«أنا حرة» أحدث معارض حلمي التوني لدعم المرأة

الفنان المصري اعتبرها مهددة بسبب الضغوط المجتمعية والعائلية

الفنان حلمي التوني (الشرق الأوسط)
الفنان حلمي التوني (الشرق الأوسط)
TT

«أنا حرة» أحدث معارض حلمي التوني لدعم المرأة

الفنان حلمي التوني (الشرق الأوسط)
الفنان حلمي التوني (الشرق الأوسط)

ليست المرة الأولى، التي تتحول فيها المرأة إلى بطلة لأعماله، وليست كذلك المرة الأولى، التي يدعو إلى حريتها من خلال فنه، لكن ربما تكون الصيحة الأقوى للمرأة على مسطح لوحات الفنان التشكيلي المصري حلمي التوني هي تلك التي يشهدها راهناً أحدث معارضه تحت عنوان صريح هو «أنا حرة».
استدعى العنوان في ذهن الكثيرين واحدة من أشهر روايات الأديب الراحل إحسان عبد القدوس، وهي رواية «أنا حرة» التي صدرت عام 1954. وظن البعض أن التوني الذي شكلت المرأة محوراً أساسياً في مشواره التشكيلي قرر أن يقدم سرداً فنياً للرواية، سيما وأنه معروف بأنه من أبرز التشكيليين الذين رسموا شخصيات نجيب محفوظ الروائية، فيما يُعد إعادة لتفسير أعمال «أديب نوبل» بصرياً.

لكن الأمر هنا مختلف؛ فلا توجد أي علاقة فنية تربط بين رواية «أنا حرة»، والمعرض الذي يحمل الاسم نفسه، كما أن الأعمال لا ترتكز على مفهوم التمرد على المجتمع، الذي شكل محور الرواية، إنما جاءت الصيحة مطالبة بالحرية بشكل مطلق.
يقول التوني لـ«الشرق الأوسط»: «لم تَجُل رواية عبد القدوس بخاطري عند اختيار موضوع المعرض أو عنوانه، و(أنا حرة) هي صيحة مستمرة عبر العصور وفي كل الأمكنة؛ فقد عانت المرأة طويلاً القهر والقيود، وهي لا تزال تحاول أن تنتزع حريتها؛ لذلك فإنني طوال مشواري الفني من وقت إلى آخر كنت أقيم معارض تحمل بين ثناياها دعوة إلى حرية المرأة، ومن هنا جاءت فكرة المعرض، وإن كان هذه المرة يحمل صيحة صريحة وأكثر إلحاحاً».

تبدو المرأة في اللوحات وكأنها طارت للتو من محبسها بعيداً عن كل قيود الحياة، ومنغصاتها: «حتى لو قدمت الحياة لبعض النساء بعض المغريات فإن حريتهن تظل مسلوبة، الأمر يشبه الطائر المحبوس في القفص الذهبي، لكن ماذا عندما يكون القفص من حديد صدئ، قضبانه تقاليد ومعتقدات بالية، في الماضي كانت القوانين هي التي تقف أمام حرية المرأة؛ فلم تكن تتيح أو تبيح لها ممارسة الحقوق السياسية أو العامة، الآن القوانين تعدلت، لكن للأسف الشديد ظهر لها عدو جديد».
ويردف: «هذا العدو هو المجتمع المغلق الذي أصبح أكثر عداوة لحريتها حتى من الرجل، فلم يعد يحق لها أن تفكر أو أن ترتدي ما ترغب فيه، أو حتى أن تكون جميلة من دون أن تتعرض للخطر أو الانتقادات». مضيفاً: «هي مهددة بسبب الضغوط المجتمعية والعائلية، لذلك يختار الكثيرات منهن السير مع القطيع ويعتبرن ذلك أسهل من السير عكس التيار، إلا أن ذلك يلقي بظلاله السلبية على المجتمع بأسره».

يضم المعرض المستمر حتى 20 مارس (آذار) الحالي، بغاليري بيكاسو بالقاهرة نحو 30 لوحة فنية، وتزخر اللوحات بالثيمات والعناصر الشعبية، كما تتمتع بتبسيط بليغ لملامح المرأة والأشكال، فضلاً عن أن الرموز جاءت محملة بدلالات تعكس هوية البيئة المصرية، ورغم ذلك كله تناول المرأة في كل فئاتها من دون اقتصار على المرأة الريفية، أو تلك التي تسكن الحارة المصرية؛ وذلك لأن التعبير الشعبي في حد ذاته بالنسبة له هو لغة بصرية تعتمد على عناصر معروفة هي الرمز والخط المحيط بالأشكال وصراحة الألوان، وهذه اللغة التشكيلية من الممكن أن يطرح من خلالها موضوعات مختلفة عن المرأة بكافة فئاتها.
ويؤكد: «ليس معنى استعانتي بالرموز الشعبية، أنني أتناول قضايا فلكلورية أو مشكلات تخص فئة بعينها، لكن غاية ما في الأمر أن هذه هي اللغة التي اكتسبتها واخترتها لكي تكون لغتي التشكيلية، التي أعبر بها عن كل القضايا والموضوعات».

في السياق ذاته، زاوج الفنان في كثير من اللوحات بين «الموتيفة» أو الوحدة التشكيلية الأثيرة عنده وهي الهدهد. المعروف بشكله الجميل وتناسق ألوانه، لكن ليس ذلك ما يشغله هذه المرة، إنما في الغالب يكمن وراء حضوره بقوة في لوحاته رمزيته الشعبية؛ فالهدهد في الحضارة المصرية القديمة، هو رمز البصيرة، وهو طائر وفي أيضاً عند المصريين.
وجعل الفنان أجنحة المرأة في اللوحات معادلاً بصرياً لصيحتها ومناداتها بالحرية؛ فنراها تحلّق في الآفاق والسماء، وكأن مكانها الصحيح بين السحب إلى جوار الشمس والقمر: «حينما قررت أن أطلق صيحتها المرتبطة بالحرية كان ينبغي أن أختار رموزاً؛ فاخترت رمز الأجنحة في إشارة إلى أنها تتطلع لأن تصبح حرة في أن تختار وتقرر وأن تفعل أيضاً».
اللافت أن جميع اللوحات في المعرض ذات مقاس واحد (متر × 70)، وهو ما لم نعتَد عليه في أعمال الفنان، حيث يحرص دوماً على تنوع أحجام لوحاته، وهو ما تعمده التوني. وقال: «أردت الإشارة إلى أن كل النساء لهن المكانة نفسها، الكرامة نفسها، الإنسانية نفسها، كما أن ذلك يحمل إشارة إلى فكرة المساواة، وهي أساس الحرية».
لكن رغم توحيد المقاسات، فإن اللوحات تمتعت بثراء التكوينات، والتنوع البارز في بالتة الألوان؛ مما منحها قدراً كبيراً من الاختلاف يحول دون تسرب الملل للمتلقي، وهو ما يعلق عليه التوني قائلاً: «الفنان بطبيعته قلق ودوماً يبحث عن التغيير وكل ما هو جديد؛ فالفن هو عبارة عن مجموعة إضافات عبر التاريخ».



اكتشاف بقايا معبد الوادي لحتشبسوت في الأقصر

اكتشافات أثرية جديدة في الأقصر (البعثة الآثارية)
اكتشافات أثرية جديدة في الأقصر (البعثة الآثارية)
TT

اكتشاف بقايا معبد الوادي لحتشبسوت في الأقصر

اكتشافات أثرية جديدة في الأقصر (البعثة الآثارية)
اكتشافات أثرية جديدة في الأقصر (البعثة الآثارية)

أعلن عالم الآثار المصري الدكتور زاهي حواس، الأربعاء، عن اكتشاف بقايا معبد الوادي للملكة حتشبسوت بالأقصر (جنوب مصر)، مع عدد من الاكتشافات الأثرية الأخرى، من بينها مقبرة المشرف على قصر الملكة تتي شيري، وجزء من جبَّانة بطلمية.

جاء الكشف في إطار عمل البعثة الآثارية المشتركة التابعة لـ«مؤسسة زاهي حواس للآثار والتراث» بالتعاون مع «المجلس الأعلى للآثار» التابع لوزارة السياحة والآثار المصرية. وأشار حواس، في مؤتمر صحافي بالأقصر، إلى أن «البعثة تعمل في المنطقة منذ عام 2022، وتمكنت خلال ثلاث سنوات من التوصل عبر الحفائر إلى عدد من الاكتشافات الأثرية المهمة في المنطقة الواقعة عند بداية الطريق الصاعدة لمعبد الملكة حتشبسوت بالدير البحري».

وكشفت البعثة عن جزء من أساسات معبد الوادي للملكة حتشبسوت التي تولت الحكم بين (1479 و1458 قبل الميلاد)، ويقع الجزء المكتشف عند مشارف الوادي، وهو بوابة الدخول الرئيسية للمعبد الجنائزي للملكة حتشبسوت المسمى «جسر جسرو»، الذي يعدّ «أجمل المعابد الفرعونية على الإطلاق»، بحسب حواس.

وقال حواس إن «البعثة عثرت على عدد كبير من نقوش معبد الوادي، التي تعدّ من أندر وأجمل نماذج فن النحت في عصر الملكة حتشبسوت وتحتمس الثالث، حيث لا يوجد مثيل لها في المتاحف المصرية سوى نماذج قليلة في متحفي (الأقصر) و(المتروبوليتان) في نيويورك»، مشيراً إلى أن «مجموعة النقوش الملكية المكتشفة حديثاً هي الأكمل على الإطلاق من بقايا معبد الوادي، الذي تعرَّض للهدم خلال عصر الرعامسة والأسرة التاسعة عشرة».

الدكتور زاهي حواس يعلن عن الكشف الأثري (البعثة الآثارية)

بدوره، قال الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور محمد إسماعيل خالد إن «البعثة عثرت أيضاً على أكثر من مائة لوحة من الحجر الجيري والرملي مسجل عليها أسماء وخراطيش الملكة حتشبسوت (اسم الميلاد واسم التتويج على العرش)، تُعدّ جزءاً من ودائع الأساس، التي تؤكد على ملكية صاحب المعبد».

ومن بين اللوحات الحجرية المكتشفة، لوحة من الحجر الجيري تحمل بالنقش البارز اسم المهندس المعماري المختص بقصر الملكة حتشبسوت واسمه سنموت، ولقبه «المشرف على القصر».

وقال حواس إن «مجموعة ودائع الأساس الكاملة للملكة حتشبسوت تُعدّ من أهم مكتشفات البعثة، لا سيما أنها تأتي بعد مرور ما يقارب القرن من الزمان منذ أن كشف العالم الأميركي هيربرت وينلوك عن آخر مجموعة كاملة من ودائع الأساس للملكة حتشبسوت في موقع المعبد الجنائزي في الفترة من (1923 - 1931)».

عدد من اللقى الأثرية في الكشف الأثري الجديد (البعثة الآثارية)

وعثرت البعثة على مقبرة شخص يدعى جحوتي مس، وهو المشرف على قصر الملكة تتي شيري، وأوضح حواس أن «الملكة تتي شيري هي جدة الملك أحمس محرر مصر من الهكسوس، وأم والدة الملك سقنن رع، أول ملك شهيد في حرب الكفاح والتحرير»، وقال: «المقبرة تلقي كثيراً من الضوء على تلك الفترة المهمة من تاريخ مصر».

وتؤرخ المقبرة بالعام التاسع من حكم الملك أحمس الأول (1550 - 1525 قبل الميلاد)، وهي عبارة عن حجرة مربعة منحوتة في الصخر تتقدمها مقصورة من الطوب اللبن المكسو بطبقة من الملاط الأبيض ولها سقف مقبى.

وداخل حجرة المقبرة عُثر على بقايا رسوم ملونة باللون الأحمر على طبقة من الملاط الأبيض، وفي أرضية الحجرة عُثر على بئر مستطيلة تؤدي إلى حجرتَي دفن، وفي البئر تم العثور على مائدة قرابين من الحجر الجيري، وكذلك على اللوحة الجنائزية لصاحب المقبرة.

الاكتشافات تضمنت مقابر بطلمية (البعثة الآثارية)

وعلى الرغم من اللقب المهم الذي كان يحمله صاحب المقبرة، فإن «هيئة وبساطة المقبرة تعطي الكثير من المعلومات عن الحالة الاقتصادية في بدايات الأسرة الثامنة عشرة، التي جاءت بعد حروب مريرة من أجل التحرير استنزفت اقتصاد الدولة»، وفق حواس.

أعلن حواس أيضاً الكشف عن «جزء من جبانة بطلمية ممتدة شغلت موقع الطريق الصاعدة ومعبد الوادي، وشُيّدت مقابرها من الطوب اللبن وأجزاء من حجارة معبد الملكة حتشبسوت». وأوضح أن «هذه الجبَّانة كان قد تم الكشف عن بعض أجزائها عن طريق بعثات أجنبية في بدايات القرن الماضي ولم يتم توثيقها بشكل مناسب».

وتضمن الكشف العثور على عدد كبير من الآثار التي توثق تلك الفترة التاريخية، بينها عملات برونزية تحمل صورة الإسكندر الأكبر، وتعود لعصر بطلميوس الأول (367- 283 قبل الميلاد)، كما تم العثور على ألعاب أطفال من التراكوتا (الطين المحروق)، بأشكال آدمية وحيوانية، وكذلك عدد من قطع الكارتوناج والماسكات الجنائزية التي كانت تغطي المومياوات، وعدد من الجعارين المجنحة والخرز والتمائم الجنائزية.

الجعارين والنقوش الجنائزية من المكتشفات الجديدة (البعثة الآثارية)

كما أعلن حواس أن «البعثة عثرت أيضاً على عدد من المقابر الصخرية من عصر الدولة الوسطى (2050 - 1710 قبل الميلاد)»، مشيراً إلى أن «البعثة كشفت بموقع معبد الوادي عن التسلسل التاريخي للموقع، الذي بدأ إشغاله في عصر الدولة الوسطى، واستمر حتى بداية الأسرة الثامنة عشرة عندما أمر المهندس سنموت بوقف الدفن في المنطقة، واختاره موقعاً لتشييد معبد الوادي».

وقد عمل سنموت على دفن الجبانة أسفل كميات كبيرة من الرمال، ضمن أعمال تمهيد الموقع لتشييد معبد الوادي، وفق حواس.

وتضمن الكشف الأثري أيضاً عدداً من المقابر الصخرية التي تعود لعصر الدولة الوسطى، بداخلها عدد من القطع الأثرية، من بينها موائد القرابين المصنوعة من الفخار وعليها مجسمات للقرابين من خبز ونبيذ ورأس وفخذ الثور، وقال حواس: «هذه الموائد من الآثار المميزة لعصر الدولة الوسطى».

كشفت البعثة أيضاً، بحسب حواس، عن عدد من أبيار الدفن من عصر الأسرة السابعة عشرة (1580 - 1550 قبل الميلاد)، منحوتة في الصخر، وبداخلها عدد من التوابيت الخشبية بالهيئة الإنسانية، التي تُعرَف بالتوابيت الريشية.

من بين التوابيت المكتشفة، تابوت لطفل صغير مغلق وموثق بالحبال، التي لا تزال على هيئتها منذ دفنها قبل 3600 سنة، بحسب حواس، الذي أشار إلى العثور، بجانب تلك التوابيت، على «حصير ملفوف تعدّ البعثة حالياً برنامجاً خاصاً لترميمه ونقله للعرض بمتحف الحضارة».

وكانت البعثة قد نقلت إلى متحف الحضارة في موسم الحفائر الماضي (2023 - 2024)، أحد اكتشافاتها، وهو سرير من الخشب والحصير المجدول يعود إلى عصر الأسرة السابعة عشرة، كان يخصّ أحد حراس الجبانة.

وعدّ حواس «العثور على أقواس الرماية الحربية، أحد المكتشفات المهمة للبعثة، لا سيما أنها تشير إلى وظيفة أصحاب هذه المقابر، وخلفيتهم العسكرية وكفاحهم لتحرير مصر من الهكسوس».