قراءت الصيف.. روايات وكتب فكرية وتاريخية.. والشعر في آخر القائمة

ما بين عامي 1933 و1934 كتب الأديب والمفكر الكبير طه حسين سلسلة مقالات تحت عنوان «لغو الصيف وجد الشتاء» وجاء فيه «كنا نلغو أثناء الصيف، فلنجد أثناء الشتاء، وما الذي كان يمنعنا من اللغو أثناء الصيف، وفي الصيف تهدأ الحياة ويأخذها الكسل من جميع أطرافها فتوشك أن تنام ولا تسير على مهل يشبه الوقوف، وفي أناة تضيق بها النفوس. كل أسباب النشاط مؤجلة إلى حين، غرف الاستقبال مقفلة، وملاعب التمثيل مغلقة أو كالمغفلة ولا تذكر الموسيقى والغناء».
لكن يبدو أن الأدباء والمثقفين المصريين لا ترتبط القراءة ومعدلاتها عندهم بالشتاء والصيف، ولا تمثل القراءة لهم سبيلا للمتعة فقط، وإنما «زاد وزواد» يعينهم على الكتابة وأعبائها ويجعلهم في قلب المشهد الثقافي ومنتجه المتواتر. وبعضهم رفض الحديث عن قراءاته الحالية باعتبارها تنوه بمضمون أعمالهم الروائية المقبلة، ولكن هذه حصيلة الصيف لدى المثقفين المصريين:
يرى الأديب عبده جبير، صاحب «رجل العواطف يمشي على الحافة»، أن القراءة لا ترتبط بفصل معين وإنما ترتبط بحالات من السعي والبحث الدائم عن المعرفة قائلا: «بالنسبة لي دائما ما تكون مرتبطة بعملي واستعدادي لكتابة رواية جديدة أو غيرها». ويكشف لنا عن قراءاته: «حاليا أقرأ كل ما هو متعلق بالغزو العثماني لمصر، ومعركة (دابق) التي دارت رحاها بين العثمانيين والمماليك قرب حلب في 8 أغسطس (آب) 1516، حيث سيدور عملي الروائي المقبل حول تلك الفترة الزمنية المثيرة».
ويضيف: «على مكتبي الآن الجزء الخامس من كتاب (بدائع الزهور في وقائع الدهور) لابن إياس، ويحتوي هذا الكتاب على ما كتبه ابن إياس من سنة 922 إلى سنة 928هـ (1516 - 1522)، وهي فترة حاسمة من التاريخ، تتضمن أخبار الفتح العثماني لسوريا ومصر، وما تبع ذلك من تعديل وتغيير في شؤون الإدارة والقضاء والسكة والموازين والمقاييس والعادات والتقاليد والزي والملابس وغير ذلك. هذا فضلا عن قراءتي لعدد من الكتب المحققة حول تلك الحقبة التاريخية للتعرف على تفاصيل ما قام به العثمانيون في مصر، فقد وجدت أنهم جردوا مصر من أمهر العمال والحرفيين، حتى اختفت 50 حرفة من مصر. كما أقرأ كتاب (سندباد مصري) لحسين فوزي، و(تاريخ الدولة العثمانية) ترجمة حسين السباعي وهو يضم 30 دراسة معمقة في مجلدين، وكتاب (واقعة السلطان الغوري مع سليم العثماني - نهاية المماليك بين التاريخ والحكي الشعبي) لأحمد بن زنبل الرمال، وتقديم ودراسة قاسم عبده قاسم، وكتاب آخر مترجم عن الإيطالية بعنوان (قصور السلاطين)».
أما الشاعر أسامة عفيفي، رئيس تحرير مجلة «المجلة» الثقافية العريقة، فيقول: «أحب الشتاء وأكره الصيف ولقد اعتدت أن أنتج أكثر في فصل الشتاء ودائما ما أردد أن الشتاء هو أبو الإبداع، ورغم أنني قارئ محترف وكاتب هاوٍ كما كان يقول أستاذنا كامل زهيري، فإنني أقرأ صيف شتاء، ولكن أقرأ أكثر في الصيف. وعلى عكس خلق الله الذين يحبون قراءة الموضوعات الخفيفة في الصيف، فأنا دائما ما أحجز الكتب الثقيلة التي تتناول الأفكار الكبرى والفلسفية لفصل الصيف ربما لأنني أقل إنتاجا في قيظه السخيف، وأعتقد أن الأمر يعود للطفولة، فلقد كان أهلنا لا يسمحون لنا بالقراءة أثناء الدراسة، أي في الشتاء، فكنا نقرأ بنهم في الإجازة الصيفية، وننفق أغلب مصروفنا علي شراء الكتب، ولكن بغض النظر عن الأسباب الحقيقية فأنا فعلا أقرأ في الصيف وأكتب في الشتاء».
ويقول الأديب منبر عتيبة، مؤسس مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية، إنه يختلف مع طه حسين في رؤيته للغو الصيف، لأنه يعتبر القراءة واجبًا للإعداد لندوات المختبر، ومتابعة الأدب العربي والعالمي، هذا فضلا عن انكبابه على «قراءة الكتب التراثية خاصة التي تتعلق بعملي وكتاباتي، وأحيانا أهرب من الواجب فأذهب لكتب التصوف الإسلامي التي تعطي راحة نفسية وتضيف ثراء لغويا. وأخيرًا قرأت مجموعة قصصية لرحاب إبراهيم بعنوان (تحية للحياة)، واستمتعت مجموعة قصصية للروائي البحريني عبد القادر عقيل (اثنا عشر ذئبا على مائدتي) ، ورواية (القناص) للروائي العماني زهران القاسمي، وأقرأ لابنتي (حواديت الأخوين جريم) ترجمة منى الخميسي، وهي قصص من التراث الشعبي الألماني مر عليها نحو قرنين من الزمان. واستغرق الأخوان جريم في تجميع هذه الحواديت في ألمانيا أكثر من نصف قرن بين 1806 و1857. أما فيما يتعلق بروايتي الجديدة، فأعكف حاليا على قراءة كتاب د. أحمد الشاذلي (تاريخ الإسلام في الهند)، وهو كتاب من 3 أجزاء، و(مذاهب التفسير الإسلامي) الصادر حديثًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب للمستشرق المجري الأصل، إيغناس غولدتسيهر (1850 - 1921) ونقله إلى العربية د. عبد الحليم النجار. عاش غولدتسيهر ما بين مصر وسوريا حيث تعلم العربية على يد شيوخ سوريا ومنهم الشيخ طاهر الجزائري، ثم زار فلسطين، وفي القاهرة كان أول أوروبي يدرس في الأزهر وتعلم من شيوخه وكان تلميذًا للشيخ جمال الدين الأفغاني. يقدم غولدتسيهر في الظاهر تاريخًا حيًّا لتفسير القرآن، ويضم الكتاب ستة فصول يقدم كل فصل مرحلة من مراحل التفسير».
الناقد الأدبي إيهاب الملاح، رئيس تحرير سلسلة تراث الهيئة العامة للكتاب، يرى أنه لا فارق كبيرا بين الصيف وغيره من الفصول، ويقول: «أقرأ فيها جميعا بالدرجة نفسها والمعدل ذاته، قد يعود هذا إلى التعود والغرس منذ الصبا، وربما أيضًا بحكم المهنة والتخصص حاليا، فأنا أمارس الكتابة والنقد الأدبي والتحرير الصحافي، ولا يكاد يمر يوم دون أن يصل إليّ كتاب جديد أو رواية أو مجموعة قصصية، هذا غير ما أقتنيه أسبوعيًا، وهو كثير».
ويكشف لنا عن قراءاته الحالية: «حاليا أمامي ثلاث روايات جديدة (أن تحبك جيهان) لمكاوي سعيد عن الدار المصرية اللبنانية، (أنامل معبد الحرير) لإبراهيم فرغلي عن منشورات ضفاف والاختلاف بالجزائر، (الرحلة) لفكري الخولي، و(المكتوب على الجبين.. هوامش على السيرة الذاتية) لجلال أمين عن دار الكرمة للنشر. ومثلها من الكتب غير الأدبية (لكنها تتصل أيضًا بالأدب بصورة أو أخرى)، مثل: (عن الأدب) ل. ج. هيليس ميلر، و(ديليسبس الذي لا نعرفه) لدكتور أحمد يوسف عن المركز القومي للترجمة».
وحول طقوس القراءة عنده، يقول: «أنا ممن يقرأون أكثر من كتاب في وقت واحد، أقرأ فصلاً من كتاب وآخرَ من رواية وثالثًا من دراسةٍ متخصصة، ثم أعاود الرجوع إلى الكتاب أو الرواية وهكذا، أتنقل بينها كالنحلة جيئة وذهابًا لا يثقلني الرجوع ولا تفصلني المسافة.. تعودتُ على هذه الطريقة، ضغط الوقت وضيق المساحة لا يوفران لي رفاهية التفرغ الكامل لقراءة رواية أو كتاب في جلسة واحدة أو جلستين على الأكثر. أما كيف أقرأ؟ فالإجابة تحددت عندي ومنذ زمن بعيد، مُذ أن قرأت عبارة المرحوم الدكتور زكي نجيب محمود التي يقول فيها: (أقرأ وكأن الذي معك ليس كتابا من صفحات مرقومة بحروف وكلمات، بل كأنك تتحدث مع مؤلف الكتاب، أقرأ وكأن الذي معك هو الرجل الحي يعرض عليك فكرته أو خبرته بصوت مسموع، ففي هذه الحالة ستجد نفسك مدفوعًا إلى مراجعته ومساءلته ومراجعته جزءًا جزءًا ومعنى معنى، وهكذا تكون القراءة الحية بفاعليتها الذهنية)».
وتذكر الروائية هالة البدري، صاحبة «امرأة.. ما» و«غواية الحكي»، أن قراءاتها دائما ما تخضع لبرنامج معين ومنظم، فهي لا تهوى القراءة العشوائية، ولا تتابع بدأب شديد أحدث الروايات والإصدارات، وإنما تدرج ما هو جدير بالقراءة ضمن برنامجها المحدد للقراءة، ويجب أن يشمل البرنامج الفن والأدب والمسرح والفلسفة ومراجعة الأعمال الكاملة لكبار الكتاب العالميين، وتخصص كل عام لقراءة العمال الكاملة لكاتب بعينه، خصوصا أنه أصبح لديها وقت للتفرغ للأعمال التي اقتنتها من قبل ولم تتمكن من قراءتها. وتضيف: دائما ما أحرص على التنوع في قراءاتي، ولكن حينما أعكف على كتابة رواية أبتعد عن قراءة الروايات، حتى لا تتداخل عوالمها مع عوالمي، وأذهب لقراءة الأعمال المسرحية والشعر». أما عما يشتمل عليه برنامجها للقراءة هذا الصيف فتقول: «بقعة دم على شجرة» لمنير عتيبة، و«سيرة فبراير» للروائي الليبي إدريس المسماري، و«أشباح المدينة المقتولة» للروائي الجزائري بشير مفتي، و«بيت النخيل» للروائي السوداني طارق الطيب، والمجموعة القصصية «شهوة الملائكة»، وديوان شعر «أنا والجنة تحت قدميك» للشاعرة العراقية أمل جبوري.
وتعترض الروائية عزة سلطان، صاحبة «تدريبات على القسوة»، على فكرة التصنيف ما بين قراءات الصيف والشتاء، خصوصا لدى الأدباء أو المهمومين بالمشهد الثقافي، قائلة: «نحن نتحدث عن شريحة عاملة، إجازاتها محدودة وغير مرتبط بفكرة الصيف، وبالتالي أنا ضد فكرة التصنيف الزمني أصلا. القراءة عندي لا تخضع لبرنامج قراءة، كثير من المثقفين يقرأون بشكل عشوائي، كتب تصل إليهم كإهداء أو يشترونها، كما تخضع فكرة القراءة للخبرات الشفاهية، حيث يتحدث أحد الأصدقاء أو الزملاء موثوقي الخبرة عن عنوان بعينه فيكون بمثابة توجيه للاهتمام بهذا العنوان».
وتكشف لنا عن قراءاتها الحالية: «أقرأ أعمال المفكر هادي العلوي، فأنا بحاجة لفهم فكر الجماعات المتطرفة، لا بد أن لديهم دعائم فكرية وإن رأيناها مغلوطة، الحرب بالأساس فكر وثقافة، وكلما زادت الهوة بين المواطن العادي والثقافة كان أسهل في الاستقطاب نحو الجماعات المتطرفة، فإذا كان علينا دور تجاه مجتمعنا فعلينا أن نقرأ أكثر ونكون أكثر وعيًا وفهمًا قبل أن نكيل الاتهامات ونُكفر وننبذ».
وعن عادات القراءة لديها، تقول: «لا أقرأ كتابًا واحدًا في الوقت نفسه، فعادة أكثر من عمل في الوقت نفسه، فلا بد أن يجاورني عمل روائي أو شعري أو مسرحي وحاليًا أقرأ رواية (طيور) لإيميلي نصر الله، بالإضافة للقراءات المرتبطة بالعمل، فأحيانا أحتاج لإعادة قراءة كتاب في السينما، أو قراءة عنوان جديد، أما عن الكتابة الإبداعية فموضوع العمل هو الذي يحدد هل نحتاج للقراءة حول الموضوع، ولم أحدد موضوع الرواية المقبلة بعد حتى أحدد قراءاتي».
ولا تختلف عادات القراءة بين الفنانين التشكيليين المصريين عن عموم المثقفين، وإن كانت تتميز بالخوض في تاريخ الفنون وجمالياتها، يقول الفنان التشكيلي عصمت داوستاشي: «لا أتابع ما يصدر من روايات إلا ما يرشحه لي أبنائي ولكن أعيد قراءة كتب من مكتبتي سبق أن قرأتها في شبابي، يمكن أن يكون ذلك حنينا للماضي، ولكن بشكل عام أحب قراءة كل ما يتعلق بالحضارة المصرية القديمة مثل (معجم الحضارات المصرية القديمة)، فأنا حريص على الرجوع إليه دوما».
ويبوح قائلا: «أحب الروايات وقرأت معظم أعمال الأديب السكندري الرائع إبراهيم عبد المجيد، ولكن لا أجد حاليا ما يشدني بغير حقبة الستينات والسبعينات. ولكن يوميا أقرأ في الفن التشكيلي، وآخر ما قرأته كان كتاب السفير يسري القويضي (رسائل عصمت ناجي) وهو يؤرخ لحركة الفن التشكيلي في الخمسينات والستينات».
ويضيف: «حاليا أقرأ كتاب (أنا أتذكر) للمخرج الإيطالي فدريكو فيلليني يتضمن مذكراته، وفي أعقاب وفاة الفنان عمر الشريف، عدت لكتاب (أعمدة الحكمة السبعة) Seven Pillars of Wisdom الذي صدر في عام 1922 ووضع فيه لورنس العرب خلاصة تجربته السياسة في إدارة أنظمة دول الشرق الأوسط بعد سقوط الدولة العثمانية، وساهم في قيام الثورة العربية الكبرى. وهو كتاب فريد من نوعه حول تاريخ الجزيرة العربية، كتبه الضابط الإنجليزي توماس إدوارد لورنس، وأقرأ (لعبة ظلال) للروائية السكندرية منى عارف».
أما الفنان التشكيلي مصطفى عبد الوهاب، فهو لا يجد أن هناك فارقا بين قراءات الصيف والشتاء بالنسبة له، وهو حاليا يقرأ بنهم شديد كل أعمال الأديب اللبناني أمين معلوف، قائلا: «اكتشفت فكر أمين معلوف العميق منذ أن قرأت روايته (صخرة طانيوس)، ومن ثم قررت أن أجمع كل ما كتبه وحاليا أنا مستغرق معه تماما».