هل يدفع تفشي الكوليرا إلى الاستثمار في لقاحات المقاومة؟

«الصحة العالمية» أكدت أن المرض يشهد انتشاراً واسعاً

المياه الملوثة المصدر الرئيسي للإصابة ببكتريا «ضمة الكوليرا»
المياه الملوثة المصدر الرئيسي للإصابة ببكتريا «ضمة الكوليرا»
TT

هل يدفع تفشي الكوليرا إلى الاستثمار في لقاحات المقاومة؟

المياه الملوثة المصدر الرئيسي للإصابة ببكتريا «ضمة الكوليرا»
المياه الملوثة المصدر الرئيسي للإصابة ببكتريا «ضمة الكوليرا»

قبل أيام سلطت أزمة الزلزال التي ضرب تركيا وسوريا الضوء على أهمية توافر مخزون عالمي كافٍ من لقاحات مرض الكوليرا، عقب تقارير تحدثت عن تأثير الزلزال على البنية التحتية في الشمال السوري، الذي كان يعاني في الأساس من تفشي المرض، غير أن منظمة الصحة العالمية، تحدثت (الثلاثاء)، عن «تفشٍّ أوسع من الشمال السوري».
وقال فيليب باربوزا، رئيس فريق مكافحة الكوليرا في منظمة الصحة العالمية لصحيفة «التلغراف» البريطانية، إن «العدوى، المنقولة بالمياه، والتي ارتبطت منذ فترة طويلة بالفقر، وقلة النظافة، وسوء الصرف الصحي، تفشت حالياً فيما لا يقل عن 30 دولة، بما في ذلك الكثير من البلدان التي لم تشهد المرض منذ سنوات».
وبينما يعاني العالم من هذا التفشي غير المسبوق، منذ عقدين من الزمان، كما أوضح باربوزا، فإن هناك نقصاً عالمياً في لقاحات الكوليرا الفموية، الأمر الذي دفع مجموعة التنسيق الدولية لتوفير اللقاحات، التي تشرف على المخزون العالمي من اللقاح، إلى التوصية في أكتوبر (تشرين الأول) بإعطاء جرعة واحدة، بدلاً من اثنتين، عند معالجة حالات تفشي المرض.
ولا يرتبط هذا النقص من جرعات اللقاح بحدوث تفشٍّ كبير للمرض، استهلك المخزون العالمي منه، لكنه يرجع بشكل أساسي إلى «عدم اهتمام مصنّعي اللقاحات العالميين بإنتاج لقاحات الكوليرا وتوزيعها»، كما يوضح محمد عز العرب، استشاري الكبد والجهاز الهضمي والمستشار الطبي للمركز المصري «للحق في الدواء». ويقول عز العرب لـ«الشرق الأوسط»، إن «لقاح الكوليرا الفموي رخيص، ما يتطلب مبيعات كبيرة لتحقيق أرباح، وهو أمر خارج جدول أعمال معظم الشركات في البلدان ذات الدخل المرتفع».
وتاريخياً، أنتجت (شانتا بيوتكنيكس)، وهي شركة هندية تابعة لشركة (سانوفي) الفرنسية، نحو 15 في المائة من الإمداد العالمي بلقاح الكوليرا الفموي (شانشول)، غير أنها أعلنت العام الماضي أنها ستتوقف عن إنتاج لقاح الكوليرا بحلول نهاية عام 2022، وعن توزيعه بحلول نهاية عام 2023.
وأصبحت هناك شركة واحدة فقط تنتج لقاحات الكوليرا، وهي «إيوبيولوجكس» الكورية الجنوبية، ورغم أنها أعلنت «تطلعها لزيادة الإنتاج في السنوات المقبلة، فإن العملية قد تستغرق وقتاً طويلاً».
والحل الذي يراه عز العرب لهذه المشكلة هو «الإنتاج المحلي لهذه اللقاحات، والذي يمكن أن يتحقق إذا تم الضغط على صانعي اللقاحات، لإتاحة براءات الاختراع الخاصة بهم، حتى تدخل الكثير من الشركات الوطنية في مجال التصنيع».
واتفق محمد الحديدي، الأستاذ في برنامج العلوم الطبية بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، مع ما ذهب إليه عز العرب، مؤكداً «أهمية زيادة المخزون العالمي من أي لقاح، لأن التغيرات المناخية لم تجعل هناك أي حدود للأمراض». ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إنه «إذا كانت الكوليرا توصف بأنها مرض البلدان الفقيرة، فهل هناك من يضمن النجاة من تداعيات التغيرات المناخية مثل الفيضانات التي تدمِّر البنية التحتية، وما يتبع ذلك من احتمالات كبيرة لانتشار الكوليرا وغيرها من الأوبئة»، ويحمّل الحديدي «(الصحة العالمية) مسؤولية البحث عن حلول لزيادة مخزون اللقاح».
من جانبه، يقول حسن قمرول، رئيس وحدة اللقاحات بمكتب إقليم شرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية لـ«الشرق الأوسط»، إن «مخزون الطوارئ لدى المنظمة كان حاسماً للغاية، وسمح لها بالاستجابة لتفشي المرض في بعض البلدان، ونظراً لمحدودية المخزون تم تنفيذ حلول مؤقتة مثل المباعدة بين إعطاء الجرعتين خلال الفترة الموصى بها للتعامل مع الأزمة».
ويوضح أن «التعليق المؤقت لاستراتيجية الجرعتين يعد حلاً طارئاً، ولكن مع استمرار الحالة الوبائية في التدهور، وصلت الحلول المؤقتة إلى حدودها، ولم يعد هناك بديل عن زيادة الإنتاج».
ويضيف أن «مصنّعي اللقاحات ينتجون بأقصى طاقتهم الحالية لتوفير 2.5 مليون لقاح شهرياً، ولكن هذه الكمية غير كافية ونبحث عن حلول بديلة تؤدي لزيادة الإمدادات».


مقالات ذات صلة

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي ليس مجرد صداع عادي يعاني منه الجميع في وقتٍ ما، بل هو اضطراب عصبي معقد يمكن أن يُشعر المريض وكأن العالم قد توقف.

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (جدة)
صحتك استشارات طبية: المغنيسيوم والنوم... وعدم تحمّل دواء خفض الكوليسترول

استشارات طبية: المغنيسيوم والنوم... وعدم تحمّل دواء خفض الكوليسترول

ما تأثير تناول المغنيسيوم الغذائي بالعموم، أو أقراص مكملات المغنيسيوم، على النوم؟

د. حسن محمد صندقجي

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».