الكرملين: أهدافنا في أوكرانيا لن تتحقق إلا بالقوة العسكرية

وزير الدفاع الروسي (وسط) في زيارة أمس لـ«مؤسسة الصواريخ التكتيكية» (أ.ب)
وزير الدفاع الروسي (وسط) في زيارة أمس لـ«مؤسسة الصواريخ التكتيكية» (أ.ب)
TT

الكرملين: أهدافنا في أوكرانيا لن تتحقق إلا بالقوة العسكرية

وزير الدفاع الروسي (وسط) في زيارة أمس لـ«مؤسسة الصواريخ التكتيكية» (أ.ب)
وزير الدفاع الروسي (وسط) في زيارة أمس لـ«مؤسسة الصواريخ التكتيكية» (أ.ب)

قالت موسكو مراراً إنه يتعين على أوكرانيا الإقرار بضمٍ أعلنته روسيا لأربع مناطق تحتلها بصورة جزئية من أوكرانيا، وهو إجراء تعدّه كييف والغرب غير قانوني. وقال الكرملين أمس (الثلاثاء)، إنه من غير الوارد التوصل إلى حل سلمي في أوكرانيا، ما لم تعترف كييف «بالحقائق الجديدة» على الأرض. وأضاف دميتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين، أن موقف روسيا بشأن إنهاء الأعمال القتالية «معروف جيداً»، مضيفاً أن أهداف روسيا في أوكرانيا لا يمكن تحقيقها في الوقت الراهن إلا بالقوة العسكرية، وأن كييف بحاجة إلى تقبل «الحقائق الجديدة» قبل أن يتسنى التوصل إلى تسوية سلام. ونقلت وكالات أنباء رسمية روسية عن بيسكوف قوله: «علينا تحقيق أهدافنا. لا يتسنى تحقيق هذا في الوقت الراهن إلا بالوسائل العسكرية، نظراً للموقف الحالي للنظام الحاكم في كييف».
وتزعم روسيا أنها تقاتل في أوكرانيا من أجل «تحرير» الناطقين بالروسية في منطقة دونباس الشرقية مما وصفته بأنه نظام نازيين جدد في كييف. وتقول أوكرانيا والغرب إن هذه ذريعة لا أساس لها من أجل تبرير حرب عدوانية ومحاولة موسكو الاستيلاء على مناطق من أراضي أوكرانيا.
وقال بيسكوف في وقت لاحق لصحافيين، إن أوكرانيا سيكون عليها تقبل «الحقائق الجديدة» التي ظهرت منذ بدء موسكو ما تسميها «عملية عسكرية خاصة» بأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022. وأضاف: «جميع متطلبات موسكو معروفة جيداً. الوضع الراهن والحقائق الجديدة معروفان جيداً أيضاً. إذا لم تؤخذ هذه المجموعة من القضايا في الحسبان، فالانتقال إلى تسوية سلمية مستحيل».
وتلقي موسكو على كييف باللائمة في توقف محادثات بشأن وقف إطلاق النار، وهي محادثات توقفت في الأسابيع الأولى من الصراع. وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنه سيفكر فقط في تسويات السلام بعد مغادرة القوات الروسية الأراضي الأوكرانية. وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية أن الرئيس الصيني شي جينبينغ والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يعتزمان إجراء أول محادثة بينهما منذ الاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية قبل أكثر من عام.
وقالت الصحيفة، نقلاً عن مصادر مطلعة، إن من المرجح أن تتم المحادثة بين شي وزيلينسكي عقب اجتماع الرئيس الصيني ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في موسكو الأسبوع المقبل. وقالت المصادر إن اجتماع الرئيس الصيني ونظيره الروسي، ومحادثته مع نظيره الأوكراني، التي من المتوقع أن تتم عبر الإنترنت، يعكسان جهود بكين للقيام بدور أكثر فاعلية في الوساطة لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
ويدرس شي القيام بزيارة دول أوروبية، عقب رحلته لروسيا، رغم أنه لم يتم تأكيد جدول رحلته بالكامل بعد، بحسب المصادر.
ومن شأن إجراء محادثة مباشرة مع زيلينسكي أن تمثل خطوة مهمة في جهود بكين للعب دور صانع السلام في أوكرانيا، والتي قوبلت حتى الآن بالشكوك في أوروبا. كما أنها ستعزز وثائق اعتماد بكين كوسيط عالمي قوي عقب الإسهام القوي في التوصل إلى اتفاق بين السعودية وإيران الأسبوع الماضي.
في سياق متصل، أجرى مجلس النواب الروسي (الدوما) الثلاثاء، تصويتاً لإقرار تعديل من شأنه معاقبة من ثبتت إدانتهم بتشويه سمعة الجماعات «المتطوعة» التي تحارب في أوكرانيا، في توسيع لنطاق قانون يفرض رقابة على الانتقادات التي تستهدف القوات المسلحة الروسية. وينظر إلى التعديل على أنه خطوة «لحماية» مقاتلي مجموعة «فاغنر» الخاصة، وهي قوة من المرتزقة تقود الحملة الروسية على مدينة باخموت في شرق أوكرانيا. ويحتاج مشروع القانون إلى موافقة مجلس الاتحاد (الغرفة العليا بالبرلمان) قبل إحالته إلى الرئيس فلاديمير بوتين لإعطاء الموافقة النهائية. ورحب يفجيني بريغوجين مؤسس «فاغنر»، بالمقترحات التي تمثل توسيعاً لنطاق تدابير الرقابة الروسية في وقت الحرب التي تم إدخالها بعد اجتياح موسكو لأوكرانيا.
وطلب بريغوجين من البرلمان في يناير (كانون الثاني)، حظر التقارير الإعلامية السلبية عن أفراد مجموعته من خلال تعديل القانون الجنائي، وهي فكرة سرعان ما أعلن رئيس مجلس النواب فياتشيسلاف فولودين دعمه لها.
وبموجب القوانين الروسية الحالية، يمكن أن تصل عقوبة من يدان بتهمة «تشويه سمعة» الجيش إلى السجن 5 سنوات، في حين قد تصل عقوبة نشر معلومات كاذبة عمداً عن الجيش إلى السجن لمدة 15 سنة. وقالت منظمة «أو في دي - إنفو» الحقوقية إن الادعاء الروسي فتح بالفعل أكثر من 5800 قضية ضد أشخاص بتهمة تشويه سمعة القوات المسلحة، كما استخدمت السلطات القوانين المعنية بنشر معلومات كاذبة لإصدار أحكام بالسجن لفترات طويلة بحق منتقدي الكرملين.
وصوت البرلمان الليتواني بالإجماع لصالح تصنيف مجموعة «فاغنر» منظمة إرهابية. وجاء في القرار الذي تبناه بالإجماع 117 عضواً بالبرلمان في الدولة الواقعة على بحر البلطيق والعضو في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، أمس (الثلاثاء)، أن الشركة العسكرية الخاصة التي تقاتل في الخطوط الأمامية بشرق أوكرانيا تشكل تهديداً للأمن العام. وأضاف القرار أن «فاغنر» مسؤولة، ضمن أمور أخرى، عن قتل وتعذيب المدنيين في أوكرانيا وقصف المنازل وأهداف مدنية أخرى. وفي نص القرار، دعا البرلمان البلدان الأخرى إلى أن تحذو حذو ليتوانيا.
ويعد تصنيف المجموعة الروسية، بقيادة الثري الروسي الموالي للكرملين يفجيني بريغوجين، أمراً رمزياً بشكل أساسي. وكانت ليتوانيا وصفت في وقت سابق الحرب الروسية على أوكرانيا، بأنها إبادة جماعية، وقالت إن روسيا «دولة تدعم الإرهاب وترتكبه». ويصف القرار «فاغنر» بأنها «إحدى أدوات القوة الروسية» التي تتلقى معدات عسكرية من موسكو، وتستخدم البنية التحتية العسكرية الروسية وتدربها المخابرات العسكرية. ويشارك مرتزقة من المجموعة في العمليات العسكرية منذ بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا قبل أكثر من عام، وارتكب أفرادها «جرائم عدوان منهجية وخطيرة» ترقى إلى مستوى الإرهاب. وكانت «فاغنر» ساعدت روسيا سابقاً في احتلال شبه جزيرة القرم، ثم ضمها في عام 2014، وشاركت في العمليات العسكرية بشرق أوكرانيا في عام 2015. وأضاف القرار أن المرتزقة شاركت أيضاً في أعمال إجرامية بجمهورية أفريقيا الوسطى والسودان ومالي.



محللون: روسيا بحاجة إلى الأسد «لتبقى في سوريا» لكن خياراتها محدودة

سكان حماة يشعلون النار في لافتة كبيرة تحمل صورة الرئيس السوري بشار الأسد بعد سيطرة الفصائل المسلحة على المدينة (أ.ف.ب)
سكان حماة يشعلون النار في لافتة كبيرة تحمل صورة الرئيس السوري بشار الأسد بعد سيطرة الفصائل المسلحة على المدينة (أ.ف.ب)
TT

محللون: روسيا بحاجة إلى الأسد «لتبقى في سوريا» لكن خياراتها محدودة

سكان حماة يشعلون النار في لافتة كبيرة تحمل صورة الرئيس السوري بشار الأسد بعد سيطرة الفصائل المسلحة على المدينة (أ.ف.ب)
سكان حماة يشعلون النار في لافتة كبيرة تحمل صورة الرئيس السوري بشار الأسد بعد سيطرة الفصائل المسلحة على المدينة (أ.ف.ب)

يرى محللون أن روسيا لن تسمح بسقوط الرئيس السوري بشار الأسد أو بخسارة قاعدتيها العسكريتين في سوريا، لكن خياراتها وقدرتها العسكرية على مساعدة حليف بات في موقع ضعيف، محدودة.

وعلى غرار طهران الداعمة أيضاً للأسد، ودمشق نفسها، فوجئت موسكو بالهجوم الخاطف الذي شنّته «هيئة تحرير الشام» والفصائل المسلحة المتحالفة معها، ومكّنها من السيطرة على حلب وحماة، وصولاً إلى تهديد مدينة حمص الاستراتيجية على طريق دمشق.

وما يضعف الدور الروسي، الذي شكّل دعامة أساسية للأسد في النزاع الذي اندلع عام 2011، إذ سمح للقوات الحكومية بترجيح الكفة لصالحها في الميدان، أن إيران التي تؤمن دعماً على الأرض، باتت هي أيضاً في وضع صعب.

وتوضح نيكول غراجيفسكي، من معهد «كارنيغي» للدراسات، أن تقدّم الفصائل المسلحة «لا يعكس تشتّت الاهتمام الروسي، بل تدهور القوى الخارجية الميدانية الداعمة» للأسد، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وجعلت موسكو من سوريا نقطة ارتكاز لنفوذها في الشرق الأوسط وأفريقيا، وهي تحتفظ فيها منذ عام 1971 بقاعدة بحرية في ميناء طرطوس (غرب) على البحر المتوسط، تعدّ مركزاً أساسياً لإمداد وإصلاح السفن الروسية في البحر المتوسط، ويمكنها التوجه منه إلى البحر الأسود دون المرور عبر مضيقي تركيا.

كما أن لروسيا منذ 2015 قاعدة جوية رئيسية في مطار حميميم قرب مدينة اللاذقية الساحلية.

«ثغرات في الاستراتيجية»

يقول المدير الأكاديمي لمعهد المتوسط للدراسات الاستراتيجية، بيار رازو، إن روسيا كانت لديها في سوريا في نهاية يوليو (تموز)، «22 طائرة مقاتلة، ونحو 15 مروحية هجومية ومسيّرات، مع مجموع 4 آلاف عسكري و3 آلاف من المرتزقة»، وذلك بعد إرسال تعزيزات إلى أوكرانيا حيث تشنّ موسكو حرباً منذ فبراير (شباط) 2022.

لكنه لفت إلى أن هذه القوات موزعة على المناطق الساحلية، وعند الحدود التركية قرب كوباني وجرابلس والقامشلي، وكذلك في الرقة (شمال) وتدمر قرب دمشق.

وإن أرادت روسيا التصدي للفصائل، «سيتحتم عليها سحب قوات من بعض المواقع الأساسية التي لا ترغب في تركها للأميركيين أو الإيرانيين أو الأكراد» الذين يملك كل منهم قوات على الأرض.

على الأرض، بدأت الفصائل المسلحة، من خلال المناطق التي سيطرت عليها خلال الأيام الماضية، تقطع الطريق بين القاعدتين الروسيتين ومناطق انتشار القوات السورية.

ويقول ديفيد ريغوليه روز، من معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية: «بدأ الروس يخشون على قاعدتيهما اللتين يريدون الاحتفاظ بهما بأي ثمن».

وتواجه موسكو صعوبة في سوريا منذ أن باشرت هجومها على أوكرانيا، ولا يمكن للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وضع جنود أو أسلحة في تصرف الأسد دون إبطاء هجومه على أوكرانيا. وتؤكد غراجيفسكي أن «الثغرات في استراتيجية موسكو باتت جلية».

دبلوماسية وصفقات

يبقى لروسيا المرتزقة، ويمكنها على هذا الصعيد تعبئة قوة «أفريكا كوربس» التي تضم مجموعات عسكرية خاصة روسية تنشط في القارة الأفريقية منذ أن تم تفكيك قوة «فاغنر».

وأشار ليام كار، من معهد المشروع الأميركي لأبحاث السياسة العامة، نقلاً عن مصادر عدّة، إلى أنه كان هناك 1800 من المرتزقة الروس مؤخراً في ليبيا.

ويرى أنهم «في أفضل موقع للانضمام سريعاً إلى سوريا دون الاقتطاع من العناصر في أوكرانيا أو الساحل»، مشدداً على أنهم مجهزون بمدفعية ودبابات من طراز «تي 72».

لكن الكرملين يراهن على الدبلوماسية. فقد أجرى بوتين، الأربعاء، محادثات مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان الذي يُبقي على وجود عسكري في شمال سوريا ويدعم بعض الفصائل المسلحة.

وأعلن الكرملين أن الرئيسين سيبقيان على تواصل من أجل «نزع فتيل الأزمة»، وأنهما «شددا على الأهمية المحورية لتنسيق وثيق بين روسيا وتركيا وإيران لإعادة الوضع في سوريا إلى طبيعته».

ويرى رازو أن «الخيارات الروسية على المدى القريب محدودة، الكرملين يراهن على الردع ويعد خيارات، لكن تطبيق كل شيء يستغرق وقتاً، ولا بد له بالتالي من كسب الوقت».

ويعدّ ريغوليه روز أن موسكو وأنقرة تتبعان «منطقاً دبلوماسياً تعاقدياً»، موضحاً أن «إردوغان لا يدعو إلى سقوط الأسد» في مواقفه الرسمية، «لكن السؤال المطروح يقضي بمعرفة إن كان بإمكانه ضبط» الفصائل المدعومة من أنقرة والمشاركة في الهجوم.

موسكو لرعاياها: غادروا سوريا

يؤكد بعض المحللين أن موسكو تدفع باتجاه عقد قمة سورية تركية. ويقول المحلل السياسي الروسي كونستانتين كالاتشيف لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «روسيا غير مستعدة لأن تخسر. الأسد بإمكانه أن يخسر، لكن روسيا لا. قد يكون من الأسهل على الروس إبرام اتفاق ما مع تركيا».

في هذه الأثناء، دعت موسكو رعاياها، الجمعة، إلى مغادرة سوريا، وأبدى مدوّنون مؤيدون للحرب في أوكرانيا تشاؤمهم.

وعدّ المدوّن المعروف باسم «فايتر بومبر» (500 ألف مشترك) أن «الأولوية هي لحماية... طرطوس من هجمات المسيرات ومنع السيطرة على مدينة اللاذقية الساحلية» في شمال سوريا، وذلك «حتى لو اضطررنا إلى التخلي مؤقتاً عن باقي الأراضي»، وفق قوله.

وأضاف: «من المؤكد أننا لا نملك المبادرة».