تحت أشجار التين*** موسم قطف الثمار في يوم صاخب بهدوء أسلوب عمل المخرجة التونسية إريج سحيري ينشد الرقّة في التنفيذ. ذات الرقة التي تتطلبها عملية قطف ثمار التين. الأسلوب المعتمد ذاته يحتوي على معالجة طبيعية للأحداث وللشخصيات. لا مواقف حادّة ولا شخصيات تمثّل فوق الخط المنشود لها. بذلك تبدو طبيعية في أجواء غير متكلّفة في حكاية بسيطة بأسلوب يسمّونه طبيعياً. لا شيء ضد هذا المنوال بحد ذاته لولا أنه في نهاية المطاف لا يسجّل انتصاراً لنفسه. السينما لها حق مأثور في ألا تكون «طبيعية». أن تستخدم ما يمكن لها استخدامه من خيال وإضافات حتى وإن لم تبتعد عن الأسس الواقعية التي تنشدها. يبدأ «تحت أشجار التين» بأسلوب بات يُعرف بـ«السينما الطبيعية» التي تعتمد على الموضوع من دون تفعيل أدوات درامية تُذكر. التمثيل ضمن هذا الأسلوب طبيعي بدوره. لا دراما فيه ولا انفعالات والأداءات مما تطلبه اللحظة من عفوية. حتى عندما تخطئ إحدى الممثلات (وكل الممثلين غير محترفين) تستمر الكاميرا في التصوير. البراعة هنا هي أن إلقاء الممثلة جيد، مما يجعل الخطأ طبيعياً يرتكبه كل منا حين الحديث مع الآخر أحياناً. تدور القصّة حول مجموعة من الرجال والنساء (بعضهم شبّان وشابات) ينطلقن ذات صباح على ظهر شاحنة صغيرة لحقل التين في أحد الأرياف شمال شرقي تونس. حين الوصول، يتناول كل منهم صندوقاً وينطلق للقطف. تلاحق الكاميرا شخصيات الفيلم من كثب. هذا أسلوب تسجيلي ورثته المخرجة من أفلامها السابقة التي كانت جميعها تسجيلية. بعد التمهيد العام يتوقف الفيلم عند بعض هذه الشخصيات. هناك من يريد إخفاء صندوق ثمار لنفسه. الفتاة التي تعبّر عن عواطفها والنساء الأكبر سناً اللواتي يتحدّثن عن الصغيرات سنّاً أو يلتزمن الصمت. هناك مشاهد الاستراحة عند جدول ماء صغير يغسل البعض فيه وجوههم أو يشربون. ومشاهد من نقاش بين شابّتين حول شاب، كل منهما تريده لنفسها. الكبار سناً يتنصّتون تحت إيقاع موسيقي هادئ وضعه - بنجاح - أمين بوحافة. يحمل هذا كله معنى متصلاً بالرغبة في تحقيق فيلم عن قاطفي التين بطريقة تجعل المُشاهد يقدّر المعالجة المختارة له. ينشد الفيلم أن يبقى قريباً من شخصياته وينقل ذلك اليوم من أيام قطف التين إلى المُشاهد، مسجلاً بذلك ما يستطيع توفيره من متعة المشاهدة (وهي محدودة وقابلة للضجر بعد حين). بذلك هو فيلم جيد بحد ذاته بلا ريب، لكنه ليس اختراقاً فنياً ولا تعبيراً عن طموح كبير لا بد من إنجازه على هذا المستوى.
بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ
يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.
لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.
الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.
في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟
هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.
* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».
THE WRESTLER ★★
* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).
يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.
هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.
يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.
* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».
ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★
* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).
قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).
نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.
اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.
* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»
★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز