شاشة الناقد

حرقة ****
مفكرة رجل على نار

في نهاية «حرقة» يقف علي (أدم بيسا) أمام منزل رئيس البلدية ويصب البترول على نفسه ويشعل النار. يحترق. لا يصدر عنه صراخ. يمر به المشاة من النساء والرجال والأطفال. لا أحد منهم يتوقف أو حتى ينظر إليه وبدن علي بعد قليل، سيتكوّم على الرصيف ككتلة صفراء صغيرة وينتهي الفيلم هنا.
في بال معظم المشاهدين، يتساوى هذا المشهد مع ذلك الذي حدث فعلياً عندما حرق التونسي محمد البوعزيزي نفسه احتجاجاً على الفقر والدعة وظلم الإنسان لسواه في الشهر الأخير من سنة 2010. صب البنزين وأشعل جسده احتجاجاً، مؤلم ما ألهب ثورات الربيع في أكثر من بلد عربي انتهت بنتائج متعددة. الاختلاف هنا هو أن المارّة في حادثة البوعزيزي توقفوا وهب بعضهم لإطفاء الحريق وإنقاذ الشاب. لكن نهاية الفيلم التي اختارها المخرج لطفي ناثان توعز بأن لا شيء يتغيّر نتيجة انتحار بطله. مشهد المارّة الذين لا يلتفتون إلى رجل تلتهمه النيران يقول إن الوضع بات من السوء بحيث أحداً لم يعد يهتم كثيراً بما يحدث حوله.
رغبة المخرج هنا هي التأكيد على أن الحياة تمضي ولا شيء يتغير في قاعها. الألم الاجتماعي والنفسي والعاطفي الذي دفع علي إلى الانتحار أحسّت به إحدى شقيقتيه التي نسمع تعليقها وذكرياتها حول علي ومآلاته.
كتب المخرج سيناريو فيلم يستعير من وضع البوعزيزي عدة حقائق. فبطله هو أيضاً بائع على الرصيف، والشرطة تمر به كل يوم فيلقّمها بالرشوة لكي تسمح له بالبقاء، كل من البوعزيزي وعلي يحتج على معاملة الشرطة ويحرق نفسه أمام مقر البلدية. عند هذا الحد تتوقف المحاكاة لأن السيناريو اختار هنا دروباً أخرى ليسرد حياة بطله. يبيع علي البنزين المهرّب لصالح تجار ثم يحاول زيادة دخله بالاشتراك في عملية التهريب ذاتها، وهذا في الوقت الذي يصر فيه المصرف (الكامن خلف ذلك الجدار العازل) على أن يقوم علي بدفع كامل الدين الذي استدانه والده من المصرف قبل وفاته. يطرق علي أبواباً قليلة بحثاً عن حل بما في ذلك الاستدانة من شقيقه الذي نأى بنفسه عن الموضوع لكن كلما حاول الصعود هبط أكثر.
الممثل آدم بيسا (الذي فاز بجائزة أفضل ممثل حين تم عرض الفيلم في قسم «نظرة ما» في مهرجان «كان»، في العام الماضي) يؤدي دوره بكل حس ممكن باستثناء الافتعال والمغالاة. هنا يلتقي الرصد التسجيلي مع الرغبة في سرد روائي سليم وواقعي النبرة.