مصر: محاكمة صيدلانية متهمة بالتسبب في وفاة طفلين

التحقيقات نسبت إليها حقنهما بجرعة خاطئة لعلاج السرطان

تنسب النيابة الإدارية في مصر للصيدلانية تهمة التسبب في وفاة طفلين بجرعة دواء خاطئة (أ.ف.ب)
تنسب النيابة الإدارية في مصر للصيدلانية تهمة التسبب في وفاة طفلين بجرعة دواء خاطئة (أ.ف.ب)
TT
20

مصر: محاكمة صيدلانية متهمة بالتسبب في وفاة طفلين

تنسب النيابة الإدارية في مصر للصيدلانية تهمة التسبب في وفاة طفلين بجرعة دواء خاطئة (أ.ف.ب)
تنسب النيابة الإدارية في مصر للصيدلانية تهمة التسبب في وفاة طفلين بجرعة دواء خاطئة (أ.ف.ب)

أمرت النيابة الإدارية في مصر، الأحد، بإحالة صيدلانية للمحاكمة، على خلفية قيامها بتحضير وإعطاء جرعة علاجية بطريق الخطأ لطفلين من مرضى سرطان الدم (14 عاماً، و9 أعوام)، ما ترتب عليه حدوث مضاعفات جسيمة أدت إلى وفاتهما. استتبع ذلك قرار من النيابة الإدارية المصرية بإحالة الصيدلانية المتهمة للمحاكمة العاجلة.
وأفاد تقرير اللجنة الثلاثية للطب الشرعي بمصر، بأن «الوفاة ناتجة عن خطأ طبي في تحضير حقنة النخاع الشوكي التي تم حقن الطفلين بها، وذلك لتعبئتها بعقار (فيليبي) بدلاً من عقار (الأراستين)، وما لعقار (فيليبي) من آثار مدمرة على منطقة الحقن».
وتعمل الصيدلانية (المُتهمة) بالإدارة الصحية بمدينة كفر الشيخ، وعملت سابقاً بأحد مراكز علاج الأورام بمحافظة الغربية (شمال مصر). وأصدرت النيابة الإدارية بياناً، أفاد بأن «التحقيقات كشفت عن قيام المتهمة بتحضير جرعة علاجية للحقن بالنخاع الشوكي بعقار (فيليبي)، بدلاً من عقار (الأراستين) لطفلين من مرضى سرطان الدم، ما ترتب عليه مضاعفات جسيمة، تمثلت في عجز تام عن الحركة بالنصف السفلي، وعدم القدرة على الإحساس بالقدم، وعدم التحكم في المسالك البولية، ووفاتهما متأثرين بتلك المضاعفات».
واستمعت النيابة العامة -حسب البيان- لشهادة أستاذ ورئيس قسم الصيدلة الإكلينيكية بجامعة طنطا، التي أفادت بأن الطفلين مصابان بسرطان الدم، و«علاجهما يتطلب الحقن بعقار (الأراستين) بالنخاع الشوكي، وأنه لا يجوز حقن النخاع الشوكي بعقار (فيليبي)، وأن الأثر المترتب على ذلك هو حدوث شلل يعقبه الوفاة». وأوضحت الشهادة الطبية أن «حدوث آثار جانبية من عقار (الأراستين) أمر نادر الحدوث، ويكون عبارة عن ضعف في العضلات، دون أن يصاحبه شلل أو وفاة، بخلاف عقار (فيليبي) بالغ الخطورة، والمحظور حقنه بالنخاع الشوكي للأطفال».
ويضيف البيان أنه «جرى سؤال رئيس قسم الأطفال بالمركز الذي أفاد بأنه قد تم استدعاؤه لمناظرة حالة الطفلين، عقب تدهور حالتهما بعد الحقن، وتم عمل فحص بالرنين المغناطيسي لموضع الحقن للطفلين».
وحسب النائبة المصرية إيرين سعيد، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب المصري (البرلمان)، فإن «هذا الحادث يجدد المطالبات بخروج قانون المسؤولية الطبية»، على حد تعبيرها. وتقول إن «القانون يتضمن انعقاد لجان المسؤولية الطبية التي تفصل في مثل تلك الوقائع، ومنوط بها تحديد ما إذا كان هناك خطأ طبي أم إهمال، أم مضاعفات لعلاج وارد حدوثه ولو بنسب ضئيلة، وتتكون تلك اللجان من أساتذة وعمداء كليات ومتخصصين في كافة المجالات الطبية».
وتضيف النائبة المصرية في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، أن «تلك الفوضى تجعل صيدلانياً يتحوّل في ليلة وضحاها إلى مُجرم، ومريضاً يرجو العلاج يواجه الموت بسبب خطأ طبي». وتتابع بأن «هذا ملف حساس جداً، ولا بد من وجود دور للمجلس الصحي المصري في تدريب الكوادر الطبية، لتجنب مثل هذه الأخطاء».
وتعيد تلك الواقعة إلى الأذهان حوادث شبيهة شهدتها مصر أخيراً، تسببت في موت أطفال بسبب مضاعفات عقاقير طبية عن طريق الحقن. منها واقعة موت طفل بمحافظة أسيوط (جنوب مصر)، فبراير (شباط) الماضي، إثر حقنه بعقار «مضاد حيوي» في إحدى الصيدليات بطريقة خاطئة، لخصتها النيابة العامة آنذاك بأنها «جناية الجرح العمدي المفضي إلى الموت». وكذلك واقعة أودت بحياة طفلتين في مدينة مينا البصل بالإسكندرية (شمال مصر)، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بعدما تم حقنهما بمضاد حيوي من دون اختبار حساسية مُسبق، بإحدى الصيدليات.



مصطفى الرزاز يستحضر الذكريات والفولكلور المصري عبر «رزق البحر»

جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
TT
20

مصطفى الرزاز يستحضر الذكريات والفولكلور المصري عبر «رزق البحر»

جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)

استحضر الفنان المصري مصطفى الرزاز عناصر ورموزاً من الأساطير والفولكلور الشعبي المصري، واستدعى مَشاهد وذكريات مرَّ بها لسنوات طويلة، ثم مزج ذلك كله بفرشاته وخطوطه وخاماته المختلفة على مسطح أعماله؛ ليقدم مجموعة جديدة من اللوحات، والمنحوتات تنبض بالحياة، وتدعو إلى الاستمتاع بها.

في معرضه «رزق البحر» المُقام في «قاعة الزمالك للفن»، يترك الرزاز للمتلقي الفرصة للانغماس مع عالمه الذي جسَّده في أعماله، متنقلاً ما بين البحر والصيد والمرأة والأسماك؛ وخلال ذلك تتشبَّع عين الزائر بجماليات أعماله، ويتزوَّد وجدانه بدفء حكاياته.

الصياد وشِباك السمك (إدارة الغاليري)
الصياد وشِباك السمك (إدارة الغاليري)

يضمّ المعرض نحو 60 لوحة كبيرة، و64 لوحة صغيرة، فضلاً عن 45 قطعة نحتية، تتميّز بأنَّ «البطولة المطلقة» فيها للأسماك في المقام الأول؛ فهي ليست مجرّد عنصر رمزي، أو مفردة من البيئة تزدان بها الأعمال، لكنها ذات حضور طاغٍ، فتلتقيها على مسطّح اللوحات محمولة بعناية بين الأيدي، أو عروس للبحر، أو في صورة فرس البحر الذي يبدو صديقاً حميماً للإنسان، ورمزاً لحمايته، كما جاء في الحضارة المصرية القديمة، وغير ذلك من مَشاهد تُعزّز مكانتها.

عمل نحتي برونزي يُبرز احتفاء الإنسان بالسمك (إدارة الغاليري)
عمل نحتي برونزي يُبرز احتفاء الإنسان بالسمك (إدارة الغاليري)

اللافت أنَّ الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بعناصر العصفورة والهدهد والنبات في أعماله؛ في رمز للسلام والنماء، والتماهي مع البيئة المصرية. وبدا واضحاً أنّ لإقامته طويلاً في حي المنيل المطلّ على النيل بالقاهرة بالغ الأثر في أعماله بالمعرض؛ فقد قدَّم مَشاهد حياتية يومية عن قرب لمناظر الصيد والمراكب. يقول الفنان لـ«الشرق الأوسط»: «عندما تُشرق الشمس في صباح كل يوم، أحبُّ النظر إلى نهر النيل حيث جمال المنظر والحضارة والتاريخ».

ومن أكثر المَشاهد التي استوقفته في الصباح الباكر، حركة المراكب والاستعداد للصيد. لذلك استخدم «النظارة المُعظمة» ليتأمّلها عن قرب، فإذا به يكتشف أنَّ مَن يقُمن بالصيد في هذه المنطقة نساء.

لوحة المرأة الفلسطينية ترمز إلى نضال غزة (إدارة الغاليري)
لوحة المرأة الفلسطينية ترمز إلى نضال غزة (إدارة الغاليري)

يواصل الفنان المصري حديثه: «وجدتُ أنهن قبل الصيد يُحضّرن الفطور، ويتناولنه مع أطفالهن وجاراتهن بشكل جماعي يومياً قبل التوجه إلى العمل».

أثار ذلك اهتمام الرزاز، فتوجَّه إلى نقطة تجمعهن، والتقى معهن، ومن خلال حديثه معهن، اكتشف أنّ الرجال لا يشاركونهن الصيد في هذا المكان؛ فيقتصر الأمر عليهن لانشغال أزواجهن بالعمل في مجالات أخرى.

كما اكتشف الفنان أنّ المراكب التي يخرجن للصيد بها هي بيوتهن الدائمة؛ حيث يقمن بها، ولا مكان آخر يؤوي هذه الأسر.

«عروس البحر»... حلم قد يراود الصياد (إدارة الغاليري)
«عروس البحر»... حلم قد يراود الصياد (إدارة الغاليري)

استهوته هذه الحكايات الإنسانية، وفجَّرت داخله الرغبة في تجسيد هذا العالم بفرشاته. يقول: «كانت تجربة غنية ومفيدة جداً بالنسبة إليّ؛ مثلت منبعاً للإلهام. من هنا جاء اهتمامي بتناول البحر والأسماك والصيد في عدد من معارضي؛ منها هذا المعرض الجديد، ولا أعني هنا البحر والصيد فيه وحده، إنما نهر النيل كذلك؛ إذ إنَّ كلمة البحر في اللغة المصرية الدارجة تشير إليهما معاً».

واتخذ الرزاز قراراً بتخصيص المعرض كله للصيد، من دون الاقتصار على تجربة الصيادات الإنسانية؛ فثمة قصص أخرى للصيد في الوجه القبلي، وفي المناطق الساحلية حيث يقتصر الصيد على الرجال.

من أعمال الفنان في المعرض (إدارة الغاليري)
من أعمال الفنان في المعرض (إدارة الغاليري)

ويتابع: «سافرت إلى الإسكندرية (شمال مصر) وشاركتهم رحلة للصيد، وتأثّرت جداً بعملهم، فتشرَّبت تفاصيل حياتهم، وطريقة عملهم، وصوَّرتهم فوتوغرافياً، إلا أنني تركتها جانباً، ورسمت التكوينات من خيالي، حتى تختلف عن الرؤية المباشرة أو التسجيل».

لقطة من معرض «رزق البحر» (إدارة الغاليري)
لقطة من معرض «رزق البحر» (إدارة الغاليري)

ويرى الرزاز أنه عندما يرسم الفنان الواقع كما هو، يُفقده جمالياته وحرّيته في التعبير. لكن لماذا يمثّل البحر والصيد كل هذا الاهتمام من جانب الدكتور مصطفى الرزاز؟ يجيب: «البحر بالمفهوم الذي أشرت إليه هو نصف الدنيا، وهو مختلف تماماً عن اليابسة، وأكثر غموضاً، وسحراً، بالإضافة إلى اختلاف الكائنات التي تعيش فيه عن الأرض».

ويؤكد الفنان المصري أنّ «لمهنة الصيد خصوصيتها؛ ونموذج حقيقي لسعي الإنسان؛ فالصياد يتوجَّه إلى البحر على وجه الكريم، من دون أن يحظى براتب، ولا يمكن أن يعرف حجم أرباحه التي سيجنيها، ويرمي نفسه في البحر طوال النهار، وربما لأيام، وقد يعود بما يرضيه، وقد لا يرجع بشيء على الإطلاق».

علاقة الإنسان بالبحر تشغل الفنان (إدارة الغاليري)
علاقة الإنسان بالبحر تشغل الفنان (إدارة الغاليري)

ومن هنا، فإن حلم الصياد أن يجني سمكة ضخمة، أو سمكة تُكلّمه، أو تكون في صورة امرأة جميلة، أو داخلها «خاتم سليمان) يحقّق له كل ما يتمناه. لذلك أيضاً، كان للسمك نصيب كبير في الأساطير والحكايات الشعبية؛ فكانت هناك «أم الشعور»، و«عروسة البحر»، وغيرهما مما يُعدّ فانتازيا علاقة الإنسان بالسمك، وفق الرزاز الذي يرى أن هذه العلاقة هي مصدر إلهام للفنان، ومنبع حكايات تحفّز أي شخص على الانطلاق والسعي في الحياة.

الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بالمرأة والعصفورة رمزاً للجمال والسلام (إدارة الغاليري)
الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بالمرأة والعصفورة رمزاً للجمال والسلام (إدارة الغاليري)

وربما لم تُنافس الأسماك في أعمال المعرض -المستمر حتى 15 مارس (آذار) الحالي- سوى المرأة الجميلة بعيونها الواسعة وملابسها المزدانة بالموتيفات والنقوش الشعبية؛ انعكاساً لاهتمام الفنان بمكانتها والفولكلور المصري في أعماله من جهة، ومن جهة أخرى تعبيراً عن قوة الوطن.

فتأتي على سبيل المثال لوحة المرأة الفلسطينية التي تطلّ علينا بزيها التقليدي، حاملة صينية الأسماك الطازجة فوق رأسها، كأنها جاءت للتوّ من رحلة للصيد، تضامناً مع أهل غزة. يقول الرزاز: «يرمز هذا العمل إلى أنّ أهل القطاع المعروفين بالصيد سيستمرّون في مهنتهم، وسيبقون في مدينتهم، ولن يستطع أحد أن يغيّر شيئاً من هذا الواقع».