نظم ذكاء صناعي تتعلم بطريقة ذاتية

«كاوست» تطرح نهجاً جديداً لتعلُّم الآلة من دون تدخل الإنسان

نظم ذكاء صناعي تتعلم بطريقة ذاتية
TT

نظم ذكاء صناعي تتعلم بطريقة ذاتية

نظم ذكاء صناعي تتعلم بطريقة ذاتية

من خلال استبدال شبكات أصغر حجماً، بأجزاء من نقاط الالتقاء في إحدى الشبكات العصبية، ابتكر فريق بحثي في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) ومختبر الذكاء الصناعي السويسري (IDSIA) نموذجاً عاماً للذكاء الصناعي بإمكانه التطوّر ذاتياً.
يشير الفريق إلى أن الدراسات الأولية التي تسعى لإثبات مفهوم النموذج قد تمكّن الجيل الجديد من الذكاء الصناعي مما يمكن تسميته «تعلُّم التعلُّم» دون تدخل البرمجة البشرية. وتُفسح طريقة «تعلُّم ما بعد التعلُّم» المجال أمام اكتشاف خوارزميات «التعلُّم العام الجديدة»، التي في وسعها حل مشكلاتٍ لم يواجهها الذكاء الصناعي من قبل.
في عام 1956 ظهر مصطلح الذكاء الصناعي (Artificial Intelligence)، الذي صاغه عالم الحاسوب الأميركي جون مكارثي (1927 - 2011) للإشارة لما كان يقوم به العلماء آنذاك حول إمكانية تصميم آلة ذكية قادرة على تقليد ومحاكاة عمل البشر.
منذ ذاك الوقت ظهرت مصطلحات أخرى منبثقة من الذكاء الصناعي أحدثت ارتباكاً لدى البعض، مثل التعلم العميق (Deep Learning) وتعلُّم الآلة (Machine learning).
التعلم العميق هو أحد فروع تعلم الآلة، حيث تصمم الخوارزميات (Algorithms) المستخدمة فيه على محاكاة بنية ووظيفة الدماغ البشري، ويطلق عليها اسم «الشبكات العصبية الصناعية». أما تعلم الآلة، فهو ذلك العلم الذي يدرس منح الآلات والحواسيب القدرة على التعلم دون أن تتم برمجتها صراحة من خلال استكشاف خوارزميات تستطيع أن تتعلم ذاتياً، وتصنع التنبؤات بخصوص البيانات دون تدخل بشري.
> الشبكات العصبية. أكثر نماذج الذكاء الصناعي شيوعاً اليوم هي الشبكات العصبية الصناعية (ANNs)، وهي شبكاتٌ مترابطة من نقاط الالتقاء التي تُمكن برمجتها، وتتميز بوجود وصلات يتم تعديلها تدريجياً استجابةً للبيانات التي ستتدرب عليها. يُطلق على البرنامج المستخدم لتغيير «الأوزان» في الترجيح اسم خوارزمية التعلم (LA)، والتي كوّنها وهيأها المطور البشري.
وتعد خوارزميات التعلُّم الانتشار العكسي (backpropagation) من أشهرها، التي من خلاله «تتعلّم» الشبكات العصبية، عبر ضبط الأوزان، إعطاء الإجابات الصحيحة للمدخلات التي تتدرب عليها. مع ذلك، فإن هذه الخوارزميات تقتصر على ما يخترعه البشر وقد لا ترقى إلى المستوى الأمثل.
> تعلُّم ما بعد التعلُّم. يقول عالم الحاسوب الشهير البروفسور يورغن شميدهوبر، رئيس مبادرة «كاوست للذكاء الصناعي»: «منذ سبعينات القرن الماضي، كان هدفي الرئيسي تصميم ذكاء صناعي يتحسّن ويتطور ذاتياً، ويفوقني ذكاءً». ويضيف: «في هذا العمل، ابتكرنا نهجاً يمكّن الخوارزميات من (تعلُّم ما بعد التعلُّم)، أو ما يطلق عليه (ميتا التعلُّم Meta Learning)، التي ستُنافس خوارزمية الانتشار العكسي القديمة التي تم تصميمها».
و«ميتا التعلُّم» هو اتجاه جديد للاستفادة الكاملة من المعرفة والخبرة السابقة لتوجيه تعلم المهام الجديدة، أي القدرة على التعلم والتعلم.
استبدل كل من شميدهوبر مع طالب الدكتوراه لوي كيرش بأوزان نقاط الالتقاء، شبكات عصبية دقيقة الحجم، مهمتها اكتشاف خوارزميات جيدةٍ لتغيير الأوزان بمفردها، أي أن تُجري تعديلاتٍ بسيطة ذات تأثيراتٍ هائلة.
يضيف شميدهوبر: «في طريقتنا المقترحة، المسماة (ميتا / ما بعد التعلُّم المتغيّر والمشترك Variable Shared Meta Learning) أو (VSML)، لا تُحدّث خوارزمية التعلُّم التي اخترعها الإنسان أوزان الشبكات العصبية مباشرةً لتحسين عمل الخوارزمية؛ بل تعلم الشبكة نفسها كيفية تطويّر أدائها. في هذا، وعليه فإنها لن تستخدم الانتشار العكسي، لكنها تكتشف طرقاً جديدةً للتعلُّم، تختلف عمّا طوّره الإنسان سابقاً». كانت طرق «ميتا التعلُّم» السابقة عادةً محدودة في نطاقاتٍ ضيقة لمشكلات متشابهة. لكن، الأهم، أن طريقة (VSML) تُفسح المجال أمام اكتشاف خوارزميات التعلُّم العام الجديدة، التي في وسعها حل مشكلاتٍ لم يواجهها الذكاء الصناعي من قبل.
أجرى شميدهوبر وكيرش مجموعة من التجارب باستخدام الطريقة التي طورها الفريق، (VSML)، لقياس سرعة تعلُّمها وقدرتها على التكيف واكتشافها طرقاً تحسّن بها أية عراقيل متعلقة بتحسين خوارزمية الانتشار العكسي.
يقول شميدهوبر: «اخترع البشر أشهر خوارزميات التعلم الآلي، لكن هل في وسعنا أيضاً إعداد خوارزميات ما بعد أو ميتا التعلُّم، التي تتعلم على نحوٍ أفضل من أجل بناء ذكاء صناعي يطوّر نفسه بنفسه دون أية معوقات بخلاف الحدود التي تضعها الحاسوبية والفيزياء». مع ذلك، يُعتبر عمل شميدهوبر خطوةً في هذا الاتجاه.

الأب الروحي للذكاء الصناعي الحديث

انضم البروفسور يورغن شميدهوبر، المعروف عالمياً بـ«الأب الروحي للذكاء الصناعي الحديث» إلى جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) عام 2021، رئيساً لمبادرة الذكاء الصناعي في الجامعة.
حصل شميدهوبر على درجة الدكتوراه في علوم الحاسب الآلي من جامعة ميونيخ التقنية (TUM)، وهو مؤسس مشارك وكبير العلماء في شركة (NNAISENSE)، وكان أخيراً مديراً علمياً في المختبر السويسري للذكاء الصناعي (IDSIA)، وأستاذاً للذكاء الصناعي في جامعة لوغانو، وحصل على عديد من الجوائز العالمية، وقام بتأليف أكثر من 350 ورقة بحثية، وهو متحدث رئيسي دائم ويعمل مستشاراً لعدد من الحكومات حول استراتيجيات الذكاء الصناعي.
يذكر أن الشبكات العصبية للتعلم العميق التي طورها مختبر شميدهوبر أحدثت ثورة في تقنية تعلُّم الآلة والذكاء الصناعي، حيث تم استخدامها بحلول منتصف عام 2010 على أكثر من 3 مليارات جهاز، وتم تطبيقها مليارات المرات يومياً بواسطة عملاء الشركات العالمية الأكثر قيمة في السوق العالمية، مثل تحسين الترجمة الآلية بشكل كبير في مترجم «غوغل» و«فيسبوك» (أكثر من 4 مليارات ترجمة في اليوم)، والمساعد الشخصي سيري (Siri) والطباعة السريعة (Quicktype) على أجهزة هواتف «أبل آيفون» جميعاً، وتحسين إجابات المساعد الشخصي أليكسا (Alexa) من «أمازون»، وعديد من التطبيقات الأخرى.


مقالات ذات صلة

ما فائدة «أوبريتور» وكيل الذكاء الاصطناعي الجديد؟

تكنولوجيا ما فائدة «أوبريتور» وكيل الذكاء الاصطناعي الجديد؟

ما فائدة «أوبريتور» وكيل الذكاء الاصطناعي الجديد؟

في تجربة شخصية، نفَّذ «أوبريتور» من شركة «أوبن إيه آي» المهام التالية التي طلبتها منه: - طلب لي مِغْرفة آيس كريم جديدة من «أمازون». - اشترى لي اسم نطاق…

كيفن رووز ( سان فرانسيسكو)
الاقتصاد الأمينة العامة لمنظمة التعاون الرقمي ديمة اليحيى (الشرق الأوسط)

 2.6 مليار شخص بلا إنترنت... ومنظمة التعاون الرقمي تدعو لشراكات دولية 

بينما يعتمد الأفراد في بعض الدول مرتفعة الدخل على الذكاء الاصطناعي، تتجسد الفجوة الرقمية، مانعةً 2.6 مليار شخص من الوصول إلى المعرفة والفرص والمستقبل ذاته.

عبير حمدي (عمّان)
عالم الاعمال «هواوي» تُطلق أول هاتف ذكي ثلاثي الطي عالمياً

«هواوي» تُطلق أول هاتف ذكي ثلاثي الطي عالمياً

كشفت «هواوي» مجموعة مبتكرة من الأجهزة الذكية خلال حدث إطلاق «المنتج المبتكر من هواوي HUAWEI Innovative Product Launch» الذي أقيم في كوالالمبور.

عالم الاعمال مجموعة stc تسجل إنجازاً عالمياً في تطوير برمجيات الشرائح الإلكترونية

مجموعة stc تسجل إنجازاً عالمياً في تطوير برمجيات الشرائح الإلكترونية

أعلنت مجموعة stc عن إنجاز عالمي جديد يتمثل في توطين البرمجيات الخاصة بتقنية الشرائح الإلكترونية eUICC.

تكنولوجيا أدوات إدارة التواصل الاجتماعي تتيح جدولة المنشورات والتفاعل التلقائي وتحليل الأداء مما يسهل إدارة الحسابات بفعالية (Zoho)

أدوات مفيدة لإدارة حسابات التواصل الاجتماعي

اختيار الأداة المناسبة لاحتياجاتك يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً في تحقيق أهدافك الرقمية.

عبد العزيز الرشيد (الرياض)

الذكاء الاصطناعي يتنبأ بتطور أمراض المناعة الذاتية

الذكاء الاصطناعي يتنبأ بتطور أمراض المناعة الذاتية
TT

الذكاء الاصطناعي يتنبأ بتطور أمراض المناعة الذاتية

الذكاء الاصطناعي يتنبأ بتطور أمراض المناعة الذاتية

طوَّر فريق من كلية الطب بجامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة طريقة مبتكرة للتنبؤ بتطور أمراض المناعة الذاتية باستخدام الذكاء الاصطناعي.

وتعتمد هذه الطريقة التي أُطلق عليها اسم «درجة التقدم الجيني» على تحليل البيانات من السجلات الصحية الإلكترونية والدراسات الجينية الكبيرة. وتستفيد من الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بتطور الأمراض المناعية الذاتية من المراحل السريرية الأولية إلى المرض الكامل. وسيكون لهذا الاختراق آثار كبيرة على التشخيص المبكر والعلاج الشخصي والتدخلات المستهدفة.

رصد أمراض المناعة الذاتية

وتحدث أمراض المناعة الذاتية عندما يهاجم الجهاز المناعي خلايا وأنسجة الجسم السليمة بالخطأ. وغالباً ما تتميز هذه الأمراض، التي تصيب نحو 8 في المائة من الأميركيين؛ معظمهم من النساء في مرحلة ما قبل السريرية، بأعراض خفيفة أو أجسام مضادة يمكن اكتشافها قبل سنوات من التشخيص.

ويُعدّ التعرف المبكر على الأشخاص المعرَّضين لتطور المرض أمراً بالغ الأهمية للتشخيص المبكر وتحسين العلاج وإدارة المرض بفاعلية؛ إذ إن الضرر الناجم عن الأمراض المناعية الذاتية المتقدمة غالباً ما يكون غير قابل للإصلاح.

وقد استخدم فريق البحث الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات من السجلات الصحية الإلكترونية والدراسات الجينية الكبيرة للأشخاص المصابين بأمراض المناعة الذاتية؛ للتوصل إلى درجة توقع المخاطر. ومقارنة بالنماذج الحالية، كانت هذه المنهجية أكثر دقة بنسبة تتراوح بين 25 في المائة و100 في المائة في تحديد مَن ستنتقل أعراضه إلى مرض متقدم.

وقد نشر فريق البحث نتائجهم في مجلة «Nature Communications»، في 7 يناير (كانون الثاني) 2025، برئاسة داجيانغ ليو، نائب رئيس قسم الأبحاث ومدير الذكاء الاصطناعي والمعلوماتية الطبية الحيوية بكلية الطب بجامعة ولاية بنسلفانيا والمؤلف الرئيسي المشارك للدراسة، الذي قال إنه من خلال استهداف مجموعة سكانية أكثر صلة؛ أي الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي أو الذين يعانون أعراضاً مبكرة، يمكننا استخدام التعلم الآلي لتحديد المرضى الأكثر عرضة للإصابة بالمرض، ومن ثم تحديد العلاجات المناسبة التي قد تكون قادرة على إبطاء تقدم المرض، حيث إنها معلومات أكثر أهمية وقابلة للتنفيذ.

نظام «درجة التقدم الجيني»

يتعامل نظام درجة التقدم الجيني (Genetic Progression Score GPS) مع هذه التحديات، من خلال دمج البيانات من دراسات الارتباط على نطاق الجينوم (genome-wide association studies GWAS)، وقواعد البيانات الحيوية القائمة على السجلات الصحية الإلكترونية.

وتساعد بيانات دراسات الارتباط على نطاق الجينوم في تحديد الاختلافات الجينية بين الأفراد المصابين بأمراض المناعة الذاتية وغير المصابين، بينما توفر قواعد البيانات الحيوية معلومات غنية عن المرضى، بما في ذلك المتغيرات الجينية، ونتائج الاختبارات التشخيصية. ومن خلال دمج هذين النوعين من البيانات، يصبح نظام درجة التقدم الجيني أكثر دقة واسعة النطاق برؤى حول الاختلافات الجينية، وتُقدم البنوك الحيوية تاريخاً طبياً مفصلاً.

وتساعد هذه البيانات المجمعة في تحديد الأفراد في المراحل المبكرة (قبل السريرية) من أمراض المناعة الذاتية، وتتبع كيفية تقدم المرض بمرور الوقت. وبهذه الطريقة يمكن للباحثين التنبؤ بتقدم المرض وفهم تطوره بشكل أفضل.

التهاب المفاصل والذئبة الحمراء

وللتحقق من فاعلية طريقة درجة التقدم الجيني، استخدم الباحثون بيانات من بنوك معلومات لتوقُّع تطور أمراض مثل التهاب المفاصل الروماتويدي، والذئبة الحمراء. وقد أظهرت النتائج أن درجة التقدم الجيني تفوقت على 20 نموذجاً آخر في توقع تقدم المرض، كما أنها أكثر دقة بنسبة تتراوح بين 25 في المائة وألف في المائة في تحديد الأفراد المعرَّضين لخطر التقدم إلى مراحل متقدمة من المرض. حيث تتيح هذه الدقة التدخلات المبكرة وخطط العلاج المخصصة والمراقبة المستهدفة، ما يؤدي، في النهاية، إلى تحسين نتائج المرضى.

وأوضح الباحث الرئيسي في الدراسة بيبو جيانغ، من قسم علوم الصحة العامة بكلية الطب جامعة ولاية بنسلفانيا، أن طريقة درجة التقدم الجيني تستخدم تقنية «نقل التعلم»؛ وهي تقنية في التعلم الآلي يجري فيها تدريب نموذج على مهمة واحدة (مثل التمييز بين القطط والكلاب)، ثم تكييفه لمهمة ذات صلة (مثل تحديد الأورام السرطانية)، حيث تتيح هذه الطريقة للباحثين وضع تصورات ذات معنى من مجموعات بيانات أصغر، مما يتجاوز قيود الطرق التقليدية.

وشدد داجيانغ ليو على الآثار العملية لهذا البحث. وقال: «من خلال استهداف الأفراد الذين لديهم تاريخ عائلي أو أعراض مبكرة، يمكننا استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد أولئك المعرَّضين لأعلى خطر، وتطوير تدخلات شخصية لإبطاء تطور المرض».

وتُسلط النتائج الضوء على إمكانات الذكاء الاصطناعي في تحسين إدارة الأمراض، مما يتيح التدخلات المبكرة، والعلاجات الشخصية، وتحسين تصميم التجارب السريرية. ورغم أن الدراسة ركزت على أمراض المناعة الذاتية، يعتقد الباحثون أن إطار عمل درجة التقدم الجيني يمكن تطبيقه على أمراض أخرى، خاصة تلك التي تؤثر على الفئات الأخرى الممثلة تمثيلاً ناقصاً في الدراسة الحالية.