مع تردي الوضع السوري عموماً، تتنامى المخاطر التي تهدد غذاء السوريين في شرق البلاد وغربها.
فبينما يهدد انخفاض منسوب نهر الفرات، الزراعة في الجزيرة السورية، لا سيما المحاصيل الاستراتيجية (القمح والشعير)، يتواصل تخبط قرارات الحكومة بدمشق، الخاصة بالإنتاج الزراعي، ما يسبب خسائر فادحة للمزارعين وأزمات في توفر المحاصيل الغذائية الأساسية. «المرصد السوري لحقوق الإنسان» نقل عن مدير الموارد المائية في ريف دير الزور الغربي، تقديره خروج نحو 140 ألف دونم، منها 100 ألف دونم من محصولي القمح والشعير، من دائرة الإنتاج في ريف دير الزور الغربي، بسبب انخفاض منسوب مياه نهر الفرات.
كما أثر تراكم النباتات، وتجمع مياه الصرف الصحي في مستنقعات وبرك، بشكل مباشر على الثروة السمكية، والثروة الحيوانية، وتسبب بأمراض وأوبئة مع اقتراب فصل الصيف.
وناشد مدير الموارد المائية في ريف دير الزور الغربي، الأمم المتحدة والمنظمات الدولية و«التحالف الدولي»، العمل «لإجبار تركيا على فتح حصة سوريا من مياه نهر الفرات»، التي تبلغ نحو 500 متر مكعب في الثانية، إلا أن تركيا تضخ أقل من 200 متر منها. وذلك في الوقت الذي تحتاج فيه محاصيل القمح والشعير، إلى سقايات عدة لتعويض شح الهطول المطري هذا العام، ما ينذر بأزمة قمح في الموسم القادم في مناطق الإدارة الذاتية، ومناطق النظام شمال وشرق البلاد، تضاف إلى أزمة محاصيل أخرى في غرب البلاد تتسبب بها السياسات الارتجالية للحكومة في دمشق، المحاطة بجملة أزمات تعجز عن إدارتها واحتواء تداعياتها التي تزيد الواقع السوري بؤساً.
«الذي لسع من الحليب ينفخ على اللبن»، مثل شعبي سوري استعانت به مصادر اقتصادية سورية لوصف السياسة الزراعية التي تنتهجها الحكومة في دمشق.
وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط»، إن «غذاء السوريين بين مخالب القرارات الارتجالية، والصراعات الإقليمية»، فبالإضافة إلى ظروف الحرب والتنازع على مياه الفرات مع تركيا، هناك تخبط في السياسات الزراعية وغياب للخطط المبنية على معطيات واقعية، ما يؤدي إلى إصدار الحكومة قرارات ارتجالية غير مدروسة، وهو ما كشفت عنه بوضوح، أزمة توفر البصل...
وأضافت المصادر، أن هذه الأزمة مرشحة للتكرار مع محاصيل أخرى كالثوم، فهناك مطالبات من التجار بالسماح بتصدير الفائض من مخزون الإنتاج، ويقدر بـ1500 طن، مع اقتراب موسم الثوم الشهر القادم، تجنباً للخسارة بتلف المخزون، إلا أن الحكومة التي لدغها قرار تصدير البصل الموسم الماضي، تخشى من التسبب بأزمة في الثوم.
ورأت المصادر، أن الخسائر التي تلحق بالإنتاج الزراعي تضرب أولاً المزارعين الذين يعزفون عن إنتاج المحاصيل الخاسرة بسبب الخطط القاصرة.
وأشارت إلى وجود عدة محاصيل مهددة بسبب ارتفاع كلفة الإنتاج، قياساً إلى الأسعار، كالبصل والبطاطا، وقد ينضم إليها الثوم ما لم تتمكن وزارتا الزراعة والاقتصاد، واللجنة الاقتصادية، من اتخاذ الإجراءات اللازمة في الوقت المناسب.
ولفتت، إلى أن القرارات الحكومية «إما متأخرة أو مبنية على توقعات بعيدة عن الواقع، فإما فائض وتلف وخسائر، وإما نقص وارتفاع أسعار وقرار استيراد في الوقت غير المناسب، كما يحصل الآن مع أزمة البصل؛ إذ طرحت كميات مستوردة من مصر قبيل فترة قصيرة من نزول إنتاج الموسم المحلي الجديد إلى الأسواق. وحصة البصل التي حددتها الحكومة للمواطن، وفق البطاقة الذكية هي كيلوغرام واحد، لكن خلال أقل من أسبوع، أصبحت 4 كيلوغرامات، ما يعني أن كميات من البصل المستورد ستتراكم وتذهب إلى التلف، وهو ما يؤكد غياب التوازن عن الإجراءات الحكومية، الأمر الذي يضرب الزراعة ويهدد غذاء السوريين».
وكان وزير التجارة الداخلية عمرو سالم، اتهم وزارة الزراعة بالتسبب في أزمة البصل، بسبب توقعاتها «المغلوطة».
وقال إن وزارة الزراعة «قدرت إنتاج موسم البصل بـ63 ألف طن، وحاجة السوق السورية هي 59 ألف طن؛ أي إن هناك فائضاً بـ3900 طن من البصل. وكي لا يخسر الفلاح، سمحت اللجنة الاقتصادية بالتصدير»، مشيراً إلى أن الإنتاج الفعلي، بحسب ما صرح به وزير الزراعة، هو 42 ألف طن؛ أي إن هناك نقصاً يقدر بـ17 ألف طن، ولحل هذه الأزمة تم التوجه إلى استيراد البصل من مصر.
غذاء السوريين بين الصراعات الإقليمية وتخبط الخطط الزراعية
غذاء السوريين بين الصراعات الإقليمية وتخبط الخطط الزراعية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة