«رائحة الألفة» دعوة تشكيلية للتقارب بين البشر

الفنان المصري مصطفى ربيع قدم 36 لوحة في معرضه بالبحرين

«رائحة الألفة» دعوة تشكيلية للتقارب بين البشر
TT

«رائحة الألفة» دعوة تشكيلية للتقارب بين البشر

«رائحة الألفة» دعوة تشكيلية للتقارب بين البشر

كان الرسامون الهولنديون أول من استحدث محاكاة الحياة اليومية في لوحاتهم في منتصف القرن السادس عشر الميلادي؛ لينتشر بعد ذلك هذا النوع من الرسم في مختلف أنحاء أوروبا؛ فظهر رسامون إيطاليون وفرنسيون يهتمون برسم مشاهد من الحياة اليومية، محملةً بالدفء والمشاعر النبيلة عبر عشرات القصص المرئية التي تجسد روعة أن تكون الحياة بسيطة وسلسة تغمرها الطمأنينة والأمان، و«رائحة الألفة».
وعلى مدار تجربته الفنية التي بدأها عام 2009 قدم التشكيلي المصري مصطفى ربيع حفنة من الانفعالات الإنسانية في استجابتها الفطرية للتقارب بين البشر، والإحساس بالآخر ومساندته، إلا أنه في أحدث معارضه «رائحة الألفة» بغاليري «folkartspace» في دولة البحرين، يتخطى ذلك وقد أصبحت تجربته أكثر نضجاً، ليؤكد لنا كيف يمكن للفن أن يجعلنا أكثر تصالحاً مع الحياة وقدرةً على مواجهة ما فيها من صعاب من خلال «السند العائلي» والمشاعر الحميمية.

تسرد اللوحات حكايات الحياة الروتينية لأناس عاديين، لكنها في الوقت نفسه تبرز مدى جمال حياتهم البسيطة الدافئة.
يقول مصطفى ربيع لـ«الشرق الأوسط»: «استمد عالمي الفني من تأمل الحياة المصرية اليومية، ونظرتي الخاصة لواقع مرئي عشت وما زلت أعيش فيه منذ بداية نشأتي، حيث قوة الروابط الأسرية، فضلاً عن الحواديت والقصص والأساطير الشعبية التي كنت أسمعها بشكل دائم من جدتي في بيتها بصعيد مصر».
عندما يرسم ربيع يعود إلى الماضي البعيد؛ يقول: «أرجع إلى دفء الأسرة وبراءة الطفولة، والونس في بيت العيلة، المتسع الذي عشت فيه مع أناس طيبين يتمتعون بمشاعر فياضة صادقة، مسكونة بالحب والحنان والفرح، والعطاء الإنساني المستمر».

عند التدقيق في لوحات المعرض التي يبلغ عددها 36 لوحة نجد أن الشخوص الذين يقدم لنا «حكاويهم» رغم بساطة بيوتهم فإنهم يعيشون في سعادة غامرة وراحة بال واضحة، فلا تكاد تشكل حياتهم العادية عائقاً أمام مباهجهم البسيطة والطمأنينة التي تسكن قلوبهم قبل بيوتهم، فنجدهم يتشاركون لحظات من البهجة أثناء الحديث والصمت وتناول الطعام والشراب وممارسة الهوايات وأبرزها الموسيقى التي يعشقها الفنان.
«وقد يكون هؤلاء الشخوص أقارب أو جيرانا أو أصدقاء أو حتى زملاء عمل، ليس ذلك ما يعنيني، المهم بالنسبة لي أن مشاعر الدفء والأمل تجمعهم، وأن أعمل على تعظيم طاقات المشاعر والأحاسيس المجردة من المصالح والصراعات في أعمالي»... هذه الرؤية الفكرية لربيع جعلت المشاعر تنبثق بعفوية وعذوبة على مسطح لوحاته، لتنجح أن تبث في نفس المتلقي طاقة من الإحساس بالجمال، وكأنه أراد أن نبدأ في الحياة حياة أخرى!

ولأن «التفاؤل أفيون الشعوب» كما جاء في رواية «المزحة» للروائي التشيكي كونديرا فإن ربيع جعل أجواء المرح والطرافة واللطافة هي ما يسيطر على بيوت شخوصه في لوحاته، فجعلها محملةً بالألوان الصادحة القوية، وحيوية الزخارف، والخطوط التي تتمايل في دلال؛ لينجح من خلال هذا الجو الدافئ للتجمعات الإنسانية والمرسوم بنبض الحياة في أن يأخذ الأنفاس.

إمعاناً في الخروج عن الأطر المعيشية التقليدية «المتنشية» يكسر ربيع القواعد الفنية المتعارف عليها؛ إذ يفضل دوماً أن يعيش بـ«روح الطفل» على حد تعبيره، حتى أثناء الرسم، وللسبب نفسه اختار ألواناً مبهجة فمن خلالها يقدم الإحساس بالعفوية التي تتسق مع أفكاره وتخدمها، ومن اللافت أنه يفضل كذلك اللوحات ذات المساحات الكبيرة: «بالنسبة لي مهمة للغاية؛ لأنها تسمح لي بمساحات أكبر للعب والحركة والخيال، والتعبير عن المضمون والمشاعر؛ هي بالنسبة لي كل الحرية».
يعتز مصطفى ربيع بالعرض في البحرين، ويقول «إنها تجربة مهمة للغاية بالنسبة لي؛ لأنني لمست لكم يتمتع جمهورها بحب الفن وتذوق الجمال، وسعدت كثيراً باستقبالهم لي ولمعرضي الذي فتح أمامي آفاقاً واسعةً للحوار الجاد حول القضايا الفنية، وأن يتعرف جمهور عربي عزيز على أعمالي».



«مسرح مصر» لإعادة الوهج إلى شارع عماد الدين بالقاهرة

«مسرح مصر» أحدث دور العرض في شارع عماد الدين وسط القاهرة (البيت الفني للمسرح)
«مسرح مصر» أحدث دور العرض في شارع عماد الدين وسط القاهرة (البيت الفني للمسرح)
TT

«مسرح مصر» لإعادة الوهج إلى شارع عماد الدين بالقاهرة

«مسرح مصر» أحدث دور العرض في شارع عماد الدين وسط القاهرة (البيت الفني للمسرح)
«مسرح مصر» أحدث دور العرض في شارع عماد الدين وسط القاهرة (البيت الفني للمسرح)

يستعد البيت الفني للمسرح في مصر لضم دار عرض جديدة هي «مسرح مصر»، في خطوة من شأنها المساهمة في إعادة الوهج الفني إلى شارع عماد الدين (وسط القاهرة)، وفق مراقبين، وهو الشارع الذي كان مشهوراً في الماضي بكثير من الأنشطة الفنية ودور العرض السينمائية والمسارح أو «التياترو».

وتفقَّد رئيس البيت الفني للمسرح، المخرج هشام عطوة، الثلاثاء، مسرح مصر الذي يعدّ أحدث دور العرض، ومن المقرر افتتاحها فور الانتهاء من كامل أعمال المشروع، بغرض متابعة المشروع للعمل علي سرعة تشغيله.

ووجه رئيس البيت الفني للمسرح بسرعة الانتهاء من المشروع كاملاً، للتمكن من افتتاحه واستقبال العروض المسرحية الجديدة، وفقاً لخطة عمل ذات طبيعة خاصة تتناسب والمسرح المجهَّز بأحدث التقنيات الفنية، لافتاً إلي تميز موقعه الجغرافي»، وفق بيان للبيت الفني للمسرح.

وأكد عطوة الذي تولى رئاسة البيت الفني للمسرح قبل أيام، أهمية العمل في المستقبل علي دخول مزيد من دور العرض المسرحي الجديدة للخدمة، تنفيذاً لسياسات وزارة الثقافة الهادفة إلي انتشار الخدمة الثقافية.

شارع عماد الدين قديماً (صفحة الجهاز القومي للتنسيق الحضاري)

ويرى أستاذ النقد والدراما بأكاديمية الفنون المصرية، الرئيس الأسبق للمركز القومي للمسرح، الدكتور أسامة أبو طالب، أن «العمل على افتتاح مسرح مصر بشارع عماد الدين أمر في غاية الأهمية للحركة المسرحية المصرية والعربية»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «أتمنى كل التوفيق للفنان هشام عطوة بعد توليه رئاسة البيت الفني للمسرح، وأثق بأنه سيبذل قصارى جهده لتحريك المياه الراكدة، لأن الحالة الحالية للمسرح المصري ليست حالة نهضة وإنما أشبه بالشعلات والومضات المسرحية التي تتوهج وما تلبث أن تنطفئ».

وتضم مصر 41 مسرحاً، وفق تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تضمن وصول متوسط عدد المشاهدين إلى 512 ألف مشاهد، كما بلغ متوسط الإيرادات الإجمالية للمسارح العامة 44 مليون جنيه خلال عام 2022.

وأشار التقرير إلى وصول عدد الفرق المسرحية في مصر إلى 75 فرقة، وبلغ عدد العروض التي قدمتها الفرق 2442 عرضاً، وبلغ عدد مشاهدي الفرق المسرحية 375 ألف مشاهد في العام المشار إليه.

ولفت أستاذ النقد والدراما إلى أن «الثقافة المسرحية التي يغلب عليها طابع المهرجانات تظل موسمية وليست مستدامة»، ودعا إلى إعادة فتح قنوات بين الجمهور والمسرح، موضحاً أن «مسرح مصر هو إضافة، وبالتأكيد هو معدٌّ إعداداً جيداً، ولكن تجب دراسة برنامجه، ومعرفة ما الذي سوف يُقدم في إطار حركة مسرحية شاملة، قوامها جودة ما يقدَّم واختلافه عن المسارح الأخرى، مسارح التسلية».

وشدد على أنه «يجب تقديم مسرح جاد ناهض ممتع وجاذب لكل فئات المجتمع، وانتقاء ما يقدَّم، والاهتمام بالشباب الذين برزوا في أعمال كثيرة».

شارع عماد الدين في وسط القاهرة المعروف قديماً بشارع الفن (إكس)

ويعدّ شارع عماد الدين من الشوارع الرئيسية في وسط القاهرة، وشهد فترة ازدهار فني كبيرة، وكان يُعرف بشارع الفن في بدايات القرن العشرين، وبه كثير من البنايات العتيقة ذات الطراز المعماري المميز، وكان يضم أكثر من 15 مسرحاً و11 دار عرض سينمائية، ومن أشهر مسارحه القديمة «الماجستك» و«نجيب الريحاني»، ومن أشهر دور العرض السينمائي به «كوزموس» و«بيجال»، وأطلق البعض عليه «برودواي مصر»، وعدَّه بعض المؤرخين خصوصاً في المجال الفني يقابل حي «ويست إند» في لندن أو «بوليفار» في باريس، في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي، حتى إن الشوارع المتفرعة منه تحمل أسماء فنانين مثل: علي الكسار، ونجيب الريحاني، وزكريا أحمد.

وأكد أبو طالب أن «شارع عماد الدين بداخله كنز اسمه تاريخ السينما والمسرح المصري، فكان بحق شارع الفن، وأتمنى أن يعود إلى سابق دوره، فقد كان هذا الشارع علامة في وسط البلد بدءاً من المقهى الكبير حتى (مقهى بعرة) الذي كان يجتمع عليه السينمائيون، وأتمنى أن يستعيد هذا الشارع رونقه، وتتوهج أضواء المسرح في القاهرة، كما كانت متوهجة خلال سنين طويلة مضت».