تقرير يسلّط الضوء على العلاقة المتشابكة بين «الأمم المتحدة» والنظام السوري

ابنة حسام لوقا تعمل بمكتب تابع لـ«الأمم المتحدة» في دمشق

وزير الخارجية السوري فيصل المقداد يلتقي فيليبو غراندي المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين اليوم في دمشق (أ.ب)
وزير الخارجية السوري فيصل المقداد يلتقي فيليبو غراندي المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين اليوم في دمشق (أ.ب)
TT

تقرير يسلّط الضوء على العلاقة المتشابكة بين «الأمم المتحدة» والنظام السوري

وزير الخارجية السوري فيصل المقداد يلتقي فيليبو غراندي المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين اليوم في دمشق (أ.ب)
وزير الخارجية السوري فيصل المقداد يلتقي فيليبو غراندي المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين اليوم في دمشق (أ.ب)

سلّط تقرير نشرته صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية الضوء على مدى توغل النظام السوري في المنظمات الأممية والدولية مثل منظمة «الأمم المتحدة»، وقيام وكالة تابعة للأمم المتحدة بتعيين ابنة رئيس المخابرات السورية في مكتب وكالة إغاثة تابع لها.
سلّط الزلزال المدمر الأخير الذي وقع الشهر الماضي الضوء على حجم التنازلات من بعض المنظمات الدولية لنظام دمشق، وعن بطء وصول المساعدة الدولية إلى مناطق المعارضة الفقيرة في سوريا، وهو ما اعترفت به شخصيات بارزة في «الأمم المتحدة». وكشف عن كيفية استخدام المساعدات الإنسانية بشكل روتيني من نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وعن الطرق التي تُجبر بها «الأمم المتحدة» ومنظمات الإغاثة الأخرى على تقديم تنازلات تعود بالنفع على الزعيم السوري وشركائه، وفقاً لخبراء الإغاثة والأشخاص العاملين في هذا القطاع.
يقول التقرير، في أحد الأمثلة، إن ابنة حسام لوقا، رئيس المديرية العامة للمخابرات السورية المعاقَب من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، كانت قد عُينت في مكتب الصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ التابع لـ«الأمم المتحدة» في دمشق، وفقاً لأربعة أشخاص على دراية بـ«الوضع».
وقال متحدث باسم الوكالة إن «الأمم المتحدة» لا تكشف عن أي معلومات شخصية للموظفين لديها، مضيفاً أن جميع الموظفين يتم تعيينهم وفقاً لعمليات التوظيف الصارمة. ولم تذكر الصحيفة البريطانية اسم الابنة لأنها ليست متهمة بأي مخالفة.
وأظهرت الوثائق التي تم تسريبها في عام 2016 أن «الأمم المتحدة» وظَّفت في السابق أقارب مسؤولين رفيعي المستوى في النظام السوري.
وقال أحد عمال الإغاثة المقيمين في الشرق الأوسط: «لا يمكنني إخبارك بعدد المرات التي دخل فيها مسؤولون حكوميون سوريون إلى مكاتبنا ودفعونا لتوظيف أبنائهم».
وتدفع «الأمم المتحدة» ملايين الدولارات، 11.5 مليون دولار في عام 2022، أو 81.6 مليون دولار في المجموع منذ عام 2014، وفقاً لبياناتها الخاصة لموظفيها للبقاء في فندق «فور سيزونز» في دمشق، المملوك في الأغلب لرجل الأعمال سامر فوز الذي تم فرض عقوبات عليه هو والفندق نفسه من الولايات المتحدة في عام 2019 بسبب علاقاتهما المالية مع الأسد.
يعود التعاون بين الحكومة السورية وجماعات الإغاثة إلى بداية الحرب الأهلية في البلاد في عام 2011، وسرعان ما زادت «الأمم المتحدة» والوكالات الدولية من وجودها في البلاد، متوقعةً سقوط النظام. كان من المفترض أن يكون هذا حلاً سريعاً، وإن كلّف الغرب مليارات الدولارات ودعا إلى تقديم تنازلات لدمشق تتعارض مع المبادئ الإنسانية.
وحسب التقرير، ما يقرب من ربع مشتريات «الأمم المتحدة» في سوريا بين 2019 و2021 كانت من شركات خاضعة لعقوبات من الولايات المتحدة، أو الاتحاد الأوروبي، أو المملكة المتحدة، أو مملوكة لأفراد خاضعين للعقوبات، وفقاً لتقرير لكرم شعار، وهو سياسي وخبير اقتصادي في معهد «Think Tank» الشرق الأوسط.
وخلص التقرير إلى أن «الأمم المتحدة» لا تدمج بشكل كافٍ ضمانات حقوق الإنسان في ممارسات الشراء الخاصة بها... مما يعرّض سُمعتها ويُعرّضها لمخاطر فعلية تتمثل في تمويل الجهات المسيئة.
وقالت «الأمم المتحدة» إنها تبنّت ممارسات أكثر صرامة منذ الفترة التي تغطيها البيانات، بل إنها أنهت بعض العقود.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.