تقييم ما جرى، رغم أن توجّه الناخبين نحو الوسائل الجديدة عُدّ تهميشاً لها من قِبَل الناخبين، لمصلحة مذيعين ومؤثّرين يثقون بهم. وبالمناسبة، فإن روغان، الذي يُعد من أكبر المؤثّرين، ويتابعه ملايين الأميركيين، وصفته «سي إن إن» عام 2020 بأنه «يميل إلى الليبرالية»، وكان من أشد المؤيدين للسيناتور اليساري بيرني ساندرز، وقد خسره الديمقراطيون في الانتخابات الأخيرة عند إعلانه دعمه لترمب. وبدا أن خطاب ساندرز الذي انتقد فيه حزبه جراء ابتعاده عن الطبقة العاملة التي تخلّت عنه، أقرب إلى ترمب منه إلى نُخب حزبه، كما بدا الأخير بدوره أقرب إلى ساندرز من أغنياء حزبه الجمهوري.