الاتحاد الأوروبي يحث على تزويد مشترك لأوكرانيا بقذائف المدفعية

ضمن حزمة استثنائية بمقدار مليار يورو

الأمين العام لـ»الناتو» مع مسؤول السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل في اجتماع وزراء دفاع الاتحاد في استوكهولم (رويترز)
الأمين العام لـ»الناتو» مع مسؤول السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل في اجتماع وزراء دفاع الاتحاد في استوكهولم (رويترز)
TT

الاتحاد الأوروبي يحث على تزويد مشترك لأوكرانيا بقذائف المدفعية

الأمين العام لـ»الناتو» مع مسؤول السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل في اجتماع وزراء دفاع الاتحاد في استوكهولم (رويترز)
الأمين العام لـ»الناتو» مع مسؤول السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل في اجتماع وزراء دفاع الاتحاد في استوكهولم (رويترز)

يعيش الاتحاد الأوروبي منذ فترة أسير المصير الاستنزافي للحرب الدائرة في أوكرانيا والذي يفرض عليه مواصلة الإمدادات العسكرية والمساعدات بوتيرة لم يعرفها منذ تأسيسه، ومع دخول المعارك عامها الثاني على وقع جنوح كبير نحو التصعيد، تجد المؤسسات الأوروبية نفسها مرة أخرى مجبرة على تعديل قواعد العمل التي ارتضتها في المعاهدات المؤسسة للاتحاد، كي تتمكن من تلقيم آلة الحرب الأوكرانية التي تعاني من عجز كبير في العتاد والذخائر استعداداً للهجوم الروسي المنتظر بعد حسم معركة باخموت.
وتفيد وثيقة داخلية وضعتها المفوضية الأوروبية بالتعاون مع مكتب المسؤول عن السياسة الخارجية، واطلعت عليها «الشرق الأوسط»، أن بروكسل تريد من الدول الأعضاء «أن ترسل فوراً ذخائر إلى أوكرانيا، من ترساناتها ومن العقود المبرمة مع شركات الصناعات الحربية»، وبخاصة قذائف المدفعية طويلة المدى من عيار 155 ملم التي أصبحت القوات الأوكرانية بحاجة ماسة إليها. وتقترح المفوضية تمويل هذه الإمدادات وعقود المشتريات المشتركة ضمن حزمة استثنائية بمقدار مليار يورو.
لكن التطور الأبرز في هذا السياق جاء أمس الأربعاء في الاقتراح المشترك الذي حمله مسؤول السياسة الخارجية جوزيب بوريل والمفوضية ممثلة بتييري بروتون إلى مجلس وزراء الدفاع في العاصمة السويدية استوكهولم، والذي يدعو إلى تفويض البنك الأوروبي للاستثمار تمويل الصناعة الحربية الأوروبية لتلبية احتياجات أوكرانيا في المراحل المقبلة، والدول الأعضاء لترميم مخزوناتها بعد تزويد القوات الأوكرانية من الاحتياطات الوطنية التي أشرفت على النفاد في العديد من البلدان.
وتشكل هذه الخطوة تحولاً حاسماً في التغيير الجذري الذي طرأ على طريقة التفكير الأوروبية منذ بداية الحرب. فهي تعني إلغاء حق النقض الذي يفرضه البنك الأوروبي للاستثمار، وهو الذراع المالية للاتحاد، على تمويل الصناعات الحربية. وكان بروتون قد شرح مساء الثلاثاء الماضي في حديث مع مجموعة من الصحافيين أن الاقتراح يقضي بأن يقتصر الأمر في المرحلة الأولى على تزويد أوكرانيا بالذخائر من الترسانات الوطنية، نظراً للحاجة الملحة التي تفرضها مقتضيات الوضع الميداني، وأن تعطي الضوء الأخضر للمفوضية كي تتصرف بالذخائر التي ستحصل عليها في الأشهر المقبلة بموجب العقود التي أبرمتها مع شركات صناعة الأسلحة. وأضاف أن ذلك يقتضي تسريع وتيرة الإنتاج، كما يستدعي توفير ضمانات التمويل وفقاً لجداول زمنية واضحة. وقال بروتون إن الصناعات الحربية الأوروبية يجب أن تتحول إلى «نمط الاقتصاد الحربي» لزيادة قدراتها الإنتاجية وتلبية الاحتياجات التي تفرضها حرب الاستنزاف، الأمر الذي يقتضي تدخلاً مباشراً لبنك الاستثمار ليوفر الضمانات اللازمة للشركات.
لكن اللجوء إلى بنك الاستثمار الأوروبي قد يبدو منطقياً للوهلة الأولى، لا سيما أنه يمول سنوياً بالمليارات عشرات المشاريع في البلدان الأعضاء، إلا أنه يحمل مخاطر من حيث إنه يشكل تعديلاً جذرياً في قواعده التأسيسية، ولا يستبعد أن يصطدم بمعارضة الدول التي خف حماسها كثيراً في الفترة الأخيرة لمواصلة تزويد أوكرانيا بالأسلحة والذخائر، أو تلك التي تعارض علناً الاستمرار في هذا المسار. وتجدر الإشارة إلى أن المبادرة الأوروبية الجديدة للأمن الاستراتيجي التي أقرها الاتحاد في مثل هذه الأيام من العام الفائت تسمح بتمويل مشاريع أمنية ودفاعية ذات طبيعة مزدوجة، عسكرية ومدنية، وتخصص لهذا الغرض 6 مليارات يورو حتى العام 2027. لكن بنك الاستثمار أوضح يومها أنه لن يمول مشاريع لصناعة الأسلحة إلا إذا كانت أغراضها الأساسية للاستخدام المدني.
ويقول الخبراء إن قرار الموافقة على هذا الاقتراح الجديد هو قرار سياسي بامتياز، إذ ليس في النظام الأساسي لبنك الاستثمار ما يمنعه من تمويل 15 شركة في 11 دولة أوروبية تنتج قذائف من عيار 155 ملم، وثلاث شركات ما زالت تنتج قذائف من عيار 152 الموروثة من العهد السوفياتي والتي تحتاج إليها أيضاً أوكرانيا. ويعود القرار للهيئات الحاكمة في بنك الاستثمار، وهي مؤلفة من الدول الأعضاء في الاتحاد. وليس واضحاً بعد ماذا سيكون موقف الدول المحايدة عسكرياً، مثل آيرلندا والنمسا اللتين ترفضان تزويد أوكرانيا بالأسلحة والذخائر، والمجر التي ما زالت تمانع.
وتعهد بروتون بالضغط ما أمكن للموافقة على هذا الاقتراح، لأن ذلك سيوجه «رسالة هامة بأن الأمن أولوية ملحة بالنسبة للجميع في أوروبا»، ثم أضاف «من الضروري جداً ضمان حصول الصناعات الدفاعية الأوروبية على التمويل اللازم من غير عراقيل، بما في ذلك التمويل من القطاع الخاص الذي يجب أن يساهم في مجهود وضع هذه الصناعات على مستوى التحديات الأمنية والاستراتيجية في هذه المرحلة».


مقالات ذات صلة

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

أوروبا أظهرت الأقمار الاصطناعية أضراراً بمطار عسكري روسي في شبه جزيرة القرم جراء استهداف أوكراني يوم 16 مايو 2024 (أرشيفية - رويترز)

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

اتهمت روسيا أوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع لقصف مطار عسكري، اليوم (الأربعاء)، متوعدة كييف بأنها ستردّ على ذلك عبر «إجراءات مناسبة».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ رجال إنقاذ يعملون في موقع تعرض فيه مبنى لأضرار جسيمة بسبب ضربة صاروخية روسية أمس وسط هجوم روسيا على أوكرانيا في زابوريجيا11 ديسمبر 2024 (رويترز) play-circle 02:00

أميركا تحذّر روسيا من استخدام صاروخ جديد «مدمر» ضد أوكرانيا

قال مسؤول أميركي إن تقييماً استخباراتياً أميركياً، خلص إلى أن روسيا قد تستخدم صاروخها الباليستي الجديد المتوسط ​​المدى مدمر ضد أوكرانيا مرة أخرى قريباً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الرئيس الأوكراني زيلينسكي خلال لقائه ترمب في نيويورك الأسبوع الماضي (أ.ب)

ماسك ونجل ترمب يتفاعلان مع صورة تقارن زيلينسكي ببطل فيلم «وحدي في المنزل»

تفاعل الملياردير الأميركي إيلون ماسك ودونالد ترمب جونيور، نجل الرئيس المنتخب دونالد ترمب، مع صورة متداولة على منصة «إكس»

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا ألسنة لهب كثيفة تتصاعد من مبنى مدمر وسيارة محترقة في منطقة زابوريجيا الأوكرانية نتيجة قصف روسي (خدمة الطوارئ الأوكرانية- أ.ف.ب)

4 قتلى و19 جريحاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

قُتل 4 أشخاص على الأقل وأُصيب 19، الثلاثاء، في ضربة صاروخية روسية «دمَّرت» عيادة خاصة في مدينة زابوريجيا جنوب أوكرانيا، في حصيلة مرشحة للارتفاع.

أوروبا صورة مركبة تابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية تعرضت لأضرار بسبب غارة بطائرة مسيرة على طريق في منطقة زابوريجيا في أوكرانيا 10 ديسمبر 2024 (رويترز)

مسيّرة تستهدف مركبة لوكالة الطاقة الذرية قرب محطة زابوريجيا النووية في أوكرانيا

قال مدير الطاقة الذرية إن مركبة تابعة للوكالة تعرضت لأضرار جسيمة بسبب هجوم بمسيرة على الطريق المؤدي إلى محطة زابوريجيا للطاقة النووية في أوكرانيا، الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (كييف)

إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
TT

إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنّ الصومال وإثيوبيا توصلتا، أمس الأربعاء، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة إلى اتفاق "تاريخي" ينهي التوترات بين البلدين الجارين في القرن الأفريقي.

وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة، قال إردوغان إنّه يأمل أن يكون هذا "الاتفاق التاريخي الخطوة الأولى نحو بداية جديدة مبنية على السلام والتعاون" بين مقديشو وأديس أبابا.

وبحسب نص الاتفاق الذي نشرته تركيا، فقد اتّفق الطرفان على "التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك". واتّفق البلدان أيضا، وفقا للنص، على العمل باتجاه إقرار ابرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولا إلى البحر "موثوقا به وآمنا ومستداما (...) تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفدرالية". وتحقيقا لهذه الغاية، سيبدأ البلدان قبل نهاية فبراير (شباط) محادثات فنية تستغرق على الأكثر أربعة أشهر، بهدف حلّ الخلافات بينهما "من خلال الحوار، وإذا لزم الأمر بدعم من تركيا".

وتوجّه الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي إلى أنقرة الأربعاء لعقد جولة جديدة من المفاوضات نظمتها تركيا، بعد محاولتين أوليين لم تسفرا عن تقدم ملحوظ. وخلال المناقشات السابقة التي جرت في يونيو (حزيران) وأغسطس (آب) في أنقرة، أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان زيارات مكوكية بين نظيريه، من دون أن يتحدثا بشكل مباشر. وتوسّطت تركيا في هذه القضية بهدف حل الخلاف القائم بين إثيوبيا والصومال بطريقة تضمن لأديس أبابا وصولا إلى المياه الدولية عبر الصومال، لكن من دون المساس بسيادة مقديشو.

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأربعاء، بعد ثماني ساعات من المفاوضات، سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر. وقال "أعتقد أنّه من خلال الاجتماع الذي عقدناه اليوم (...) سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر" لإثيوبيا.

من جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه "لقد قمنا بتسوية سوء التفاهم الذي حدث في العام الماضي... إثيوبيا تريد وصولا آمنا وموثوقا به إلى البحر. هذا الأمر سيفيد جيراننا بنفس القدر". وأضاف أنّ المفاوضات التي أجراها مع الرئيس الصومالي يمكن أن تسمح للبلدين "بأن يدخلا العام الجديد بروح من التعاون والصداقة والرغبة في العمل معا".

بدوره، قال الرئيس الصومالي، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه إنّ اتفاق أنقرة "وضع حدا للخلاف" بين مقديشو وأديس أبابا، مشدّدا على أنّ بلاده "مستعدّة للعمل مع السلطات الإثيوبية والشعب الإثيوبي". وإثيوبيا هي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان لا منفذ بحريا له وذلك منذ انفصلت عنها إريتريا في 1991.