السرد المكتوب على شاشة كومبيوتر عبر وسيط رقمي

جامعة شيكاغو تصدر كتاباً عن تطوره ومستقبله

السرد المكتوب على شاشة كومبيوتر عبر وسيط رقمي
TT

السرد المكتوب على شاشة كومبيوتر عبر وسيط رقمي

السرد المكتوب على شاشة كومبيوتر عبر وسيط رقمي

عن جامعة شيكاغو ضمن سلسلة «النظرية وتفسير السرد»، التي يشرف عليها جيمس فيلان وكاترا بيرام وفاي هالبرنو، صدر كتاب «القصة الرقمية واللاطبيعية: نظرية السرديات العابرة للميديا منهجا وتحليلا» لاسترد انسلين وأليس بيل. والكتاب يتألف من خمسة فصول مع مقدمة وخاتمة، ويقع في 218 صفحة.
وفيه سعى المؤلفان إلى تحقيق أغراض تصب في صالح علم السرد ما بعد الكلاسيكي من خلال دراسة اللاطبيعية في السرد كأحداث مستحيلة الحصول بشخصيات غير آدمية أو من دونها، تُعرض أمام المتلقي عبر وسائط الميديا المتنوعة كألعاب فيديوية وأفلام رسوم متحركة وصور ثلاثية الأبعاد وروايات رقمية وغيرها. وتتنوع طرائق خرق السرد القصصي الطبيعي والتجاوز عليها داخل التصميم الفيلمي، كأن يظهر السارد شجرة تخاطب المتلقي فجأة فيندهش ويستفز بما يعرضه السارد من أحداث غير منطقية، فيتفاعل مندمجاً مع أجواء الفيديو.
ويتوقف نجاح الفيلم لا على تأليف القصة حسب، بل على قدرات مخرج الفيلم أيضا ورؤيته الإخراجية التي بها يربط سلسلة الصور أو المشاهد أو اللوحات، لتوحي للمتلقي بأن القصة لا لبس في أن تكون قد حدثت مع أنها تخرق ما هو طبيعي في السرد القصصي.
والناتج عن هذا التعابر السرد - مديوي أو الإعلامي هو قصة تفاعلية Interactive Fiction، وفيها يكون المتفاعل قارئاً ومشاهداً ومستمعاً ولاعباً، يواجه بانتظام لحظات من المفاجأة والارتباك والحيرة، متأثراً نفسياً بما تعرضه الوسائط الافتراضية، ما يدفعه إلى التفكير مركزاً فيما يشاهده من «واقع» يختلط فيه الخيال بالواقع، محاولاً أن يوصل المقطوع ويردم الفواصل والثغرات ويوفق بين المتناقضات، وكل ذلك يجري في أثناء عملية التلقي المرئي للأفلام والألعاب والصور.
وأغلب موضوعات هذه الأفلام مستوحاة من قصص قديمة تعود إلى زمن الملاحم أو مقتبسة من روايات كلاسيكية تعود إلى العصور الوسطى والقرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وهي تحفل باللاواقعية، وفيها توظف الخيالية بصور مختلفة، بعض منها من نوع skaz - وهو سرد شفاهي عفوي يكتب باللهجة الدارجة - وبه تتقوض أسس السرد الطبيعية. ما اعتبره المؤلفان متجذراً بعمق في التقاليد الغربية والأنجلو أمريكية، وفاتهما أن السرد غير الطبيعي عرفته آداب الحضارات الشرقية الحافلة بالخرافات والأساطير التي فيها يختلط الخيال بالواقع والحي بالميت والسماوي بالأرضي، ونظمت من هذه الأساطير الملاحم الشعرية.
والمرجع الذي عليه اعتمد المؤلفان استرد انسلين وأليس بيل في بناء تصوراتهما للقصة التفاعلية ودراسة التعابر (السرد ـ ميديوي) هما مرجعان، الأول كتاب مونيكا فلودرنك «نحو علم سرد (طبيعي)» (Towards a «natural» narratology) 1996 وأعيد طبعه عام 2002، وفيه طرحت فلودرنك لأول مرة مصطلح «الطبيعية Natural» ووضعته على طاولة البحث السردي ليكون أحد مصادر منظري علم السرد غير الطبيعي، وعنه قال براين ماكهيل: «مونيكا فلودرنيك تأخذ علم السرد من قفاه معيدة من الجذر توجيه النظرية السردية، ليس لصياغتها مجموعة فئات نظرية جديدة ولكن لتتبعها المسارات الوظيفية لهذه الفئات أيضا»، ومما دعت إليه فلودرنك في هذا الكتاب دراسة السرد من منظور معرفي يختلف عن توجهات علماء السرد الكلاسيكي مثل جيرار جينيت وميك بال وسيمور تشاتمان وستنزال من خلال البناء على الطبيعة اللغوية للسرد بوصفه عملية ديناميكية تقتضي سلسلة محفزات تولدها مجموعة من المقاطع النصية أو سلسلة من الصور، مفيدة من فكرة التطبيع التي وضعها جوناثان كولر (1975) وتعني استراتيجيات عمومية يستعملها القارئ للتوفيق بين العناصر غير المتسقة التي تخالف السائد السردي أو تخرق أعرافه النصية.
أما المرجع الثاني فيتمثل في نظريتي اللامحاكاة لريتشاردسون والعوالم المستحيلة لجان ألبر، ومنهما أفاد مؤلفا كتاب «القصة الرقمية واللاطبيعية» كثيراً، فوظفا مفاهيم السرد غير الطبيعي مثل: الطبيعية وغير الطبيعية واستراتيجيات وسيناريوهات الأحداث المستحيلة، في تحليل الألعاب والأفلام وما فيها من عناصر سردية تخرق ما هو واقعي ومألوف كأحداث أو حبكة أو شخصية أو زمان ومكان.
وعرف المؤلفان السرد الرقمي غير الطبيعي بأنه سرد مكتوب ويقرأ على شاشة كومبيوتر وبتركيب لفظي أو خطابي أو مفاهيمي خاص عبر وسيط رقمي، ومن دونه يفقد السرد وظيفته الجمالية والسيميائية. إنه شكل من أشكال الخيال التجريبي يتم تحديد هيكله وشكله ومعناه من خلال سياق برمجي يتم إنتاجه واستقباله عبر نص تشعبي ومسائل أخرى رقمية موظفة داخل شبكة الويب ولغات البرمجة مثل HTML5 و QuickTime و JavaScript، ومثلما نجد أن بعض النصوص الأدبية لا تعتمد فقط على قدرات العقل الأساسية في تكوين المعنى بل وتتحداها بقوة، فكذلك نجد في الألعاب والأفلام الفيديوية ظواهر سردية غير طبيعية تتأرجح أنطولوجيا بين عوالم قصصية وعوالم خارج قصصية. وتتعدد فضاءات هذا السرد ما بين الكومبيوتر المنزلي أو الأجهزة اللوحية أو الهواتف الذكية، كما تتنوع أشكال ألعاب الفيديو القصصية ما بين المكتوبة والشفوية والسينمائية السمعية والبصرية والمتحركة.
وطبق المؤلفان نظريتهما في السرد الرقمي غير الطبيعي على نماذج تجريبية من ألعاب متاحة على شبكة الإنترنت، قاما بانتقائها من بين مجموعات كبيرة من النماذج الرقمية، وبحثا عما فيها من سرديات غير طبيعية تفاعلية وفيها جملة من المواقف، يواجهها المشاهد وعليه أن يؤدي دور اللاعب في لحظات معينة وقد توضع بين يديه خيارات، وعليه أن يختار منها ما يساعده على تصحيح انحراف القصة المروية شفاهيا، وما قد يتولد من هذه العملية التفاعلية من إحساس بالدهشة أو التحدي أو الاغتراب بسبب ما يحصل من خرق لقواعد السرد، سواء على مستوى السارد الذي يختفي ويستعمل ضمير «أنت» مثلا أو على مستوى الشخصيات التي تظهر بهيئة غير آدمية.
واستبعد المؤلفان الكتابات الصحافية كالتقارير الوثائقية والأخبار التفاعلية، واقتصرا على الأفلام والألعاب مستعملين مفردة «اللعبة» كمفهوم شامل يدل على «ألعاب الفيديو والألعاب الرقمية» التي ميدانها المنصات الافتراضية وما يحتاجه التفاعل معها من وجود وحدات التحكم بأجهزة الكومبيوتر الثابتة والمحمولة. وتتفاوت هذه الألعاب، فمنها ما يتضمن الصوت فقط أو الصوت والصورة، ومنها ما يكون كرسوم متحركة، كما توظف فيها شخصية واحدة أو اثنتان أو ثلاث وبعالم ثلاثي الأبعاد باستعمال تقنيات الواقع الافتراضي مثل HTC Vive و Oculus Quest.
ومن الممكن قراءة القصة الرقمية أو تشغيلها أو تجربتها بطرق متعددة الخطوط، وغالبًا ما ينتقي القراء / اللاعبون خيارات معينة تحدد لهم طريقة المشاركة الافتراضية داخل عالم القصة عبر اتباع روابط أو الاستجابة لمتطلبات نصية أو مصورة. وبهذا الشكل يستمر القراء في بناء القصة متعددة الوسائط متفاعلين معها طوال مدة التجربة القرائية.
ولقد رسم مؤلفا كتاب «القصة الرقمية واللاطبيعية» إطارهما النظري في المقدمة، ثم أتبعاها بخمسة فصول إجرائية، اهتم الفصل الأول وعنوانه «التعددية الخطية والتناقض السردي» بدراسة تمييز التناقضات داخل القصة/الخطاب. واقترحا تمييزاً جديداً لهذه التناقضات يقوم على فكرة تعدد الخطوط الزمانية والمكانية للسرد الرقمي. فحين لا تشير القصة إلى هيكلها أو حين يختفي النص التشعبي في ألعاب الفيديو، يكون واجبا على القارئ اتخاذ قرار معين، مستنيرا بما في اللعبة من مسارات خطية أو متضادة.
ودار الفصل الثاني حول مفهوم «الاستبدال Metalepsis»، وبه يكون التحول في الكينونة من صورة إلى أخرى ممكنا، فتتلاشى الحدود بين العالم الفعلي وعالم القصة الخيالي، مما نجده في الحكايات الخرافية. وتحققه الوسائط الرقمية باستعمال أجهزة تكنولوجية. وبها يصل القارئ إلى النص فيتفاعل بأنماط تفاعلية مختلفة مع وسائط هي عبارة عن ارتباطات تشعبية أو صور رمزية محددة.
وخصص المؤلفان الفصل الثالث لدراسة الأبعاد المكانية والزمانية المستحيلة في السرد الرقمي، بغية استكشاف الكيفية التي بها تتعامل الوسائط الرقمية مع الصيغ المستحيلة للمكان والزمان، وتأثيرات هذه الصيغ على تجربة القراء المتفاعلين مع عالم غير طبيعي وعلاقتهم به ومدى انغماسهم مع عناصره غير المحاكية أو المتضادة مع الواقع.
ويستكشف الفصل الرابع الأشكال المتطرفة من السرد الرقمي، ويدرس مجموعة متنوعة من الأصوات غير الطبيعية والرواة غير الموثوق بهم في القصة الرقمية والطرق التي بها تنفذ أفكارهم داخل النص الفائق متعدد الخطوط. وجاء الفصل الأخير تحت عنوان لافت هو «إنه كل شيء عن (أنت)»، وفيه فحص المؤلفان استعمال ضمير الخطاب أو الشخص الثاني في القصة الرقمية، والذي أثبت فعاليته وانتشاره في كل مكان في الوسائط الرقمية السردية. سواء في أشكاله الطبيعية أو غير الطبيعية. وهذه الأخيرة هي المقصودة لأنها تضع القارئ في تردد وجودي بين عالمين واقعي وافتراضي. فيأتي الضمير في شكل توجيهات تظهر للقارئ/ المشغل في رسائل الواجهة وترشده إلى ما ينبغي عليه القيام به من أجل اللعب أو لإعطائه أدلة حول نوع الأوامر النصية التي يجب إدخالها واستكشاف الطرق التي تحدث بها كلمة «أنت» في أشكال أكثر تقليدية وكيف يتم خرقها بغية إحداث تأثيرات تعليمية وانفعالية معينة في المتخيلات الرقمية المضادة للمحاكاة.
وينهي المؤلفان كتابهما بتقديم تصورات هي بمثابة إطار عمل في دراسة السرد غير الطبيعي مستقبلا، تؤشر على احتياجات دراسة علم السرد الرقمي والتجريب فيه وبحث استجابات القارئ / اللاعب وتطوير آليات محتملة في التفاعل السردي غير الطبيعي - الميديوي، والتي يمكن إجراؤها من خلال الوسائط الرقمية.


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»
TT

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

عن دار «الكرمة» بالقاهرة، صدرت رواية «أبريل الساحر» للكاتبة البريطانية إليزابيث فون أرنيم، التي وُصفت من جانب كبريات الصحف العالمية بأنها «نص مخادع وذكي وكوميدي». ومنذ صدورها عام 1922 تحولت إلى أحد أكثر الكتب مبيعاً واقتُبست للمسرح والإذاعة والسينما مرات عديدة.

تتناول الرواية التي قامت بترجمتها إيناس التركي قصة 4 نساء بريطانيات مختلفات تماماً هربن من كآبة لندن بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى إلى قلعة إيطالية ساحرة في الريفيرا الإيطالية ليقضين إجازة الربيع. وبعد أن تهدهن روح البحر الأبيض المتوسط يتغيرن تدريجياً ويكتشفن الانسجام الذي تاقت إليه كل منهن، ولكن لم يعرفنه قط.

وتجيب الرواية بشكل مقنع عن السؤال الأبدي حول كيفية تحقيق السعادة في الحياة من خلال مفارقات الصداقة بين النساء والتمكين والحب المتجدد والعشق غير المتوقع. وصفتها صحيفة «الديلي تلغراف» بأنها «على مستوى ما، قد تُعد الرواية هروباً من الواقع، ولكن على مستوى آخر فهي مثال لتحرر الروح»، بينما رأت صحيفة «ميل أون صنداي» أنها تتضمن «وصفاً حسياً حالماً لأمجاد الربيع الإيطالي».

وتُعد إليزابيث فون أرنيم (1866-1941) إحدى أبرز الكاتبات الإنجليزيات واسمها الحقيقي ماري أنيت بوشامب، وهي ابنة عم الكاتبة كاثرين مانسيفيلد. ولدت في أستراليا لعائلة ثرية وتزوجت أرستقراطياً ألمانياً حفيداً للملك فريدرش فيلهلم الأول، ملك بروسيا، واستقرت مع زوجها في عزبة عائلته في بوميرانيا حيث ربيا 5 أطفال.

بعد وفاة زوجها كانت على علاقة عاطفية مع الكاتب المعروف هـ. ج. ويلز لمدة 3 سنوات، لكنها تزوجت بعدها فرانك راسل الأخ الأكبر للفيلسوف الحائز جائزة نوبل برتراند راسل لمدة 3 سنوات ثم انفصلا. وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية انتقلت للإقامة في الولايات المتحدة حتى توفيت. زواجها الأول جعل لقبها «الكونتيسة فون أرنيم شلاجنتين»، أما زواجها الثاني فجعل اسمها إليزابيث راسل.

نشرت روايتها الأولى باسم مستعار ولكن مع النجاح الكبير لكتبها استخدمت اسم «إليزابيث فون أرنيم». أصدرت أكثر من 20 كتاباً وتُعد روايتها «أبريل الساحر» التي نُشرت عام 1922 من أكثر الكتب مبيعاً في كل من إنجلترا والولايات المتحدة ومن أحب أعمالها إلى القراء وأكثرها شهرة.

ومن أجواء الرواية نقرأ:

«بدأ الأمر في نادٍ نسائي في لندن بعد ظهيرة أحد أيام فبراير، نادٍ غير مريح وبعد ظهيرة بائسة عندما أتت السيدة ويلكنز من هامبستيد للتسوق وتناولت الغداء في ناديها. التقطت صحيفة (التايمز) من على الطاولة في غرفة التدخين وجرت بعينيها الخاملتين أسفل عمود مشكلات القراء ورأت الآتي:

(إلى أولئك الذين يقدرون الشمس المشرقة، قلعة إيطالية صغيرة من العصور الوسطى على شواطئ البحر الأبيض المتوسط للإيجار، مفروشة لشهر أبريل (نيسان) سوف يبقى الخدم الضروريون).

كانت هذه بداية الفكرة، ومع ذلك كما هو الحال بالنسبة إلى عديد من الأشخاص الآخرين، لم تكن صاحبتها على دراية بذلك في تلك اللحظة.

لم تكن السيدة ويلكنز مدركة قط أن كيفية قضائها شهر أبريل في ذلك العام قد تقررت في التو والحال إلى درجة أنها أسقطت الصحيفة بحركة غلب عليها الانزعاج والاستسلام في الوقت نفسه، وتوجهت نحو النافذة وحدقت في كآبة الشارع الذي تقطر به الأمطار».