البرلمان التونسي يعقد جلسة لترتيب بيته الداخلي

بحث ملفات الحصانة والغيابات المتكررة وحفظ النظام

برلمانية تمر عبر بوابة التفتيش لحضور جلسة البرلمان التونسي (رويترز)
برلمانية تمر عبر بوابة التفتيش لحضور جلسة البرلمان التونسي (رويترز)
TT

البرلمان التونسي يعقد جلسة لترتيب بيته الداخلي

برلمانية تمر عبر بوابة التفتيش لحضور جلسة البرلمان التونسي (رويترز)
برلمانية تمر عبر بوابة التفتيش لحضور جلسة البرلمان التونسي (رويترز)

عقد البرلمان التونسي الجديد اليوم جلسة خصصها للنظر في النظام الداخلي لعمل البرلمان، وتناول بالخصوص الحصانة البرلمانية، ومتابعة إشكالية تكرر الغيابات عن الجلسات وحفظ النظام، وتحديد الترتيبات تحت قبة البرلمان، وعلاقاته بكل المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني. ومن المنتظر أن تتضح بوصلة العمل البرلماني في تونس، بعد تحديد النظام الداخلي للمجلس، في ظل تشكيك المعارضة المتواصل في الصلاحيات التي ستخول له، وإمكانية خضوعه للسلطة التنفيذية، ممثلة خاصة في مؤسسة رئاسة الجمهورية، التي ذكّرت نواب البرلمان بإمكانية سحب الوكالة منهم، في حال لم يسعوا إلى تنفيذ مطالب التونسيين.
وكان إبراهيم بودربالة، الرئيس الجديد للبرلمان، خلفاً لراشد الغنوشي رئيس حركة النهضة، قد أكد انتهاء العمل بالمراسيم الرئاسية، وأن البرلمان سيمارس وظائفه التشريعية من خلال النظر في مشروعات القوانين، التي سيتقدم بها رئيس الجمهورية والحكومة ونواب البرلمان، وهي ملفات ستحظى بالأولوية، وسيتم تمريرها على لجان خاصة قبل عرضها على الجلسات العامة للنقاش والمصادقة عليها، وفق تعبيره. واعتبر بودربالة أن أهم أولويات البرلمان هي «التعامل مع كل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، بهدف بناء تونس الجديدة، وبناء الوطن دون تعطيل أو محاولة الهدم». كما أكد أن أداء البرلمان الحالي «سيكون مختلفاً عن البرلمان السابق، نظراً لأن طريقة انتخاب النواب والتصويت على الأفراد في دورتين انتخابيتين خلقت علاقة بين النائب والناخب مباشرة. كما سيكون النائب تحت رقابة الناخب مباشرة، وستتم محاسبته على البرنامج الانتخابي الذي تقدم به في أثناء ترشحه».
على صعيد آخر، أكدت هيئة الدفاع عن المتهمين بالتآمر على أمن الدولة، اليوم، أنهم تحولوا إلى «معتقلين سياسيين» بعد أن خلت ملفاتهم من تهم جدية، تؤكد خطورة التهم المنسوبة لهم، وطالبت بالإفراج عن 8 متهمين لم يكن من بينهم علي العريض ونور الدين البحيري والحبيب اللوز، القياديين في حركة النهضة. وقال العياشي الهمامي، عضو هيئة الدفاع عن المتهمين في مؤتمر صحافي، عقد أمس بالعاصمة التونسية، إن الاعتقالات التي شملت خلال شهر فبراير (شباط) الماضي عدداً من الناشطين السياسيين، من بينهم عصام الشابي، وغازي الشواشي، ورضا بلحاج، وجوهر بن مبارك، وعبد الحميد الجلاصي، وخيام التركي، «تمت بطريقة استعراضية من خلال مداهمات ليلية، دون أن تفضي إلى تهم جدية»، على حد تعبيره. وأكد أن ملفات الاتهام «لا تحتوي على أي أدلة، باستثناء بعض الرسائل النصية التي تمت بين بعض المعتقلين وسفراء أجانب معتمدين في تونس، وهي رسائل لا يمكن أن ترقى إلى مستوى توجيه تهمة التآمر على أمن الدولة»، على حد قوله.
في السياق ذاته، قال أسامة البرهومي، محامي وجدي الغاوي، النائب بالبرلمان الجديد الذي تم اعتقاله في أول جلسة يعقدها البرلمان، إن موكله «سجين سياسي يضاف إلى بقية السجناء السياسيين»، موضحاً أن تنفيذ أمر الاعتقال «تم بطريقة استعراضية تضمن توجيه رسالة لبقية النواب». كما أكد أن المتهم «نائب منتخب وهو يتمتع منذ صدور النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية بالحصانة البرلمانية قانوناً، ولا يمكن سجنه إلا بعد رفع الحصانة عنه من قبل البرلمان التونسي الجديد». يشار إلى أن الجلسة الافتتاحية للبرلمان الجديد التي انعقدت يوم الاثنين شهدت توقيف النائب الغاوي من قبل قوات الأمن تحت قبة البرلمان مباشرة بعد أدائه القسم، بتهم تزوير تزكيات عند تقديم ترشحه للانتخابات البرلمانية الأخيرة، وهو ما خلّف تساؤلات حول توقيت التوقيف والرسائل السياسية التي حملها.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم