أوستن يبحث في بغداد تعميق الشراكة الاستراتيجية

وزير الدفاع الأميركي أكد من أربيل إدانة أميركا للهجمات الإيرانية

رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني مع وزير الدفاع الأميركي في أربيل أمس (رويترز)
رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني مع وزير الدفاع الأميركي في أربيل أمس (رويترز)
TT

أوستن يبحث في بغداد تعميق الشراكة الاستراتيجية

رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني مع وزير الدفاع الأميركي في أربيل أمس (رويترز)
رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني مع وزير الدفاع الأميركي في أربيل أمس (رويترز)

كتب وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن قبيل وصوله إلى العاصمة العراقية بغداد، أمس الثلاثاء، في زيارة مفاجئة، أنه يأتي «لتأكيد الشراكة الاستراتيجية مع العراق»، لكن استمرار الخلافات بين القوى السياسية يطغى على زيارته في ظل اختلاف الأولويات. أوستن وقبيل أن تحط طائرته في مطار بغداد كتب تغريدة يقول فيها: «هبطنا في بغداد»، مضيفاً: «أنا هنا لإعادة التأكيد على الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والعراق، فيما نمضي قدماً نحو عراق أكثر أمناً واستقراراً وسيادة».
في المطار، حيث عقد مؤتمراً صحافياً، أبلغ الحاضرين أن زيارته التي لم تكن معلنة حتى لحظة وصوله «كانت بدعوة من الحكومة العراقية». يذكر أن أوستن عمل في العراق قائداً عسكرياً ورقص «الجوبي» في محافظة الأنبار غربي العراق قبل أن يتولى منصبه وزيراً للدفاع. وأضاف أوستن: «محور زيارتنا إلى بغداد ولقائنا مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ووزير الدفاع العراقي ثابت العباسي، هو مناقشة مهام القضاء على بقايا تنظيم داعش الإرهابي».
من جهته، أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ثوابت حكومته لدى لقائه أوستن. فطبقاً للمكتب الإعلامي للسوداني تم خلال اللقاء بين الرجلين استعراض التعاون المشترك بين العراق والولايات المتحدة، وأداء القوات الأمنية العراقية في مكافحة الإرهاب، وملاحقة عصابات «داعش» الإرهابية. السوداني أكد ما بات يعد ثوابتَ في سياسة حكومته، وتتمثل في «حرص الحكومة على تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، وتوطيدها، على مختلف المستويات والصعد»، بالإضافة إلى «نهج الحكومة في اتباع علاقات متوازنة مع المحيط الإقليمي والدولي تستند إلى المصالح المشتركة واحترام السيادة»، مع التأكيد على أن «استقرار العراق مفتاح لأمن المنطقة واستقرارها، فضلاً عن دور العراق في تقريب وجهات النظر وخفض التوترات بالمنطقة». أما أوستن فقد أكد من جانبه «التزام بلاده بدعم استقرار العراق، والتطلع إلى ترسيخ العلاقات بين البلدين، وتنمية شراكاتهما في مختلف المجالات».

أوستن لدى وصوله إلى بغداد أمس (رويترز)

المتحدث الرسمي باسم الحكومة العراقية باسم العوادي، أكد في تصريح أن زيارة وزير الدفاع الأميركي «تمت بعلم الحكومة العراقية وبموافقتها»، موضحاً أن «الزيارة تهدف إلى التأكيد على التعاون المشترك بين البلدين في محاربة الإرهاب، وآفاق التعاون في هذا الملف المهم الذي يشكل الأولوية بالنسبة لأغلب زيارات القادة العسكريين للعراق، وبحث برامج التطوير والتدريب للقوات». وأضاف أن السوداني «أكد تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة وتوطيدها على مختلف الصعد»، كما أكد أيضاً أن «نهج الحكومة هو في اتباع علاقات متوازنة مع المحيط الإقليمي والدولي تستند إلى المصالح المشتركة وسيادة العراق».
في المقابل، رفض تحالف الفتح بزعامة هادي العامري، وهو أحد أطراف الإطار التنسيقي الشيعي، تصريحات أوستن بشأن بقاء القوات الأميركية في العراق، داعياً الحكومة إلى رد قوي على تلك التصريحات عن طريق وزير الدفاع ووزير الخارجية واستدعاء السفيرة الأميركية لتقديم مذكرة احتجاج. وقال علي تركي، النائب في البرلمان عن «الفتح»، في تصريح له، إن تصريحات أوستن بشأن تعزيز بقاء القوات العسكرية الأميركية في العراق «مرفوضة جملة وتفصيلاً؛ كونها تمثل تدخلاً سافراً بالشأن العراقي وإثبات حقيقة وجود قوات عسكرية وليست استشارية كما تزعم الإدارة الأميركية». وأضاف أن «الإدارة الأميركية ما زالت - وعلى كافة المستويات - مصرة على التدخل في الشأن العراقي من خلال تصريحات وزرائها أو تدخلات السفيرة الأميركية في بغداد، من خلال عقد لقاءات مع مختلف الشخصيات التنفيذية والسياسية خارج مهامها الدبلوماسية».
وفي هذا السياق، يقول الخبير الأمني المتخصص فاضل أبو رغيف لـ«الشرق الأوسط»، إن «هذه الزيارة ليست الأولى لوزراء الدفاع الأميركيين إلى العراق، حيث إن الولايات المتحدة تملك أكبر عدد من القوات التابعة للتحالف الدولي الموجودة في العراق منذ عام 2003 إلى اليوم، وبالتالي فإنها من هذه الزاوية زيارة طبيعية لجهة تفقد القوات والاطلاع عليها». وأضاف أن «من بين أهداف الزيارة عقد شراكات مع المسؤولين العراقيين على صعيد رفع المستوى القتالي للقوات العراقية لجهة التجهيز والتسليح التطوير والتدريب، فضلاً عن دراسة جدوى ما تحتاجه الأجهزة الأمنية من أسلحة تتناسب مع الحرب المقبلة ضد تنظيم داعش، وهي حرب استخبارات ومعلومات وحرب أمنية»، مؤكداً أن «الزيارة تعد نمطية، وليست استثنائية، وبالتالي من المهم التأكيد أنها تأتي في سياق التعاون الاستراتيجي، خصوصاً إذا علمنا أنه لا توجد قوات مشاة أجنبية على الأرض، ولا قوات قتالية ولا تعبوية، إنما فقط قوات تعطي المشورة». أما أستاذ الإعلام والباحث في الشأن السياسي الدكتور غالب الدعمي فيقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن «الحراك القوي للولايات المتحدة، عبر سفيرتها في العراق بتكرار زياراتها إلى كبار المسؤولين العراقيين وتصريحاتها الواضحة، يدل على أن واشنطن تسعى هذه المرة وبقوة إلى إعادة العراق إلى محورها والتأثير في سياساته»، مبيناً أن «هذه الزيارات الأميركية متوازية مع زيارات الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن زيارات السوداني الخارجية خصوصاً إلى أوروبا»، مضيفاً أن «كل هذا يؤكد أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يعملان لسحب العراق من التأثير الإيراني». وقال: «يتعين على العراق ألا يكون جزءاً من أحد المحورين، بل عليه أن يتبع سياسة متوازنة مع الجميع، دون التأثير عليه من أحدهما».
وفي وقت لاحق أمس، توجه أوستن إلى أربيل حيث التقى رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، ورئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني. وحسب شبكة «رووداو» الإعلامية، أكد رئيس الإقليم في مؤتمر صحافي مع الوزير الأميركي أن آراء الجانبين كانت بشأن أهمية حل المشاكل بين أربيل وبغداد للاستقرار في المنطقة، مشدداً على أن «إقليم كردستان سيكون دوماً عامل استقرار للمنطقة».
بدوره، أشار أوستن إلى العمل المشترك بين الجانبين على مدى أكثر من 10 أعوام، مضيفاً: «لقد حررنا مساحة واسعة من داعش بالتعاون مع التحالف الدولي». كما أكد دعم بلاده لمذكرة التفاهم بين البيشمركة وأميركا، وأعرب عن إدانته للهجمات الإيرانية المستمرة، ودعا بغداد وأربيل إلى العمل معاً.


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

المشرق العربي الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

حثت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لدى العراق، جينين هينيس بلاسخارت، أمس (الخميس)، دول العالم، لا سيما تلك المجاورة للعراق، على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث التي يواجهها. وخلال كلمة لها على هامش فعاليات «منتدى العراق» المنعقد في العاصمة العراقية بغداد، قالت بلاسخارت: «ينبغي إيجاد حل جذري لما تعانيه البيئة من تغيرات مناخية». وأضافت أنه «يتعين على الدول مساعدة العراق في إيجاد حل لتأمين حصته المائية ومعالجة النقص الحاصل في إيراداته»، مؤكدة على «ضرورة حفظ الأمن المائي للبلاد».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

أكد رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني، أمس الخميس، أن الإقليم ملتزم بقرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل، مشيراً إلى أن العلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد، في أفضل حالاتها، إلا أنه «يجب على بغداد حل مشكلة رواتب موظفي إقليم كردستان». وأوضح، في تصريحات بمنتدى «العراق من أجل الاستقرار والازدهار»، أمس الخميس، أن الاتفاق النفطي بين أربيل وبغداد «اتفاق جيد، ومطمئنون بأنه لا توجد عوائق سياسية في تنفيذ هذا الاتفاق، وهناك فريق فني موحد من الحكومة العراقية والإقليم لتنفيذ هذا الاتفاق».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن علاقات بلاده مع الدول العربية الشقيقة «وصلت إلى أفضل حالاتها من خلال الاحترام المتبادل واحترام سيادة الدولة العراقية»، مؤكداً أن «دور العراق اليوم أصبح رياديا في المنطقة». وشدد السوداني على ضرورة أن يكون للعراق «هوية صناعية» بمشاركة القطاع الخاص، وكذلك دعا الشركات النفطية إلى الإسراع في تنفيذ عقودها الموقعة. كلام السوداني جاء خلال نشاطين منفصلين له أمس (الأربعاء) الأول تمثل بلقائه ممثلي عدد من الشركات النفطية العاملة في العراق، والثاني في كلمة ألقاها خلال انطلاق فعالية مؤتمر الاستثمار المعدني والبتروكيماوي والأسمدة والإسمنت في بغداد.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»، داعياً الشركات النفطية الموقّعة على جولة التراخيص الخامسة مع العراق إلى «الإسراع في تنفيذ العقود الخاصة بها». جاء ذلك خلال لقاء السوداني، (الثلاثاء)، عدداً من ممثلي الشركات النفطية العالمية، واستعرض معهم مجمل التقدم الحاصل في قطاع الاستثمارات النفطية، وتطوّر الشراكة بين العراق والشركات العالمية الكبرى في هذا المجال. ووفق بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء، وجه السوداني الجهات المختصة بـ«تسهيل متطلبات عمل ملاكات الشركات، لناحية منح سمات الدخول، وتسريع التخليص الجمركي والتحاسب الضريبي»، مشدّداً على «ضرورة مراعا

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

بحث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو العلاقات بين بغداد وروما في الميادين العسكرية والسياسية. وقال بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي بعد استقباله الوزير الإيطالي، أمس، إن السوداني «أشاد بدور إيطاليا في مجال مكافحة الإرهاب، والقضاء على عصابات (داعش)، من خلال التحالف الدولي، ودورها في تدريب القوات الأمنية العراقية ضمن بعثة حلف شمال الأطلسي (الناتو)». وأشار السوداني إلى «العلاقة المتميزة بين العراق وإيطاليا من خلال التعاون الثنائي في مجالات متعددة، مؤكداً رغبة العراق للعمل ضمن هذه المسارات، بما يخدم المصالح المشتركة، وأمن المنطقة والعالم». وبي

حمزة مصطفى (بغداد)

جمال مصطفى: عرفنا في المعتقل بإعدام الرئيس ونقل جثته للتشفي

TT

جمال مصطفى: عرفنا في المعتقل بإعدام الرئيس ونقل جثته للتشفي

عائلة صدام وتبدو حلا إلى يساره (أ.ف.ب)
عائلة صدام وتبدو حلا إلى يساره (أ.ف.ب)

ليس بسيطاً أن تكون صهر الرئيس صدام حسين، وسكرتيره الثاني، وابن عشيرته، وموفده إلى العشائر، وأن تذهب لإحضار العشائر للدفاع عن بغداد، وأن تكتشف لدى عودتك أنها احتُلّت، وأن الأميركيين أدرجوا صورتك مع لائحة كبار المطلوبين على ورق اللعب، وأن تلجأ إلى سوريا فتمتنع عن استقبالك، وأن تعود وتغري الدولارات رجلاً بالوشاية، فتجد نفسك في المعتقل.

ليس بسيطاً أن تقيم في زنزانة انفرادية منقطعاً عن العالم والكاميرا تحصي حركاتك وآلة التسجيل تعد أنفاسك لالتقاط أي كلمة، وأن تُتهم رغم عزلتك بأنك تقود المقاومة وترسل سيارات مفخخة، وأن تعرف في المعتقل نبأ يوجعك وهو وقوع «قائد المقاومة» صدام حسين في أيدي القوات الأميركية، وأن تلمحه في المعتقل، وأن تُستدعى ذات يوم إلى محاكمة الدجيل فتجد في قفص الاتهام من كان سيّد البلاد والمصائر، وأن تكتشف لاحقاً أن «السيد الرئيس» أُعدم فجر يوم العيد، وأن جثته طُرحت أمام منزل رئيس الوزراء نوري المالكي الذي كان يحتفل بزفاف ابنه، وأن تشارك في صلاة الغائب مع أعضاء القيادة طه ياسين رمضان وخالك علي حسن المجيد «الذي سُمي ظلماً الكيماوي» وبرزان التكريتي وعبد حمود، وأن تستوقفك مشاركة طارق عزيز المسيحي في تأدية صلاة الغائب.

وليس بسيطاً أن يبلغك القاضي سراً في 2011 أن لا مبرر لمحاكمتك، وأنه قادر على إطلاق سراحك مقابل مبلغ نقدي محترم بالعملة الخضراء، وأن تعرض على القاضي أن يتولى بيع قطعة أرض ورثتها عن جدك الرابع لأنك لا تملك الدولارات التي يحلم بها، وأن يرفض القاضي العرض فتترك في السجن فترة إضافية تقترب من العقد ثم يفرج عنك بسبب نقص الأدلة.

عائلة صدام وتبدو حلا إلى يساره (أ.ف.ب)

قبل أسابيع، شاهدت صورة قديمة للرئيس الراحل صدام حسين مع كامل العائلة. كان في الصورة صدام وزوجته ساجدة ونجلاه عدي وقصي وبناته رغد وزوجها حسين كامل المجيد، ورنا وزوجها شقيقه صدام كامل المجيد، وحلا وزوجها جمال مصطفى السلطان. ضرب الزلزال الصورة الجامعة. قُتل خمسة من الرجال الستة الذين ظهروا في الصورة. أعدم صدام، وقُتل عدي وقصي ومصطفى نجل الأخير على أيدي الأميركيين، وقُتل حسين كامل وصدام كامل على يد أبناء العشيرة عقاباً لهم على الانشقاق عن النظام. لم يبق من رجال العائلة إلا واحد هو الدكتور جمال مصطفى السلطان.

ولد جمال في تكريت 4 مايو (أيار) 1964. التحق الشاب بجهاز حماية الرئيس الذي شجعه على متابعة دراسته بموازاة عمله. وهكذا حصل على إجازة جامعية تبعتها دكتوراه في العلوم السياسية. لعب دوراً كبيراً في تشجيع الرياضة وربطته علاقات واسعة بالرياضيين. وأوكل إليه ملف العشائر فنسج علاقات واسعة معها. وكان دائماً موضع ثقة الرئيس وكان يشارك في جلسات مجلس الوزراء. اعتُقل في العشرين من أبريل (نيسان) 2003 وأُفرج عنه من سجن الحوت في الناصرية في 17 يونيو (حزيران) 2021. توجّه من بغداد إلى أربيل حيث التقى الزعيم الكردي مسعود بارزاني ثم غادر للإقامة في الدوحة مع زوجته والسيدة ساجدة أرملة الرئيس العراقي الراحل.

جمال مصطفى السلطان مع رئيس التحرير غسان شربل خلال المقابلة

استوقفني ابتعاد الرجل عن الإعلام فاتصلت به وقرر الخروج عن صمته. سألته عن قصته وطال اللقاء. وعلى العادة العشائرية رفض أن نغادر من دون غداء متأخر كان الطبق الرئيسي فيه «الهبيط» الذي كان صدام حسين يعده شخصياً في اللقاءات العائلية ومع الأصدقاء المقربين.

بعد مغادرتي تذكرت ما سمعته من القاضي عبد الرؤوف رشيد الذي أصدر حكم الإعدام بحق صدام حسين في قضية الدجيل. وكان جمال السلطان برفقة صدام في تلك الزيارة التي تعرض خلالها لمحاولة اغتيال. قال القاضي بعد اختتام الحوار معه: «للأسف نحن تصرفنا بمنطق القانون والعدالة. لكن بعض المعنيين أعطوا المسألة طابع الثأر والشماتة حين اختاروا يوم العيد لتنفيذ حكم الإعدام وأساءوا التصرف بجثة صدام. هذه الممارسات - عملياً - هدية لجمهور صدام إذ يمكن أن تبقي ذكره حياً لفترة طويلة».

الرئيس صدام حسين وبجانبه جمال مصطفى السلطان

سألت جمال مصطفى السلطان عن اتصالاته في المعتقل مع الرئيس السجين، وتركته يروي قصة الاتصال الأول الذي «كان من خلال بعض المعتقلين الذين كانوا معه في المحكمة، محكمة الدجيل»، أحدهم رئيس محكمة الثورة عواد البندر الذي نُفذ فيه حكم الإعدام أيضاً.

ويقول: «كان الرجل (البندر) ينقل لي بعض الكلام عن السيد الرئيس، إذ كان يذهب إلى محكمة الدجيل، وكانت علاقتي به جيدة ونجلس معاً ونتحدث، وأبو بدر في الحقيقة طيب وشجاع وإنسان لديه تفاؤل، التنفيذ (الإعدام) ربما بعد ساعة لكن هو يتحدث معك ويقول لك: لا تُقلق نفسك، ولا تهتم، وهذا الموضوع لن يحصل. يعطيك طمأنينة ويريحك. كنت أتواصل من خلال عواد البندر، كلام يأتي ويذهب.

وهكذا كنا نتبادل السلام والكلام وغيرهما. بعدها كان سلطان هاشم، وزير الدفاع العراقي، الله يرحمه ويغفر له، وحسين رشيد، الله يفرج عنه، فريق أول ركن أمين سر القيادة العامة للقوات العراقية، وهو لا يزال في المعتقل وتجاوز عمره 85 سنة... كان حسين رشيد وسلطان هاشم، الله يرحمه، أُرسل معهما كلاماً ويأتي كلام من خلالهما، رسائل شفهية، إضافة إلى أنني كنت أرسل كتباً للسيد الرئيس.

جمال مصطفى السلطان على أوراق اللعب التي أصدرها الجيش الأميركي لقادة النظام المطلوبين

كتب متنوعة، خصوصاً التاريخية التي كانت عندي في المعتقل، إضافة إلى أنه كان يأتيني منه بعض السيجار الذي يحمل توقيعه. يوقّع على السيجار ويرسله لي لأتأكد أن الكلام وصل وما زلت أحتفظ بعدد من السيجار المرسل منه.

سيجار كوبي موقّع عليه بيده داخل المعتقل. وكنت أبعث السيجار إلى أسرتي مع المحامي الأستاذ بديع عارف، الله يرحمه، وكان يستغرب كيف وصلت هذه الرسائل وهذا السيجار فأقول له: أستاذ هذا الموضوع دعه بيننا الآن ولا تتحدث به ودعنا سائرين لأنني إذا قلت لك عن السبيل ربما يضيع السبيل علينا. دعنا نتبادل الرسائل والحاجات.

تسألني عن معنويات الرئيس في المعتقل. نحن نعرف السيد الرئيس، الله يرحمه، بشكل دقيق، والعراقيون والعرب والمسلمون أيضاً يعرفونه. يعرفون أنه رجل شجاع وثابت ثبات الجبال لا تهزه العواصف ولا تزيله القواصف. ثابت ومعروف عنه هذا الجانب. لذلك، نحن نتحدث عن شجاعته وبطولاته وعقليته وأملنا الكبير به وكنا معولين عليه لتحرير العراق من خلال وجوده خارج السجن، فكان الحديث يدور بشتى الطرق.

وليس سراً أن الرئيس كان يتوقع أن يُعدم. بصورة عامة، كل الذين دخلوا السجن بمن فيهم أنا، لم يغب عن بالنا هذا الموضوع، إذ يمكن إلصاق أي تهمة لتبرير الحكم والإعدام. لم يغب ذلك عن بالي، لأن المحكمة مجرد مسرحية وبنيت وأسست من قبل الأميركيين وبأوامر إيرانية، وتنفذ بأيادي عملاء عراقيين لإرضاء أسيادهم الإيرانيين والأميركيين. فهي أداة للانتقام من النظام السابق».

مع صدام في الدجيل

كان جمال مصطفى إلى جانب صدام حسين حين تعرض لمحاولة اغتيال في الدجيل واستدعي إلى المحكمة، وها هو يتذكر: «موضوع الدجيل تناقلته آنذاك وسائل الإعلام ثم المحكمة لاحقاً. تم الحديث عن الموضوع وبالكثير من التفاصيل. الرجل، الله يرحمه ويغفر له، زار الدجيل مثلما كان يزور أي مدينة أو قرية في العراق. زارهم والتقى المواطنين الذين احتفوا ورحبوا به. تحدث مع المواطنين وكانت بينهم امرأة. نحن عندنا عادة كلما زار السيد الرئيس قرية أو مدينة ذبحوا خروفاً. أتذكّر أن المرأة دمغت السيارة بكفها وأصبح هناك أثر دم على السيارة. نحن في هذه الأثناء نعرف أن هذه يمكن أن تكون إشارة ممكن بحسن نية، ولكن نحن لا نترك الأمور سائبة لحسن النية، فبدّلنا بسيارته، الله يرحمه، سيارة أخرى. عاد الرئيس إلى سيارته ومشينا باتجاه الطائرات للعودة إلى بغداد.

وفيما نحن نسير باتجاه الطائرات تعرّض الموكب لإطلاق نار من البساتين، وكان إطلاق النار كثيفاً وبأسلحة متنوعة. نزل الرئيس في هذه الأثناء من السيارة، وأصيب عدد من السيارات ووقع جرحى. بدأ الرئيس يتمشى مع المواطنين حتى يشيع جواً من الطمأنينة وعدم الخوف. راح يتحدث مع المواطنين ثم رجع إلى السيارة فاستقلها ورجع إلى المكان نفسه الذي ألقى فيه الخطاب للمواطنين والتقاهم وألقى فيهم خطاباً، وبعدما ألقى خطابه رجع وركب الطائرة وعدنا إلى بغداد.

بعد عودتنا ألقي القبض على عدد من الموجودين الذين شاركوا في هذه العملية. وبعد ساعة من هذه المحاولة الفاشلة، أوحى (الرئيس الإيراني الراحل) هاشمي رفسنجاني خلال زيارته إلى سوريا بأنهم هم من حاولوا اغتيال الرئيس العراقي الله يرحمه. أعلنها من دمشق. و(هذا) دليل قاطع على أن إيران وراء العملية، وهم من كانوا يسعون إلى اغتياله. يعرفون أنهم إذا اغتالوا السيد الرئيس يصبح العراق بأيديهم. حوكم المشاركون وأعدموا.

استدعيت إلى المحكمة بعد الاحتلال الأميركي. الحقيقة أول ما دخلت رأيت السيد الرئيس جالساً في المحكمة، فسلّمت عليه وأتذكر بالضبط ما قلته: «السلام عليكم يا أبي وعمي وقائدي العزيز الغالي». بالضبط هذا كان كلامي للسيد الرئيس عندما دخلت وسلّمت عليه. أديت اليمين وبدأت شهادتي.

أتذكر أنني استحضرت أشياء، قلت لهم هي سلسلة انفجارات حصلت في العراق، وهي ليست القضية الأولى في العراق وإنما قضايا كثيرة حدثت من قبل عملاء إيران وسلسلة من الانفجارات التي حصلت في بغداد وقلت لهم عن جامعة المستنصرية وأشياء أخرى. بماذا أجابني القاضي؟ قال لي: نحن لسنا بصدد هذا الموضوع حتى نتحدث عنه لنقول إنها إيران أو لا، أنا بصدد الآن أنك آتٍ لتدافع عن هذا المتهم، فجاوبته: نعم، السيد الرئيس متهم ومجرم منذ زمن بعيد بالنسبة إلى أعداء العراق والأمة ولكنه قائد وابن بار للعراق وللأمة.

تسألني إن كنت عوقبت لأنني صهر الرئيس وجوابي هو نعم. بقائي لمدة 18 سنة ونصف السنة في السجن هذا أحد أسبابه. هم بطريقتهم وفهمهم وحقدهم جاءوا فقط لأغراض الانتقام، لذلك هذا شيء بالنسبة إليهم جريمة، جريمة كبرى. دفعت ثمناً، ولكن هم حاولوا أن ينتقموا مني بهذه الطريقة وأبقوني طوال هذه المدة في السجن. وحقيقة لم تبق تهمة لم يوجهوها لي وبينها أنني أقود المقاومة من داخل المعتقل.

الزنزانة والاتهامات

لفقوا لي تهماً كثيرة. قالوا لكونك صهر صدام حسين وعندك علاقات متميزة مع شيوخ عشائر ورياضيين ومواطنين يمكن إذا طلعت أن تعمل علينا انقلاباً، لذلك يجب أن تكون في السجن ولا تخرج منه، بل يجب أن تموت فيه. هذا الكلام قاله عراقيون. الأميركيون قالوا لن تخرج للأسباب التالية التي ذكرتها لك، لكن العراقيين أضافوا: «يجب أن تموت في السجن لأنهم جاءوا لأغراض الانتقام، وهم لم يبقوا تهمة لم يتهموني بها منها، أنني قائد المقاومة، وقائد (ثوار العشائر) وقائد (جيش عمر) وقائد (جيش أبو بكر) وقائد (جيش محمد)».

أكثر من 10 تهم، يأخذونني إلى المحكمة ثم أدافع عن نفسي بقوة وثبات وشجاعة، وحين تتأكد براءتي يطلقون تهمة أخرى. كانت الهيئة الاستشارية للأمن الوطني مسؤولة عن 3 أجهزة هي المخابرات، والأمن الوطني، والاستخبارات. هذه الأجهزة الثلاثة كانت تراقبني داخل السجن، وتراقب كل خطواتي وكان لديهم عناصر داخل السجن لمراقبتي. هذه الأجهزة كانت تتهمني. مثلاً يتهمني جهاز المخابرات بقضية وعندما تنتهي يبدأ جهاز الأمن الوطني بقضية، ثم يبدأ جهاز الاستخبارات بقضية، وهكذا. عزلوني عن جماعتي - جماعة النظام السابق - لمدة 7 سنوات لكوني صهر صدام حسين والأخطر من بين كل السجناء، عزلة كاملة. لا ألتقي بسجين ولا بأيٍّ كان.

كان طول الزنزانة 3 أمتار ونصف المتر وعرضها 3 أمتار، والمرحاض. ساهم في مساعدتي عدد من الحراس الذين كانوا يحترمونني كثيراً ويقدرونني ويتعاملون معي باحترام كبير لأنهم يعرفونني من خلال عملي في الرياضة وعلاقاتي الواسعة في هذا الوسط. أتذكر في 2018، جاء مدير جديد للسجن اسمه عبد الرحمن، إنسان عراقي أصيل ليست لديه أدران وأحقاد تجاهنا. كان رجلاً مهنياً. زارني وقلت له إن المعتقلين والسجناء في هذا السجن كلهم محكومون بالإعدام. أنا لست معهم ومعزول عنهم ولا ألتقيهم، ولكن في هذا السجن الذي تعدونه مهماً جداً لكم وتعدونه رقمَ واحد تضعون فيه كل المحكومين بالإعدام. كلهم محكومون بالإعدام ورغم ذلك تعطونهم تليفونات وتسمحون لهم بالتواصل مع عوائلهم هاتفياً وتصل إليهم رسائل ولديهم مواجهات مع عوائلهم وكذلك لديهم محامون يلتقون بهم، بينما أنا لا أحصل على أي شيء من هذا.

قلت له: «أنا لا أتحدث عن حقي بصفتي سجيناً. على الأقل لصالحكم لتقولوا نحن نسمح له بأن يبعث رسائل، أنا أريد أن أبعث رسائل من خلالكم إلى أخي. فقال: طبعاً هذا حقك، حق مشروع، ثم بعثت رسائل، اثنتين أو ثلاثاً، من خلاله إلى أخي، ثم بعد فترة، حسبما فهمت، جهاز الاستخبارات الذي يراقب اتهمه بأنه أوصل لي رسائل. كان الأمر قانونياً والرجل لم يخترق القانون. فاعتقلوه ووضعوه في السجن، ثم بدأوا يحققون معه. حاولوا أن يتهموه بأنني أعطيته رشوة وحاولوا اتهامه بأنني أسرّب من خلاله رسائل إلى المقاومة وسعوا إلى تحويله شاهداً ضدي، لكن أراد الله شيئاً آخر فتوفي الرجل في السجن من التعذيب والأذى الذي حصل له. كان كثيرون من العراقيين متفانين في مساعدتي، لأنهم يعرفونني عن قرب ويعرفون أن وجودي كله (في المعتقل) ظلم وافتراء.

تصوّر أنني اتهمت بجريمة قتل في أثناء وجودي في المعتقل. زعموا أنني كلفت شخصاً بإعداد سيارة مفخخة وتفجيرها بالمقدم محمد الموسوي وهو يعمل في الشرطة أو المرور. يعرفون أنني في المعتقل ولكن أعتقد أن الحقد أعماهم. أنا لا أعرف من هو الموسوي ولم يسبق أن سمعت به».

كتمت القيادة دموعها وشاركنا طارق عزيز في صلاة الغائب

سألته عن لقاء آخر مع الرئيس فأجاب: «أنا رأيته مرتين (بعد الاعتقال). وكان ألمي كبيراً عندما رأيته لأن السيد الرئيس بالنسبة لي شيء عظيم، هو قدوتي. وألمي الشديد لأنني وجدته في مكان يحاول فيه بعض العملاء إيذاءه. كان رجلاً كالأسد وثابتاً على مبادئه التي نشأ عليها وناضل وضحّى من أجلها، حقيقة هذا أول لقاء. واللقاء الثاني، مثلما ذكرت لك، كان في قاعة المحكمة.

اللقاء الأول كان في السجن. معنوياته كانت عالية، وهو معروف بشجاعته وثباته أنه رجل لا تلقى إنساناً بمستواه من الشجاعة والثبات والإقدام.

نعم الرئيس تعرض للتعذيب. أعلن في المحكمة أنه تعرض للتعذيب. وأيضاً آخرون من القيادات العراقية تعرضوا للتعذيب مثل الأستاذ طه ياسين رمضان الذي كنت بين فترة وأخرى أتحدث إليه. تعرض للتعذيب. وبعض الإخوان تعرضوا للتعذيب أيضاً. في البداية على يد الأميركيين لأننا كنا لدى الأميركيين ولمدة طويلة حتى 2008 عندما التحق القسم الأول بالعراقيين، ثم القسم الثاني في 2010، ثم القسم الآخر في 2011 و2012. الأستاذ طارق عزيز تعرض أيضاً للتعذيب النفسي».

صدام خلال محاكمته في قضية الدجيل (غيتي)

متى عرفت وأنت في المعتقل أن صدام حسين قد أعدم، وهو عمك ووالد زوجتك ورئيس العراق؟

أجاب: «كنا في قاطع أغلب الموجودين فيه لهم صلة بالرئيس، الله يرحمه. مثلاً كان معي الفريق الركن كمال، أخي، حجي عبد، خالي علي حسن المجيد، ابن عم الرئيس، سبعاوي إبراهيم، إضافة إلى بعض الموجودين من الأقرباء الآخرين، والقياديين طارق عزيز، سلطان هاشم، طه ياسين رمضان، عواد البندر. نحن عادة نشعر بشيء يحصل أو سيحصل. كان لدينا راديو أعطانا إياه الأميركيون نسمع به أخباراً. عندما استيقظنا صباحاً لم نجد الراديو في مكانه. وبالوقت نفسه وجدت أن بين الحراس مترجماً. هذا يعطيك مؤشراً بأن هناك حدثاً ما حاصل.

نعم، المترجم كان جالساً مع الحراس. في الأيام الاعتيادية يوجد الحراس فقط من دون مترجم، ولكن وجود المترجم يعطيك مؤشراً آخر أن هناك حدثاً. ثم غياب الراديو. هذان الأمران يعطيانك مؤشراً. القاطع الذي أمامنا لم يأخذوا منه الراديو. سمعنا بعض الكلام منهم وبعض الانزعاج، سمعنا منهم أن هذا اليوم تم تنفيذ حكم الإعدام واستشهاد السيد الرئيس القائد الله يرحمه. حقيقة، تألمنا كثيراً، وأنا أول الموجودين ورحت أمشي في المكان والمترجم قريب مني والحرس، وقلت التالي: صدام حسين خالد خلود عمر المختار والقادة العرب الكبار، ومن الآن فصاعداً هو رمز وأيقونة للشجاعة والبطولة والتضحية والفداء لكل العراقيين والعرب والمسلمين، وهو خالد خلود كل قادة العرب. المترجم كان يسمع ويترجم لهم لكنه كان رجلاً هادئاً وكان الحراس هادئين ولم يصدر منهم أي شيء. الفريق كمال أيضاً شاطرني الكلام نفسه وراح يتحدث بالروحية نفسها والطريقة نفسها، ثم صلينا صلاة الغائب عليه، رحمه الله.

كلنا حضرنا صلاة الغائب بمن فينا طارق عزيز، وهو رجل مسيحي، لكنه كان من قادة العراق البارزين. كان لدى الجميع شعور عارم بالصدمة. استشهاده كان صدمة لكل العراقيين الوطنيين الشرفاء والعرب والمسلمين وكانت في الوقت نفسه خسارة عظيمة لأنه هو جدار الصد للأعداء. فكان الكل بانياً عليه أملاً، وفي الوقت نفسه كانت خسارة عظيمة. فالكل كان يشعر بهذا الشعور والألم.

حاول الجميع ضبط مشاعرهم أمام الخسارة. ولكن حقيقة، نحن الرجال، نخجل من أن نبكي رغم أنه أمر طبيعي. وعندما يريد أحد أن يقوم بهذا الموضوع يعزل نفسه في جانب ما حتى لا يُشاهد.

لم يكن خالي علي حسن المجيد في تلك اللحظة إلى جانبي لأنه كان في قاطع آخر، لكن هو أيضاً كان محكوماً بالإعدام وكانوا بين فترة وأخرى يأخذونه لتنفيذ الحكم، ولكنني رأيته رجلاً ثابتاً وشجاعاً وكان هو أيضاً يعطيني شيئاً من الاطمئنان. كان يقول نحن كلنا سائرون على هذا الدرب، ولطالما شعرنا بأننا سنستشهد في أي لحظة، ليس الآن بل منذ كنا مناضلين ونقاتل في كل الحروب التي خضناها.

وبصورة عامة كل من شارك في تلك المرحلة نجا من الاستشهاد مرات عدة. ليس مرة ومرتين، مرة نجوا من قنبلة ومرة من رصاص لكننا نجونا بفضل الله سبحانه وتعالى. تعرضنا لمخاطر كثيرة، لذلك الكل يشعر بهذا الأمر، أنه مؤمن والقدر مكتوب. إذا كتب لك الله أن تستشهد فتستشهد».

قبور صدام وعدي وقصي في عهدة رجال موثوقين

سألته عما إذا كان لتوقيت عملية الإعدام وقع خاص وعما تردد عن الجثة والقبر، فأجاب: «مؤكد كان لتاريخ تنفيذ الإعدام وقع خاص وكان القصد إذلال العرب والمسلمين لأن الإعدام نفّذ يوم عيد الأضحى، فكل العرب والمسلمين يتأثرون تأثراً كبيراً لأن المقصود إيذاؤهم نفسياً وإذلالهم. هذا هو الموضوع.

الجثة نقلت في وقتها إلى مكان، حسبما وصلنا من روايات وسمعنا، هو منزل نوري المالكي (رئيس الوزراء السابق)، وهو من التابعين لإيران، وكان عنده حفل زفاف لابنه، حسبما يدّعون. نُقلت إلى المكان للانتقام، وأشير إلى هذه النقطة لأنهم لم يأتوا لخدمة العراق وتقديم شيء للعراق غير الانتقام وتدميره.

بعدها نُقلت الجثة إلى تكريت إلى صلاح الدين، وتحديداً العوجة مسقط رأس الرئيس ودُفن هناك. كان العزاء موجوداً وكان زوّار من كل أنحاء العالم والعراق يزورونه، الله يرحمه، لفترة طويلة. مكان القبر الآن غير معروف ولأسباب معروفة، لأننا نتعامل مع صغار القوم وفي الوقت ذاته أكبر الناس الحاكمين. هدفهم وغايتهم وغرضهم القتل والانتقام. الأمر نفسه بالنسبة إلى قبرَي عدي وقصي. القبور موجودة في عهدة أناس موثوقين مائة في المائة».

أرسلت إلى الرئيس المحتجز الكتب وأرسل لي السيجار مع توقيعه

جمال مصطفى السلطان