كيف غيّر غزو العراق العقيدة العسكرية الأميركية؟

الخارجية الأميركية لـ «الشرق الأوسط» : التزامنا بالمنطقة دائم... والقيادة المركزية: لا نقاتل نيابة عن العراق

جندي أميركي يقوم بدورية في محيط سجن أبوغريب في 17 مايو 2004 (رويترز)
جندي أميركي يقوم بدورية في محيط سجن أبوغريب في 17 مايو 2004 (رويترز)
TT

كيف غيّر غزو العراق العقيدة العسكرية الأميركية؟

جندي أميركي يقوم بدورية في محيط سجن أبوغريب في 17 مايو 2004 (رويترز)
جندي أميركي يقوم بدورية في محيط سجن أبوغريب في 17 مايو 2004 (رويترز)

«قرار رجل واحد قاد إلى غزو وحشي وغير مبرر للعراق... - أقصد أوكرانيا». إدانة مفاجئة، وإن كانت غير مقصودة، جاءت على لسان الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن قبل أشهر قليلة. زلة لسان عابرة، لكنها تعكس أثر حرب مرّ عليها 20 عاماً ولا تزال عواقبها ملموسة اليوم، في العراق والمنطقة والعالم.
غربل فشل الغزو في تحقيق أهدافه المعلنة؛ من «تدمير أسلحة الدمار الشامل» التي لم يوجد لها أثر، و«تحرير شعب العراق» الذي عانى على مدى عقدين شرور الإرهاب والعنف الطائفي، أولويات الولايات المتحدة وطرح أسئلة حول جدوى استمرار وجودها العسكري في منطقة الشرق الأوسط.
وفي حين كانت التدخلات العسكرية في المنطقة تحظى بدعم متفاوت في الداخل الأميركي تحت مظلة الحرب على الإرهاب، أصبحت اليوم محط شكوك؛ بل إن معارضتها أضحت وقوداً لحملات انتخابية جمهورية وديمقراطية على حد السواء.
من باراك أوباما، إلى دونالد ترمب، وصولاً إلى جو بايدن، لم يتردد الرؤساء الأميركيون في الإقرار بـ«الخطأ الاستراتيجي» الذي ارتكبته الولايات المتحدة بغزو العراق.
فكيف أثّر هذا «الخطأ» على العقيدة العسكرية الأميركية في المنطقة منذ انسحاب آخر القوات من العراق عام 2011؟ وهل يحصل انسحاب تدريجي للولايات المتحدة من المنطقة في خضم توجّه بوصلة أولوياتها إلى آسيا، حيث يتصاعد نفوذ العملاق الصيني؟

وجود عسكري مستمر

تراوح الانتشار العسكري الأميركي في العراق منذ 2003، بين 165 ألف جندي أميركي في أوج عملية الغزو إلى قرابة 2500 جندي اليوم.

وبالتوازي مع تذبذب أعداد القوات الأميركية، تغيّر الخطاب الأميركي خلال العقدين الماضيين بشكل جذري. فبعد أن قامت عقيدة بوش العسكرية على الضربات الاستباقية لحماية الأمن القومي الأميركي من التهديدات الخارجية، تؤكد واشنطن اليوم أن وجود قواتها مرهون بموافقة السلطات المحلية وأن انتشارها استشاري بحت، لا قتالي.
تقول الكابتن آبي هاموك، المتحدثة باسم القيادة المركزية الأميركية: إن عملية «العزم الصلب»، التي تشارك فيها قوات أميركية ضمن تحالف من 80 دولة، متواجدة في العراق بدعوة من الحكومة العراقية، وتتمتع بتفويض واضح بموجب القانون الدولي لهزيمة «داعش».
وفي ردّها عما إذا كانت القيادة المركزية نجحت في استعادة ثقة العراق بعد 20 عاماً من قيادتها عملية غزوه، أكّدت هاموك لـ«الشرق الأوسط» أهمية الشراكة والتعاون. وقالت «بالتشاور الكامل مع حكومة العراق، التي تعدّ سيادتها ذات أهمية قصوى، تعمل قوة المهام المشتركة مع الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية والدولية لمساعدة العراق على تحقيق الاستقرار في المناطق المتضررة من الصراع».

جندي أميركي يفتش مدنياً عراقياً جنوب شرقي الفلوجة في 16 نوفمبر 2005 (أ.ف.ب)

وشدّدت هاموك على أن أحد أهم مرتكزات نهج هذا التحالف في العراق هو أنه لا يقاتل نيابة عن العراق، بل إن وجوده المستمر في دور غير قتالي يوفر الدعم، والموارد، والمشورة، والمساعدة؛ بهدف تمكين قوات الأمن العراقية من قيادة المعركة ضد «داعش». وأكدت «لقد أثبت هذا النهج نجاحه، ونحن على ثقة بأنه سيظل فعالاً».
وإلى جانب التعاون الأمني، تؤكّد واشنطن التزامها المستمر للعراق على المستويين السياسي والاقتصادي؛ بهدف «تعزيز الاستقرار والأمن والسيادة». وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط»: إن اهتمام واشنطن ينصبّ حالياً على توسيع اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق بما يتجاوز الأمن إلى «علاقة 360 درجة» تحقق نتائج للشعب العراقي. وتابع، أن «رئيس الوزراء محمد شياع السوداني والولايات المتحدة على الصفحة نفسها في كثير من المجالات. فنحن نتفق على الحاجة إلى ضمان هزيمة (داعش) بشكل مستدام، وترسيخ استقلال الطاقة في العراق، ودعم نمو القطاع الخاص، وتحسين الخدمات العامة». كما عدّ توسيع البرامج التعليمية والثقافية، ومكافحة الفساد، وكبح جماح الجماعات المسلحة الخارجة عن سيطرة الحكومة، ومكافحة أزمة المناخ في العراق، هي «أولويات قصوى».

حسابات داخلية

تحوّل الاجتياح الأميركي للعراق وعواقبه إلى قضية جدلية استقطبت الرأي العام الأميركي وغيّرت وجه السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط. وبينما لا يولي الناخب الأميركي اهتماماً كبيراً بالقضايا الخارجية عادة، إلا أن عقيدة واشنطن العسكرية في الشرق الأوسط أصبحت قضية انتخابية بامتياز، ولا سيما في الحملات الانتخابية الرئاسية في 2012 و2016 و2020.
وفي أحدث استطلاع لرأي الأميركيين والمحاربين القدامى، وجد مركز «بيو» أن 62 في المائة في الأميركيين يرون أن خوض حرب العراق كان خاطئاً. وقُتل 4500 جندي أميركي في الغزو، وفق وزارة الدفاع الأميركية، كما سقط أكثر من 100 ألف قتيل مدني عراقي، وفق تقديرات منظمة «ضحايا حرب العراق». وكلّفت الحرب الخزانة الأميركية 801.9 مليار دولار، وفق خدمة أبحاث الكونغرس.

ومع تزايد الغضب الشعبي من «مسلسل الفشل» في الشرق الأوسط، من العراق إلى أفغانستان مروراً بسوريا وليبيا، عمدت إدارات ديمقراطية وجمهورية متتالية إلى البحث عن سبل الانسحاب عسكرياً من المنطقة دون التضحية بمصالحها الاقتصادية والسياسية.
فمنذ إدارة باراك أوباما الأولى وحتى الإدارة الحالية، أكّدت واشنطن رغبتها في تعزيز وجودها بشرق آسيا، في حين اعتبره البعض مؤشراً على انسحابها التدريجي من الشرق الأوسط.

عراقي يلتفت إلى الدخان المتصاعد جراء تفجير خط أنابيب جنوب البصرة في مارس 2004 (إ.ب.أ)

ورغم الدعم الشعبي الواسع للخروج من «مستنقع» الشرق الأوسط، أثار قرار أوباما سحب آخر القوات الأميركية من العراق في عام 2011 استهجاناً جمهورياً لسنوات تلت، وتحفظاً عسكرياً.
وفي مقال بمجلة «فورين بوليسي»، اختصر جيمس تروب، الزميل البارز في مركز التعاون الدولي بنيويورك، الآراء الداعمة لطرح بقاء القوات الأميركية، ولو بأعداد محدودة في العراق؛ بهدف «حماية مصالح» الولايات المتحدة عبر التصدي للنفوذ المتزايد للتنظيمات الإرهابية. وربط تروب موقف الإدارة الديمقراطية في نهاية الحرب التي بدأها بوش برغبة الشعب الأميركي في التركيز على الداخل، مشيراً إلى اعتقاد الكثيرين آنذاك أن الوجود الأميركي «يزيد الوضع سوءاً». واعتبر تروب أن أوباما اعتمد هذا الموقف في كل من العراق وسوريا، مستنتجاً أن «غياب الولايات المتحدة أصبح في الواقع أكثر خطراً من وجودها» في المنطقة.
واستحضر تروب مواقف السياسيين الجمهوريين آنذاك، وفي مقدمهم مايك بنس الذي كان يشغل منصب حاكم ولاية إنديانا. وحمّل بنس إدارة أوباما مسؤولية استقواء تنظيم «داعش» في العراق. كما انتقد فشل هيلاري كلينتون في إعادة التفاوض على اتفاقية الإطار لعمل القوات الأميركية في العراق، و«التي كان من شأنها أن تسمح لبعض القوات القتالية بالبقاء في العراق وتأمين المكاسب التي حققها الجنود الأميركيون».
لكن بنس اعتمد موقفاً مغايراً حيال أفغانستان، مستسلماً على ما يبدو لإرادة قاعدة حزبه. وأصبح بعد سنوات أحد أبرز وجوه إدارة دونالد ترمب الجمهورية التي اعتمدت شعاري «إعادة القوات الأميركية إلى البلاد» وإنهاء «الحروب الأبدية»، في أبرز تجلٍّ لرغبة الولايات المتحدة في الانسحاب العسكري من الشرق الأوسط. ورغم مقاومة شرسة من كبار مستشاريه العسكريين، توصل ترمب إلى اتفاق لسحب جميع القوات الأميركية من أفغانستان بحلول بداية مايو (أيار) 2021، بعد أشهر من المفاوضات المضنية مع «طالبان». التزام نفّذه خلفه في البيت الأبيض، فيما وُصف بأسوأ عملية انسحاب عسكري في تاريخ الولايات المتحدة.
بيد أن إدارة ترمب لم تقد سياسة صريحة بالانسحاب من الشرق الأوسط، بل خصّص الرئيس الجمهوري أول زيارة خارجية له لحضور 3 قمم سعودية – أميركية، وخليجية – أميركية، وإسلامية - أميركية احتضنتها الرياض في عام 2017، في إشارة واضحة إلى استمرار الالتزام الأميركي بالمنطقة.
كما أن موافقته على تخفيض عدد القوات الأميركية في العراق، والتي كان قد نشرها سلفه في إطار جهود مكافحة «داعش»، جاءت عقب شنّ غارة جوية على محيط مطار العاصمة العراقية بغداد قتلت قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي في العراق أبو مهدي المهندس، في الأسبوع الأول من عام 2020.
وبعد أشهر من الضربة التي أضعفت النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، أعلن خليفة ترمب في البيت الأبيض انتقال القوات الأميركية المتبقية في العراق إلى دور استشاري، وخفّض عدد القوات الأميركية من 5200 في عام 2020 إلى 2500 في يناير (كانون الثاني) 2021.

عقيدة بايدن

في مقابل «نهج الانسحاب» الذي يدعو إليه بعض السياسيين منذ سنوات، والذي يرى البعض أنه فتح المجال لتنامي النفوذ الروسي والصيني في المنطقة، تستمر واشنطن في نشر قرابة 30 ألف جندي في قواعدها بالمنطقة، وترفض فكرة الانسحاب من الشرق الأوسط، مؤكدة أن التزامها بالمنطقة «دائم».
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط»: إن زيارة الرئيس جو بايدن إلى المنطقة العام الماضي «أكّدت التزامنا الدائم تجاه المنطقة وأهمية علاقاتنا القوية. فقد وضع الرئيس رؤية مبدئية وشاملة لدور أميركا في منطقة الشرق الأوسط، وتم دمجها في استراتيجيتنا للأمن القومي». ورأى المتحدّث، أن هذا الالتزام يرتكز على «انخراطنا الدبلوماسي والاقتصادي والثقافي العميق مع المنطقة».

وفي خطاب ألقاه قبل أسابيع في واشنطن، قال بريت ماكغورك، منسق شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس الأمن القومي: إن «عقيدة بايدن» في المنطقة ترتكز على 5 محاور وتهدف إلى تعزيز أمن واستقرار المنطقة من خلال الدبلوماسية والردع.
يقوم المبدأ الأول، وفق ماكغورك الذي كان يتحدّث في مركز «أتلانتك كاونسل» في فبراير (شباط) الماضي، على الشراكة. وقال: إن الولايات المتحدة ستدعم الشراكات مع الدول التي تشترك في النظام الدولي القائم على القواعد، وستعزز قدرتها على الدفاع عن نفسها ضد التهديدات الخارجية.
أما المبدأ الثاني، فهو الردع. وأوضح المسؤول الأميركي، أن بلاده «لن تسمح بتعريض حرية الملاحة عبر الممرات المائية في الشرق الأوسط للخطر»، بما في ذلك مضيق هرمز وباب المندب، «كما لن تتسامح مع جهود أي دولة للسيطرة على دولة أخرى من خلال التعزيزات العسكرية أو التوغلات أو التهديدات».
المبدأ الثالث في «عقيدة بايدن» يقوم على الدبلوماسية. ويقول ماكغورك «لن نهدف فقط إلى ردع التهديدات التي يتعرض لها الاستقرار الإقليمي، بل سنعمل على تقليل التوترات حيثما أمكننا، وخفض التصعيد وإنهاء النزاعات حيثما أمكن من خلال الدبلوماسية».
المحور الرابع في الاستراتيجية الأميركية الحالية تجاه الشرق الأوسط تعتمد على بناء وتعزيز روابط سياسية واقتصادية وأمنية بين شركاء الولايات المتحدة، مع احترام سيادة كل دولة وخياراتها المستقلة. أما المبدأ الخامس، فيتعلق بتعزيز حقوق الإنسان والقيم المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة.
وشدد ماكغورك على الجانب العسكري في مبدأ الردع، مستشهداً بأمثلة من العامين الماضيين. وقال: إنه منذ بداية عهد بايدن، عملت الولايات المتحدة عسكرياً ضد تهديدات إيران ووكلائها، موضحاً «لقد عززنا القدرة الرادعة لشركائنا، وأنشأنا شبكات بحرية جديدة ومبتكرة. وفي بعض الأحيان، من خلال التعاون الوثيق، كشفنا وردعنا التهديدات الوشيكة التي تهدد المنطقة، والتي كان من الممكن أن تثير صراعا أوسع نطاقاً».
كما استشهد المسؤول الأميركي، الذي كان مبعوث الرئيسين أوباما وترمب في التحالف الدولي لمكافحة «داعش»، بأكبر تدريب عسكري مشترك قادته الولايات المتحدة في شرق البحر الأبيض المتوسط في يناير كدليل على التزام واشنطن بأمن المنطقة. وقال «نحن نفعل ذلك للبحث عن الصراع، ولكن لتهيئة ظروف الردع والاحتواء والسماح للدبلوماسية بالازدهار».

مصالح ثابتة

بين زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي المفاجئة إلى سوريا وجولة وزير الدفاع لويد أوستن الإقليمية، شهدت المنطقة هذا الشهر حراكاً أميركياً يهدف إلى طمأنة الحلفاء في الشرق الأوسط حيال التزامها بأمنهم. وفي زيارته إلى كل من الأردن ومصر وإسرائيل، أكّد أوستن التزام واشنطن بدعم دفاعات حلفائها في الشرق الأوسط وزيادة وتعزيز الشراكات الاستراتيجية. وشدد وزير الدفاع الأميركي على مفهوم «الردع المتكامل» الذي تنصّ عليه استراتيجية الدفاع الوطني، والذي يقوم على تحقيق وتعميق التكامل الأمني متعدد الأطراف.
ويرى ويليام ويشلر، الزميل البارز في مركز «أتلانتك كاونسل» وأحد أبرز المدافعين عن بقاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، أن الإدارة الحالية في «الطريق الصحيحة بعد سلسلة من العثرات».
ويعتقد ويشلر، الذي كان نائباً مساعداً لوزير الدفاع لمكافحة الإرهاب حتى عام 2015، أن السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط كانت ثابتة لا تتغير طيلة عقود، وأن حرب العراق كانت حدثاً «شاذاً» على هذا النهج. يقول ويشلر متحدثاً لـ«الشرق الأوسط»: «إذا نظرنا إلى الفترة الممتدة بين خمسينات القرن الماضي وحتى اليوم، سنجد اتساقاً نسبياً في الموقف الأميركي تجاه الشرق الأوسط من حيث التواجد العسكري، باستثناء تناقضات صارخة»، كحرب العراق والانسحاب من أفغانستان.
ورغم هذه التناقضات، يعتبر المسؤول الأميركي السابق أن عقيدة واشنطن العسكرية في الشرق الأوسط ثابتة إلى حد كبير، تماشياً مع المصالح الأميركية في المنطقة. ويقول «قامت الإدارات القليلة السابقة جميعها بمراجعة الموقف العسكري الأميركي في المنطقة، وسط توقعات بأن يؤدي ذلك إلى انسحاب كبير من الشرق الأوسط. إلا أن هذه المراجعات تنتهي في كل مرة دون أي تغيير تقريباً».
والسبب، وفق ويشلر، هو أن المصالح الأميركية في الشرق الأوسط لم تتغير، وأن الاستراتيجية العسكرية أساسية لحمايتها. ويختصر الباحث الأميركي هذه المصالح في أربع نقاط: ضمان أمن وحرية استخراج الطاقة، تأمين سبل نقل الطاقة إلى الأسواق العالمية، الحفاظ على استقرار المنطقة بأبعاده الاقتصادية والسياسية والأمنية، وتعزيز ازدهار المنطقة. ويقول «كانت هذه المصالح الأميركية في الشرق الأوسط منذ العثور على الطاقة في هذا الجزء من العالم، ولا تزال كذلك».
وبدا ويشلر متفائلاً نسبياً حيال عودة الولايات المتحدة إلى «نهج متوازن» في الشرق الأوسط، مستذكراً تغيّر الموقف الأميركي من شرق آسيا في أعقاب حرب فيتنام. وقال «استغرق الرأي العام الأميركي ما يزيد قليلاً على عِقد من الزمان حتى يتوقف عن الحكم على سياسة بلادهم تجاه شرق آسيا من خلال منظور فيتنام».
وفي انتظار تجاوز الناخب الأميركي تداعيات الأحداث المتوالية منذ 2003، يرى ويشلر، أنه «يتعين على الولايات المتحدة ألا تتخذ أي قرار من شأنه أن يجعل العودة إلى نهج أكثر نموذجية تجاه المنطقة مستحيلاً». ويتابع «يبقى السؤال ما إذا كان قادة المنطقة سيعملون على تشجيع الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط، عبر تعزيز التقرب من روسيا والصين».


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

المشرق العربي الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

حثت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لدى العراق، جينين هينيس بلاسخارت، أمس (الخميس)، دول العالم، لا سيما تلك المجاورة للعراق، على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث التي يواجهها. وخلال كلمة لها على هامش فعاليات «منتدى العراق» المنعقد في العاصمة العراقية بغداد، قالت بلاسخارت: «ينبغي إيجاد حل جذري لما تعانيه البيئة من تغيرات مناخية». وأضافت أنه «يتعين على الدول مساعدة العراق في إيجاد حل لتأمين حصته المائية ومعالجة النقص الحاصل في إيراداته»، مؤكدة على «ضرورة حفظ الأمن المائي للبلاد».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

أكد رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني، أمس الخميس، أن الإقليم ملتزم بقرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل، مشيراً إلى أن العلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد، في أفضل حالاتها، إلا أنه «يجب على بغداد حل مشكلة رواتب موظفي إقليم كردستان». وأوضح، في تصريحات بمنتدى «العراق من أجل الاستقرار والازدهار»، أمس الخميس، أن الاتفاق النفطي بين أربيل وبغداد «اتفاق جيد، ومطمئنون بأنه لا توجد عوائق سياسية في تنفيذ هذا الاتفاق، وهناك فريق فني موحد من الحكومة العراقية والإقليم لتنفيذ هذا الاتفاق».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن علاقات بلاده مع الدول العربية الشقيقة «وصلت إلى أفضل حالاتها من خلال الاحترام المتبادل واحترام سيادة الدولة العراقية»، مؤكداً أن «دور العراق اليوم أصبح رياديا في المنطقة». وشدد السوداني على ضرورة أن يكون للعراق «هوية صناعية» بمشاركة القطاع الخاص، وكذلك دعا الشركات النفطية إلى الإسراع في تنفيذ عقودها الموقعة. كلام السوداني جاء خلال نشاطين منفصلين له أمس (الأربعاء) الأول تمثل بلقائه ممثلي عدد من الشركات النفطية العاملة في العراق، والثاني في كلمة ألقاها خلال انطلاق فعالية مؤتمر الاستثمار المعدني والبتروكيماوي والأسمدة والإسمنت في بغداد.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»، داعياً الشركات النفطية الموقّعة على جولة التراخيص الخامسة مع العراق إلى «الإسراع في تنفيذ العقود الخاصة بها». جاء ذلك خلال لقاء السوداني، (الثلاثاء)، عدداً من ممثلي الشركات النفطية العالمية، واستعرض معهم مجمل التقدم الحاصل في قطاع الاستثمارات النفطية، وتطوّر الشراكة بين العراق والشركات العالمية الكبرى في هذا المجال. ووفق بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء، وجه السوداني الجهات المختصة بـ«تسهيل متطلبات عمل ملاكات الشركات، لناحية منح سمات الدخول، وتسريع التخليص الجمركي والتحاسب الضريبي»، مشدّداً على «ضرورة مراعا

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

بحث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو العلاقات بين بغداد وروما في الميادين العسكرية والسياسية. وقال بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي بعد استقباله الوزير الإيطالي، أمس، إن السوداني «أشاد بدور إيطاليا في مجال مكافحة الإرهاب، والقضاء على عصابات (داعش)، من خلال التحالف الدولي، ودورها في تدريب القوات الأمنية العراقية ضمن بعثة حلف شمال الأطلسي (الناتو)». وأشار السوداني إلى «العلاقة المتميزة بين العراق وإيطاليا من خلال التعاون الثنائي في مجالات متعددة، مؤكداً رغبة العراق للعمل ضمن هذه المسارات، بما يخدم المصالح المشتركة، وأمن المنطقة والعالم». وبي

حمزة مصطفى (بغداد)

النزوح يضاعف معاناة المرضى اللبنانيين المصابين بالأمراض المزمنة

مرضى يخضعون لعلاج غسيل الكلى في مستشفى مرجعيون بجنوب لبنان (رويترز)
مرضى يخضعون لعلاج غسيل الكلى في مستشفى مرجعيون بجنوب لبنان (رويترز)
TT

النزوح يضاعف معاناة المرضى اللبنانيين المصابين بالأمراض المزمنة

مرضى يخضعون لعلاج غسيل الكلى في مستشفى مرجعيون بجنوب لبنان (رويترز)
مرضى يخضعون لعلاج غسيل الكلى في مستشفى مرجعيون بجنوب لبنان (رويترز)

خرج يوسف زريق (70 سنة) نازحاً من بلدته شقرا الجنوبية، منذ بدء الحرب الموسعة على لبنان في 23 سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى إحدى قرى شرق صيدا، وبعد 16 يوماً من النزوح خضع لجلسة العلاج الكيميائي الأولى، في مستشفى سبلين الحكومي.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «دواء الوزارة متوفر، لكن الطبيب المتابع ارتأى، بسبب وضعي الصحي ونتائج الفحوص التي أجريت لي، استبدال دواء آخر به، لا تؤمّنه الوزارة، دفعت ثمنه 62 دولاراً، وهي كلفة مرتفعة عليّ، ونحن نازحون، نحاول تأمين احتياجاتنا الأساسيّة والضرورية جداً ليس أكثر»، خصوصاً أن غالبية الناس، ممن نزحوا من مناطقهم، توقفت مصالحهم وأشغالهم، ولا مصدر رزق لهم، ولا يعلمون متى ستنتهي الحرب، وإن كانت أرزاقهم وبيوتهم لا تزال صامدة أو دمرتها الغارات الإسرائيلية.

وزريق، واحد من اللبنانيين المصابين بالأمراض المستعصية والمزمنة، الذين تضاعفت معاناتهم بفعل النزوح، بعدما انتقلوا للعيش في مراكز الإيواء ومساكن مستأجرة، وهم يحتاجون للعلاج والمتابعة المستمرة مثل مرضى السرطان وغسيل الكلى والقلب وغيرها.

ويشكو زريق من «عدم وجود جمعيات أو أيّ جهة تساعد في دفع تكاليف الدواء الخاص بجلسات أو بعلاج مرضى السرطان، على عكس أدوية الضغط والسكري والدهن، المتوفرة في كل مكان».

ويحتاج زريق راهناً إلى صورة أشعة لا تتوفر سوى في المستشفيات الخاصة، أو في المستشفى الحكومي في طرابلس (شمال لبنان) كما يقول، ومن الصعب عليه جداً أن يتنقل على الطرقات في لبنان بسبب تصاعد وتيرة الغارات والاستهدافات الإسرائيلية في غالبية المناطق، في حين كان يجريها سابقاً في أحد مشافي النبطية.

وقد تمّ تحويل مرضى السرطان الذين يخضعون للعلاج الكيميائي والإشعاعي إلى أقسام العلاج النهاري في المستشفيات القريبة لأماكن النزوح، لكن مشاكل عديدة واجهت كثيراً منهم.

مشكلة سابقة للحرب

وعن واقع المرضى والصعوبات والتحديات في ظل النزوح والحرب، يقول رئيس جمعية «بربارة نصّار»، هاني نصّار، لـ«الشرق الأوسط»: «من المعروف في لبنان أن مشكلة مرضى السرطان سابقة لوجود الحرب، رغم التحسن الكبير الذي طرأ في هذا الخصوص لدى وزارة الصحة، لا سيّما لجهة المكننة وتأمين الدواء إلى أقرب صيدلية لمكان السكن أو المشفى الذي يتلقى فيه المريض العلاج، وهذا سهّل تأمين العلاج للنازحين».

ولهذه الغاية، طلبت الوزارة من جميع مرضى السرطان النازحين الاتصال على الخط الساخن رقم 1214 لإعلامها بمكان السكن الجديد. وقد نزح منذ بداية الحرب، أكثر من ألفي شخص مصاب بالسرطان، تبدلت ملفاتهم، وتحولت أدويتهم من منطقة إلى أخرى، وتمّ ترتيب أمورهم، حسبما يؤكد نصّار.

لكن المشكلة المزمنة، والقديمة، تكمن في قدرة المرضى الشرائية، والتي تدنت كما غالبية اللبنانيين الذين يعيشون تبعات الأزمة الاقتصادية والنقدية في البلاد؛ إذ يقول نصّار: «الحرب ليس لها تأثير أكبر من تأثير الأزمة الاقتصادية بحد ذاتها على مرضى السرطان؛ إذ تؤمن الوزارة بعض العلاجات بشكل مجاني وليس جميعها، ويتحمل المريض تكاليف كبيرة جداً أحياناً، وتصل كلفة الجلسة الواحدة إلى الألف دولار تقريباً».

مشكلة أخرى يشير إليها نصّار، وهي الأدوية التي رُفع عنها الدعم وليست معتمدة من قبل وزارة الصحة حالياً، ولا تتكفل بإعطائها لمرضى السرطان، وتصل كلفتها إلى 6 و8 آلاف دولار، تؤمن الوزارة البديل عنها أحياناً، لكنه عادة يكون أقل فاعلية.

ووفق نصّار، «أحياناً كثيرة لا يتوافر البديل، كدواء مرضى سرطان المبيض الذي تبلغ تكلفته 6 آلاف دولار، وبالتالي تنجو الفتاة في حال كان لديها القدرة على تأمينه من لبنان أو خارجه، وتفقد حياتها في حال العكس، وللأسف الحالات المماثلة كثيرة». مع العلم أن هناك العديد من الأدوية المزورة التي تصل إلى أيدي مرضى السرطان.

عامل رعاية صحية يسير في مستشفى نبيه بري الحكومي في النبطية بجنوب لبنان (رويترز)

مرضى الفشل الكلوي

تتوسع المعاناة لتشمل معظم مرضى الأمراض المستعصية من النازحين. ويُعدّ علي عز الدين (56 سنة) واحداً من بين نازحين كثر يعانون من الفشل الكلويّ، ويحتاجون لإجراء غسيل كلى دورياً، بمعدل ثلاثة أيام أو أكثر في الأسبوع.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أبحث عن مستشفى ألجأ إليه لإجراء غسيل الكلى، ومن ثمّ أؤمن مسكني، لذا تنقلت بين منطقتين، قبل أن أستقر راهناً في منطقة الروشة على مقربة من مستشفى رفيق الحريري الحكومي».

مرّ أكثر من أسبوع على بدء الحرب الموسعة (23 سبتمبر)، حتّى تمكن عز الدين من الخروج من منزله في بلدة العباسية، قضاء صور، لكن «قبلها أرسلت عائلتي إلى مكان أكثر أماناً، وبقيت أنا لوحدي هناك، كي أجري جلسات غسيل الكلى في موعدها ومن دون انقطاع في مستشفى اللبناني - الإيطالي في صور، وإلّا ستتدهور حالتي الصحّية»، كما يقول، علماً بأن محيط المستشفى تعرض للغارات الإسرائيلية مرات كثيرة.

ويضيف: «بداية لم نتوقع أن الحرب ستطول والضربات ستكون متزايدة وكثيفة خلال مدة قصيرة جداً، إلى أن شعرت بأن المسألة خطيرة، وأن سقف المنزل سيقع على رأسي في أيّ لحظة. عشت تجربة القصف في صور، وخاصة حين كنت أتنقل بين المنزل والمشفى».

ويقول: «تمكنت من ترتيب أمور المستشفى الجديد، في قرنايل بالقرب من عاليه، حيث نزحت واستأجرت منزلاً في المرة الأولى للنزوح، أجريت 4 جلسات غسيل للكلى، لكن الطقس لم يلائمني هناك؛ برد قارس وضباب في المكان»، لينزح مرة أخرى إلى منطقة الروشة، حيث يوجد راهناً؛ كونها آمنة نسبياً حتّى الآن، وعلى مسافة قريبة من المستشفى.

يقارن عز الدين بين الأماكن التي تنقل بينها، وفي المستشفيان «لم يتغير عليّ شيء، سوى أن مدة الجلسة انخفضت من 4 إلى 3 ساعات، بسبب الضغط الهائل على المستشفيات التي نزح إليها المرضى. وللصراحة لم أعتد الأماكن الجديدة، فرغم أنني أعاني من الفشل الكلوي، فإنني كنت أعمل وأمارس حياتي بشكل طبيعي قبل بدء الحرب، والآن ننتظر أن تنتهي، ونعود إلى منازلنا وحياتنا وحتّى المستشفى الذي كنت فيه فقط».

وعن شعوره بالخوف في أثناء التنقل، قال: «بالطبع لدي مخاوف، خصوصاً أن لا شيء يردع إسرائيل؛ إذ إنها تقتل بلا رحمة وتدمر المقدسات، وبالتالي يسهل عليها قصفنا، ونحن على الطرقات وحتّى على أسرّة المستشفيات».

متطوعون يعدون وجبات الطعام للنازحين إلى مراكز إيواء مؤقتة في بعلبك بشرق لبنان (أ.ف.ب)

أمراض أخرى أيضاً

تقصد عبير، النازحة من بلدتها في بنت جبيل إلى الفوار، قضاء زغرتا، أحد المستوصفات التي تقدم خدماتها للنازحين، لتحصل على الأدوية الضرورية التي تحتاج إليها وعائلتها؛ كالسكري والضغط والغدة والقلب.

تقول لـ«الشرق الأوسط»: «منذ نزحنا إلى هنا، قبل نحو شهرين، قصدت المركز مرتين، وفي المرتين حصلت على ما يحتاج إليه والديّ، فهما يعانيان من أمراض مزمنة، ويحتاجان للدواء باستمرار، أو بالأحرى عند بداية كل شهر».

وتضيف: «يتوفر في المركز أيضاً أطباء باختصاصات مختلفة، وجميع هذه الخدمات كانت مجانية»، لافتة إلى أن الأدوية التي حصلت عليها كانت بديلاً متوفراً في المركز، وأن بعض الأدوية لم تتمكن من الحصول عليها في الزيارة الأولى، بسبب ازدياد طلب النازحين كما أخبروها.

وخصصت الوزارة الخط الساخن رقم 1787 للرد على أسئلة النازحين واستفساراتهم، وقد فاق عددهم أكثر من 1.5 مليون شخص أخرجوا من منازلهم في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، بفعل العدوان الإسرائيلي على لبنان.